مقدمة:
توجد العديد من السبل لتحقيق التكافل المعيشي في المجتمع الذي نعيش فيه في شهر رمضان المبارك، وعلينا أن ننظر في هذه السبل ونختار الذي ينبغي علينا الأخذ به لنحصّن مجتمعنا من الفقر المدقع والحاجة، حتى تعم البركة في حياتنا، ولنحصّل رضا الرب سبحانه.. فما هي هذه السبل المختلفة التي يمكننا تحقيق التكافل من خلالها؟ ومن هي الفئات التي ينبغي أن يشملها هذا العطاء التكافلي؟
ما معنى التكافل المعيشيّ؟
يُقصد به إلزام المجتمع بكفالة ورعاية أحوال الفقراء والمرضى والمحتاجين والاهتمام بمعيشتهم، من طعام وكساء ومسكن وحاجات اجتماعيّة لا يستغني عنها أيّ إنسان في حياته.
من هو الأكثر استحقاقًا للتكافل المعيشيّ؟
ذكر الفقهاء العديد من الفئات التي لها الأولويّة في التكافل، نذكر منها:
أ- اليتيم
اهتم الإسلام باليتيم اهتماماً بالغاً، من ناحية تربيته، ومعاملته والحرص على أمواله وضمان معيشته، حتّى ينشأ عضواً صالحاً في المجتمع، ويقوم بمسؤوليّاته على أحسن وجه، وقد أشار القرآن الكريم إلى الاهتمام بشأن اليتيم، وعدم قهره، والحطّ من كرامته، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾[1], ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾[2].
كما أمر الله سبحانه بالمحافظة على أمواله، وعدم الاقتراب منها إلّا بالتي هي أحسن، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[3].
ونهى عن أكل أمواله ظلماً، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرً﴾[4].
وقد رغّب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كفالة اليتيم، والاهتمام برعايته، وبشّر الأوصياء بأنّهم سيكونون معه في الجنّة.
فعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة"[5] (وأشار بإصبعيه, يعني السبّابة والوسطى).
ب- أصحاب الإعاقات
قد يتعرّض الإنسان لحادثة ما في حياته، فيصاب بإعاقة جسديّة تعيق حركته الطبيعيّة، وربّما لظروف تتعلّق بالحمل والولادة، يولد بعاهة مستديمة كفقد البصر أو السمع، فيجب أن تتضافر جهود المجتمع في تحقيق التكافل والعيش الأفضل لمثل هؤلاء المحتاجين، حتّى يشعروا بالرحمة والتعاون والعطف، وأنّهم محلّ عناية واهتمام في المجتمع.
ج- المنكوبون والمكروبون
حثّت الشريعة الإسلاميّة على إغاثة المنكوب، والتفريج عن المكروب، والنصوص القرآنيّة في ذلك كثيرة، والأحاديث النبويّة عديدة.
قال تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[6].
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ألا ومَنْفرّج عن مؤمن كربةً من كُرَب الدنيا فرّج الله عنه اثنين وسبعين كربةً من كُرَب الآخرة، واثنين وسبعين كربةً من كُرَب الدنيا"[7].
التكافل مسؤوليّة المجتمع
لا يمكن لدولة ما أن تقوم بواجبها نحو تحقيق التكافل الاجتماعي إلا إذا ساهم معها أبناء المجتمع في بناء العدل الاجتماعيّ والبذل والإنفاق في سبيل الله. وقد قسّمت الشريعة مسؤولية المجتمع في تحقيق التكافل إلى قسمين:
القسم الأوّل: يطالب به الأفراد على سبيل الوجوب والإلزام.
القسم الثاني: يطالب به الأفراد على سبيل التطوّع والاستحباب.
الأوّل: ما كان على سبيل الوجوب والإلزام، ويشمل الأمور الآتية:
أ- الخمس والزكاة
وقد ثبتت فرضيتهما ووجوبهما في الكتاب والسنّة، ولا يختلف اثنان أنّ مبدأ الخمس والزكاة هو تحقيق وإقامة التكافل الاجتماعيّ، ومحاربة الفقر، وحثّ المؤمنين على البذل والعطاء والإنفاق في سبيل الله.
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله عزّ وجلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ممّا يكتفون به، ولو علم الله أنّ الذي فرض لهم لم يكفِهم لزادهم, فإنّما يؤتى الفقراء فيما أوتوا مِن مَنْعِ مَنْ مَنَعَهم حقوقَهم، لا من الفريضة"[8].
ب- النذور والكفّارات
من وسائل التكافل ما ينذره المسلم من مال ونحوه، والوفاء بالنذر واجب بنصّ الكتاب، وعند جميع فقهاء المسلمين.
ومن وسائل التكافل أيضاً الكفّارات، وهي ما يوجبه الله على المسلم من إطعام المساكين أو التصدّق على الفقراء، إذا عمل مخالفةً شرعيّة في الصوم أو الحجّ أو يمين... تكفيراً لخطئه، وعقوبةً على مخالفته.
الثاني: ما كان على سبيل التطوّع والاستحباب، ويشمل أمورًا كثيرة، منها:
أ- الوقف
وهو من الصدقات المستحبّة، والتي يستمرّ خيرها، ويتجدّد ثوابها إلى ما بعد الممات، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلّا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية، وعلم ينتفع به"[9].
ب- العارية
وهي التسليط على العين للانتفاع بها على جهة التبرّع، أو هي عقد ثمرته ذلك أو ثمرته التبرّع بالمنفعة[10]، كأن يستعير الرجل متاعاً، ثمّ يردّه بعد الانتفاع به دون مقابل، وهي من أعمال الخير والإنسانيّة, فلا غنى للناس عن الاستعانة ببعضهم والتعاون فيما بينهم.
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه, فانتفعوا بالعظة وارغبوا في الخير"[11].
ج- الهديّة أو الهبة
من وسائل التكافل الاجتماعيّ والتي حثّ الإسلام عليها الهديّة أو الهبة، وهي من العوامل التي تقوّي روابط المحبّة والودِّ والألفة بين فئات المجتمع، وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تهادوا تحابّوا, فإنّ الهديّة تذهب بالضغائن"[12].
د- الصدقة
ورد الكثير من النصوص في استحبابها والحثّ عليها، وذكرت لها أوقاتاً خاصّة، يُضاعَف فيه الأجر، كالجمعة وعرفة وشهر رمضان، وبيّنت لها طوائف لهم الأولويّة على غيره، كالجيران والأرحام، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لا صدقة وذو رحم محتاج"[13]، وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن، وهي تقع في يد الربّ تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد"[14].
الإنسان والمجتمع - بتصرّف، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة الضحى، الآية 9.
[2] سورة الماعون، الآيتان 1-2.
[3] سورة الأنعام، الآية 152.
[4] سورة النساء، الآية 10.
[5] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج2، ص474.
[6] سورة البقرة، الآية 280.
[7] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص16.
[8] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، علل الشرائع، تقديم السيّد محمّد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدريّة، العراق - النجف الأشرف، 1385ه - 1966م، لا.ط، ج2، ص369.
[9] ابن أبي جمهور الإحسائيّ، عوالي اللئالي، مصدر سابق، ج1، ص97.
[10] الإمام الخمينيّ، السيّد روح الله الموسويّ، تحرير الوسيلة، دار الكتب العلميّة، العراق - النجف، 1390ه.ق، ط2، ج1، ص591.
[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص200.
[12] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص144.
[13] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص68.
[14] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص3.