في ذکری وفاة السیدة فاطمة المعصومة بنت الامام موسی الکاظم علیهما السلام

قيم هذا المقال
(0 صوت)
في ذکری وفاة السیدة فاطمة المعصومة بنت الامام موسی الکاظم علیهما السلام

1-ولادتها

ولدت السیدة فاطمة المعصومة فی غرة ذی القعدة عام 173 هـ وعاشت فی کنف والدها الامام موسى بن جعفر الکاظم السابع من ائمة اهل البیت علیهم السلام واکتسبت منه الفضائل والمعارف، إذ کان أبوها إماما معصوما ولم یوازیه احد فی التقى والمکارم.
وأما والدتها السیدة نجمة کانت من النساء الصالحات المؤمنات التی تعلمت فی مدرسة الإمام جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام. وکانت معروفة بالتقوى وحسن السیرة والزهد والفضل، ومن هنا أشارت السیدة حمیدة والدة الإمام الکاظم (علیه السلام) على ابنها الإمام بالزواج من «نجمة».
کانت السیدة فاطمة التی عرفت بالمعصومة تستفید کل یوم من والدها وأخیها الامام علی بن موسى الرضا الثامن من ائمة علیهم السلام وامها التقیة العالمة بحیث وصلت إلى مقام رفیع من العلم والفضیلة وصارت عارفة بالکثیر من العلوم والمسائل الإسلامیة فی أیام صباها.
فی أحد تلک الأیام أتى جمع من الشیعة إلى المدینة لکی یعرضوا بعض أسئلتهم الدینیة على الإمام الکاظم (علیه السلام) ویأخذوا العلم من معدنه، ولکن کان الإمام الکاظم وکذلک الإمام الرضا (علیه السلام) مسافرین، ولم یکونا حاضرین فی المدینة. فاغتم الجمع، لأنهم لم یجدوا حجة الله ومن یقدر على جواب مسائلهم، واضطروا للتفکیر بالرجوع إلى بلدهم. وعندما رأت السیدة المعصومة (علیها السلام) حزن هؤلاء النفر أخذت منهم أسئلتهم التی کانت مکتوبة، وأجابت علیها، وعندئذ تبدل حزن الجماعة الى فرح شدید ورجعوا ـ مع ظفرهم بجواب مسائلهم ـ إلى دیارهم مفلحین. ولکنهم فی الطریق وفی خارج المدینة التقوا بالإمام الکاظم (علیه السلام) وحدثوه بما جرى علیهم. وبعد ما رأى الإمام جواب ابنته على تلک المسائل أثنى على ابنته بعبارة مختصرة قائلا: «فداها أبوها».
2ـ بدایة المحنة وشهادة الإمام الکاظم (علیه السلام)..
کان سلاطین بنی العباس یؤذون أبناء النبی (صلى الله علیه وآله) کثیرا. وخاصة الإمام الکاظم (علیه السلام) ، فإنه (علیه السلام) لاقى من هؤلاء الخلفاء الجور والآلام الکثیر حیث ابعد عن مدینة جده الرسول (ص) وحرمه وفارق اسرته واودع السجون فی عهد هارون الرشید. وهذه الآلام والمحن کانت تؤلم القلب الطاهر للسیدة المعصومة (علیها السلام)، وکان المسلی الوحید لها وللعائلة هو أخوها الإمام الرضا (علیه السلام).
وصادفت حیاة الإمام الکاظم (علیه السلام) عهد خمسة من حکام العباسیین الظلمة، وهم: أبو العباس السفاح والمنصور الدوانیقی والهادی والمهدی وهارون. وکل واحد من هؤلاء الطواغیت أذاق الإمام (علیه السلام) وسائر ابناء النبی (ص) المتقین أنواع العذاب والتنکیل.
عندما ولدت السیدة المعصومة (علیها السلام) کانت قد مضت ثلاث سنوات من خلافة هارون العباسی الذی کان له قصب السبق فی میدان الظلم والبطش ونهب أموال المسلمین. وکان تابعا للهوى معجبا بالدنیا.
ولم یتیسر للإمام الکاظم (علیه السلام) السکوت على ظلم هارون وخیانته للإسلام والأمة الإسلامیة لقول رسول الله (صلى الله علیه وآله): «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن یظهر علمه وإلا فعلیه لعنة الله»، وأخذ الإمام (علیه السلام) ینهى عن المنکر، وقام فی وجه سیاسة هارون الماحقة للدین.
