مقدمة:
إن موفقية الإسلام مقابل الشرك الجاهلي يتوقف على الأسلوب الذي اتبعه الرسول(ص) في التبليغ والدعوة مدة 23 سنة. وترتبط هذه الدعوة بشكل مباشر بشخصيته الكاملة التي يشكل الصبر والتواضع والاستقامة أهم خصائصها.
وهناك الكثير من المصاعب والمشكلات التي تحملها الرسول(ص) في مسيرة الدعوة الإسلامية ربطاً بالبيئة التي عاش فيها رسول الله(ص) والأشخاص الذين واجههم، وهو مع كل ذلك تمكن من إيصال دعوته أي دين الله إلى المجتمع.
مرحلة الدعوة غير العلنية
بعد انطلاق الدعوة الإسلامية بقي رسول الله (ص) ثلاث سنوات يدعو إليها بشكل غير علني حيث تمكن في هذه المرحلة من تأسيس النواة الأساسية للمسلمين. فقبل الإسلام في هذه المرحلة أشخاص أمثال: السيدة خديجة(ع)، أمير المؤمنين علي(ع)، زيد بن حارثة، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، طلحة بن عبيد الله، أبو عبيدة الجراح، أبو سلمة، أرقم بن أبي الأرقم و...[1].
كان الهدف في هذه المرحلة إيجاد القاعدة الأساسية التي يتمكن رسول الله(ص) من الانطلاق بها بدعوته إلى مجالات أوسع.
أما قريش فلم تواجه دعوة الرسول(ص) العلنية بشكل قاسٍ، ولم تقف في وجه الرسول(ص) والسرّ في ذلك يعود لاختيار الدعوة غير العلنية من قبل الرسول(ص). بالإضافة إلى أن الرسول(ص) لم يستعمل عبارات وأساليب تجرح مشاعرهم، بل ركز على أشخاص محدودين، لذلك نرى أن قريش كانت في هذه المرحلة تتعامل بنوع من عدم الجدية مع الإسلام فلم تصدق وجود دين جديد. وشجع أمية على هذا النوع من التعاطي مع الإسلام وجود سوابق من هذا القبيل، حيث كان أحد الدعاة المسيحيين يدعو الناس إلى التوراة والإنجيل ولما لم يستجب له أحد اضمحلت رسالته وخفتت شعلته، حتى أن أبا سفيان عندما سمع بدعوة الرسول(ص) اعتبرها شبيهة بالدعوة التي كان يدعو إليها ورقة بن عبد الله والتي ستنطفىء في وقت سريع.
تمكن الرسول (ص) بداية من جمع بعض أهل مكة وإدخالهم في الإسلام، ثم بدأ التفكير بتوسيع الدعوة لتشمل الأقارب. وكان هذا الأمر في تلك المرحلة بمثابة تفكير صحيح وتخطيط واضح مارسه الرسول(ص) حيث كانت الحياة الاجتماعية تقوم على العشيرة والقبيلة والأقربين الذين سيشكلون خط الدفاع الأول عن الشخص عند تعرضه للخطر. وبدأت هذه المرحلة بناءً على ما جاء في الآية الشريفة: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾[2].
يقول المفسرون أن الله تعالى أمره بدعوة أقاربه إلى رسالته. طلب الرسول(ص) من علي(ع) وكان له 13 عاماً إعداد الطعام وإحضار اللبن. ثم دعا الرسول (ص) 45 شخصاً من كبار بني هاشم وهناك دعاهم إلى الإسلام. تدخل أبو لهب لفض الجلسة فجمعهم الرسول(ص) في اليوم التالي وخطب فيهم: «إن الرائد لا يكذب أهله والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعلمون وأنها الجنة أبداً والنار أبداً»[3].
ثم قال لهم بأنه جاءهم بما لم يأتِ أحد قومه، أي خير الدنيا والآخرة، ثم سألهم عن من سيكون أخاً له ووصياً: «فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم». انتهى الرسول(ص) من الكلام فعم السكوت الذي قطعه الإمام علي(ع)، الذي أعلن مؤازرته لرسول الله(ص).
طلب منه الرسول (ص) الجلوس ثم طرح الأمر مجدداً على بني هاشم فلم يجبه إلاّ علي(ع) لذلك قال(ص): «إن هذا أخي ووصيي وخليفتي عليكم فاسمعوا له وأطيعوه»[4].
نلاحظ في هذه المرحلة عدم اهتمام قريش بدعوة الرسول(ص) مع العلم أنه خاطب كبار القوم، والسبب في ذلك أنهم حتى تلك اللحظة لم يستشعروا أي خطر يهددهم من قبل رسول الله(ص) وهذا يعني أن الرسول (ص) كان يقوم بما يقوم به بناءً على تخطيط مسبق فتمكن بذلك من التبليغ داخل العشيرة.
بداية الدعوة
بعد ثلاث سنوات من الدعوة غير العلنية بدأ الرسول (ص) الدعوة بشكل واضح وعلني.
في يوم من الأيام وقف الرسول (ص) على صخرة عند جبل الصفا يدعو الناس إلى عبادة الله تعالى فقال: «... إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم تكذبون، قالوا: ما جربنا عليك كذباً. فقال: يا معشر قريش انقذوا أنفسكم من النار فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً إني لكم نذير مبين بين يدي عذاب شديد. إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يريد أهله فخشي أن يسبقوه إلى أهله فجعل يهتف يا صباحاه يا صباحاه أتيتم أتيتم»[5].
أما اللغة التي تحدث بها رسول الله(ص) في هذا الخطاب فهي تفرض وجود الله تعالى ويبدو التحذير من عذابه وهذا يدل على وجود فطرة إلهية يتحلى بها هؤلاء القوم على الرغم من أنها كانت تعيش مراحل اضمحلالها فاستفاد الرسول(ص) من هذه الفرصة المؤاتية.
ويشير تصديق الناس خلال السنوات الثلاث الأول إلى أن الدعوة لم تحرك قريشاً أو تستفزها لتقوم باغتيال الرسول(ص)، إلا أنه مع بداية هذه المرحلة انتهت مرحلة الهدوء وبدأت الصعاب تواجه الرسول الأكرم (ص)[6].
* محمد عابدي.
[1] سيرة ابن هشام، ج1، ص245 و262.
[2] سورة الشعراء، الآية: 214.
[3] السيرة الحلبية، ج1، ص321.
[4] تاريخ الطبري، ج2، ص62؛ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج13، ص210.
[5] السيرة الحلبية، ج1، ص321.
[6] الطبقات الكبرى، ج4، ص100؛ أنساب الأشراف، ج1، ص231؛ السيرة النبوية، ابن هشام، ج1، ص298.
التبليغ النبوي والدعوة العلنية وغير العلنية
نشرت في
آراء و مقالات دينية