رسالة في تعظيم الشعائر

قيم هذا المقال
(1 Vote)
رسالة في تعظيم الشعائر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وسيد بريته محمد و آله الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.

و بعد، من منن الله تبارك وتعالى شأنه على ان دعيت للحضور فى المؤتمر المزمع عقده تبجيلا وتكريما للمحقق العظيم والعلامة التقي الجامع لمكارم الآداب والفنون المولى أحمد بن محمد مهدي بن ابي ذر النراقي طيب الله ثراه، فاستجبت هذه الدعوة المباركة الميمونة وحمدت الله على هذه المنة والتشريف، كيف لا وهي من منن الله جل جلاله شرفني بها واخترت من عوائد هذا المولى المكرم وفوائده عائدة لطيفة وفائدة وجيزة وهي عائدة في تعظيم شعائر الله، حيث لا يسمحني كثرة الاشتغال وعدم المجال للورود في المسائل الطويلة والعوائد المنبسطة بحثا وتنقيبا.و أسال الله تبارك وتعالى أن يوفقني بما يحب ويرضى ويحفظني من الخطأ والزلل.

قال المولى النراقي: «عائدة» قد تكرر فى كتب الفقهاء الحكم بوجوب تعظيم شعائر الله وبه يتمسكون في أحكام كثيرة من الوجوب والحرمة، كحرمة بيع المصحف وكتب الحديث من الكفار ودخول الضرائح المقدسة على غير طهر وأمثال ذلك والأصل منه قوله تعالى سبحانه في سورة الحج بعد ذكر طائفة من مناسك الحج «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق» (1) .

و نحن نبدأ كلامنا تيمنا بتعظيم شعائر الله، والشعائر جمع الشعيرة بمعنى العلامة، كالفضائل والفضيلة والغرائز والغريزة والرذائل والرذيلة والعشائر والعشيرة والمراد بتعظيم شعائر الله تعظيم كل ما هو محترم عند الله ومعظم في الدين. ورعاية كل ما هو علامة الدين والشريعة رعاية وجوبية أو استحبابية في مختلف مواردها. ولكن حيث إن الآية الشريفة المذكورة واردة في سورة الحج وفي مورد مناسكه وشعائره ربما يقال إن المراد من الشعائر المنظورة في الحج من البدن خاصة، أو مناسك الحج وأعماله كلها، أو مواضع مناسكه ومعالمه.و لكنا نرى أن المعنى الصالح للتمسك بالآية الشريفة في كلمات القوم سيما اعلامنا الاكارم ما ذكرناه أولا.

و لا يخفى ان اللفظة المباركة «شعائر الله» قد وردت في آيات اخر، مثل الآية الثانية في سورة المائدة: «يا أيها الذين آمنوا لاتحلوا شعائر الله» الى اخر الآية ولا بأس بالتعرض لكلمات اهل اللغة والمفسرين وغيرهم في شأن الآية الشريفة، ثم استنتاج الحق منها ومن الأحاديث الواردة في المقام. ولا يخفى ان أرباب معاجم اللغة قد أكثروا في معنى مادة الكلمة وادرجوا تفسير الشعائر في ضمن كلامهم. فنقول مستعينا بعون الله تعالى: في كتاب العين لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي: شعائر الله مناسك الحج، أي علاماته والشعيرة من شعائر الحج وهو أعمال الحج من السعي والطواف والذبائح، كل ذلك شعائر الحج . والشعيرة أيضا البدنة التي تهدى الى بيت الله وجمعت على الشعائر. تقول: قد اشعرت هذه البدنة نسكا، أي جعلتها شعيرة تهدى، ويقال اشعارها ان يجأ أصل سنامها بسكين فيسيل الدم على جنبها، فيعرف انها بدنة هدي. و كره قوم من الفقهاء ذلك وقالوا: إذا قلدت فقد اشعرت . (2)

و في كتاب معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا: مشاعر الحج مواضع المناسك، سميت بذلك لانها معالم الحج.و الشعيرة، واحدة الشعائر وهي اعلام الحج واعماله قال الله جل جلاله: «ان الصفا والمروة من شعائر الله» الى آخر كلامه.

و في النهاية في غريب الحديث والاثر لابن الاثير مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجرزى: (شعر) قد تكرر في الحديث ذكر «الشعائر» وشعائر الحج آثاره وعلاماته، جمع شعيرة.و قيل هو كل ما كان من أعماله كالوقوف والطواف والسعي والرمي والذبح وغير ذلك . و قال الازهري: الشعائر: المعالم التي ندب الله اليها وامر بالقيام عليها. الى آخر كلامه. (3)

وفي القاموس في مادة شعر: شعائر الحج مناسكه وعلاماته، والشعيرة والشعارة والمشعر معظمها أو شعائره معالمه التي ندب الله اليها وأمر بالقيام بها.

و في لسان العرب: قال الزجاج في شعائر الله: يعني بها جميع متعبدات الله التي اشعرها الله أي جعلها اعلاما لنا، وهي كل ما كان من موقف أو مسعى أو ذبح.

هذه كلمات أكابر اللغويين وقد فسروا كلمة مشاعر الله بمواردها.و أنت خبير بأن شأن الايات الشريفة القرآنية بيان القوانين الكلية الالهية والضوابط العامة الشرعية من غير اختصاصها بموارد تحقق مواردها.

و لا بأس بالتعرض لبعض كلمات الأعلام من المفسرين:

قال الشيخ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسير الاية الشريفة، «يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله..» . (4) الخ. اختلف اهل التأويل في معنى قول الله «لا تحلوا شعائر الله» فقال بعضهم: معناه، لا تحلوا حرمات الله ولا تتعدوا حدودها، كأنهم وجهوا الشعائر الى المعالم، وتأولوا: لا تحلوا شعائر الله: معالم حدود الله وأمره ونهيه فرائضه.

