الإمام الخمینی وعولمة المشروع الإسلامی الثوری

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الإمام الخمینی وعولمة المشروع الإسلامی الثوری

فی ذکرى انتصار الثورة الاسلامیة لابد من استعادة معالم حیاة قائدها العظیم الذی اشتملت شخصیته على أسمى المعانی الروحیة والعرفانیة الى جانب قدراته القیادیة. ولابد أیضا من الحدیث عن الانجازات المبارکة التی حققتها الثورة الاسلامیة فی ایران وفی تأسیس الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة.

وهنا لابد من الاشارة الى انه کان من خصوصیات الخطاب الثوری للامام (قدس سره) إعادة التواصل بین القائد والشعب، الذی عبّر عن محتواه الثقافی والروحی من خلال استجابة هذا الشعب لنداء الامام. وقد تجسّد هذا التواصل من خلال الإلتزام الحقیقی بالاسلام عقیدة وشریعة ونظام حکم.

ومن خصوصیات الخطاب الثوری عند الإمام التزامه بالمفردات الاسلامیة شکلا ومضمونا ، حیث انه أعاد الحیاة الى تلک المفردات وجعلها حقیقة معاشة فی فکر و وجدان الأمة. فلم نجد فی خطاب الإمام ما آلت الیه التجارب الثوریة والسیاسیة لجهة استعمال المفردات المختلفة، وانما رسخ معانی المفردات الاسلامیة فی أوساط الشعب وکان القدوة الصالحة لهم فی الإلتزام بهذه المفردات. لقد أثمر الخطاب الثوری عند الامام التزاماً حقیقیاً بالمفردة الاسلامیة التی أصبحت الروح المحرکة للشعب الایرانی. وما لا شک فیه ان خصوصیة الشعب الایرانی تکمن فی انه استطاع ان یترجم الاسلام فی فکره وسلوکه ومنهج حیاته. ولقد تربى هذا الشعب على تعالیم الاسلام وقیمه السمحة، حتى أصبح الاسلام ثقافة عامة للمجتمع وهویة تفاخر بحملها أفراد الشعب الایرانی. ویعود الفضل فی هذه التربیة الى جهود قیاداته الدینیة الممثلة بالمرجعیات والحوزات الدینیة وفی طلیعتها الامام الخمینی، والتزامها بتربیة الشعب على الاسلام وعلى ثقافة الحکم الشرعی.

وکما هو معلوم، فإن الثورات بعامة تواجه بعض العقبات والثغرات فی مسیراتها التنظیمیة ، الا ان وعی الخطاب الثوری عند الإمام الخمینی والتزام الشعب الایرانی بدقة هذا الخطاب، ذلّل تلک العقبات والثغرات وجعل من هذه الثورة تجربة رائد ة یُقتدى بها بالنظر لما تمتعت به من مقومات تنظیمیة قل نظیرها.

قیادة تاریخیة رائدة واعیة

ان القیادة التاریخیة الرائدة الواعیة التی تمثلت بالامام الخمینی (رضوان الله علیه) تجاوزت الحدود الجغرافیة للجمهوریة الاسلامیة الایرانیة، وانتجت خطاباً ثوریاً على مستوى الأمة الاسلامیة.. هذا الخطاب أسهم فی ترسیخ قناعة لدى الأغلبیة الساحقة من المسلمین بأن خلاص الأمة الاسلامیة لا یکون الا بالعودة الى الاسلام على مستوى التنظیم المجتمعی السیاسی، وقد جاءت الثورة الاسلامیة تعبیراً عن التوق الى تصمیم العلاقة الوضعیة الإسلامیة فی العالم، بتصحیح العلاقة بین المجتمع السیاسی الاسلامی وبین الاسلام، لیجعل الحیاة السیاسیة العامة قائمة على اساس الاسلام، ویجعل صیغة الدول اسلامیة، لیتوافق المضمون الداخلی للمسلم مع الصیغة التنظیمیة والتشریعیة فی حیاته العامة.

إن الإمام الخمینی أعاد من خلال خطابه الثوری طرح الاسلام باعتباره صیغة تنظیمیة حضاریة منافسة للصیغتین السائدتین اللیبرالیة والمارکسیة، وهذا ما أعاد الى المسلمین الثقة بأنفسهم، والشعور بقدرتهم على مواجهة القوى المتغلبة فی العالم وعلى بناء صیغتهم السیاسیة الخاصة بهم.