و هارون ـ لعلمه بتشدد آل النبی وعلی علیهما افضل الصلاة والسلام وخاصة الإمام الکاظم (علیه السلام) فی مقاومة الطواغیت والإستنکار علیهم ـ استنفد کل الوسائل لإخماد صوتهم وأنفق الکثیر من أموال المسلمین على الشعراء لکی ینتقصوا منهم. وکان یسجن احفاد الرسول (ص) أو یبعدهم ویقتل بعضا منهم بعد التعذیب الکثیر فی السجن.
وبعد ما ترسخ حکمه الظالم فی البلاد الإسلامیة أمر بإعتقال الإمام الکاظم (علیه السلام) وسجنه. ومن هنا حرمت السیدة فاطمة المعصومة (علیها السلام) من والدها والإستفادة من معینه الصافی وذلک فی أواخر حیاته الشریفة، وشعرت بالحزن الشدید على فقده.
وکان عمر السیدة المعصومة حینذاک أقل من عشر سنوات، وکانت تحترق لفراق أبیها وتطیل البکاء علیه.
وکذلک کان یصعب على الإمام الکاظم (علیه السلام) فراق أولاده البررة کالإمام الرضا (علیه السلام) والسیدة المعصومة، فصبر جمیل.
وکان الإمام الکاظم (علیه السلام) قد بدل ظلمة السجن نورا بذکر الله، وبدل تلک الأیام الصعبة بالسبحات الطویلة إلى أجمل الأیام. ولکن قلبه کان یخفق فی السجن عندما یتذکر ابنته المعصومة ویشتاق إلى لقائها.
وفی السنتین الأخیرتین من حیاة الإمام الکاظم (علیه السلام) کان ینقل من سجن إلى سجن. بقی (علیه السلام) فی سجن عیسى بن جعفر والی البصرة سنة، وقد أثرت صفاته الحمیدة على حارس السجن بحیث اعتزل الحارس عمله. بعد ذلک حمل الإمام (علیه السلام) بأمر هارون إلى بغداد وسجن عند فضل بن الربیع ثم عند الفضل بن عیسى. وأخیرا نقل إلى سجن السندی بن شاهک.
وسبب التنقل بین هذه السجون هو أن هارون کان یأمر صاحب السجن بقتل الإمام (علیه السلام)، لکن لم یقدم بل ولم یقدر أحد من هؤلاء على هذا العمل الشنیع وأبى کل منهم عنه. إلى أن السندی بن شاهک دس السم للامام علیه السلام بأمر من هارون.
وکان هارون یعرف أن الناس إذا علموا بقتل الإمام (علیه السلام) على یدیه ستکون له عواقب خطیرة. فبدا له مکر بأن یأتی بجماعة من الشیعة قبل استشهاد الإمام (علیه السلام)، لکی یشهدوا أن الإمام (علیه السلام) مریض ویجوز أن یتوفى بمرضه ولا یکون موته مستندا بقتله من أحد.
ولکن یقظة الإمام ومعرفته بعواقب الأمور قد فضحت هارون، فإنه (علیه السلام) مع شدة تأثیر السم فی بدنه الشریف قال لمن حوله: «لقد سمنی هذا الرجل بتسع تمرات وسیخضر بدنی غدا وسأقضی بعد غد».
وأخیرا بعد یومین من کلام الإمام (علیه السلام) فی الخامس والعشرین من شهر رجب سنة 183 ه.ق. قضى الإمام الکاظم (علیه السلام) نحبه مسموماً شهیداً، ولحق بجده الرسول الاکرم (ص) وآبائه الطاهرین علیهم السلام.
وعندما سمع اتباع اهل البیت (ع) خبر استشهاد الإمام الکاظم (علیه السلام) لبسوا ثوب الحزن ونصبوا مآتم العزاء، فإنهم فقدوا قائدهم الذی عشقوه بکل وجودهم ولا شی‏ء یمکن أن یسکن أفئدتهم الحزینة. ومن بینهم من لا یسکن عبرته وهی ابنته السیدة المعصومة وکانت فی حداثة سنها وقد أوجعها خبر استشهاد أبیها (علیه السلام). حیث انتظرت سنین لعل أباها العزیز یرجع یوما ویعتنقها، ولکنها الآن لا بد أن تصبر على مصیبة فقدانه وتتجرع الحزن والآلام.
3ـ سفرالامام الرضا (علیه السلام) إلى مرو..
وبعد استشهاد الإمام الکاظم (علیه السلام) انتقلت الإمامة إلى ابنه علی بن موسى الرضا (علیه السلام) وکان فی الخامسة والثلاثین من عمره الشریف. وکان (علیه السلام) بالإضافة إلى إمامته الإلهیة وهدایة الأمة الإسلامیة الوصی الوحید لأبیه الکاظم (علیه السلام) الذی یتولى مسئولیة إخوته وأخواته.