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، قال : حدثنا حبيب المعلم، عن عطاء: انه سئل عن شعائر الله فقال: حرمات الله اجتناب سخط الله، واتباع طاعته فذلك شعائر الله . وقال آخرون: معنى قوله، «لا تحلوا» حرم الله فكانهم وجهوا معنى قوله «شعائر الله» : أي معالم حرم الله من البلاد. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط عن السدي «يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله» قال : أما شعائر الله: فحرم الله.

و قال آخرون: معنى ذلك: لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها، وكأنهم وجهوا تأويل ذلك الى: لا تحلوا معالم حدود الله التي حدها لكم في حجكم.

ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريح: قال ابن عباس: قوله «لا تحلوا شعائر الله قال: مناسك الحج» .

حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثنا معاويه، عن علي بن ابي طلحة، عن ابن عباس، قوله «ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله» قال: كان المشركون يحجون البيت الحرام ويهدون الهدايا ويعظمون حرمة المشاعر، ويتجرون في حجهم، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فقال الله عز وجل «لا تحلوا شعائر الله» .

حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله شعائر الله: الصفا والمروة والهدي والبدن كل هذا من شعائر الله.

حدثني المثنى، قال: حدثني أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله .

وقال آخرون: معنى ذلك، لا تحلوا ما حرم الله عليكم في حال احرامكم، ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن سعد قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله «لا تحلوا شعائر الله» قال: شعائر الله ما نهى الله عنه أن تصيبه وأنت محرم . وكأن الذين قالوا هذه المقالة، وجهوا تأويل ذلك الى لا تحلوا معالم حدود الله التي حرمها عليكم في احرامكم.

وأولى التأويلات بقوله «لا تحلوا شعائر الله» قول عطاء الذي ذكرناه من توجيهه معنى ذلك الى: لا تحلوا حرمات الله ولا تضيعوا فرائضه، لأن الشعائر جمع شعيرة والشعيرة فعيلة، من قول القائل قد شعر فلان بهذا الأمر، اذا علم به.فالشعائر: المعالم من ذلك، وإذا كان ذلك كذلك كان معنى الكلام لا تستحلوا أيها الذين آمنوا معالم الله، فيدخل في ذلك معالم الله كلها في مناسك الحج، من تحريم ما حرم الله اصابته فيها على المحرم وتضييع ما نهى عنه تضييعه فيها.و فيما حرم من استحلال حرمات حرمه، وغير ذلك من حدوده وفرائضه، حلاله وحرامه، لأن كل ذلك من معالمه وشعائره، التي جعلها امارات بين الحق والباطل يعلم بها حلاله وحرامه وأمره ونهيه. (5)

و قال الطبري أيضا في تفسيره الآية الشريفة «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» (6) ـ بعد نقل أقوال مختلفة ـ :

اولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره، اخبر ان تعظيم شعائره وهي ما جعله اعلاما لخلقه فيما تعبدهم به من مناسك حجهم من الأماكن التي أمرهم باداء ما افترض عليهم منها عندها والاعمال التي الزمهم عملها في حجهم: من تقوى قلوبهم ولم يخصص من ذلك شيئا، فتعظيم كل ذلك من تقوى القلوب كما قال جل ثناؤه، وحق على عباده المؤمنين به تعظيم جميع ذلك. (7)

و في تفسير التبيان لشيخ الطائفة الحقة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس سره القدوسى في تفسير ومعنى الآية الشريفة، «يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ..» . (8) : هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين ينهاهم أن يحلوا شعائر الله واختلفوا في معنى شعائر الله على سبعة اقوال: فقال بعضهم: معناه لا تحلوا حرمات الله، ولا تتعدوا حدوده، وحملوا الشعائر على المعالم، وأرادوا بذلك معالم حدود الله وامره ونهيه وفرائضه، ذهب اليه عطاء وغيره.

و قال قوم: معناه لا تحلوا حرم الله وحملوا شعائر الله على معالم حرم الله من البلاد . ذهب إليه السدي.

وقال آخرون: معنى شعائر الله مناسك الحج.و المعنى لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها. ذهب اليه ابن جريح، ورواه ابن عباس.

وقال ابن عباس: كان المشركون يحجون البيت ويهدون الهدايا، ويعظمون حرمة المشاعر ويتجرون في حجهم، فأراد المسلمون ان يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك.

وقال مجاهد: شعائر الله الصفا والمروة والهدي من البدن وغيرها.كل هذا من شعائر الله .

و قال الفراء: كانت عامة العرب لا ترى الصفا والمروة من الشعائر ولا يطوفون بهما، فنها هم الله عن ذلك وهو قول أبي جعفر ( عليه السلام) .و قال قوم: معناه لا تحلوا ما حرم الله عليكم في إحرامكم.

روي ذلك عن ابن عباس في رواية أخرى.

وقال الجبائي الشعائر: العلامات المنصوبة للفرق بين الحل والحرم نهاهم الله ان يتجاوزوها الى مكة بغير إحرام.

وقال الحسين بن علي المغربي: المعنى، لا تحلوا الهدايا المشعرة.و هو قول الزجاج واختاره البلخي.

وأقوى الاقوال قول عطاء من ان معناه: لا تحلوا حرمات الله ولا تضيعوا فرائضه، لأن الشعائر جمع شعيرة وهي على وزن فعيلة واشتقاقها من قولهم شعر فلان بهذا الامر اذا علم به، فالشعائر المعالم من ذلك، وإذا كان كذلك، وجب حمل الآية على عمومها فيدخل فيه مناسك الحج وتحريم ما حرم في الاحرام، وتضييع ما نهي عن تضييعه واستحلال حرمات الله، وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلاله وحرامه ، لان كل ذلك من معالمه، فكان حمل الآية على العموم أولى. (9)

وفي مجمع البيان للشيخ الأجل الأكبر الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي «قدس الله سره» عند قوله: «يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله» : اختلف في معنى شعائر الله على أقوال، أحدها: ان معناه لا تحلوا حرمات الله ولا تتعدوا حدود الله وحملوا الشعائر على المعالم، أي معالم حدود الله وأمره ونهيه، عن عطاء وغيره. و ثانيها: ان معناه لاتحلوا حرم الله وحملوا الشعائر على المعالم، أي معالم حرم الله من البلاد، عن السدي.