وانعکس الخطاب الثوری عند الامام الخمینی على الحرکة الاسلامیة العالمیة، فاکتسبت فی جمیع مواقعها مزیدا من الثقة بالنفس ، والقدرة على المواجهة والتصدی لمشاریع وصیغ التبعیة والاستلحاق والاستحواذ التی کانت ولا تزال تعانی منها شعوب الامة الاسلامیة من خلال کثیر من الأنظمة الحاکمة.

نلاحظ ایضا ان الامام الخمینی قد استطاع تحریر الحرکة الاسلامیة العالمیة من ترددها وأعطاها دفعاً قویاً لتتقدم فی حرکتها وتتعمق فی فهمها ووعیها، ولتغدو بالتالی أکبر فاعلیة وتأثیراً فی السیاسات العالمیة والاقلیمیة ، ولتغدو واقعاً أساسیاً فی السیاسات الدولیة، ولتضیف بالتالی الى موقف المسلمین البعد الآیدیولوجی والحضاری والثقافی والسیاسی بعد ان کان هذا الموقف مقصوراً على التصدی السیاسی فی أحسن الحالات.

مفهوم الأمة عند الإمام الخمینی

ورد مصطلح الأمة فی القرآن الکریم موزعا بین القرآن المکی والقرآن المدنی، وعلى کلا الحالتین کان الاسلام حتى آخر عهود القرآن المدنی مقصوراً على العرب وحدهم فی المراحل الأولى لنمو الاسلام، ولکن التفسیر النظری للنص کان منذ البدایات الأولى یتجاوز العنصر العربی الى ما وراءه. لذلک نجد حینما امتدت فتوح الاسلام الفکریة والسیاسیة واستوعب الدین الجدید عروقاً ولغات وثقافات أخرى وفی مناطق جغرافیة شدیدة التنوع ، لم یقم أی شعور بأن لفظ الأمة لا یعبر عن الواقع النامی بل على العکس کان یستوعب هذا الواقع.

اذن، هناک أمة إسلامیة واحدة تتجاوز عناصر اللغة والعرق واللون وترتکز على العقیدة والفکر، وهذا بحسب فهمی ، أرقى تطور فکری یصل الیه المجتمع السیاسی.

وبالعودة الى مفهوم الأمة قبل الثورة الاسلامیة فی ایران، فقد اعتاد النظام الاستبدادی طیلة عهوده الثلاثة: الصفوی – القاجاری – والبهلوی ، على إبراز العناصر القومیة والجغرافیة بهدف طمس الهویة الاسلامیة لمسلمی ایران. ومما لا شک فیه ان الامام الخمینی (قده) بدأ ثورته فی أجواء صعبة وحالکة ضد النزعة القومیة التی کان الشاه المخلوع یعمل على ترسیخها. ومع انتصار الثورة المبارکة عادت الحیاة الى معنى الأمة الاسلامیة وعاد شعب ایران للتعبیر عن محتواه الثقافی الذی هو الإسلام، فانعکس المعتقد الواحد فی التفکیر السیاسی للأمة ، وقد أدى هذا الانعکاس الى انحسار معطیات الجغرافیا واللغة والعنصر، هذه المعطیات التی عمل الاستعمار الأجنبی منذ قرون من الزمن من أجل ترسیخها فی المجتمع الاسلامی لیس فی ایران وحسب، بل فی کل العالم الاسلامی.

اذن انتصار الثورة الاسلامیة المبارکة، کان بمثابة انتصار حقیقی لمفهوم الامة الاسلامیة، حیث عادت الحیاة الى هذا المفهوم، وبدأ یظهر مفهوم جدید للأمة یقوم على أساس الفکر والمعتقد، لا على أساس الفکر الغربی وفکر القومیات.

لقد سعى الامام الخمینی لإحیاء مفهوم الامة لتکون خیر أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنکر وتؤمن بالله، لأنه لم یکن یرى ثمة تناقضا بین القومیة والاسلام، فیما لو کانت القومیة مجرد شعور عاطفی، هذا الشعور الذی لابد منه فی داخل کل شعب لتفجیر الطاقات والقوى للعمل والإنتاج فی عملیة التقدیم، بحیث تبقى الثورة السیاسیة ذات طابع إسلامی نابع من مفهوم الأمة الاسلامیة، الذی یحدد بالتالی وحدة الصف، ووحدة الموقف فی العمل السیاسی المشترک فی العالم الاسلامی باعتباره جزءا من العالم الثالث فی مواجهة الامبریالیة، ولا یمنع ان نتطلع الى اتحاد سیاسی کبیر بین هذه الدول الاسلامیة. بمعنى آخر یمکن القول ان القومیة هی الزاد العاطفی الموضعی، والاسلام هو الاطار السیاسی الأوسع الذی یضم هذه التنوعات الموجودة فی العالم الاسلامی.

