يؤكّد القرآن الكريم في عدد من الآيات نسبة مِلك ومُلك عالم الخلق الىٰ الله سبحانه كما في قوله: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير﴾[1]، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ٭ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ٭ يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه﴾[2] فالآية الاُولىٰ تدور حول حكومة الله علىٰ السماوات والأرض، والآية الثانية الّتي تثبت انّ المِلك والمُلك المطلق في يوم الدين لله، تشعر من خلال تعبيرها بعظمة القيامة فتقول: انّ في ذلك اليوم لاملكية لأحد في ايّ شيء، فلا أحد يملك أفعاله حتّىٰ يكون أمره نافذاً فيها ولا يملك أفعال الغير، ولايكون مسلّطاً علىٰ شؤونهم، بل انّ الملكيّة لجميع الأعمال وتدبير وادارة جميع الشؤون هي لله.
وعليه فإنّه سواء كان في يوم الدين أو في غيره فانّ المِلك والمُلك مختصّ بالله سبحانه ولاشريك له، وليس الأمر في مقام الثبوت انّ المِلك والمُلك مقسّم وموزّع، بل انّ البحث مرتبط فقط بمقام الإثبات، أي انّنا لانعلم اليوم انّ الأمر بيد من، لكن في يوم القيامة الّذي هو يوم ظهور الحق: ﴿ذٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقّ﴾[3] سوف يتبيّن انّ الأمر كان بيد آخر، والإنسان أحياناً يخدع نفسه بحجّة (الاعتماد علىٰ النفس)، وتارة بعنوان (التشكّر من المخلوق) فيلجأ الىٰ الآخرين ولكن غدا يعلم بأنّ الأمر كان ولم يزل بيد الله وحده، والعلل والأسباب الظاهريّة جميعها من شؤون فاعليّة الله سبحانه، ونحن نرىٰ أواسط السلسلة فقط ونغفل عن بدايتها واصلها، ولهذا نحسب أنفسناً أو غيرنا فاعلين، ولأجل أن نضفي علىٰ الاعتماد علىٰ غير الله صبغة دينيّة ندخله تحت عنوان انّ من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق[4] ونبرّر بذلك شكرنا للآخرين.
وعلىٰ هذا الأساس فإنّ (يومئذٍ) في قوله: ﴿والأمر يومئذٍ لله﴾ ظرف انكشاف الحقّ، لاظرف الاختصاص أو الملكيّة، وهذه الآية ناظرة الىٰ مقام الإثبات والكشف لا الثبوت والتحقّق، وهذا هو مسلك التوحيد الأفعاليّ، الّذي يصبح بمقتضاه كلّ انسان بل كلّ فاعل آخر درجةً من درجات فاعليّة الله سبحانه وشأناً من شؤون فاعليّته، والماء والطعام اللذان يرفعان العطش والجوع والنار الّتي هي مصدر الحرارة والدواء الّذي هو وسيلة للشفاء، جميعها من الشؤون الفعليّة ومن درجات فاعليّة الله، وليس لها ايّ نحو من الاستقلال في التأثير والفاعليّة، لأنّ الأفعال لم تُفوّض إليها، والفاعليّة الإلٰهيّة ومقام فعل الله تعالىٰ أمر غير محدود، ولهذا يمكن أن تنسب له جميع الأفعال ومن جملتها الشفاء كما في الآية الكريمة: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين﴾[5] لأنّ الله سبحانه في مقام الفعل (لا في مقام الذات) يشفي المريض بالدواء، والإنسان أيضاً في أفعاله درجة من درجات فاعليّة الله سبحانه.[6]
ففي القيامة اذن يتّضح انّ الله سبحانه كان ولايزال وسيبقىٰ هو الحاكم المطلق، وهذا المعنىٰ يستفاد أيضاً من آيات اُخرىٰ مثل:
أ. ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار﴾[7]، في ذلك اليوم يأتي السؤال لمن اليوم الملك والسلطان، وهذا لايعني انّ الملك والسلطان كانا بالأمس ملكاً للآخرين، والجواب هو انّ الحكم والسلطان مختصّ بالله الواحد القهّار.