ثالثها: ان معنى شعائر الله مناسك الحج أي لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها، عن ابن جريح وابن عباس.

ورابعها: ما روي عن ابن عباس ان المشركين كانوا يحجون البيت ويهدون الهدايا ويعظمون حرمة المشاعر وينحرون في حجهم، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك.

وخامسها: ان شعائر الله هى الصفا والمروة والهدي من البدن وغيرها عن مجاهد وقال الفراء كانت عامة العرب لا ترى الصفا والمروة من شعائر الله ولا يطوفون بينهما فنهاهم الله عن ذلك وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام.

وسادسها: ان المراد لا تحلوا ما حرم الله عليكم في إحرامكم، عن ابن عباس في رواية أخرى .

وسابعها: ان الشعائر هي العلامات المنصوبة للفرق بين الحل والحرم، نهاهم الله سبحانه أن يتجاوزوها الى مكة بغير إحرام، عن أبي علي الجبائي.

وثامنها: ان المعنى لا تحلوا الهدايا المشعرة، أي المعلمة لتهدى الى بيت الله الحرام . عن الزجاج والحسين بن علي المغربي، واختاره البلخي. وأقوى الأقوال هو القول الأول، لأنه يدخل فيه جميع الأقوال من مناسك الحج وغيرها وحمل الاية على ما هو الأعم أولى. (10)

وفي مجمع البيان أيضا عند قوله تعالى: «ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» أي معالم دين الله والأعلام التي نصبها لطاعته، ثم اختلف في ذلك فقيل : هي مناسك الحج كلها عن ابن زيد وقيل: هي البدن وتعظيمها استسمانها واستحسانها عن مجاهد وعن ابن عباس في رواية مقسم والشعائر جمع شعيرة وهي البدن إذا أشعرت أي أعلمت عليها بأن يشق سنامها من الجانب الأيمن ليعلم أنها هدي، فالذي يهدى مندوب الى طلب الأسمن والأعظم وقيل: شعائر الله دين الله كله وتعظيمها التزامها، عن الحسن.

وقال ناصر الدين ابو الخير عبد الله بن عمر البيضاوي في تفسيره، أنوار التنزيل: «ذلك ومن يعظم شعائر الله» دين الله أو فرائض الحج ومواضع نسكه أو الهدايا لأنها من معالم الحج وهو وفق الظاهر وتعظيمها أن يختار حسانا سمانا غالية الأثمان، روي أنه صلى الله عليه و آله سلم أهدى مائة بدنه فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب وان عمر اهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار الخ. (11)

و قال فخر الدين الرازى: في تفسيره الكبير عند قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لاتحلوا شعائر الله» (12) : واعلم ان الشعائر جمع والأكثرون على أنها جمع شعيرة وقال ابن فارس: واحدها شعارة والشعيرة فعيلة بمعنى مفعلة والمشعرة المعلمة والإشعار الإعلام وكل شي ء اشعر فقد اعلم وكل شي ء جعل علما على شي ء أو علم بعلامة جاز أن يسمى شعيرة. فالهدي الذي يهدى الى مكة يسمى شعائر لأنها معلمة بعلامات دالة على كونها هديا واختلف المفسرون في المراد بشعائر الله وفيه قولان الأول: قوله: «لا تحلوا شعائر الله» أي لا تحلوا بشي ء من شعائر الله وفرائضه التي حدها لعباده وأوجبها عليهم وعلى هذا القول فشعائر الله عام في جميع تكاليفه غير مخصوص بشي ء معين ويقرب منه قول الحسن شعائر الله دين الله.

والثاني: ان المراد منه شي ء خاص من التكاليف وعلى هذا القول فذكروا وجوها. الأول: المراد لا تحلوا ما حرم الله عليكم في حال إحرامكم من الصيد. والثاني قال ابن عباس: إن المشركين كانوا يحجون البيت ويهدون الهدايا ويعظمون المشاعر وينحرون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فأنزل الله تعالى «لا تحلوا شعائر الله» .

الثالث: قال الفراء كانت عامة العرب لا يرون الصفا والمروة من شعائر الحج ولا يطوفون بها، فأنزل الله تعالى لا تستحلوا ترك شي ء من مناسك الحج وأتوا بجميعها على سبيل الكمال والتمام.

الرابع: قال بعضهم: الشعائر هي الهدايا تطعن في اسنامها وتقلد ليعلم.انها هدي وهو قول أبي عبيدة، قال: ويدل عليه قوله تعالى «و البدن جعلناها لكم من شعائر الله» وهذا عندي ضعيف لأنه تعالى ذكر شعائر الله ثم عطف عليها الهدي، والمعطوف يجب أن يكون مغايرا للمعطوف عليه. (13)

وقال محمد بن علي بن محمد الشوكاني في تفسيره (فتح القدير) : الشعائر جمع الشعيرة وهي كل شي ء فيه لله تعالى شعار، ومنه شعار القوم في الحرب، وهو علامتهم التي يتعارفون بها ومنه إشعار البدن، وهو الطعن في جانبها الأيمن، فشعائر الله أعلام دينه وتدخل الهدايا في الحج دخولا أوليا والضمير في قوله: «فإنها من تقوى القلوب» راجع الى الشعائر بتقدير مضاف محذوف: أي فإن تعظيمها من تقوى القلوب، أي من أفعال القلوب التي هي التقوى، فإن هذا التعظيم ناشئ من التقوى. (14)

وفي تفسير الآية الشريفة «لا تحلوا شعائر الله» ينقل الأقوال ويقول في آخر كلامه وقيل المراد بالشعائر هنا فرائض الله، ومنه، «ومن يعظم شعائر الله» وقيل هي حرمات الله، ولا مانع من حمل ذلك على الجميع اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولا بما يدل عليه السياق .

