ذاتُ البين: هي الأحوال والعلاقات التي تكون بين القوم. وإصلاحها: هو تعهّدها، وتفقّدها، وطلب الصلاح لها. فمعنى إصلاح ذات البين هو إصلاح الفساد الذي يحدث بين القوم، أو بين العائلة، أو بين المؤمنين. وهو من معالي الأخلاق، ومكارم الأعمال. وقد أمر به ونصّ عليه في القرآن الكريم والسنّة الشريفة.
قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)[1]. وقال عزّ اسمه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[2].
وفي الحديث في وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام للإمامين الحسنين عليهما السلام: (أُوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدّ كما صلى الله عليه وآله يقول: صلاح ذات البيت أفضل من عامّة الصلاة والصيام)[3].
وفي حديث آخر قال: مرَّ بنا المفضّل، وأنا وخَتَني[4] نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة، ثمّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم، فدفعها إلينا من عنده، حتّى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه قال: أما إنّها ليست من مالي، ولكن أبو عبد الله عليه السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن اُصلح بينهما وأفتديها من ماله، فهذا مال أبي عبد الله عليه السلام[5].
وفي حديثٍ آخر عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (صدقةٌ يحبّها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقاربٌ بينهم إذا تباعدوا)[6].
وعنه عليه السلام: (من أصلح بين اثنين فهو صديق الله في الأرض، وإنّ الله لا يُعذّبُ من هو صديقه)[7].
وعنه عليه السلام: (أكرم الخلق على الله بعد الأنبياء ؛ العلماء الناصحون، والمتعلِّمون الخاشعون، والمصلح بين الناس في الله)[8].
وعنه عليه السلام: (من أصلح بين الناس أصلح الله بينه وبين العباد في الآخرة، والإصلاح بين الناس من الإحسان. ..)[9] .
وعنه عليه السلام: (ملعونٌ ملعون رجلٌ يبدؤه أخوه بالصلح فلم يصالحه)[10].
وقمّة المصلحين بين ذات البين هم أهل بيت النبيّ وعترته صلوات الله عليهم أجمعين كما تدلّ عليه سيرتهم المباركة.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله أصلح بين القبيلتين العربيّتين المعروفتين في المدينة الأوس والخزرج.
وكانت الحرب قد دامت بينهما في الجاهليّة مائة وعشرين سنة، إلى أن جاء دين الإسلام، وهاجر الرسول صلى الله عليه وآله إلى المدينة فآخى بينهما فصاروا إخوة متحابّين.
وعلى سيرة الرسول ولده الإمام الحسين عليه السلام الذي كانت نهضته المقدّسة لطلب الإصلاح في اُمّة جدّه وشيعة أبيه.
وعلى سيرته أيضاً ولده الإمام الصادق عليه السلام، الذي اعتنى بالإصلاح بين المؤمنين حتّى بدفع المال من نفسه.
وتلاحظ نصحه وإصلاحه أيضاً في حديث إبراهيم بن مهزم قال: خرجت من عند أبي عبد الله عليه السلام ليلةً ممسياً، فأتيت منزلي بالمدينة، وكانت اُمّي ـ خالدة ـ معي، فوقع بيني وبينها كلامٌ، فأغلظتُ لها. فلمّا كان من الغد، صلّيت الغداة، وأتيت أبا عبد الله عليه السلام، فلمّا دخلت عليه قال لي مبتدئاً: يا ابن مهزم ما لكَ ولخالدة؟ أغلظتَ في كلامها البارحة، أما علمتَ أنّ بطنها منزلٌ قد سكنته، وأنّ حِجرَها مهدٌ قد غمزته، وثديها وعاءٌ قد شربته؟!
قال: قلتُ بلى.
قال عليه السلام: فلا تغلظ لها[11].
فما أحسن هذه الصفة الممدوحة، إصلاح ذات البيت بين المؤمنين، يفعلها الإنسان تقرّباً إلى الله تعالى، وتحصيلاً لسرور أهل البيت عليهم السلام بصلاح شيعتهم ومواليهم.
فإنّهم يعرفون ذلك ويعلمونه بإذن الله تعالى ويطّلعون عليه كما لاحظته في حديث إبراهيم بن مهزم الآنف الذِّكر، وتعرف مفصّل بيانه في أحاديث علم الإمام عليه السلام[12].
* أخلاق أهل البيت (ع) - بتصرف
[1] سورة الأنفال: الآية 1.
[2] سورة الحجرات: الآية 10.
[3] نهج البلاغة / الرسالة 47. واعلم أنّه فُسّرت الصلاة والصيام في الحديث الشريف بصلاة التطوّع والصوم المستحبّ، كما وأنّ الفرق بين الصلاح لعلّه هو أنّ الإصلاح يكون في صورة وجود الفساد في البين، بينما الصلاح يكون بإيجاده حتّى لو لم يكن فسادٌ في البين، فيسعى في عدم وقوعه، ولعلّه لذلك عُبّر في هذا الحديث الشريف بصلاح ذات البَيْن.
[4] الخَتَن: زوج البنت أو زوج الاُخت يعني النسيب.
[5] اُصول الكافي / ج 2 / ص 209.
[6] اُصول الكافي / ج 2 / ص 209.
[7] جامع الأخبار / ص 185 / ح 141.
[8] جامع الأخبار / ص 185 / ح 142.
[9] جامع الأخبار / ص 185 / ح 143.
[10] بحار الأنوار / ج 74 / ص 236.
[11] بحار الأنوار / ج 74 / ص 76 / ب 2 / ح 69.
[12] لاحظ كتاب في رحاب الزيارة الجامعة / ص 50.