موقع عملية حوارة في نابلس (مواقع التواصل)
عاطف دغلس
نابلس- في المنطقة الأكثر حساسية والأخطر أمنيا جنوب مدينة نابلس، وتزامنا مع قمة العقبة، وبعد 5 أيام من ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي "مجزرة نابلس"، نُفذت ظهر اليوم الأحد "عملية حوارة"، والتي أسفرت عن مقتل مستوطنين اثنين يقطنان مستوطنة "هارا براخا" قرب حوارة، في حين لا يزال المنفذ حرا طليقا.
ورغم أن "عملية حوارة" أو غيرها من أعمال المقاومة الفلسطينية متوقعة بالنسبة للاحتلال قبل غيره، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية، ولا سيما في مدن شمال الضفة الغربية، فإن عملية حوارة -كما يطلق عليها فلسطينيا- فاجأت الكل بمكانها وآليتها وتوقيتها وسرعة تنفيذها.
ووسط شارع حوارة وقعت العملية، في مكان يوصف بأنه مربع أمني لجيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، فهو يبدأ بحاجز حوارة العسكري وينتهي بنظيره حاجز زعترة، وتعلو طرفيه مستوطنات وبؤر استيطانية، كـ"يتسهار" و"هار براخا" الأكثر تطرفا وعنفا، فضلا عن "معسكر حوارة" الذي يتخذ منه جيش الاحتلال مقرا له ومركزا مؤقتا لتوقيف الأسرى الفلسطينيين والتحقيق معهم.
عملية حوارة فاجأت الاحتلال بمكانها وتوقيتها وسرعة تنفيذها (مواقع التواصل)
هكذا انسحب المنفذ من الموقع
وبصورة أكثر تفصيلا، يمتد شارع حوارة بين حاجزين (حوارة وزعترة) بطول 3 كيلومترات ويعد مركزا تجاريا مهما وحيويا لأهالي المنطقة، حيث تنتشر بين جانبيه عشرات المحلات التجارية والصناعية والمطاعم وتصليح المركبات، ويشترك في استخدامه الفلسطينيون والمستوطنون كحال كثير من شوارع الضفة الغربية.
وفي الآونة الأخيرة حوّل جيش الاحتلال الإسرائيلي شارع حوارة لـ"ثكنة عسكرية"، ونصب على جانبيه عشرات الأبراج العسكرية والحواجز المتحركة والثابتة، في محاولة لوقف هجمات الفلسطينيين كما يدعي، بينما يسمح للمستوطنين المتطرفين بشن اعتداءاتهم ضد المواطنين.
وحتى الجيش نفسه شكل داعما للمستوطنين ليس بحمايتهم فحسب، بل أيضا بقتله الفلسطينيين هناك، وكان أخطر ما قام به عندما قتل أحد ضباط الجيش الشاب الفلسطيني عمار مفلح عديلي (22 عاما) من قرية أوصرين المجاورة في مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي؛ وذلك بتصفيته بـ5 رصاصات أطلقها عليه من قرب بعدما أوقعه أرضا.
ونقلت قناة كان الإخبارية الإسرائيلية أنه عثر بموقع عملية حوارة على 12 رصاصة من عيار "9 مليمترات"، ما يعني أن المنفذ قد استخدم مسدسا أو سلاحا صناعة يدوية، وأطلق النار من مسافة صفر، وقد يكون انسحب سيرا على الأقدام.
جانب من شارع حوارة وفي الأعلى مستوطنة هار براخا حيث ينحدر المستوطنان القتيلان (الجزيرة)
إخفاق من كل النواحي
وقرأ المختص بالشأن الإسرائيلي، محمد أبو علان، خطورة العملية بتزامنها سياسيا مع عقد قمة العقبة في الأردن والتي تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين بحضور عربي متمثل بمصر والأردن ورعاية أميركية، ووصفها بأنها عملية "جريئة جدا" وقعت في مربع أمني وعسكري لجيش الاحتلال والمستوطنين.