و في تفسير روح البيان للشيخ اسماعيل حقي البروسوي: الشعائر جمع شعيرة، وهي اسم لما أشعر، أي جعل شعائر، أي علما للنسك من مواقف الحج ومرامي الجمار والمطاف والمسعى والأفعال التي هي علامات الحاج يعرف بها من الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر. والمعنى لا تتهاونوا بحرمتها ولا تقطعوا أعمال من يحج بيت الله ويعظم مواقف الحج. (15)

وفي التفسير المذكور عند تفسير قوله تعالى في سورة الحج: «و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» والشعائر جمع شعيرة وهي العلامة من الإشعار وهو الإعلام والشعور العلم وسميت البدنة شعيرة من حيث إنها تشعر بأن تطعن في سنامها من الجانب الأيمن والأيسر حتى يسيل الدم فيعلم انها هدي فلا يتعرض لها، فهي من جملة معالم الحج، بل من أظهرها وأشهرها علامة وتعظيمها اعتقادا ان التقرب بها من أجل القربات وأن يختارها حسانا سمانا غالية الأثمان. روي أنه عليه السلام اهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في انفه برة من ذهب وان عمر أهدى نجيبة، أي ناقة كريمة طلبت منه بثلاثمائة دينار هر كسى از همت والاى خويش سود بردارد خور كالاى خويش قال الجنيد من تعظيم شعائر الله التوكل والتفويض والتسليم، فإنها من شعائر الحق في أسرار أوليائه، فإذا عظمه وعظم حرمته زين الله ظاهره بفنون الآداب . فإنها أي فإن تعظيمها ناشئ من تقوى القلوب وتخصيصها بالإضافة لأنها مركز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر الأعضاء.

و في تفسيري البحر المحيط والنهر الماد من البحر ـ وكلاهما لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي ـ أمثال التعابير الواردة في ساير التفاسير. وفي تفسير الماد: الشعائر ما حرم الله تعالى مطلقا سواء كان في الإحرام أو غيره. (16)

وقد أفاد العلامة أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي مثل ما ذكره غيره في تفاسيرهم. (17)

وفي تفسير المنار، في تفسير الآية الشريفة «يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله» : أي لا تجعلوا شعائر دين الله حلالا تتصرفون بها كما تشاؤون، وهي معالمه التي جعلها أمارات تعلمون بها الهدى من الضلال كمناسك الحج وسائر فرائضه وحدوده وحلاله وحرامه، بل اعملوا فيها بما بينه لكم. (18)

وفي تفسير المراغي لأحمد مصطفى المراغي: شعائر الله ما أراد جعله أمارات تعلمون بها الهدى من الضلال كمناسك الحج وساير فرائض دينه من حلال وحرام وحدود حدها لكم. (19)

و في التفسير المذكور: ان تعظيم شعائر الله علامة على أن القلوب مليئة بالتقوى والخوف من الله. (20)

و في تفسير الميزان عند قوله تعالى «ومن يعظم حرمات الله فهو خير له» : ندب الى تعظيم حرمات الله وهي الأمور التي نهى عنها وضرب دونها حدودا منع عن تعديها واقتراف ما وراءها وتعظيمها الكف عن التجاوز إليها.

و كذا في تفسير الميزان عند قول الله تعالى «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» : الشعائر جمع شعيرة وهي العلامة وشعائر الله الأعلام التي نصبها الله تعالى لطاعته كما قال: «إن الصفا والمروة من شعائر الله» وقال: «والبدن جعلناها لكم من شعائر الله» الآية. والمراد بها البدن التي تساق هديا وتشعر أي يشق سنامها من الجانب الأيمن ليعلم أنها هدي على ما فسره أئمة أهل البيت عليهم السلام. ويؤيده ظاهر قوله تلوا: «لكم فيها منافع» وقوله بعد: «البدن جعلناها» الآية، وقيل: المراد بها جميع الأعلام المنصوبة للطاعة، والسياق لا يلائمه.

وقوله: «فإنها من تقوى القلوب» أي تعظيم الشعائر الإلهية من التقوى، فالضمير لتعظيم الشعائر المفهوم من الكلام، ثم كأنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. فأرجع إليه الضمير. وإضافة التقوى الى القلوب للإشارة الى ان حقيقة التقوى وهي التحرز والتجنب عن سخطه تعالى والتورع عن محارمه أمر معنوي يرجع الى القلوب وهي النفوس وليست هي جسد الأعمال التي حركات وسكنات، فإنها مشتركة بين الطاعة والمعصية كالمس في النكاح والزنا. وإزهاق الروح في القتل قصاصا أو ظلما والصلاة المأتي بها قربة أو رياء وغير ذلك ولا هي العناوين المنتزعة من الأفعال كالإحسان والطاعة ونحوها. (21)

وفي كنز العرفان للشيخ الأجل جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري قدس سره: «ذلك ومن يعظم حرمات الله» حرمات الله ما حرمه الله، من ترك الواجب وفعل المحرمات ومثله قوله : «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» وتعظيم الحرمات والشعائر هو اعتقاد الحكمة فيها وانها واقعة على الوجه الحق المطابق. ولذلك نسبها الى القلوب ويلزم من ذلك الاعتقاد شدة التحرز من الوقوع فيها وجعلها كالشي ء المحتمى عليه كالمرعى الوبيل والى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه و آله وسلم في الحديث: (ألا وإن لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه، فمن رتع حول الحمى أوشك ان يقع فيه...) وقيل حرمات الله خمس: البيت الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والحرم ... الخ. (22)

