يكفي في أهمية التبليغ القول أن آثاره تتجلى في الهداية الإلهية للمبلغين حيث تبرز أهمية البيان، ويكفي أن نعلم أن الأنبياء (عليهم السلام) في جميع المراحل استفادوا من البيان لإيصال ما أرادوا.
لو لم يأتِ الأنبياء (عليهم السلام) ولم يمارسوا عملية التبليغ فلن يتمكن البشر من الوصول إلى الهداية حتى مع امتلاكهم الحجة الباطنية أي العقل.
إن جميع البشر مدينون لما بذله الأنبياء (عليهم السلام) من مشقات بالأخص أثناء التبليغ حتى وإن كانوا غير متدينين، على أساس أن الأنبياء (عليهم السلام) والعلماء ساهموا في تصحيح الثقافة البشرية وأوضحوا طريق الكمال.
لم يقتصر الأنبياء (عليهم السلام) في التبليغ على توضيح أحكام الشريعة بل كانوا ناشطين في مجالات أوسع من ذلك، لتحقيق أهداف الدين أمثال إقامة حكومة العدل، وإحقاق الحق، والدفاع عن المظلومين، وزيارة المرضى وصلة الرحم وتكريس العلاقات الاجتماعية بالأخص مع الجيران بالإضافة إلى التدريس والمناظرة وتربية الطلاب. وفي الحقيقة فإن الغفلة عن التبليغ سيؤدي إلى ضياع الدين، على أساس أن القيمين يعملون على التبليغ للدين، حتى أن الله تعالى يقوم بالتبليغ لبقاء الكعبة الشريفة حيث قال تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾[1]. وعلى هذا الأساس فإن ما ذكره القرآن الكريم حول الكعبة الشريفة هو الذي دفع الناس للتوافد إليها من كافة الأماكن. وإذا بلغ التبليغ للكعبة هذا المستوى عندها يصبح التبليغ لحفظ الشعائر الدينية الأخرى التي يتعرض لها الأعداء من أهم الواجبات.
كيفية الارتقاء بالعملية التبليغية وجعلها مفيدة:
الجواب: يجب أن يعتمد التبليغ على أسس التخصص وبناءً على برنامج واضح وإذا غاب هذان الشرطان فقد التبليغ دوره الأساسي. يجب أن نقوم بداية بتربية وتنشئة المبلغ ويجب علينا تحديد الأولويات التبليغية وتقديمها على كافة المواضيع الأخرى. فالعمل الذي لا يحدد مقدار أولوية ستكون الموفقية فيه قليلة. والأولويات من أوجب الواجبات في المصطلح الديني على أساس أنها أمور يجب القيام بها.
بعد عملية التربية والتعليم يجب التخطيط للمبلغين، لنتمكن من تغطية كافة أنحاء البلاد بالمبلغين. وأما التخصص والتخطيط الكلي فهما أمران يقعان على عاتق الحوزة.
طبعاً يجب الإشارة إلى دور المبلغين أنفسهم في تحديد الأولويات التبليغية لكل منطقة. فالأولويات التبليغية تختلف باختلاف الزمان والمكان والناس في كل منطقة، قد تكون الأولوية في مكان ما، إيمان الناس، وقد يكون إيمان الناس أمراً كلياً في مكار آخر حيث تجري الغفلة فيه عن واجب إلهي كالجهاد والزكاة. لذلك تكون الأولوية هنا توضيح المسائل المغفول عنها. ومن هنا نفهم كيف أن الإمام القائد (حفظه المولى) حدد منذ عدة سنوات موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واعتبره أولوية تبليغية وطلب من المسؤولين والمبلغين والناس العمل عليه.
وفي هذا الخصوص من المناسب هنا تحديد بعض الأولويات التبليغية:
لم نتمكن نحن العلماء حتى الآن من توضيح أهمية أصل الزكاة للناس وقد أدى الأمر إلى أضرار كبيرة. كان الرسول (ص) يرسل شخصاً محدداً لتبليغ وتفهيم موضوع الزكاة وهذا يعني أن ترك الزكاة يؤدي إلى أضرار كبيرة على مستوى المجتمع الإسلامي.
ومن الأولويات التبليغية الأخرى التي يجب العمل عليها توضيح أصل ولاية الفقيه على اعتبار أنه أصل أساسي ومحوري، لأن الغفلة عن هذا الأصل قد يدفع الناس لعدم التفريق بين النظام الولائي والنظام الكلي.
آية الله معصومي - بتصرّف
________________________________________
[1] سورة الحج، الآية: 27.