وفي الليلة التي قبض فيها عليه السلام أخبر من كان عنده بان هذه الليلة هي التي قدر الله فيها الرحلة الى جوار قدسه1. وأغمي عليه ثلاث مرات، قرأ بعد المرة الأخيرة: ﴿إذا وقعت الواقعة﴾(الواقعة:1)، و﴿إنا فتحنا لك فتحاً مبينا﴾ (الفتح:1). ثم قال عليه السلام: ﴿الْحَمْدُ للّهِِ الّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوّأُ مِنَ الْجَنّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾(الزمر:74)، ثم قبض من ساعته ولم يقل شيئاً.2
قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: "مرض علي بن الحسين عليه السلام ثلاث مرضات، في كل مرضة يوصي بوصية، فإذا أفاق أمضى وصيته"3.
وقبض الإمام زين العابدين عليه السلام مظلوماً شهيداً مقتولاً بأمر الوليد بن عبد الملك الذي أوعز إلى أخيه هشام بدس السم إليه. فكان مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وآله: "ما من نبي ولا وصي إلا شهيد"4، وما قاله أئمة أهل البيت عليه السلام: "ما منا إلا مقتول شهيد"5. فاستشهد عليه السلام في الخامس والعشرين من محرم الحرام سنة 95 للهجرة عن عمرٍ ناهز السابعة والخمسين عاماً. فضجّت المدينة بالبكاء، وكان يوماً كيوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. وشهد جنازته البر والفاجر، وأثنى عليه الصالح والطالح. وانهال الناس يتبعونه حتى جيء بالجنازة الى البقيع. وعندما غسلّه ابنه محمد الباقر عليه السلام وجد على كتفيه جلب كجلب البعير6 فسأل الناس ما هذه الآثار؟ فقيل لهم : من حمل الطعام في الليل يدور به على منازل الفقراء7. وتم مواراة جسده الظاهر في تربة عمهم الحسن بن علي عليه السلامفي قبة العباس ابن عبد المطلب 8.
فسلامٌ على زين العابدين عليه السلام يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً.
1- بحار الأنوار ج 11 ص 43.
2- الكافي ج 1 ص 468.
3- الكافي ج 7 ص 56.
4- بصائر الدرجات ص 145.
5- أعلام الورى للطبرسي ص 211
6- جلب: قشرة تعلو الجرح عند البرء.
7- تأريخ اليعقوبي ج 3 ص 45.