وفي زبدة البيان للمحقق المقدس الأردبيلي قدس الله نفسه: والبدن جمع بدنة هي الإبل جعلناها لكم من شعائر الله أعلام الشريعة التي شرعها الله. وإضافتها الى اسم الله تعظيم لها . (23)

وفي زبدة البيان أيضا عند قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله» أي لاتجعلوا محرمات الله حلالا ومباحا ولا العكس، يعني لا تتعدوا حدود الله، فعلى هذا يحمل الشعائر على المعالم، أي حدود الله وأوامره ونواهيه وقيل: هي فرائضه وقيل: هي جمع شعيرة، وهي أعلام الحج ومواقفه، يعني لا تجعلوا ترك مناسك الله حلالا فتتركوها، وقيل: المراد دين الله لقوله تعالى «و من يعظم شعائر الله» أي دينه.

وفي تفسير مقتنيات الدرر لسيدنا المفسر السيد مير علي الحائري الطهراني، عند قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله» اختلف في معنى شعائر الله على أقوال، أحدها : أن معناه لا تحلوا حرمات الله ولا تعتدوا حرمات الله، وحملوا الشعائر على المعالم، أي معالم حدود الله وأمره ونهيه وفرائضه، عن عطاء وغيره.

وثانيها ان معناه: لا تحلوا حرم الله وحملوا الشعائر على المعالم، أي معالم حرم الله من البلاد. عن السدي.

وثالثها: ان معنى شعائر الله مناسك الحج، أي لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها. عن ابن جريح وابن عباس.

ورابعها: ما روي عن ابن عباس أن المشركين كانوا يحجون البيت ويهدون الهدايا ويعظمون حرمة الشعائر وينحرون في حجهم، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك.

وخامسها: ان شعائر الله هي الصفا والمروة والهدي من البدن وغيرها، عن مجاهد. وقال الفراء : كانت عامة العرب لا ترى الصفا والمروة من شعائر الله ولا يطوفون بينهما فنهاهم الله عن ذلك. وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام.

وسادسها: أن المراد، لا تحلوا ما حرم الله عليكم في إحرامكم، عن ابن عباس في رواية أخرى .

وسابعها: أن الشعائر هي العلامات المنصوبة للفرق بين الحل والحرم، نهاهم الله سبحانه أن يتجاوزوها الى مكة بغير إحرام، عن أبي علي الجبائي.

وثامنها: أن المعنى: لا تحلوا الهدايا المشعرة أى المعلمة لتهدى الى بيت الله الحرام، عن الزجاج والحسين بن علي المغربي واختاره البلخي.

و أقوى الأقوال هو القول الأول لأنه يدخل فيه جميع الأقوال من مناسك الحج وغيرها، حمل الآية على ما هو الأعم أولى. (24)

وفي مجمع البحرين للعلامة المحقق فخر الدين الطريحي النجفي: قوله «لاتحلوا شعائر الله» قال الشيخ أبو علي: اختلف في معنى شعائر الله، على أقوال: منها: لا تحلوا حرمات الله ولا تتعدوا حدوده وحملوا الشعائر على المعالم أي معالم حدود الله وامره ونهيه وفرائضه . ومنها: أن شعائر الله مناسك الحج، أي لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها. ومنها: أن شعائر الله هي الصفا والمروة والهدى من البدن وغيرها. ثم حكى قول الفرآء: كانت عامة العرب لاترى الصفا والمروة من الشعائر ولا يطوفون بينهما فنهاهم الله عن ذلك. ثم قال: وهو المروي عن أبي جعفر ( عليه السلام) . ومنها: لا تحلوا ما حرم الله عليكم في إحرامكم . ومنها: أن الشعائر هي العلامات المنصوبة للفرق بين الحل والحرم نهاهم الله تعالى أن يتجاوزوها الى مكة بغير إحرام، الى غير ذلك.ثم قال بعد استيفاء الأقوال: وأقواها الأول .

وفي كتاب التحقيق في كلمات القرآن الكريم: وأما الشعائر لله: فالشعيرة فعيلة بمعنى ما يدرك باللطف والدقة حول عظمته وجلاله وسلطانه وما يرتبط بظهور امره «أن الصفا والمروة من شعائر الله» (25) «لا تحلوا شعائر الله»«والبدن جعلنا ها لكم من شعائر الله»«ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» فموضوعات البدن والصفا والمروة وما يتعلق بها مما يدرك دقيقا حول عظمة الله تعالى، ومن لطائف جلاله المحسوسة المتجلية الظاهرة ولازم ان تعظم شعائره ويهتم في حفظها ويتوجه الى تحققها بأحسن أنحائه، وهذا المعنى إنما يتحقق إذا تحقق حق التقوى في القلب، فإن التقوى هو حفظ النفس والمراقبة عليها وصيانتها عن أي خلاف وانحراف حتى يتحصل حق التوجه والخلوص وكلما ازداد التوجه والخلوص، يزداد التوجه والعلاقة الى تعظيم شعائره تعالى.فيصح لنا ان نفس الشعائر بأنهاعلائم لطيفة وآيات دقيقة وشواهد رقيقة تدرك حول مقاماته وكبريائه وعظمته.

وينبغي لنا الآن عطف النظر الى المقصود. وقد طال بنا الكلام في نقل كلمات المفسرين ومحققي آيات الأحكام وأرباب المعاجم اللغوية، وقد عرفت أنهم فسروا الشعائر باحتمالات بلغت الى عشرة احتمالات وأزيد، وبهذه المناسبة ادعى بعضهم إجمال الآية الشريفة والإنصاف ان الآية الشريفة، أوضح من أن يكون فيها إجمال وخفاء. بل هي واضحة المعنى جلية المغزى تأخذ بمجامع القلوب بلطافتها وعبارتها.

