زينب والحسين عليهما السلام بَطَلا التوحيد

قيم هذا المقال
(0 صوت)
زينب والحسين عليهما السلام بَطَلا التوحيد

قالت زينب عليها السلام: "ما رأيت إلّا جميلاً..."1.


حروب غير عسكريّة:

في الوقت الذي قد تكون الحرب العسكريّة واضعة أوزارها فلا قتل ولا قتال ولا جبهات مشتعلة، نجد أنّ ميادين أخرى تشهد قتالاً ومناورات وعلى الأقلّ مناوشات. وهذه الميادين التي يكون الصراع فيها محتدماً والقتال فيها ضارياً هي ميادين تتّسع لتشمل كلّ مجالات الحياة وأبعادها، فثمّة حروب اقتصاديّة، وثمّة حروب إعلاميّة، وأخرى ثقافيّة وغيرها، على أنّ هذه الحروب قد تكون مرافقة للحرب العسكريّة، إلّا أنّ قرقعة السلاح وأخبار القتال تصرف الانتباه عنها، ولكنّها تكون موجودة وبشراسة، وأيضاً قد تكون هذه المعارك متأخّرة عن المعركة العسكريّة. وتترتّب عليها خصوصاً من الجهة المنتصرة.

وأدوات هذه المعركة هي وسائل الإعلام والاتصال والمنابر والمنتديات والأهداف للكرّ والفرّ، في هذه الميادين وعلى صهوة هذه الوسائل تكون إيجاد الخوف والرعب في المجتمعات الحاضنة للمقاتلين والتأثير في معنويّات المقاتلين، والتأثير في إرادتهم وجعل خطاهم ثقيلة باتّجاه الجبهات وفي العمليّات القتاليّة، وإيجاد حالة من التشكيك في حقّانيّة القضايا التي لأجلها يقاتلون، وأحياناً إيجاد عدم الثقة بالقدرة على الانتصار وتحقيق الأهداف، وهذه هي الحرب النفسيّة، وثمّة أمر آخر هو التأثير في قناعات الفئة المقابلة لتصبح شيئاً فشيئاً من حيث تشعر أو لا تشعر متبنّية لأفكار وعقائد وتخطو في طريق تحقيق أهداف الأعداء. وهذه الحرب كما نرى من أخطر أنواع الحرب وأشدّها فتكاً وبناءً على ما تقدّم فالمواجهة في هذه الميادين جهاد كما في جبهات المواجهة العسكريّة، ففيها يتمّ الدفاع عن القيم، والعقائد والأخلاق والفكر والثقافة، كما يتمّ في الجهاد العسكريّ الدفاع عن الأرض والثروات والنّفوس.

بل إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل غاية الحرب العسكريّة البعد الثقافيّ وقد نقل عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "أنا أقاتل على التنزيل وعليّ يقاتل على التأويل"2.

فالتوحيد أساس حركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل أساس حركة كلّ الرسل، وكذلك فإنّ قتال الإمام عليّ للناكثين في معركة الجمل، وللقاسطين في صفين وللخوارج في النهروان كان لأجل التوحيد ودفاعاً عنه.


الحسين عليه السلام يخرج لأجل التوحيد:

لقد بلغ السوء في حكّام بني أميّة أن تجرؤوا للعبث في الإرث النبويّ من سنّة وسيرة، وحاولوا تسخير الوحي لخدمتهم، فاشتروا ذمم بعض الرواة لإختلاق الأحاديث التي تروّج لباطلهم وتجعل لهم القداسة في نفوس الأمّة، فغدا معاوية خال المؤمنين، وفي بعض الأحاديث فيه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "الأمناء ثلاثة جبرائيل ومعاوية وأنا"3.

فليس من العجب أن يصبح قاتل حجر بن عديّ وأمثاله من النجباء والعلماء كعمّار بن ياسر وغيرهما أمين الوَحْي. وزاد الطين بلّة أنّ معاوية أكمل مهمّة العبث بالإسلام وعقائده وقيمه ومفاهيمه فأوكل أمر الأمّة إلى ابنه الفاسق الفاجر قاتل النّفس المحترمة.

ليعبّر الإمام الحسين عليه السلام عن ما سينتج من هذه الجريمة: "على الإسلام السلام إذ بليت الأمّة براعٍ مثل يزيد"4.

وهذا يعني أنّ خروج الحسين عليه السلام بعياله وخيرة أصحابه وأهل بيته إلى ساحات المواجهة والقتال إنّما كان لأجل دين التوحيد ولأجل بقاء الأمّة أمّة التوحيد، وليبقى المجتمع الإسلاميّ مجتمع توحيد...

والشاهد على ما نقول أنّ حكّام بني أميّة وصل بهم الأمر إلى حدّ أن يدعو بعض ولاتهم إلى أن يطوف النّاس حول بيت عبد الملك بن مروان وهو خير لهم من الطواف حول قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّ مقام عبد الملك عند الله خير من مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدعوى أنّ خليفة المرء خير من رسوله5.

فالحسين عليه السلام كان يرى ما هو أسوأ من ذلك فيما لو لم يخرج ثائراً، ومواجهاً فمستشهداً.


زينب بطلة في ميدان الجهاد الثقافيّ

لقد تبيّن ممّا سلف أنّ المعركة معركة توحيد، أي معركة عقيدة وفكر ومعركة قيم.