ب. ﴿فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقّ﴾[8] هذه الآية الكريمة تصف الله (بالمَلِك) بنحو مطلق، وعليه فلايمكن أن يفرض انّه لم يكن في الدنيا مَلِكاً نافذ الحكم. فهو مالك الملك والسلطان، يؤتي الملك تارة وينزعه اُخرىٰ، مثلاً يجعل الإنسان مالكاً للسمع والبصر: ﴿أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَار﴾[9] والمالك الحقيقيّ لعين واُذن الإنسان هو الله سبحانه، وملكيّة الإنسان لأعضائه وجوارحه هي بتمليك من الله له، ومتىٰ ماشاء انتزعها منه، وحينئذ لا يأذن له حتّىٰ بأن يغمّض عينه المفتوحة، فعلىٰ الرغم من انّ غمض العيون من أبسط وأهون الأفعال في الظاهر، لكن مع ذلك فانّ البعض عند الاحتضار يعجز حتّىٰ عن غمض عينيه ويموت وهو مفتوح العينين.
وعلىٰ هذا فانّ سلطان ونفوذ أمر الله (يظهر) في القيامة لا انّه (يحدث)، وان كانت هذه الحقيقة منكشفة لبعض الناس في هذه الدنيا أيضاً، فالموحّد الكامل يرىٰ الآن مايراه الآخرون بعد الموت. وأدعية الأئمّة المعصومين تدلّ علىٰ انّهم كانوا يرون في الدنيا حقيقة: ﴿وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه﴾ وهذه ثمرة التوحيد الأفعاليّ. فالإمام الرضا (عليه السلام) يقول في سجود صلاته لله سبحانه: «لك الحمد إن اطعتك ولا حجّة لي إن عصيتك ولا صنع لي ولا لغيري في احسانك ولا عذر لي إن أسأت، ما أصابني من حسنة فمنك يا كريم اغفر لمن في مشارق الأرض ومغاربها من المؤمنين والمؤمنات».[10]
ج. ﴿لِلّهِ مُلْكُ السَّماوَاتِ وَالأَرْض﴾.[11]
والآيات السابقة تبيّن ملكيّة وحكومة الله سبحانه بلسان الإثبات. وبعض الآيات بيّنت هذه الحقيقة بلسان السلب أيضاً كما في:
أ. ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْك﴾[12]، فإذا لم تدلّ آيات مثل: ﴿لِلّهِ مُلْكُ السَّماوَاتِ وَالأَرْض﴾ بنحو الإثبات علىٰ حصر المِلك والمُلك في الله سبحانه، فإنّ آيات مثل: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْك﴾ تدلّ علىٰ هذا المعنىٰ بنحو جليّ.
ب. يقول الله سبحانه في وصف المؤمنين والموحّدين الصادقين: ﴿يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئ﴾.[13] وحيث انّ الله ليس له أيّ شريك في المُلك فالنتيجة هي انّ الملك والسلطان لله وحده.
ج. يقول الله سبحانه لنبيّه الأكرم (صلى الله عليه وآله): ﴿قُل لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاءَ الله﴾[14] أي قُل انّي لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً (فكيف بالنسبة إليكم أنتم) وهذه الآية أكثر صراحة من الآيات السابقة وتدلّ جيّداً علىٰ حصر الملكيّة المطلقة بالله سبحانه.[15]
د. يخاطب القرآن الكريم الوثنيّين فيقول: إذا كان غير الله مؤثّراً في نظام التكوين فهذا التأثير يمكن تصويره في أربعة وجوه:
الأوّل: أن يكون مالكاً لذرّة من ذرّات العالم بنحو مستقلّ.
الثاني: أن يكون شريكاً مع الله في التملّك لشيء ما.