وينبغي لنا التعرض في المسألة ومفاد الأية الكريمة، والتأمل في المسألة يقتضي النظر الى المعاني الحقيقية لهذه الألفاظ، أعني: التعظيم والشعائر وتقوى القلوب وأن وجوب تعظيم الشعائر أو استحبابه المؤكد عنوان منضم الى الأحكام الأولية الشرعية من الوجوب أو الحرمة أو الإستحباب.

أما التعظيم فهو: بمعنى الإعظام والإكبار والإعتناء الشديد القلبي بالشي ء بمقتضى المراتب المختلفة ويختلف التعظيم والإعظام بحسب مراتب الإظهار والإبراز والإعلام الخارجي وبحسب التوجه والتعلق القلبي.

وأما الشعائر: والمراد منها هي العلامات واختلاف كلمات المفسرين وأرباب المعاجم في تفسير الشعائر صارت سببا لإدعاء الدعاوي المختلفة، أو الإجمال في الآية.

فنقول: الشعائر جمع الشعار أو الشعيرة وقد ذكروا معاني مختلفة للشعار بفتح الشين كسحاب أو بكسره ككتاب وللشعيرة كما في القاموس في مادة شعر. ومن المعلوم أننا في صدد بيان المراد من الشعائر التي ذكرت في القرآن الكريم وبيان حكمها، وغالب تلك المعاني وأكثرها غير مرتبط بما أريد في الكتاب الكريم. ولذا نقول: إن الشعائر في القرآن جمع الشعيرة أو الشعار بمعنى العلامات الإختلاف في المراد من تلك الشعائر كما عرفت مما نقلناه بالتفصيل سابقا.و من الواضح أن التأمل في الآيات الشريفة يرشدنا الى أن ظواهر تلك الآيات تطبيق المعنى الكلي على موارده ومصاديقه من دون إرادة خصوص تلك الموارد والمصاديق.

ولتوضيح المراد نقول: ربما يقال إن الشعائر ليست جمع شعار، بل جمع الشعيرة وهي البدن خاصة ولا ربط له بكل شعار وعلامة شرعية ودينية، و العجب أن هذا الإدعاء أي كون المراد من الشعائر هي البدن خاصة مناف للآية الشريفة والأحاديث الواردة حيث جعل الصفا والمروة وكل مناسك الحج من شعائر الله. وأما تفسير الشعيرة بالبدن وإرادتها منها في الآية الشريفة فهي من قبيل الحمل الشايع الصناعي للشعيرة وإنما تكون البدن شعيرة لكونها مشعرة بالشعار والشعيرة والعلامة فهي في الحقيقة تكون كذلك لكون المراد من الشعيرة والشعار العلامة وبمثل هذا نقول في كل مورد أطلق وحمل عليه لفظ الشعيرة والشعار بأنها موارد والحمل حمل شايع صناعي والكل مندرج تحت كلي الشعار والشعيرة والعلامة والآية.و لهذا نرى أن الشارع المقدس إذا نظر الى الضابطة المقدسة الشرعية بعنوانها الكلي الجامع يذكر ها بلا واسطة كلمة «من» التبعيضية مثل «و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» وفي الموارد التطبيقية يتوصل بحرف «من» التبعيضية «إن الصفا والمروة من شعائر الله» (26) «والبدن جعلناها لكم من شعائر الله» (27) .

و من الواضح أن شأن الآيات الكريمة القرآنية في كل مقام التعرض لكبريات القضايا وبيان الأحكام الجامعة الشاملة من دون التعرض للصغريات والموارد إلا فى موارد الحاجة ولزوم التبيين صونا للإجمال والإبهام.و لهذا نقول أن الآيات الواردة ظاهرة في كونها بمنزلة كبرى كلية بالنسبة الى مطلوبية تعظيم الشعائر فى جميع الموارد المضافة الى الله جل شأنه من دون اختصاصها بالموارد المفسرة في كتب اللغة والتفسير. ولا إجمال فيها حتى يسقط الإستدلال بعمومها فهي بمنزلة كبرى كلية دالة على مطلوبية تعظيم الشعائر مطلقا سواء كانت متعلقة بالحج وأعماله وأعلامه أو غيرها فلا اختصاص لها بمناسك الحج. فالشعائر علامات دين الله وطاعته عموما، جمع الشعيرة والشعار بمعنى العلامات المضافة المنتسبة الى الله تبارك وتعالى.

وربما يدعى أن إرادة المعنى العام في المقام خلاف ظاهر الآية الشريفة، فإن الظاهر من صدرها ومن ذيلها «ولكم فيها منافع» هو البدن خاصة. ومن العجب أن هذا الإدعاء خلاف ظاهر الآية بعكس ما ادعى.فإن ظهور الآية في بيان القاعدة الكلية الشاملة لجميع الشعائر ومحبوبية تعظيمها كما أن إضافة الشعائر وهو الجمع المضاف الى الله ظاهرة فى الإضافة التشريفية الى الله تعالى، أى كل ما هو منسوب ومشرف الى ساحة عناية الله من الطاعة والعبادة والعلامات المضافة المنسوبة المشتهرة في جميع الشؤون حجا كان أو غيره وإضافة الجمع المضاف ظاهرة في العموم، فلا مجال لأن يقال: بأن أدنى ملابسة كافية فى الإضافة كإضافة البدن الى الله كما في العوائد.و أنت خبير بأن كفاية أدنى ملابسة في الإضافة في مورد لم يكن في قباله ظهور قوي في إرادة جميع الشعائر دون شعيرة خاصة في قبال شعيرة أخرى.و ظهور الآية في كون الموارد المفسرة مصاديق محمولة بالحمل الشايع الصناعي.و هذا الظهور لا ينافي مع إرادة العموم وكون تلك الموارد موارد مرادة ومصاديق منظورة وتصريح صاحبي المعاجم اللغوية والروايات بالبدن تصريح بالمراد المصداقي من الكلي في المقام.كما نشاهد صراحة تطبيق العموم على المورد ما في دعائم الإسلام، روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام: «إن رسول الله صلى الله عليه و آله خطب يوم النحر، فقال: «أيها الناس من كانت عنده سعة فليعظم شعائر الله، ومن لم يكن عنده سعة فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها» . (28)