لاشک ان الامام الخمینی سعى جاهداً من أجل ان تکون الأمة الاسلامیة حیة فی دورها ومسؤولیاتها وقراراتها بحیث یکون لها ما کان للأمة الاسلامیة فی زمن رسول الله ( صلى الله علیه و آله ) والأئمة المعصومین (ع)، الطرح الاسلامی یبقى هو هو، ان هناک أمة إسلامیة تقوم على المعتقد وان هناک شعوباً إسلامیة تقوم على المعطیات الجغرافیة واللغویة والعنصریة.

مکونات الأمة الاسلامیة

إن من جملة مکونات الامة الاسلامیة، ان تأخذ بالاسلام وتعمل به ، لأنه بمعزل عن الاسلام عقیدة وشریعة ونظام حکم، فانه لن یکون بمقدور أحد من الناس إحیاء مفهوم الأمة الاسلامیة، ولهذا نجد ان الرسول الأکرم (ص) بعد هجرته الى المدینة یقیم الدولة بعد ان اکتمل حضور الامة، لأنه یستحیل ان تتحقق الدولة فی ظل غیاب الأمة بدلیل ان الاسلام أول من قدّس الأمة حیث قال سبحانه وتعالى: (کنتم خیر أمة أخرجت للناس) وقد تابع الائمة (ع) هذا العمل لتبقى الأمة خیر أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنکر.

لذا فإن دور الامام الخمینی لم یقتصر على تسلیط الضوء على ما کانت علیه الأمة فی تاریخها، وإنما تعداه الى حفز الأمة وإرشادها الى ما ینبغی ان تکون علیه فی النظریة والتطبیق. فالامام الخمینی (رض) لم یکتف بالاشارة الى عناصر حفز الامة، بل جسّد هذه العناصر وأحیا الواقع الاسلامی من خلال مسیرة جهاده الحافلة بالتضحیات. ولا یخفى ان الاسلام حصّن الأمة ووحدتها بجملة من التشریعات الإلهیة، وما لم یأخذ المسلمون بها ویقومون بترجمتها والالتزام بها، فان مفهوم الأمة سیبقى عرضة للاضطراب، وبالتالی فان ذلک سیحول دون تحقیق الهدف الاسلامی الاول، والذی یقضی بتحقیق وحدة الامة الاسلامیة، لانه من غیر الممکن بناء وحدة عربیة او إسلامیة من دون مضمون إسلامی، وان أمکن ذلک فانها لن تعیش طویلا، وأکبر دلیل على ذلک هو ان الانظمة السیاسیة الاقلیمیة لم تتمکن من النجاح لأنها من دون مضمون إسلامی. وإذا تأملنا مضمون خطاب الامام الخمینی ودعوته الى تحقیق الوحدة فإننا نجد حرصه الشدید على توصل الأمة الى صیاغة مشروع سیاسی تضمن من خلاله عزتها وکرامتها.

مشروع الإمام فی الوعی والثورة والحکم

تتسم شخصیة الامام الخمینی بالبعد العرفانی الذی نرى فیه أحد الجوانب الایجابیة فی الشخصیة السیاسیة لهذا الفقیه العرفانی، ومن هنا کانت رؤیته الفقهیة تتسم بدرجة متمیزة من الیقین الذی یتصف به العرفاء. هذا الیقین خفف کثیراً من المخاوف الطبیعیة ، وسدّ الطریق على کثیر من الشکوک التی تعتری القیادة أمام القرارات الصعبة، ومن ثم مکّن لظهور ما یسمى عادة (القاطعیة) عند الامام الخمینی وهی صفة لا یجوز ان یمارسها من لیس أهلا لها. ومن شروط القاطعیة: التقوى والورع، الخوف من الله، والعمق الروحی ، من دون ذلک فـ (القاطعیة) قد تهلک الحرث والنسل.فالبعد العرفانی، والعمق العرفانی الصافی الذی کان یتمتع به، نعتقد انه أحد العوامل المهمة التی ساهمت فی قدرته على رسم مشروعه التغییری النهضوی على صعید ایران والعالم الإسلامی معا.

