يعود نسب النبي (ص) إلى هاشم بن عبد مناف الذي تنتسب إليه أشرف وأنبل عائلة في مكة، هي عائلة أل هاشم. فالنبي هو أبو القاسم محمد بن عبدالله ابن عبد المطلب ابن هاشم ابن عبد مناف. وينتهي نسبه الشريف إلى النبي اسماعيل ابن النبي إبراهيم (عليهما السلام). فأبوه عبدالله وجده عبد المطلب وأمه آمنة بنت وهب.
وأما أعمامه فهم عشرة، أبو طالب والزبير وحمزة، والحارث وكان أكبر سنا، والغيداق وحجل والمقوّل، وعبدو العزة وهو أبو لهب، وضرار والعباس. وكان لرسول الله (ص) ست عمات هن : عاتكة وأميمة والبيضاء وصفية وأروى ورويدا. وقد أسلم من أعمام النبي (ص) أبو طالب وحمزة والعباس. ومن عماته صفية وأروى وعاتكة.
وكان أخر من مات من أعمامه هو العباس، ومن عماته هي صفية. والمشهور عندنا أن النبي (ص) ولد في مكة المكرمة يوم الجمعة في السابع عشر من شهر ربيع الأول في العام الذي غزا فيه "أبرها" ملك اليمن مدينة مكة بهدف هدم الكعبة الشريفة. وهو العام المعروف بعام الفيل الموافق لسنة 570 للميلاد. الرسول (ص) يصبح يتيم الأبوين وحسب أشهر الروايات فإن والده توفي وهو لا يزال جنينا في بطن أمه.
ويذكر المؤرخون أن النبي (ص) لم يرتضع منها سوى ثلاثة أيام، ثم حظيت بشرف ارضاعه بعد ذلك امراتان هما ثُيبة وهي جارية لعمه أبي لهب، وقد أرضعته أربعة أشهر فقط، وحليمة السعدية بنت أبي ذُئيب من بني سعد.
فقد رأى عبد المطلب جد النبي أن يرسل حفيده إلى البادية ليرضع هناك حيث ينشأ ويترعرع ويتعلم النطق بالكلمات، ويكتسب القوة والمناعة فيها بالذات. ولكن لماذا في البادية؟!.. فقد كان من عادة أشراف مكة وزعمائها أنذاك إرسال أطفالهم إلى البادية للرضاع هناك، لأنهم كانوا يرون بذلك نشأة لأطفالهم أصح للأبدان وأفصح لسانا وأصفى فكرا، حيث في البادية يعيشون في بيئة معروفة بطيب هوائها وعذوبة مائها ويواجهون مصاعب الطبيعة فتصير لديهم مناعة طبيعية تجاه مختلف المتغييرات.
كما أنه في البادية يصانون من خطر الأمراض والوباء الذي يصيب الأطفال في المدينة عادة. وفيها أيضا يبتعدون عن هموم المدينة وعلاقاتها ولا يتأثرون بالأفكار والمفاهيم التي تفرضها الحياة المعقدة فيها. وفي البادية يخالطون أهل القبائل الساكنة في البوادي فيتعلمون منهم اللغة الصحيحة والنطق السليم. إرسال الرسول إلى البادية لأجل ذلك كله رأى عبد المطلب إرسال حفيده محمد بن عبدالله ليكمل رضاعه في البادية.
ويقول المؤرخون إن حليمة السعدية قدمت إلى مكة مع صديقات لها بحثا عن ولد ترضعه لتستفيد من معونات أهله وأموالهم. فعرضت آمنة وعبد المطلب طفلهما عليها فقبلته وأخذته معها إلى البادية ووجدت فيه كل الخير والبركة.
وقد روى المؤرخون عن حليمة أنها قالت :" قدمنا منازل بني سعد ومعي يتيم عبد المطلب ولا أعلم أرضا أجدب من أرضنا فكانت غنمي تجيئ حين حل محمد فينا شباعا فنحلب منها ونشرب ويتدفق الخير علينا وأصبح جميع من في الحي يتمنى ذلك اليتيم الذي يسر الله لنا ببركته الخير ودفع عنا الفقر والبلاء". وكانت حليمة ترعاه هي وزوجها وتقدمه حتى على أولادها، ولقد أرضعته سنتين ثم عادت به إلى أمه وجده. ولكن جده أحبّ أن يبقى معها في البادية خوفا عليه من الأمراض التي كانت تتعرض لها مكة بسبب الوفود التي تجتمع فيها من كل أنحاء شبه الجزيرة العربية.