وبعدما عرفنا أن المراد من الشعائر جميع الأعلام والعلامات المرتبطة بالله تبارك وتعالى سواء كانت في الحج أو غيره، فما الاهتمام بقضية الشعائر في الحج ونقول: إن الشعائر التي هي علامات معالم الله لابد من أن تعظم بنحو يناسب علائم تلك المعالم وتظهر أهميتها لا بنحو التستر والخفاء. وهل ترى حركة إجتماعية سياسية أقوى وأعظم وأنفذ من شعائر الحج، الشعائر التي هي رموز تعبيرية عن التوجه الى رب البيت وطاعته قد تحمل في طياتها ذكريات قديمة من عهد إبراهيم عليه السلام وما تلاه، ذكريات الطاعة والإنابة والتوجه الى الله منذ نشأة هذه الأمة المسلمة فهي والدعاء والصلاة سواء وكم في هذه الشعائر أسرار ورموز لا يدركها إلا القلوب المتقية فإنها من تقوى القلوب والقلوب غير المتقية لا يدركها ولا يعظمها.

وربما يقال إنا لو سلمنا الحمل على العموم وإرادة جميع أعلام دين الله فلا دلالة فى الآية على وجوب تعظيمها بل غاية ما يستفاد منها هو الرجحان وكونه من تقوى القلوب وأين ذلك من الوجوب ونحن نسلم ذلك ولكن مراتب التعظيم تختلف وجوبا واستحبابا حسب إختلاف الموارد والمراتب. وهذا الإختلاف والمراتب لا يوجب حصول الإجمال في الآية كما في العوائد، فإن التعظيم المراد في النظر هو تحقق مفهومه وكليه في نظر العرف أو في نفس المعظم حسب شهوده النفسي بحسب حاله وإدراكه.

و ربما يقال بوجوب تعظيم الشعائر كلها بمقتضى إن تعظيمها من التقوى والتقوى واجب بمقتضى الأوامر الواردة وأن التقوى هو الحذر عن أمر مخوف ولا بد أن يكون هناك أمر يخاف منه فينبغي الحذر عنه بتعظيم الشعائر ولا خوف في مخالفة المستحب حتى يحذر عنه.و كذلك التقوى واجب بقول مطلق بالآيات الكثيرة الآمرة بالتقوى، كقوله تعالى: «واياي فاتقون» (29) وقوله تعالى: «واتقوا الله إن كنتم مؤمنين» (30) فتعظيم الشعائر من التقوى وكل تقوى واجب للإطلاق في الأوامر فتعظيم الشعائر واجب.و يجاب عن ذلك أن التقوى ليست واجبة في جميع مراتبه ودرجاته والتقوى مأخوذ من الوقاية بمعنى الحفاظة والحراسة وحيث إن الحفاظة والحراسة إنما تتصور فيما يحتمل الخطر فاحتمال الخطر والخوف من لوازم التقوى لا المعنى الاصلي له. وإن قلنا بكون معنى التقوى الحافظة والحراسة فيصير المعنى أعم من أن يكون الحراسة والحفاظة في مرحلة يكون الخطر حتميا واجب الدفع أو مستحبا أو محبوبا دفعه ومن الواضح أن المراتب العالية والدرجات الراقية النفسانية للمتقين من الفضائل والكمالات التي تزيد على أداء الواجبات وترك المحرمات ويشهد على ذلك قوله تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقيكم» فإن الفاضل والأفضل والكريم والأكرم كلهم داخلون في مراتب التقوى ويتفاوتون في درجات الحفاظة والحراسة عن نفوسهم وخواطر هم ولهذا قسموا التقوى على تقول العدول والصلحاء والورعين والصديقين. ولهذا يقول اميرالمؤمنين عليه السلام: إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها صدق الحديث وأداء الأمانة ووفاء بالعهد وقلة العجز والبخل وصلة الأرحام ورحمة الضعفاء وقلة المواتاة للنساء وبذل المعروف وحسن الخلق وسعة الحلم واتباع العلم فيما يقرب الى الله طوبى لهم وحسن مآب. (31)

و من المعلوم أن بعض هذه الصفات بمراحلها البدوية واجبة وفي المراحل العالية مستحبة وفضيلة وكرامة فالتعظيم من باب التقوى لا يلازم الوجوب بل يختلف حسب اختلاف مراتب التقوى بمراتب التوجه والعناية بأحكام الله.

و مراعاة مراتب المستحبات والواجبات وترك المكروهات والمحرمات تختلف باختلاف درجات المتقين سيما إذا أضيفت الى التقوى فكثير من مراتب التقوى داخل فى مقامات العارفين ومن فضائل السالكين وليست واجبة ولا تركها موجبة للعقاب والعتاب واللوم والذم كترك الواجبات وفعل المحرمات.نعم في موارد كون الشعائر من أداء الواجبات وترك المحرمات فتعظيمها واجب وتركها حرام.إذ ترك الشعائر حينئذ ملازم وسبب للإهانة بما هو محترم ومحرم في الشرع وهى من أكبر الكبائر.

