﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[1].
إنَّ عمل الإنسان له شكلٌ ظاهر، وباطن مضمر، فأيّ منهما هو مصبُّ الكمال الإنساني في توجيه الإسلام؟
ممّا لا شكّ فيه أنَّ الإسلام شدَّد على الباطن والنيَّة، فقد اشتهر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى أمر دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"[2]. وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "اجعلوا أمركم هذا لله، ولا تجعلوه للناس، فإنَّه ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله"[3].
من هنا كانت الدعوى القرآنية المكرّرة إلى التقوى التي مرجعها القلب والباطن "تقوى القلوب".
إلا أنّ الإسلام لم يهمل الشكل والظاهر، بل اعتبر في بعض الحالات أنّ هناك ترابطاً بين الظاهر والباطن بين عمل الجوارح وتقوى القلوب. قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.
فالشعائر هي الأعلام الظاهرة المنصوبة للطاعة كالصفا والمروة اللتين قال الله تعالى فيهما: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ الله﴾[4]، وكالكعبة الشريفة التي ورد استحباب أن نذكر الله تعالى عندها قائلين: "الحمد لله الذي عظمّك وشرّفك"[5].
لذا نتبارك بالظاهر منها، نتبارك بأركانها، بالحجر الأسود، وبالركن اليماني... لذا نكرّمها ونكسوها بكساء الجمال والبهاء. إن ذلك هو تعظيم لشعائر الله تعالى.
وقد عبَّر الإمام الحسين (عليه السلام) عن حرمة الكعبة الشريفة حينما أرسل يزيد –لعنه الله- مجموعة اغتيال من 30 شخصاً ليغتالوا الإمام الحسين (عليه السلام) ولو كان متمسكاً بستار الكعبة، فخرج الحسين (عليه السلام) من المسجد قائلاً: "إنّي لا أحبّ أن تهتك بسببي حرمة البيت".
خرج الحسين (عليه السلام) من الحجّ مغيِّراً وجهته من مذبح "منى" حيث لم تتم التضحية بتمامها؛ إذ بدّلها الله بكبش عظيم، إلى مذبح "كربلاء" حيث كان الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه هم الفداء العظيم.
بدَّل الحسين (عليه السلام) اتجاهه من مذبح فداء الإنسان بكبش إلى مذبح فداء الدين بأقدس إنسان في ذلك العصر.
بدَّل الحسين (عليه السلام) اتجاهه من مذبح سلوك الفرد لأجل كمال الفرد، إلى مذبح سلوك الجماعة لأجل كمال الجماعة.
لذا كما كانت الدعوة إلى تعظيم شعائر الحج الابراهيمي كانت الدعوة إلى تعظيم شعائر عاشوراء الحسين (عليه السلام) التي تتحقّق من خلال العناوين الآتية:
البكاء:
عن الإمام الرضا (عليه السلام): "على مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنَّ البكاء عليه يحطُّ الذنوب العظام"[6].
إنشاد الشعر:
عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال لجعفر بن عفّان الطائي: "بلغني أنَّك تقول الشعر في الحسين عليه السلام وتجيد؟ قال: نعم، فأنشده، فبكى ومن حوله حتى سالت الدموع على وجهه ولحيته"[7].
وورد عنه أيضاً: "ما من أحد قال في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى به إلا أوجب الله له الجنة وغفر له"[8].
زيارة الحسين (عليه السلام):
عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "... ومن زاره يوم عاشورا [أي الحسين] فكأنما زار الله"[9].
عن الإمام الرضا (عليه السلام): "يا ابن شبيب إن سرّك أن تلقى الله ولا ذنب عليك فزر الحسين (عليه السلام)"[10].
وورد: "من اغتسل في الفرات ثم مشى إلى قبر الحسين عليه السلام كان له بكل قدم يرفعها ويضعها حجة متقبلة بمناسكها"[11].
عن الإمام الصادق (عليه السلام): "لو أنَّ أحدكم حج دهره، ثم لم يزر الحسين بن علي عليهما السلام لكان تاركاً حقا من حقوق رسول الله صلى الله عليه وآله"[12]. بل ورد: أن من ترك زيارة الحسين (عليه السلام) وهو يقدر عليها قد عقّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعقّ أهل بيته...[13]
لعن قاتليه:
عن الإمام الرضا:"يا ابن شبيب إن سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنّة مع النبيّ فالعن قتلة الحسين"[14].
ذكر عطش الحسين (عليه السلام) عند شرب الماء:
ينقل داوود الرقي: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذا استسقى الماء فلما شربه رأيته استعبر، واغرورقت عيناه بدموعه، ثم قال لي: "يا داوود لعن الله قاتل الحسين... إني ما شربت ماء بارداً إلا وذكرت الحسين (عليه السلام)"[15].
تعزية المؤمنين بالمصاب الحسيني:
عن الإمام الباقر (عليه السلام): "ليعزِّ بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين (عليه السلام) وتقول: "عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بالحسين (عليه السلام)، وجعلنا إياكم من الطالبين بثأره مع وليّه والإمام المهدي من آل محمد"[16].
الحضور في المجالس العزاء:
عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال لفضيل: "تجلسون وتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل فرحم الله من أحيا أمرنا"[17].
إظهار الحزن:
عن الإمام الرضا (عليه السلام): " كان أبي إذا دخل شهر المحرَّم لا يُرى ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام..."[18].
وإظهار الحزن يكون من خلال لبس السواد رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، ويكون من خلال رفع الرايات السوداء في الشوارع والأبنية والساحات، ويكون من خلال اللطم على الإمام الحسين (عليه السلام).
إنّها أمور تدور حول الشكل والظاهر، إلا أنّها تحصّن القلوب أفراداً، وتحصّن المجتمع من الانحراف، وتُصحِّح مسار الأمُّة نحو الاتجاه الصحيح، متوليّةً حسين العصر، متبرئة من يزيد العصر.
سماحة الشيخ د. أكرم بركات
[1] الحج: 32
[2] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 67 ص 211
[3] روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه - محمد تقي المجلسي ( الأول ) - ج 12 ص 140
[4] البقرة: 158
[5] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 96 ص 190
[6] الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 190
[7] وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 14 ص 593
[8] وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 14 ص 594
[9] وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 14 ص 469
[10] وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 14 ص 417
[11] وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 14 ص 485
[12] وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 14 ص 428
[13] راجع: وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 14 ص 429
[14] وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 14 ص 417
[15] الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 205
[16] وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 14 ص 509
[17] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 44 ص 282
[18] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 44 ص 284