وفي الوقت ذاته لأن جو البادية يساعد على صفاء الفطرة ونمو الأعضاء وقوة الجسم والمناعة. بالاضافة إلى أن عبد الطلب رأى أن حليمة السعدية تعطف على حفيده وتتلهف على بقائه معها.
ولقد استجابت آمنة لرغبة جده عبد المطلب فرجعت به حليمة إلى حي بني سعد. وبقي معها إلى أن بلغ عمره الشريف خمس سنين، فعادت به إلى أهله ليكون في كفالة جده ثم في كفالة ورعاية عمه أبي طالب.
حادثة شق الصدر وتذكر بعض النصوص
في هذه المناسبة أن حادثا وقع للنبي (ص) خلال وجوده في حي بني سعد، عند حليمة السعدية، عرف بحادثة "شق الصدر".
وخلاصة هذه الحادثة أن رسول الله (ص) أتاه جبرائيل وهو يلعب مع صبيان في حي بني سعد، فأخذه وصرعه حتى أغمي عليه فشق صدره واستخرج قلبه، حيث استخرج منه علقة سوداء وقال :"هذا حظ الشيطان منك" ثم غسله في وعاء من ذهب بماء زمزم ثم لئمه وأعاده إلى مكانه حيث كان يلعب. فلما رأه الصبية الذين كانوا يلعبون معه ذهبوا إلى مرضعته حليمة السعدية وقالوا لها إن محمدا قد قتل، واستقبلوه وهو متغير اللون.
ويذكر المؤرخون أن وقوع هذه الحادثة للنبي (ص) كان هو السبب في إرجاعه من البادية إلى أمه، وأنها قد تكررت معه أربع مرات ثابتة. مرة في الثالثة من عمره الشريف، عندما في البادية عند حليمة، ومرة أخرى في العاشرة من عمره، ومرة ثالثة عندما بعث بالنبوة، ومرة رابعة عند الإسراء والمعراج. ولكننا نحن نشك كثيرا في وقوع هذه الحادثة للنبي (ص) في أي مرحلة من مراحل حياته، وذلك لأجل الأمور التالية:
أولاً : إن هناك اختلافا كبيرا في مضمون الروايات التي تنقل وقائع حادثة "شق الصدر"، من حيث المكان الذي جرت فيه الحادثة، وعدد الأشخاص الذين جاؤوا بالنبي (ص) وأجروا له هذه العملية، ومن حيث الكيفية التي وقع عليها الحادث.
فإن هذا الاختلاف والتناقض في الروايات والنصوص بحد ذاته من الدواعي التي تثير الشكوك في صحتها، وخصوصا إذا نظرنا إلى أساليب تلك المرويات التي لا تنسجم مع الضوابط التي لا بد من توافرها في النصوص المقبولة.
ثاتيا: إنه ليس للشيطان أي طريق أو سلطان على عباد الله المؤمنين والمخلصين والمتوكلين فضلا عن أن يكون له سلطان على النبي نفسه، الذي هو في قمة الإخلاص والتوكل والإيمان. وهذا واضح بصريح القرآن الكريم الذي يتحدث عن الشيطان فيقول :"إن عبادي ليس لك عليهم سلطان". ويقول تعالى أيضا إنه ليس له سلطان على الذين أمنوا وعلى ربهم يتوكلون.
ويقول تعالى في موضع أخر :"قال ربي بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين". وإذا كان الأمر كذلك فكيف يصح أن يقال إنه كان للشيطان حظ من رسول الله (ص) وقد استمر سلطانه عليه حتى تمكن جبرائيل أخيرا من خلال عملية جراحية نزع علاقة الشيطان من قلب النبي (ص). وبذلك فإن حادثة "شق الصدر" تتنافى مع صريح القرآن الكريم لذلك لا يمكن القبول بها.