هذا العنوان غير موجود في كتب الأحاديث. لكن من المضمون الذي سأتكلم عنه تصح هذه التسمية:" تسهيلات ".
ماذا يعني هذا ؟
الله سبحانه وتعالى من أجل أن ندعوه قدم لنا تسهيلات. وهي في واقعها تعبّر عن كرمه ولطفه وجوده وسعة رحمته. أولاً، الدعاء وسلاح الدعاء، هو متاح لكل إنسان مهما كانت إمكاناته وقدراته الشخصية: قوي أو ضعيف، سليم أو مريض، غني أو فقير، حاكم أو محكوم، أمير أو مأمور، أو إنسان عادي، كبير أو صغير، رجل أو امرأة. أي إنسان يستطيع أن يخاطب الله ويتحدث إليه ويدعوه ويسأله ويطلب منه.
هذا أولا، وهو أمرٌ متاحٌ للجميع وسهلٌ على الجميع. كل ما هنالك أن لديه عدة كلمات يريد أن يخاطب الله بها. وهذا أمر متاح لكل إنسان طالما أنه يمتلك لسانا ينطق به. وحتى، في حال العجز عن النطق يكفيه أن يتكلم مع الله بقلبه.
ولذلك لا يوجد إنسان عاجز عن الدعاء. في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:" إنَّ أعجز الناس من عجز عن الدعاء". من يعجز عن الدعاء يعني هو عاجز عن كل شي. هذا أمر سهله الله سبحانه وتعالى؛ سهّله ويسّره لعباده.
ثانياً، في باب التسهيلات أنَّ كل الأزمنة متاحة ومفتوحة. كل الأزمنة: بالليل أو في النهار بإمكانك أن تدعو، في أية ساعة أو في أية دقيقة. أيا يكن الوقت فلا مشكلة أبداً. في أي وقت يمكن للإنسان أن يتوجه إلى الله ويدعوه ويسأله ويطلب منه. وهذا من كرم الله سبحانه وتعالى. يعني، أنه لا يوجد وقت ما لا يسمع الله سبحانه وتعالى فيه لعباده. في كل وقت أبوابه مفتّحة.
طبعاً، هناك أيام وليالي ومناسبات زمنية جليلة وعزيزة وفضيلة، الدعاء فيها أفضل. مثل شهر رمضان؛ كل أيام وليالي شهر رمضان. شهر رمضان هو شهر القرآن وهو أيضاً شهر الدعاء مثل ليلة القدر. ليالي القدر هي من أفضل الأوقات للدعاء. لماذا؟ لأن أبواب الجنان مفتّحة وأبواب النيران مغلّقة والشياطين مغلولة. شهر ضيافة الله له مميزات إضافية. هناك أزمنة أفضل من أزمنة ولكن كل الأزمنة مفتوحة ومتاحة.
ثالثاً في التسهيلات؛ في كل الأمكنة في المسجد، في البيت، في أي غرفة من البيت في الحديقة، في الجبل، في الوادي، في البحر، في النهر، في الطيارة، في السفينة في السيارة، على الدابّة، أين ما كنت وفي أي مكان كنت، أنت تستطيع أن تتوجه إلى الله وتدعوه وتسأله. الله سبحانه وتعالى ليس له بروتوكول خاص. بمعنى أنه لا تتكلموا معي إلا إذا كنتم بالمسجد مثلاً؛ لا تتكلموا معي إلا إذا كنتم في المكان الفلاني.
أبداً؛ أين ما كنت، الأبواب مفتوحة لدعائك ومسألتك. نعم، الدعاء في بعض الأماكن أفضل من بعض الأماكن. مثلاً المسجد الحرام مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، المسجد الأقصى، مسجد الكوفة، المساجد، المشاهد المشرّفة. طبعاً، نذكر هذه التسهيلات لنستفيد منها. يعني لا أحد يوفر " تسهيلات " فقط لأخذ العلم.
رابعاً، من التسهيلات أيضا؛ أن الله سبحانه وتعالى يسمع منك دعاءك ويقبل منك دعاءك في أي حالٍ كنت: واقفا،جالسا، ممدا، قائما أو قاعداً أوعلى جنبك. ماشيا كنت أم راكبا. في أي وضع تكون؛ على أية حالة تكون؛ لا مشكلة أبداً. الله سبحانه وتعالى يسمع منك ويقبل منك. نعم، الدعاء في بعض الحالات أفضل. مثلاً، الدعاء أثناء الصلاة أفضل من الدعاء خارج الصلاة. لأن الصلاة معراج المؤمن، وأقرب ما يكون الإنسان إلى ربه وهو قائمٌ يصلّي. مثل آخر، من أفضل الأحوال في الدعاء هي حال السجود، سواء أثناء الصلاة أو خارج الصلاة،. لأنَّ العبد أقرب ما يكون إلى الله سبحانه وتعالى، وهو ساجدٌ بين يدي الله سبحانه وتعالى. لكن عموماً في أي وضع يكون الإنسان وهو يدعو الله سبحانه وتعالى، لا بروتوكول خاص بهذا الموضوع.