وبالرغم من استمرار ضغط حکومة هارون کان الإمام الرضا (علیه السلام) مشغولا بمهمته الإلهیة من دون أی خوف ورهبة، ولم یتوان لحظة عن نشر الحق والهدى. مع ذلک لم تکن الظروف تسمح لهارون بالتعرض للإمام (علیه السلام) أو إظهار العداوة له.
وفی سنة 193 ه.ق. مرض هارون ومات ، وتخلص المسلمون من سفاک آخر من بنی العباس. وبعد هارون ارتقى «الأمین» منصة الخلافة ولم تدم خلافته طویلا، حیث وقع نزاع دام مع أخیه «المأمون» على منصب الخلافة، وأخیرا فی سنة 198 ه.ق. قتل الأمین على ید أخیه وتسنم المأمون منصب الخلافة.
واغتنم الإمام الرضا (علیه السلام) فرصة النزاع بین ابناء الرشید واستطاع اعداد وتربیة عدد من تلامذته وأتباعه.
وبعد ما استتب أمر الحکم للمأمون رسخ أرکان سلطانه بالحیلة والإغراء. ومن خططه وخداعه لعامة الناس انه جمع العلماء حوله وأسس مجالس علمیة وحاول أن یظهر نفسه بأنه حاکم خبیر ومحب للعلم وأهله. ومن جهة أخرى ولأجل اجتذاب دعم الشیعة لبنی العباس کان یظهر حبه لأمیر المؤمنین علی (علیه السلام) ویلعن معاویة.
ونظراً لإتساع رقعة البلاد الإسلامیة وانتشار المعارضین لحکم بنی العباس اضطر المأمون الى اجتذاب حمایة الشیعة حیث ان انضمامهم لصفوف المعارضین یزلزل حکمه، لذلک عزم على تعیین الإمام الرضا (علیه السلام) لمنصب ولایة العهد.
وتصور انه فی حال قبول الإمام (علیه السلام) لهذا المنصب سیکف اتباعه عن مخالفة سلطان بنی العباس. ومن هنا وجه المأمون رسائل کثیرة الى الإمام الرضا (علیه السلام) بهذا الصدد، إلا ان الإمام کان یرفض الفکرة بشدة رغم اصرار المأمون.
ولکن المأمون لم یکف فأرسل «رجاء بن أبی‏ الضحاک» إلى المدینة وذلک سنة 200 ه.ق. لکی یشخص بالإمام (علیه السلام) من المدینة إلى «مرو» مرکز حکم المأمون، وکان یأمل بنیل موافقة الإمام (علیه السلام) على مقترحه. وبعد إجبار الإمام وإکراهه على الخروج من المدینة، قام بزیارة قبر جده (صلى الله علیه وآله) والأئمة الأربعة فی البقیع (علیهم السلام)، ثم ودع أولاده وإخوانه وأخواته ومنهن أخته الکریمة السیدة فاطمة المعصومة (علیها السلام)، وغادر متجها إلى مرو.
ومع مغادرة الإمام الرضا (علیه السلام) انتهت اللحظات السعیدة فی حیاة السیدة فاطمة المعصومة (علیها السلام)، فإنها بعد استشهاد أبیها الإمام الکاظم (علیه السلام) وجدت الرحمة والحنان فی کنف أخیها الرضا (علیه السلام) والآن وقد رحل قسرا ، وصعب الفراق على جمیع افراد اسرة الإمام الکاظم (علیه السلام) لاسیما ابنته السیدة المعصومة.
واوعز المأمون الى عماله بابعاد قافلة الإمام الرضا عن المدن التی یقطنها الشیعة خصوصا الکوفة وقم. لأنه کان یشعر بالهلع من أن یؤدی حضور الإمام (علیه السلام) إلى الثورة والنهضة علیه.
ورغم خطة المأمون إلا ان المسلمین فی المدن الواقعة على مسار قافلة  الإمام (علیه السلام) استقبلوا ابن النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) بحفاوة لا مثیل لها، وحال دخول مدنهم کانوا ینهلون من غزارة علمه (علیه السلام). وفی بعض المدن الإیرانیة کنیسابور استقبله بما لا مثیل له فی التاریخ، فکان یأتی  أهل المدینة ویحیطون براحلة الإمام وینهلون من علمه الشریف.
4 ـ حرکة السیدة المعصومة (علیها السلام) من المدینة إلى مرو..
