كان أبو طالب هو الناصر الوحيد لرسول الله صلى الله عليه واله والمحامي عنه والمحتمل لعظيم الأذى من قومه في سبيله والباذل أقصى جهده في نصرته فما كان يصل إلى رسول الله من قومه سوء مدة حياة أبي طالب.
فلما مات نالت قريش من رسول الله بغيتها وإصابته بعظيم من الأذى فقال لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم .
وقال ابن حجر في الإصابة: لما بعث النبي قام أبو طالب في نصرته وذب عنه من عاداه ومدحه عدة مدائح منها قوله : لما استسقى به أهل مكة فسقوا : وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل ومنها قوله من قصيدة : وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد.
قال ابن عيينة عن علي بن زيد ما سمعت أحسن من هذا البيت.
وفي الدرجات الرفيعة في الحديث الصحيح المشهور أن جبرائيل عليه السلام قال لرسول الله ليلة مات أبو طالب أخرج منها فقد مات ناصرك . ولما أمر الله سبحانه رسوله أن يصدع بما أمر به فقام باظهار دين الله وشهر أمره ودعا الناس إلى الاسلام على رؤوس الاشهاد وذكر آلهة قريش وعابها أعظمت ذلك قريش وأجمعوا على عداوته وخلافه وأرادوا به السوء فقام أبو طالب بنصرته ومنعه منهم وذب عنه من عاداه وحال بينه وبين كفار قريش فلما رأت قريش محاماة أبي طالب عنه وقيامه دونه وامتناعه من أن يسلمه مشى إليه رجال من أشراف قريش منهم عتبة بن ربيعة وشيبة أخوه وأبو سفيان صخر بن حرب وأبو البختري بن هشام والأسود بن المطلب والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأمثالهم من رؤساء قريش فقالوا له يا أبا طالب أن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آراءنا فاما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه ومضى رسول الله ص على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه ثم أسرف الأمر بينه وبينهم تباعدا وتضاعفا حتى أكثرت قريش ذكر رسول الله ص بينها وتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه فمشوا إلى أبي طالب مرة ثانية فقالوا يا أبا طالب أن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا فاما أن تكفه عنا أو ننازله وإياك حتى يهلك أحد الفريقين ثم انصرفوا فعظم على أبي طالب فراق قومه وعدواتهم ولم تطب نفسه باسلام ابن أخيه لهم ولا خذلانه فبعث إليه فقال له يا ابن أخي أن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر على ما لا أطيقه فظن رسول الله ص أنه قد بدا لعمه فيه بداء وإنه خاذله ومسمله وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه فقال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه ثم استعبر باكيا وقام وولى فلما ولى ناداه أبو طالب أقبل يا ابن أخي فاقبل راجعا فقال له إذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشئ أبدا وأنشأ يقول : والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا فانفذ لأمرك ما عليك مخافة * وأبشر وقر بذاك منه عيونا ودعوتني وزعمت إنك ناصحي * ولقد صدقت وكنت قبل أمينا وعرضت عن ديننا قد علمت بأنه * من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا 1.
1-اعيان الشيعة ج8 ص 138_139.