خامساً، الدعاء لكل حاجاتك. أي شيء تريده، فلا تستحي أن تطلبه من الله. ألله يقول لك: اطلب مني كل شي: الصغيرة والكبيرة،من القشة، من الإبرة، من أصغر شي أنت تحتاجه لأكبر شي أنت تطمح له وتتطلّع إليه في الدنيا أو في الآخرة. شاهد على هذا: في ما أوحى الله عز وجل إلى موسى: "يا موسى سلني كل ما تحتاج إليه حتى علف شاتك وملح عجينك". العلف من أجل أن يطعم ماعزه، أو الملح من أجل أن يعجن عجينه. الله يقول له: اطلبه مني لا تستحي. عن الإمام الصادق (عليه السلام) " عليكم بالدعاء فإنكم لا تتَقرّبون إلى الله بمثله. ولا تتركوا صغيرةً لصغرها أن تدعو بها إنَّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار". الله بيده كل شي وعنده كل شي.
سادساً الدعاء بأي لغة. الإمام الحسين (عليه السلام ) يوم عرفة، في دعاء عرفة يخاطب الله: " وعجّت إليك الأصوات بمختلف اللغات ". الناس بإمكانها أن تدعو بأي لغة. اللغة العربية ليست شرطا. نحن لا يوجد لدينا هكذا بروتوكول. صحيح أن القرآن نزل باللغة العربية وأنه في بعض العبادات لا بد من لغة عربية، ولكن الدعاء بالإمكان أن ندعو به بأية لغة من لغات الأرض؛من لغات البشر.
سابعاً الدعاء بصيغة محددة ليست شرطا؛ إلا بالأدعية المخصوصة. بإمكانك أن تضع دعاء من عندك. بإيمانك أن تتكلم ما تريد؛ تكلم على سجيتك: إشكي لله همك، إحكي له قصتك واطلب منه حاجاتك، وتكلم بما تريد بالأدبيات التي تريدها. إن كنت فيلسوف وتريد أن تتكلم معه بالفلسفة فلا مشكلة. وكذلك إن كنت شاعرا أو أديبا. وكذلك الأمر أيضا إن تكلمت معه تعالى باللهجة "الضيعاوية" أو البدوية أو المدنية، وبالبيانات والأدبيات والألفاظ التي تستطيع أن تعبر فيها عن حاجتك وطلبك ومسألتك. كل ذلك طبعاً، ضمن وضعية معينة سنأتي على ذكرها بعد قليل. وهذا كله أيضاً، من التسهيلات؛ وإن كان الأفضل هي الأدعية القرآنية.
الله سبحانه وتعالى علمنا في القرآن مجموعة أدعية (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدامنا. ربنا آتنا ما وعدتنا على رُسلك ولا تخزنا يوم القيامة) ربنا، ربنا... في كثير من السور القرآنية الله يعلّم عباده وأنبياءه كيف يدعونه. وأيضاً الأدعية الواردة والمنقولة عن الأنبياء وعن رسول الله وعن أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن عظمة الإسلام أيها الإخوة والأخوات أنه ترك لنا تراث كبير وهائل من الأدعية، مليء بالمعرفة، بالعلم؛ ثري بالمعنويات وبالروحانية وبالأدب؛ أدب الخطاب مع الله سبحانه وتعالى وفي مختلف المناسبات. لذلك إذا نظرتم في كتب الأدعية المجموعة، تجدون أعمال اليوم، أعمال الليلة، أعمال الأشهر، الأعمال السنوية، شهر رجب، شعبان، شهر رمضان،أعمال الحج، أعمال الأماكن. فكل هذا موجود وفي مختلف الحالات التي يحتاجها الإنسان حين يريد أن يدعو الله سبحانه وتعالى؛وخصوصاً أدعية الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، الإمام السجاد في الصحيفة السجادية التي تناولت حالات كثيرة متنوعة.
حسنا؛ " في التسهيلات ". القصة سهلة، لا تحتاج لا إلى فلسفة ولا فقه ولا شعر ولا أدب. تكلم بما تريد وعبر عن مكنونات صدرك. اطلب من الله ما تريد في أي وقت وفي أي حالة وبأية لغة وأية وضعية مهما كانت الحاجة التي تحتاجها وتتطلّع إليها من حاجات الدنيا أو من حاجات الآخرة.
التسهيلات والكرم الإلهي
نشرت في
آراء و مقالات دينية