الثالث: أن يكون عوناً ومساعداً لله في تدبير الأمر وليس مالكاً ولا شريكاً.
الرابع: أن يملك صفة الشفيع وله فقط حقّ السؤال والتضرّع، وبواسطة الشفاعة يستطيع التأثير علىٰ نظام الكون. ثمّ يؤكّد استحالة الوجوه الثلاثة الاُولىٰ، ويجيز الوجه الرابع ولكن بإذن الله سبحانه بشرط أن يتمّ علىٰ يد مثل الأنبياء والأولياء والملائكة: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِن ظَهِيرٍ ٭ وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ إِذِنَ لَه﴾[16] فقوله: ﴿لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْض﴾ نفي للوجه الأوّل وقوله: ﴿وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْك﴾ نفي للوجه الثاني وقوله: ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُم مِن ظَهِير﴾ نفي للوجه الثالث.
فغير الله إذن لايملك ذرّة (بالاستقلال) ولا (بالاشتراك) ولا (بالمظاهرة) لكن طريق الشفاعة مفتوح لمن أذن الله له بها. بمعنىٰ انّه بعد الابتهال والتضرّع من قبل الشفيع تنضمّ (رحمة الله) إلىٰ عدله ويتمّ التعامل مع الناس بالشفع (العدل والرحمة)، وباقتران العدل والرحمة تتيسّر اُمور الناس، وإلاّ فإنّ تحمّل العدل المحض لله سبحانه أمر صعب وعسير. ولذلك ورد في الدعاء: «اللهمّ عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك»، أي عاملنا باسمين من أسمائك الحسنىٰ: (العدل والفضل) لا (بالعدل) وحده، إذن فشفاعة ووساطة بعض موجودات عالم الإمكان بإذن الله سبحانه ليست محالاً، والله سبحانه وهب مثل هذا الإذن لأنبيائه وأوليائه لا إلىٰ الأصنام العاجزة عن فعل أيّ شيء.
وخلاصة القول هي انّ الله هو المالك في الدنيا والآخرة، وهذه الحقيقة تتجلّىٰ في يوم القيامة، وهو ظرف لظهور ملكيّة الله وليس ظرفاً لتملّكه.
ومع الأخذ بنظر الإعتبار الآيات المذكورة لحدّ الآن يتّضح انّ قوله تعالىٰ: ﴿فَالْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرَّ﴾[17] لايعني انّكم في يوم القيامة فقط لاتملكون نفعاً ولا ضرّاً وانّكم كنتم تملكون ذلك في الدنيا، بل معناه انّ حقيقة الملكيّة المطلقة لله وحده وتنزيهه من الشريك في المُلك ستتّضح وتظهر للجميع، وان كانت هذه الحقيقة المسلّمة قد كشفت واُميط اللثام عنها لمن يقول: «لو كُشِف الغطاء ما ازددت يقيناً»[18] ولاتباعه الصادقين.
وطبقاً لما مرّ بيانه فإنّ الكلام الباطل لفرعون حول سلطانه: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْر﴾[19] دليل علىٰ انّه لم يكن يعرف ربّ العالمين، وكلّ من يقول: (انّ الأمر اليوم بأيدينا وغداً بيد الله) ففكره فرعونيّ وليس توحيديّاً، لانّ ملكيّة الله بالنسبة لليوم وللغد واحدة. وهذه حقيقة ستظهر للجميع عياناً في يوم القيامة وادراكها في الدنيا صعب بالنسبة إلىٰ البعض[20] وبالتحليل يتبيّن انّ الكثير من العقائد والأفكار المنحرفة فرعونيّة.