ومضت سنة على سفر الإمام الرضا (علیه السلام) إلى مرو، وأهل بیت النبی(صلى الله علیه وآله) فی المدینة حرموا من عزیزهم الذی کانوا یستشعرون الرحمة والیمن بجواره، ولم یکن یسکن رویهم شی‏ء سوى رؤیتهم للإمام المعصوم (علیه السلام).
والسیدة فاطمة المعصومة (علیها السلام) کبقیة إخوتها وأخواتها قل صبرها وکانت کل یوم تجزع لفراق أخیها الرضا (علیه السلام).
وفی هذه الأیام کتب الإمام (علیه السلام) رسالة مخاطبا أخته السیدة المعصومة (علیها السلام)، وأرسلها بید أحد خدامه إلى المدینة المنورة، وأمره أن لا یتوقف وسط الطریق کی یوصلها إلى المدینة المنورة بأقصر وقت ممکن، وکذلک فإنه (علیه السلام) دل الرسول على منـزل أبیه حیث تسکن أخته المعصومة.
ووصل مبعوث الإمام إلى المدینة المنورة وامتثالا للأمر سلم الرسالة إلى السیدة المعصومة. وعلى الرغم من أننا لا نعرف شیئا عن محتواها الا انها لاشک قد أشعلت نار الشوق فی أهله وأقربائه. ومن هنا قررت السیدة المعصومة وبعض إخوة الإمام وأبناء إخوته أن یتحرکوا نحو مرو لیلتحقوا بالإمام(علیه السلام).
وضمت القافلة السیدة فاطمة المعصومة مع خمسة من إخوتها، هم: الفضل، جعفر، هادی، القاسم وزید. ومعهم بعض أبناء إلاخوة.
وتحرکت قافلة اسرة الإمام الرضا(علیه السلام)، وبغیر المنازل الضروریة للصلاة والغذاء والإستراحة لم تتوقف لحظة عن المسیر، مخلفة هضاب الحجاز وصحاریه وراءها مبتعدة یوما فیوما عن مدینة الرسول(صلى الله علیه وآله).عناء السفر کان یؤذی السیدة المعصومة کثیرا، ومع أن قطع هذا الطریق الوعر کان یشق على شابة مثلها ولکنها لشدة شوقها لزیارة أخیها کانت مستعدة لتحمل أضعاف هذا العناء.
5 ـ القافلة فی ساوة...
وأخیرا وصلت القافلة إلى مدینة ساوة وسط ایران، وهناک مرضت السیدة المعصومة مرضا شدیدا بحیث لم تقدر على مواصلة الطریق. هذا السفر الطویل المتعب من المدینة المنورة إلى ساوة قد أضعفها وأنحل المرض جسمها وأشحب لونها.
وعلى أیة حال، قررت السیدة بعد ذلک الذهاب إلى «قم» التی تفصلها عشرة فراسخ. وکانت ملاذا للشیعة، مع أن مذهب التشیع لم یکن شائعا فی إیران، لکن هجرة الأشعریین العرب من الکوفة بسبب ظلم حکام بنی أمیة أضفى علیها طابعا شیعیا.
ولما بلغ خبر وصول السیدة المعصومة إلى ساوة ومرضها هناک، إلى أهل قم، أجمع کل أهل المدینة أن یذهبوا إلى السیدة ویطلبوا منها الإقامة فی قم. وذهب «موسى بن خزرج» ممثلاً من أهل قم إلى بنت الإمام الکاظم(علیه السلام) وأخبرها برغبة القمیین وفرط اشتیاقهم بزیارتها، وأجابت السیدة المعصومة طلبهم وأمرت بالحرکة نحو قم.
وأخذ موسى بن خزرج زمام ناقة السیدة المعصومة(علیها السلام) مفتخراً، وقادها إلى المدینة التی کانت تنتظر قدوم أخت الإمام الرضا(علیه السلام) حتى وصلت القافلة إلیها.
6 ـ وفاة السیدة المعصومة(علیها السلام)..
وفی 23 ربیع الأول سنة 201 ه.ق. وصلت قافلة السیدة المعصومة إلى مدینة قم، واستقبلها أهلها بحفاوة بالغة، وشعروا بالابتهاج لدخول السیدة دیارهم.
وکان موسى بن خزرج ذا یسر وبیت وسیع، وأنزل السیدة فی داره وتکفل لضیافة السیدة المعصومة(علیها السلام) ومرافقیها. واستشعر موسى بن خزرج فرط السعادة بخدمته لضیوف الرضا(علیه السلام) القادمین من مدینة الرسول(صلى الله علیه وآله). وهیأ لهم کل ما یحتاجونه بسرعة.