وأضاف أبو علان أن العملية وقعت بين حاجزين (حوارة وزعترة) هما الأسوأ بين حواجز الضفة الغربية، وبينهما ينتشر الجنود المدججين بالسلاح ولا يبرحون المكان.
ورأى أبو علان أن تمكن المنفذ من إطلاق النار من مسافة صفر والانسحاب من الميدان يشكل ضربة لكل مكونات المؤسسات العسكرية الإسرائيلية، وإخفاقا استخباراتيا وعملياتيا، سواء بعدم قدرتهم على منع العملية المتوقعة أصلا، رغم استنفار الجيش أمنيا، أو باعتقال المنفذ وتحديد هويته.
وقال أبو علان إن العملية لم تأت ردّ فعل على نشاط ميداني معين وإنما جاءت بمبادرة المنفذ "والمبادر هو من يسيطر على الميدان وخاصة في الدقائق الأولى"، قائلا إنه حتى لو افترض أن العملية رد على عربدة المستوطنين على شارع حوارة "فهذا تحد آخر للاحتلال يؤكد خطورة العملية وحساسيتها الأمنية".
جنود الاحتلال ينتشرون في وقت سابق عند مدخل نابلس الغربي (الجزيرة)
"خيري علقم 2"
واعتبر أبو علان أن "عملية حوارة" هي النسخة الثانية من عملية الشهيد خيري علقم في القدس أواخر يناير/كانون الثاني الماضي والتي قُتل فيها 7 إسرائيليين وجُرح آخرون، مضيفا أن الأولى جاءت عقب "مجزرة جنين " والثانية جاءت بعد مجزرة نابلس الأخيرة، وهو ما يجعل "الإخفاق مضاعفا" عند الاحتلال الإسرائيلي.
وحول رد الفعل الإسرائيلي وخاصة في الساعات القادمة، أوضح أبو علان أنه لن يختلف عن سابقاته، لا سيما عبر نصب الحواجز وإغلاق الطرق والاقتحام والتفتيش لمنازل المواطنين وعربدة المستوطنين على الطرقات، وهذا نشاط يومي يعيشه الفلسطينيون أصلا.
ويطالب المستوطنون الحكومة الإسرائيلية -وفق أبو علان- بالخروج من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، كما أصدر يوآف غالانت وزير الحرب الإسرائيلية تعليماته بتكثيف الجهود لاعتقال المنفذ وتعزيز قوات الجيش في الضفة الغربية.
شارع حوارة يعد ثكنة عسكرية لجيش الاحتلال ومستوطنيه (الجزيرة)
ثكنة عسكرية
ويقول كمال عودة الناشط ضد الاستيطان في حوارة والمسؤول في مجلسها القروي إن الاحتلال منذ بدأت "أحداث العلم" (مستوطنون أزالوا العلم الفلسطيني من شارع حوارة) قبل نحو 8 أشهر؛ يشدد قبضته العسكرية على الشارع، بل حوله "لثكنة عسكرية".
كما اقتحم الجيش القرية عشرات المرات، وأغلق مداخلها وطرقاتها بالسواتر الترابية أكثر من 30 مرة خلال هذه المدة، وأوقع العديد من الإصابات بالرصاص الحي والمطاط "بينما شنّ مستوطنون أكثر من 100 اعتداء طالت المواطنين ومركباتهم".
ويضيف عودة أن الجيش الإسرائيلي نصب 15 برجا عسكريا إسمنتيا على طول الشارع، وينشر يوميا حوالي 100 جندي و20 آلية عسكرية عبر الشارع، ويوقف المركبات الفلسطينية باستمرار ويفتشها.
وعلى الأرض هاجم مستوطنون بلدة حوارة وأحرقوا منزلا خاليا مكونا من 3 طوابق ومنشأة زراعية، وهاجموا القرى المجاورة وأحرقوا خزنا للمياه في قرية عصيرة القبلية قرب حوارة، بينما سارع الكثير من الأهالي وخاصة في المناطق المحاذية للمستوطنات بالانتشار فوق أسطح منازلهم للتصدي لأي هجوم للمستوطنين.