لقد أدرک الإمام الخمینی بوضوح وببساطة متناهیة، بدون الدخول فی مجادلات ومماحکات فقهیة قد یختلف الرأی فیها، أدرک ان الإسلام باعتباره دینا وثقافة وشریعة وفکرا ، هو بصورة طبیعیة یقتضی ان ینتج وینجز مجتمعا سیاسیا، وان ینجز نظاما سیاسیا، قد یختلف الرأی فی ان هذا النظام السیاسی والمجتمع السیاسی یقوم على فکرة ونظریة ولایة الفقیه، او على فکرة ونظریة أخرى ، ولکن على کل المبانی الفقهیة، فلقد أدرک الإمام الخمینی هذه الحقیقة وتمسک بها ولم یتردد فیها. کما وأدرک الإمام الخمینی قابلیة الشعب الایرانی، نتیجة لتربیة هذا الشعب ولمزاجه الدینی، لأن یحقق هذا الإنجاز والإبداع فی الإدارة السیاسیة. وهذا عمل موضعی کامل، ولیس فیه غیبیات.

الابداع فی الادارة السیاسیة لانتاج هذا المزیج المدهش، بین نظام المصالح الایرانیة المحضة، المصالح الموضوعیة المادیة للشعب الایرانی، ونظام المصالح الدولی، والمضمون الثقافی والروحی للشعب الإیرانی وللتیار الاسلامی العالمی. لقد کانت أدارة هذا المزیج عملیة مبدعة. ومن النادر ان نقع فی هذا التاریخ على قدرة من هذا المستوى.

ونحن نعتبر ان الامام الخمینی أطلق فی إیران إرادة القوى التی تنتج وسائلها وادواتها، ولا تقتصر على الاستیراد ، ولا تبقى عاریة وغیر مجهزة لتطویر الصناعات عموما والصناعات الدفاعیة خصوصا.

المنعطف الاساسی فی المسیرة الاسلامیة والعالمیة

مثلت الثورة الاسلامیة الایرانیة التی قادها الامام الخمینی منعطفا اساسیا فی مسیرة العالم الاسلامی والامة الاسلامیة فی هذا العصر، وأحدثت آثاراً عمیقة على الوضع العالمی لا تزال تتفاعل حتى الآن. ولم تؤثر على فعالیة هذه الثورة جمیع العقبات التی وضعت أمامها وجمیع الأزمات التی مرّت بها.

وکما نعلم جمیعا ان الامة الاسلامیة اختبرت على ما یزید على نصف قرن تجربة صیغة الدولة الغربیة الحدیثة، وفشلت هذه الصیغة فی کثیر من الحالات والمستویات الاقتصادیة والسیاسیة، وکلفت الأمة غالیا فی حریتها وکرامتها واستقلالها.

إن من أهم ثمار المشروع الاسلامی للامام الخمینی هو انه أعاد طرح الاسلام باعتباره صیغة تنظیمیة حضاریة، وأعاد الى المسلمین الثقة بأنفسهم والشعور بقدرتهم على مواجهة القوى المتغلبة فی العالم، وعلى بناء صیغتهم السیاسیة الحضاریة الخاصة بهم. کما أعاد (رضوان الله تعالى علیه) الى الأمة الاسلامیة فی ایران دورها الشاهد والوسطی وحقق للأمة وحدتها ، حیث ان السبب الأکبر فی فقدان الوسطیة فی المسألة السیاسیة للأمة الاسلامیة کان ولا یزال هو التجزئة والتفرق، اذ ان اضطرار هذه الدولة او تلک من دول المسلمین للاذعان لإرادة هذه القوى العظمى او تلک، هو أثر من آثار التجزئة بالدرجة الأولى ، ولو کانت الأمة الاسلامیة موحدة فی إرادتها السیاسیة بالنسبة الى قضایاها الکبرى لاستطاعت شعوبنا ودولنا ان تختط لنفسها خطاً وسطاً فی سیاساتها الخارجیة وعلاقاتها الدولیة، فیلغی او یخفف من سیطرة القوى العظمى على مقدرات العالم وشعوبه. وهذه هی الثمرة الکبرى التی حققها المشروع الاسلامی عند الامام الخمینی حیث بعث الحیاة فی مفهوم الامة ووحدتها، إضافة الى ثمرات مبارکة تکلکت بنجاح الثورة ومن ثم إقامة الدولة الاسلامیة لتواکب حرکة الامة فی مسیرتها التاریخیة.

وهنا تجدر الاشارة الى ان المیزة الاساسیة التی اتسمت بها الدولة الاسلامیة فی ایران هی انطباق خصائص الدولة الاسلامیة علیها، فضلا عن ان مصدر شریعة السلطة والقوانین نبع من المحتوى الثقافی للأمة ولیس من مصدر ثقافی آخر، وهذا ما انعکس على تکوین ثقافة اسلامیة عامة فی المجتمع الایرانی، کان محط اعجاب سائر المسلمین فی العالم.