و مما يشهد على أن التقوى المذكور في الآية «فإنها من تقوى القلوب» أعم من التحرز والتجنب عن المحرمات الشرعية والعقلية كترك الواجبات وارتكاب المحرمات ومن كل ما يشغل الإنسان وقلبه عن ساحة قدس الباري تعالى شأنه ويوجب الغفلة وعدم رعاية أدب حضور الخالق إضافة التقوى الى القلوب، فإن حقيقة التقوى تنشأ عما يتركز ويتمكن في القلوب وتعظيم الشعائر دال على أن قلوب المعظمين مليئة بالتقوى والإيمان بالله.و لهذا أفادت الآية الشريفة «فإنها من تقوى القلوب» كون التعظيم مطلقا من تقوى القلوب بلا استثناء. و لكننا قد أشرنا سابقا أن مراتب التعظيم تختلف وجوبا واستحبابا حسب اختلاف الموارد والمراتب ونحن إن لم نقل بوجوب التعظيم في جميع الموارد والأفراد ولكن لا إشكال في استحباب التعظيم في جميع الموارد ورجحانه وما أحسن ما أفاده المحقق النراقي العظيم في آخر عائدته في المقام بقوله الشريف: ثم لا يخفى أن مطلق التعظيم لشعائر الله أي: جميع أفراده بجميع أفرادها وإن لم يثبت وجوبه ولكن استحبابه ورجحانه ـ لأجل أنه من شعائر الله ومنسوب إليه ـ مما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه، والظاهر إنقاد الإجماع عليه. وقوله عليه السلام: لكل امرى ء ما نوى يدل عليه. (32)

بل يستفاد من تضاعيف أخبار كثيرة أخرى أيضا فحوى : رحجان تعظيم البدن أو مطلق مناسك الحج يشعر به. (33)

ومما ذكرنا ظهر لك أن ترك تعظيم الشعائر إذا استلزم الإهانة بما هو محترم عند الشرع فهو حرام ومن أكبر الكبائر. فيجب التعظيم قطعا وتركه حرام جزما. وغير خفي أن ترك تعظيم الشعائر أعم من الإهانة بما هو محترم ومحرم عند الشرع لأنه ربما يستلزم الإهانة وربما لا يستلزم.

وأما مسألة حرمة الإهانة والإستخفاف بأعلام دين الله مطلقا فهى مسألة ثابتة بحكم العقل والنقل بل الإجماع بل ربما يوجب الكفر والكلام فيها يطلب عقد قاعدة أخرى وتقديم رسالة مستقلة فيها. ونسأل من الله تعالى التوفيق ونستغفره ونطلب العفو من كل زلة وخطأ فيما قدمناه. وكتبت الرسالة بتلخيص واستعجال حامدا لله جل شأنه ومصليا ومسلما على سيد رسله و آله الطيبين والطاهرين أولا وآخرا.

ذوالقعدة 1422 هجرية

ثبت المصادر:

.1 القرآن الكريم .2 الإستبصار .3 التحقيق في كلمات القرآن الكريم .4 تفسير أنوار التنزيل .5 تفسير البحر المحيط .6 تفسير التبيان .7 تفسير روح البيان . 8 تفسير روح المعاني .9 تفسير الصافي .10 تفسير الطبري .11 تفسير فتح القدير .12 تفسير الفخر الرازي .13 تفسير مجمع البيان .14 تفسير المراغي .15 تفسير مقتنيات الدرر .16 تفسير المنار .17 تفسير الميزان .18 تفسير النهر الماد من البحر .19 التهذيب للشيخ الطوسي .20 حاشية شيخ زاده على البيضاوي .21 دعائم الإسلام .22 زبدة البيان .23 العناوين: مير فتاح .24 عوائد الأيام .25 العين .26 الفرقان في تفسير القرآن .27 الفقيه للصدوق .28 القاموس .29 قواعد الشهيد .30 الكافي للكليني رحمه الله .31 كنز العرفان .32 لسان العرب .33 معجم مقاييس اللغة .34 نضد القواعد للشهيد .35 النهاية في غريب الحديث و الأثر.

الهوامش:

.1 الحج الآية .32

.2 كتاب العين ج 1 ص .251

.3 النهاية المجلد الثاني 479 المكتبة الاسلامية.

.4 المائده الآية .2

.5 تفسير الطبري ج 6 ص .54

.6 الحج الآية .32

.7 تفسير الطبري الجزء 17 ص .157

.8 المائده الآية .2

.9 التبيان ج 3 ص .418

.10 مجمع البيان الجزء الثالث ص 154 طبعة بيروت.

.11 أنوار التنزيل طبعة القاهرة ج 2 ص .91

.12 المائدة الآية .2

.13 تفسير الفخر الجزء 11 ص .128

.14 فتح القدير ج 3 ص .452

.15 روح البيان ج 1 ص .338

.16 تفسير البحر المحيط ج 3 ص .419

.17 روح المعاني ج 17 ص .136

.18 المنار ج 6 ص .125

.19 تفسير المراغي ج 2 الجزء 6 ص .44

.20 تفسير المراغي ج 8 الجزء 17 ص .109

.21 الميزان ج 14 ص .410

.22 كنز العرفان ج 1 ص .333

.23 زبدة البيان 305 طبعة مؤتمر الأردبيلي.

.24 مقتنيات الدرر ج 3 ص .241

.25 البقرة الآية .158

.26 بقره الآية .158

.27 حج الآية .36

.28 دعائم الإسلام.

.29 البقرة الآية .41

.30 المائدة الآية .57

.31 بحار الانوار ج 70 ص .282

.32 التهذيب 4: 186/519 و ج 1: 83 / 218، الوسائل 1: 34 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 7، سنن أبى داود 2: 651 /2201 ب .11

.33 عوائد الأيام الطبعة الحروفية ص .31


source : مرتضى الحسينى النجومي

قراءة 2810 مرة