ثم اتخذت السیدة فاطمة المعصومة منـزل موسى بن خزرج مقرا للعبادة والابتهال الله ومناجاته والشکوى إلیه والاستعانة به على ما أصابها. وهذا المعبد باق إلى الآن ویسمى بـ«بیت النور».
أقلق مرض بنت الإمام الکاظم مرافقیها وأهالی قم کثیرا، مع أنهم لم یبخلوا علیها بشی‏ء من العلاج، إلا أن حالتها اخذت بالتدهور یوما بعد یوم. لأن المرض قد انتشر بدنها الشریف.
وفی العاشر من ربیع الثانی 201 ه.ق. توفیت السیدة المعصومة(علیها السلام) دون أن ترى أخاها. ودمعة عینها وحزن فؤادها لم یهدأ لفراقه.
وفجع أهل قم بتلک المصیبة وفی غایة الحزن لوفاتها أقاموا العزاء علیها.
7 ـ مراسم الدفن...
وتکفلت نساء الشیعة ومحبات أهل البیت (علیهم السلام) بغسل الجسد الطاهر للسیدة المعصومة وتکفینها. وعندما حان وقت الدفن رأى زعماء الأشعریین ووجوههم أن یدفن الجسد الطاهر فی مکان مناسب غیر المقبرة العامة.
وموسى بن خزرج الذی کان صاحب قصب السبق فی هذا الأمر خصص بستاناً کبیراً له فی منطقة یقال لها: «بابلان» عند نهر قم لدفن الجسد الطاهر. والآن کل شی‏ء جاهز، ولکن من الشخص الذی یباشر ویتولى دفن السیدة المعصومة (علیها السلام)؟ تبادل الحاضرون الرأی، وأخیرا اتفقوا أن یوکلوا هذا العمل إلى شیخ کبیر صالح اسمه «قادر»، وأرسلوا لإحضاره، ولکن دون جدوى وفی هذا الحال وإذا براکبین متوجهین من جهة النهر واقتربا إلى محل الدفن. وعندما وصلا إلى الجسد الشریف للسیدة نزلا من المرکب وصلیا على الجنازة، ثم تولیا دفن الجسد الطاهر بتعجب الحاضرین رکبا راحلتهما وابتعدا بسرعة.
وانتهت مراسم الدفن بکل وقار وسط حزن الشیعة وبکائهم، وباتت قم التی سمیت «عش آل محمد (علیهم السلام)» مزار بضعة الإمام الکاظم (علیه السلام).
ثم إن موسى بن خزرج أوقف بستانه ـ احتراماً لمزار السیدة ـ للمسلمین، کی یدفن شیعة علی (علیه السلام) موتاهم حول المرقد الشریف.
8 ـ المزار الشریف للسیدة المعصومة (علیها السلام)
وبنى أهل قم کوخاً من الحصیر على مرقد السیدة المعصومة(علیها السلام)، وبعد مضی خمسین سنة وباهتمام من السیدة زینب بنت الإمام الجواد (علیه السلام) بنیت أول قبة على قبر السیدة المعصومة.
وثم جدد بناء الحرم الطاهر من قبل محبی أهل البیت (علیهم السلام) وشیعتهم وتوسع حتى أصبح بالشکل الذی هو علیه الآن.
وکان الحرم المنور للسیدة المعصومة ملاذا للشیعة وسبب خیر وبرکة لأهل قم.
وکم من المحتاجین یسرت حاجاتهم، وکم من المرضى نالوا الشفاء بفضل کریمة أهل البیت (علیهم السلام)، ویوم القیامة ستأخذ إن شاء الله بأیدی زوارها إلى شاطئ النجاة، «یا فاطمة اشفعی لنا فی الجنة...».
وروی عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنه قال: «إنها تدخل کل شیعتنا الجنة بشفاعتها».
وفی القرون الأخیرة تربى الکثیر من العلماء المجاهدین بجوار هذه التربة المبارکة التی تأسست بها الحوزة العلمیة والکثیر من المدارس الدینیة حیث تخرج منها الکثیر من الفقهاء الذین کانوا منشأ خیر وبرکة فی العالم الإسلامی ومنهم قائد الثورة الاسلامیة فی ایران الإمام السید روح الله الموسوی الخمینی الذی بدأ ثورته المبارکة بجوار الحرم.
وتأتی قوافل الزوار من مختلف اماکن إیران والعالم لزیارة هذا الحرم الشریف، إظهارا للمحبة الخالصة لنبی الإسلام ولأهل بیته (علیهم السلام).
والسلام علیها یوم ولدت ویوم ماتت ویوم تبعث حیاً.

قراءة 1450 مرة