وعلى هذا الاساس تعتبر الجمهوریة الاسلامیة فی ایران دولة اسلامیة بالمعنى الکامل وحکومة اسلامیة بالمعنى الکامل، وهی الیوم تستکمل خطواتها على طریق الأسلمة الکاملة لکافة المؤسسات إضافة الى تطهیر البیئة الاجتماعیة للحیلولة دون عودة الثقافات الغربیة التی سبق لهذه الثورة ان قطعت صلاتها بها.

مشروع الإمام الخمینی .. ممیزاته وانجازاته

لقد تجلى نجاح المشروع الاسلامی الذی قاده الامام الخمینی فی إقامة نظام دستوری جدید، وارسى قواعد مؤسسات ثوریة جدیدة لم یألفها العالم الاسلامی منذ قرون، وما کان ذلک لیتم لولا التلاحم بین الشعب والقیادة، ولولا المصالحة الحقیقیة التی تحققت بین باطن المسلمن وظاهره، وبین شعب ایران ونظامه، حیث لم تعد هناک مسافات وحواجز وتصدّعات فی البنیة النفسیة او الحیاتیة عند الفرد او فی المجتمع او فی النظام.

ان امتیاز المشروع الاسلامی بقیادة الامام الخمینی هو انه اظهر قدرة ممیزة فی مواجهة التآمر الدولی الکافر فی الوقت نفسه الذی اظهر قدرته الفائقة فی خدمة المستضعفین فی الداخل والخارج.

لقد کان تأسیس الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة بعد نجاح المشروع الاسلامی والتجارب التی قامت وتقوم بها فی أسلمة مؤسسات الدولة وصیاغة أسلوب للتطبیق الاسلامی فی إنشاء المؤسسات وإدراتها، وفی تأصیل خط (اللاشرقیة واللاغربیة) فی السیاسیة الخارجیة. کل ذلک أعطى الفکر السیاسی الاسلامی، وکذلک الفقه الاسلامی ثروة نظریة وعملیة کان یفتقدها فی العصر الحدیث. هذه الثمرات للمشروع الاسلامی لا تزال تنمو بوتیرة متزایدة، ومن خلالها استطاعت الجمهوریة الاسلامیة ان تحدث التأثیر الکبیر على الفکر السیاسی الاسلامی حیث غدا للاسلام حضور قوی فی السیاسات الدولیة.

ومما تجدر الاشارة الیه هنا فی سیاق الحدیث عن ثمرات المشروع الاسلامی عند الامام انه تعدى الاطار الدینی لیخاطب الانسانیة فی العالم بمختلف أدیانها ومشاربها حیث انه لم یمیز بین مستضعف وآخر، لأن المستضعفین جمیعا فی العالم یقفون موقفا موحداً من الاستکبار العالمی.

ان مشروع الامام الخمینی (قده) حقق نجاحات بارزة على مستوى الثقافة والسیاسة والاجتماع والاقتصاد وأظهر للعالم قدرة الاسلام والمسلمین على المشارکة فی صیاغة المشروع الذی یحمی الإنسانیة من شرور الحضارة المادیة، وفی الإفادة من العلم بما یؤمن للبشریة سعادتها وازدهارها. ولهذا فإننا نجد فی موقف الجمهوریة الاسلامیة من التقدم العلمی تجسیدا لموقف الاسلام، وهو موقف إیجابی منفتح على جمیع انجازات العلم وإمکاناته، ولقد کان من الرواسی التی خلقها الغزو الثقافی فی عقول کثیر من المسلمین وقلوبهم، ان الاسلام یقف موقفا سلبیا من مسألة التقدم العلمی وانه لا یشجع على تطور المعرفة العلمیة، ولا ینتفع من إنجازاتها. لقد کانت هذه الأکذوبة إحدى محاولات تشویه الاسلامی فی نفوس ناشئة المسلمین.

إن نجاح المشروع الاسلامی وقیام الجمهوریة الاسلامیة وتطبیقها للمبدأ الاسلامی من الموقف من العلم قدم دلیلا حسیّاً على ان الاسلام یقف من العلم وتقدمه موقفا إیجابیا ومنفتحا، لأن العلم طاقة محایدة لا یمکن ان توصف بأنها إسلامیة او مسیحیة ، دینیة او علمانیة. إن طریقة استخدام المعرفة العلمیة تحددها طبیعة النظام الذی یستخدمها من الناحیة الاخلاقیة. إن هذا الأمر لا یتصل بالموقف من العلم، وانما یتصل بطبیعة الثقافة التی تکوّن شخصیة الامة التی تمتلک المعرفة.

 

قراءة 3204 مرة