إن من الثابت في شريعة الإسلام ـ كما هو مقرّر في محلّه من كتب الفقه ـ عدم جواز نكاح الكافر من المرأة المسلمة، ولذا فرّق الإسلام بين زينب وبين أبي العاص بن ربيعة حين أسلمت إلى أن أسلم أبو العاص فردها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إليه بنكاح جديد أو بالنكاح الأول1، ولاشك أن فاطمة بنت أسد من السابقات وهي أول امرأة هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة على قدميها، وكانت من أبرّ الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 2، ولما ماتت جاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبكي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما يبكيك؟ فقال: ماتت أمي فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمي والله، وقام صلى الله عليه وآله وسلم مسرعاً حتى دخل فنظر إليها وبكى، وفعل النبيّ أشياء معها لم يفعلها مع أحد من قبل، وسأله المسلمون عن ذلك فقال: اليوم فقدت برّ أبي طالب، إن كانت لتكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها وولدها...3.
فإذا كانت فاطمة بنت أسد بهذه المثابة من الإيمان، وبهذا المقام عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يبقيها في عصمة أبي طالب لو كان كافراً ؟! وهل يتصور في حق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يعطل حكماً من أحكام الإسلام !؟
وبهذا استدل الإمام زين العابدين عليه السلام فقد جاء في رواية أبي علي الموضح قال: تواترت الأخبار بهذه الرواية وغيرها عن علي بن الحسين أنّه سئل عن أبي طالب أكان مؤمناً؟ فقال: نعم، فقيل لـه: إن هاهنا قوماً يزعمون أنّه كافر! فقال عليه السلام: واعجباه يطعنون على أبي طالب، أو على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !! وقد نهاه الله أن يقرّ مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن، ولايشك أحد أن بنت أسد من المؤمنات السابقات، وإنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب رضي الله عنه4.
هذا. ومما يؤيد أن إيمان أبي طالب عليه السلام حقيقة ثابتة لا يتطرق إليها ريب شهادة أبي بكر نفسه بإسلام أبي طالب عليه السلام ، فقد ذكر المؤرخون أن أبا بكر جاء بأبي قحافة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح يقوده، وهو شيخ كبير أعمى، فقال رسول الله: ألا تركت الشيخ حتى نأتيه ! فقال: أردت يا رسول الله أن يأجره الله ! أما والذي بعثك بالحق لقد كنت أشد فرحاً بإسلام عمك أبي طالب مني بإسلام أبي...5
________________________________________
1- تنقيح المقال في علم الرجال 3 : 79 .
2- أصول الكافي ج 1 ص 452.
3- أصول الكافي ج 1 ص454 .
4- بحار الأنوار 35 ص 115 .
5- شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 14 ص 68 .