والّذي يرىٰ نفسه مالكاً أو مَلِكاً في شأن من الشؤون فهو ليس بموحّد. الموحِّد هو الّذي بايع الله، والبيعة تعني أن يبيع الإنسان نفسه وماله لله ثمّ يقول: «لا أملك لنفسي ضرّاً ولا نفعاً» والاعتقاد بملكيّة الشيء بعد بيعه لاينسجم مع البيع، فكما انّنا لانملك البضاعة بعد بيعها، فكذلك بعد بيعتنا مع الله لاينبغي لنا أن نعتقد انّنا مالكون لأنفسنا.
والموحّد الّذي يعتقد انّه لايملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً، إذا أراد أن يتصرّف في شأن من شؤون وجوده كالعين والاُذن فإنّ عليه أن يستأذن من المالك الحقيقيّ، لأنّه قد باعهما ولم يعد مالكاً لهما. وإذا لم يستأذن فإنّ تصرّفه سيكون بغير إذن المالك.
ومن الواضح انّ ماذكر في النصوص الدينيّة من تعبيرات: «البيع» و«الشراء»، و«الأجر» وأمثالها، فالمقصود منها هو الترغيب والتشجيع وتكريم الإنسان، وإلاّ فنحن لانملك شيئاً بالأصالة حتّىٰ نبيعه علىٰ الله، ولا انّ الله مدين لنا بشيء حتّىٰ نستردّه منه ولا أنّنا عملنا عملاً عاد عليه بالنفع والفائدة حتّىٰ نستحقّ منه الأجر والمكافأة.
آية الله الشيخ جوادي آملي
[1] . سورة البقرة، الآية 107.
[2] . سورة الانفطار، الآيات 17 ـ 19.
[3] . سورة النبأ، الآية 39.
[4] . يقول الإمام الصادق (عليه السلام) حول الآية الكريمة: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللهِ إِلاّ وَهُم مُشْرِكُون﴾ (سورة يوسف، الآية 106): «هو الرجل يقول: لولا فلان لهلكت ولولا فلان لأصبت كذا ولولا فلان لضاع عيالي، ألا ترىٰ انّه قد جعل لله شريكاً في ملكه يرزقه ويدفع عنه؟» ثمّ انّ الراوي يسأل الإمام إذا قلت: لولا انّ الله منّ عليّ بفلان لهلكت فكيف ذلك فقال (عليه السلام): «لا بأس بهذا» (نور الثقلين، ج2، ص476). ومن هذا القبيل التعبير المشوب بالشرك المتداول بين الناس وهو قولهم الله أوّلاً وأنت ثانياً؛ لأنّ الله أوّل لايمكن أن يفرض له ثان: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِن﴾ (سورة الحديد، الآية 3). إذن فطبقاً لتوصيات الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) عندما تريد أن تتكلّم مع من أحسن إليك من الناس فينبغي أن تقول الشكر لله الّذي أحسن اليّ عن هذا الطريق ولو شاء أن يجعله من طريق آخر لفعل. وعلىٰ أساس التوحيد يجب الإعتقاد بأنّ كلّ نعمة هي من الله ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله﴾ (سورة النحل، الآية 53). وبهذه الرؤية لاتضفىٰ القيمة علىٰ الذات تحت عنوان: (الإعتماد علىٰ النفس) ولا تضفىٰ القيمة علىٰ الآخرين بذريعة (التشكّر من المخلوق). وأمّا معنىٰ الحديث المعروف: «من لم يشكر المنعم من المخلوقين، لم يشكر الله عزّ وجلّ» وكما مرّ ذكره فهو انّ المحسنين مظاهر للاحسان الإلٰهيّ وإذا لم يشكر المتنعّم مظهر احسان وليّ النعمة فانّه لم يشكر وليّ النعمة. فالشكر من المخلوق (بما هو مخلوق) محمود، وبدون لحاظ حيثيّة كونه مخلوقاً فالشكر غير محمود.
وجدير بالذكر انّ قوله (مشركون) في آية (وما يؤمن...) غير (الّذين اشركوا) لانّ (الّذين اشركوا) في مقابل المؤمنين وهم الوثنيّون وسائر عبدة الأصنام.
