يتغافل الكثيرون عن المطلب المتكرر على ألسنة زعماء الكيان الصهيوني، بالاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، لدرجة بلغت حد الرغبة في مقايضة الاعتراف الفلسطيني بيهودية "إسرائيل" مقابل اعتراف هذه الأخيرة بالدولة الفلسطينية التي يفترض أن تقام فوق بقايا الأراض العربية المحتلة في فلسطين.
لفهم مدى أهمية هذه المسئلة يكفي أن نتخيل إعلان قيام الدولة الإسلامية سواء في مصر أو في أي دولة عربية إسلامية أخرى بالمنطقة. فالمؤكد أن العالم سينقلب رأسا على عقب، وربما تتقاطر الأساطيل العسكرية الدولية الغربية، لحصار هذه الدولة، التي تنوى تطبيق الشريعة الإسلامية، التي تعتبر اليهود هم ألد أعدائها في المنطقة، تماما كما تعتبر الشريعة اليهودية أن المسلمين والنصارى هم من أعداء اليهود، باعتبارهم "جواييم" .. أي أقل مرتبة من الحيوانات، بحيث تستباح أموالهم ودماؤهم ... وطبعا أراضيهم.
وفي محاولة أكثر عمقا لتفنيد المزاعم الصهيونية بحق "إسرائيل" في نيل الاعتراف بكونها "دولة دينية"، استشرفنا آراء الخبراء:
في البداية يقول الدكتور محمد سيف الدولة الباحث في التاريخ اليهودي والحركات الصهيونية أن مجرد الإعتراف بالدولة الإسرائيلية مثابة الانتحار الجماعي إذ يقول: " الاعتراف يعني القبول بـ "مشروعية" الدولة الاسرائيلية، بمشروعية الاغتصاب الصهيوني لفلسطين، والقبول بصحة الأساطير الصهيونية حول الامة اليهودية والشعب اليهودي وحقه التاريخي فى ارض الميعاد.
وهو ما يعني التسليم بالعقيدة الصهيونية في الصراع وبالتالي تبنى رؤية عدونا في صراعنا معه، انها الهزيمة العربية الكبرى التي يحلم بها الصهاينة منذ قرن من الزمان.
وهو يعني الاعتراف بان الحركة الصهيونية حركة تحرر وطني نجحت عام ١٩٤٨ في تحرير وطنها المغتصب من الاستعمار العربي الاسلامى والتي يحتفلون بذكراها كل عام في عيد يطلقون عليه "عيد الاستقلال ".
واذا كان هذا صحيحا ــ وهو ليس كذلك ــ فان الضفة الغربية وغزة، هي الاخرى، وبذات المنطق، ارض يهودية مما يستوجب تحريرها عاجلا ام آجلا من (الاحتلال) العربي لها..!
وسيكون وبالقياس سيكون وجودنا نحن ايضا هنا في مصر وجودا غير مشروعا، فنحن نمثل احتلالا عربيا اسلاميا لجزء من أرض يهودية تمتد من الفرات شرقا إلى النيل غربا...!
وسيعطي الاعتراف ضوءا اخضر لكل القوى الطائفية في المنطقة بالسعي لتكرار وتقليد التجربة الصهيونية، وانشاء دولا محررة من الاحتلال العربي، دولا كردية وشيعية وسنية ومارونية وزنجية وقبطية ..الخ . إذن الاعتراف يؤدي الى تفتيت الامة.
ويضيف بقوله: إن الاعتراف باسرائيل في حقيقته هو عملية انتحار جماعي، بموجبه تقرر الامة العربية الانتحار وتعترف بان وجودها على هذه الارض هو وجود باطل وغير مشروع على امتداد ١٤ قرنا.
كما أن اسرائيل رابعا هي دولة صهيونية تؤمن بعقيدة حق العودة لكل يهود الدنيا إلي جبل صهيون واعادة بناء الهيكل فيما يسمی أرض الميعاد, إنها خامسا بعد هذا التحليل دولة اسرائيل المنتظرة طبقا للتلمود والكتب المقدسة.
وستصير اسرائيل سادسا دولة استعمارية استيطانية بحكم السياق التاريخي التي يسجل هجرة يهود أوروبا المضطهدين تحت قمع العنصرية البيضاء فرارا إلی فلسطين واقتلاع اهلها وتحويلهم إلی لاجئين ومشردين في كل البقاع في إطار حركة الاستعمار الاستيطاني الأوروبي في القرنين التاسع عشر والعشرين دون أن يكون للفلسطينيين أي ذنب أو مسئولية للمحرقة التي نزلت باليهود وغيرهم تحت النازية والفاشية.