وما كادت الحرب تنجلي عن شهادة بطل الإباء، وبطل التضحية والإيثار، ورمز الحقّ والعدالة ومن معه من الأبطال الأخيار الأفذاذ، وبمجرّد وصول السبايا إلى دار الإمارة حتّى أطلق ابن زياد ربيب النّفاق وجنديّ الضلال رميته المشهورة في الحرب النفسيّة، والثقافيّة والعقائديّة أراد بها أوّلاً قلب زينب عليها السلام والنّاس من حولها لينال من مقام أهل بيت النبوّة عند الله والمتأصّل في نفوس النّاس، فقال للعالمة غير المعلّمة: كيف رأيت صنع الله بأخيك وبأهل بيتك؟6.

وهذا القول منه (لعنه الله) أعاد المعركة إلى حقيقتها، صحيح أنّه أراد بذلك نفي المقام المقدّس والسامي للحسين عليه السلام ولآل البيت، وكذلك التشكيك بحقّانيّة قضيّة الثورة الحسينيّة، إلّا أنّ ثمّة أموراً فيه تُصيب مفاصل في العقيدة الإسلاميّة.

فقامت صلوات الله عليها لتردّ هذه الرمية وهذه الضربة بهجوم مضادّ، سلاحه الكلمة ومداده اليقين ومَعين حسن الظنّ بالله تعالى فقالت: "ما رأيت إلّا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذٍ، ثكلتك أمّك يا بن مرجانة".

كلمات هدمت بهنّ بنت بيت الوحي، وسليلة أبطال التوحيد، بنيان النفاق والانحراف الأمويّ المتجلّي بما جرى على لسان ابن زياد ويمكن أن نجد في ردّها ما يلي من المفاهيم:

1- التوحيد والجمال متلازمان:
صحيح أنّ مقتضى التوحيد الأفعاليّ أنّ الفاعل والمؤثّر الوحيد هو الله، فإذا كان الفاعل الوحيد هو الله وحصل ما حصل في الطفّ فلا بدّ من وجه جميل للفعل، فزينب رأت بعين اليقين الجمال الإلهيّ المتجلّي من الملكوت إلى كلّ العوالم بما فيه الدنيا، فكلّ هذا الجمال هو تجلٍّ لجماله تعالى فإنّ الله كامل الجمال وكامل الجلال ولا يصدر عنه إلّا ما هو جميل فلو كان ما كتبه على إنسان الحياة فهو جميل، وإن كان ما كتبه الموت أو القتل فلا بدّ أنّه جميل، فالغنى والصحّة والقوّة جمال، وعكسها من فقر ومرض وضعف أيضاً جمال، ويمكن تصوير جمال الصنع الإلهيّ بأنّ الحسين والشهداء وكذلك السبايا كانت نفوسهم منطوية على بحر من الجمال من التوحيد إلى حسن الظنّ به تعالى إلى الاستعدادات للتضحية والإيثار والشجاعة والبطولة وغيرها، فجاءت أحداث كربلاء لتفتح لهذا العذب الزلال طريقاً ليتدفّق راوياً عطش النّفوس على مدى الأزمنة إلى نماذج وقدوات.

وثانياً لقد شكّل الحدث في عاشوراء ساحة لأمرين، الأوّل: هو إظهار هذه الجواهر البرّاقة والكواكب الزاهرة في سماء البشريّة، والثاني: كان الحدث ليشكّل مكاناً يعرض مبدعها ومكوّنها هذه الجواهر ليستقطب بها النّفوس، لتصنع على عينه تعالى على يدي الحسين عليه السلام.

وقد عبّرت عن ذلك بقولها: "هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم".

2- من يتحمّل البعد السلبيّ؟
بحسب عبارة السيّدة زينب عليها السلام البعد السلبيّ أمر ظرفيّ ومؤقّت ومحلّه تلك البرهة من الزمن وأشارت إلى ذلك لإزعاج ابن زياد عن نومه وإيقاظه من سكرته فقالت: "وسيجمع الله بينك وبينهم".

أي أنّه سينتهي هذا اليوم دنيويّاً ولكن ستبقى آثاره أخروياً. وبالتالي ثمّة عالم هو عالم المحاججة والمخاصمة، وهو عالم ظهور الحقائق، وهناك يُنصف المظلوم وينتصف من الظالم.

فلا تظنّن حيث فعلت ما فعلت أنّك صاحب حقّ وأن بآل البيت على الله هواناً.

ودفاع زينب هنا كان عن العدل الإلهيّ، كما كان الدفاع في الفقرة الأولى عن التوحيد.


خاتمة:

لقد كان الحسين عليه السلام بطلاً للتوحيد، وكذلك كانت زينب بطلة للتوحيد، وقد أكملت عليها السلام ما بدأه أخوها في المدينة ثمّ مكّة ثمّ كربلاء بكلماته ثمّ بدمائه، أكملته بمعاناة الثكل ثمّ السبي ثمّ بكلماتها وخطبها، ولقد انتصرا جميعاً في هذا الميدان، ولذا بقي الإسلام وبقيت شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله.

وهذا ما أشار إليه الإمام السجّاد لمن سأله، من انتصر في كربلاء؟ حيث قال: "إذا جاء وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف الغالب"7.

* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- مثير الأحزان، ص 71.
2- مناقب آل أبي طالب، ج3، ص 19.
3- سير أعلام النبلاء، ج3، ص130، والبداية والنهاية لابن كثير، ج8، ص129.
4- حياة الإمام الحسين، القرشي، ج2، ص257.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ج15، ص242.
6- اللهوف لابن طاووس، ص94.
7- مقتل الحسين للمقرم، ص 66.

قراءة 1542 مرة