[5] . سورة الشعراء، الآية 80.
[6] . التوحيد الافعالي غير الجبر؛ فالله سبحانه خلق الإنسان موجوداً ذا بُعدين وجعله في مفترق طريقي الخير والشرّ: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن﴾ (سورة البلد، الآية 10) وكلّ واحد من هذين الطريقين له عاقبة ونتيجة واضحة. وجعل العقل والنقل أيضاً دليلين علىٰ الصراط المستقيم. فإذا انتخب الإنسان بحسن اختياره طريق الخير، فهذا العمل الخير من حيث انّه أمر وجوديّ وكمال ونعمة مرتبط بالله، أمّا إذا سلك طريق الشرّ وعصىٰ، فحيث انّ الذنب والمعصية ليست الاّ فقداناً ونقصاً وعدماً فهي ليست مرتبطة بالمبادئ العالية. إذن فالخيرات الّتي هي كمال وجوديّ ترجع الىٰ الربوبيّة، والشرّ والنقص ليس لهما مبدأ بالذات، وسوف يأتي هذا البحث في تفسير الآية 79 من سورة النساء ان شاء الله سبحانه.
[7] . سورة غافر، الآية 16.
[8] . سورة طه، الآية 114.
[9] . سورة يونس، الآية 31.
[10] . البحار، ج49، ص117.
[11] . سورة المائدة، الآية 120.
[12] . سورة الاسراء، الآية 111.
[13] . سورة النور، الآية 55. كلمة شريك في قوله ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْك﴾ و«شيئاً» في قوله: ﴿لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئ﴾ حيث انّهما نكرة في سياق النفي فيفيدان العموم ويدلاّن علىٰ نفي كلّ شريك في الملك عن الله سبحانه.
[14] . سورة يونس، الآية 49.
[15] . أمّا كلام نبيّ الله موسىٰ (عليه السلام): ﴿رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي﴾ (سورة المائدة، الآية 25) فلا تعارض له مع الآيات السابقة، لأنّه مرتبط بمقام التشريع، لا التكوين، وليس المقصود منه انّي مالك لنفسي وأخي أيضاً مالك لنفسه، بل انّ معناه هو انّ موسىٰ يقول ياربّ انّنا بلّغنا رسالتك وهداك الىٰ الناس، وانّي لاقدرة لي علىٰ اختيار الإيمان الاّ لنفسي فآمنت وأخي هارون كذلك لايملك اختيار الإيمان إلاّ لنفسه فآمن. وأمّا الآخرون فلا نملك زمام اختيارهم للإيمان. وعليه فإنّه ليس سوىٰ الله سبحانه من مالك تكويني أصيل لكلّ شيء في الدنيا والآخرة.
[16] . سورة سبأ، الآيتان 22 ـ 23.
[17] . سورة سبأ، الآية 42.
[18] . البحار، ج40، ص153.
[19] . سورة الزخرف، الآية 51.
[20] . كما انّ التوحيد هو أعلىٰ المعارف الإلٰهيّة فهو كذلك أصعبها وأشقّها أيضاً، والنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) يقول: «ماقلت ولا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلاّ الله» (توحيد الصدوق، باب ثواب الموحّدين والعارفين، الحديث الأوّل) أي انّني والأنبياء قبلي لم نأت بشيء أعظم من (لا إلٰه إلاّ الله)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب من سأله عن المسافة بين موضع وقوفه وبين العرش، قال في البداية: سل تفقّهاً ولا تسأل تعنّتاً، اي ينبغي أن يكون السائل طالباً للعلم وليس لأغراض اُخرىٰ ثمّ قال انّ المسافة بيننا وبين العرش هي: «أن يقول قائل مخلصاً لا إلٰه إلاّ الله» (البحار، ج10، ص122) ومن هذا يُعلم بانّ التوحيد معرفة وعقيدة تعرج بالإنسان من الأرض الىٰ العرش.