وتتحول اسرائيل سابعا كدولة استعمارية امبريالية بحكم قيامها بدور الوكيل الكومبرادوري في دعم وتنفيذ خطط الهجمة الاجنبية الغربية وعلی شعوب ودول وأمم المنطقة العربية والعالم الآسيوي تحت مسمی الشرق الأوسط حماية للمصالح الاستراتيجية الاجنبية.
وتنفضح اسرائيل ثامنا كدولة عنصرية تدافع عن اسطورة نقاوة العرق اليهودي, وبالتالي تتحدث باسم اليهود في كل أنحاء الدنيا وتنبري للدفاع عنهم وتحصل علی التعويضات باسمهم وتفرض فردانيتها باعتبارها شعب الله المختار الموعود بالارض المقدسة وأورشليم القدس دون عباد الله الآخرين.
وبهذا تصبح إسرائيل دولة استعمارية من الدرجة الأولى تهد إلى التوسع على حساب غيرها من الدول.
ومن الناحية الأخرى يترقب العالم طبيعة الدولة المصرية الحديثة التي ستفرزها الثورة المصرية، ولا يخفى علی أحد مدى إظهار الثوار المصريين كراهيتهم لإسرائيل خلال الثورة الإعلام الفلسطينية، خاصة "يوم الزحف" والذي تسبب في رعب داخل الكيان الصهيوني، فالدولة المصرية الآن في صراع بين القوى الإسلامية التي اكتسبت حرية لم تكن تستطيع اكتسابها في عهد الرئيس المخلوع، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، وبين التيارات الليبرالية واليسارية من جانب آخر.
فماذا لو صعد الإسلاميون إلى سدة الحكم، والذين يعتبرون أن من أولويات الدولة في الإسلام تحرير الأراضي المحتلة والــ"الجهاد" ضد المغتصب، ولا سيما اليهود، فنحن الآن أمام مرحلة تاريخية في الصراع الصهيوني العربي، اليهود يسعون جاهدين لنيل أي اعتراف بيهودية دولتهم، حتى أنهم قايضوا الفلسطينيين(أبو مازن) على الاعتراف بيهودية الدولة مقابل بضعة أمتار من الدولة المسلوبة، ودول الطوق بها ثورات مشتعلة لا يُعرَف إلى أي شئ ستؤول إليه الأمور وربما إن لم يصعد الإسلاميون إلى سدة الحكم وهو الأرجح فإنهم سيشاركون فيه بقوة وفاعلية، وهذا يعني التبكير على الأقل في مجابهة الكيان الصهيوني، وقلب المائدة على مخططاته الشيطانية وربما تكون هذه نهاية إسرائيل.
يقول الدكتور الراحل السيد عليوة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان في بحثه الذي نشره في الأهرام قبل رحيله مباشرة: عندما تصبح اسرائيل دولة يهودية - دينية بمعنى أن تكون دولة لليهود فقط فإن ذلك سوف يترتب عليه أخطر انتهاك لحقوق الانسان العربي الفلسطيني, ولقرار الأمم المتحدة بحق عودة الفلسطينيين إلی بيوتهم وبلادهم وأرضهم بل ومصادرة حق البقاء لنحو ربع سكان إسرائيل من المواطنين العرب الخاضعين للسيادة الإسرائيلية.
ثم يستنتج الدكتور عليوة أن إسرائيل بكونها دولة دينية يهودية فإنها ستطبق الشريعة اليهودية والتلمودية علی كل سكانها حتي العلمانيين منهم سواء كانوا عربا أم يهودا أو من اجناس أخری, ثم إن اسرائيل ثالثا دولة عبرية, بمعنی أن حق المواطنة فيها مقصور علی من يتحدثون العبرية وينتسبون تاريخيا إلی الثقافة العبرية التي أحياها الاسرائيليون بعد موت وانقراض دام آلاف السنين.
إذا إسرائيل المزعومة ستطبق الشريعة اليهودية والتي-أي الشريعة اليهودية - تعتبر غير اليهودي لا يستحق الحياة، وهذا يقتضى محاربة كل من يدين بغير اليهودية، واعتبار أنه ليس هناك من يستحق الاستمتاع بالأرض "المحتلة" سوى اليهود وبالتالي الاستيلاء على مزيد من الأراضي العربية.