المبعث النبوي الشريف.. يوم الهداية الكبرى
أن المبعث النبوي الشريف هو بداية الإعلان الإلهي لبلوغ الإنسان مرحلة الرشد والنضوج التي تؤهله لمتابعة المسيرة بدون واسطة مباشرة أي بدون رسل وأنبياء يقومون بمهمة القيادة لهذه المسيرة البشرية. وهذا يعني أن الدرجة المطلوبة ليغدو الإنسان قادراً على التصرف بما يحقق الغاية من خلقه قد تحققت كما أشار القرآن الكريم: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً...).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾
(الأحزاب/45 ـ 46)
يوم 27 رجب/13 قبل الهجرة النبوية الشريفة، يحمل ذكرى رسالة خالدة وولادة النور والرحمة اللالهية والهداية الكبرى، ففي هذا اليوم المبارك، بدأت البعثة وانطلقت الرسالة فالمبعث النبوي الشريف هو مبعث النور ومولد الرسالة والقرآن الكريم، وانطلاقة الحضارة الإسلامية، ثم أن هذا اليوم هو يوم عيد ليس فقط للأمة الإسلامية ولكن للبشرية جمعاء فبعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عمت بركتها الكائنات.
عيد المبعث هو اليوم الذي بُعث النبيُّ الأكرم صلّى اللّه عليه وآله لهداية الناس، ودوّى في سمعه الشريف نداء إنك لرسول اللّه الصادر عن ملاك الوحي أُلقيت على كاهله مسؤولية كبرى وثقيلة جدّاً، على نمط الوظيفة الهامة التي أُلقيت على كاهل من سبقه من الأنبياء والرسل صلوات اللّه عليهم أجمعين، منذ ذلك اليوم اتضح هدف أمين قريش، أكثر فأكثر، وتجلت خطته أكثر فأكثر. أن المبعث النبوي الشريف هو بداية الإعلان الإلهي لبلوغ الإنسان مرحلة الرشد والنضوج التي تؤهله لمتابعة المسيرة بدون واسطة مباشرة أي بدون رسل وأنبياء يقومون بمهمة القيادة لهذه المسيرة البشرية. وهذا لا يعني أن انقطاع النبوة يعني انقطاع الرعاية الإلهية للبشر والحياة والكون. ولكن يعني أن الدرجة المطلوبة ليغدو الإنسان قادراً على التصرف بما يحقق الغاية من خلقه قد تحققت كما أشار القرآن الكريم: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً.).
لذلك اختار الله تعالى أكمل خلقه للقيام بهذا الإعلان من خلال قيامه بإبلاغ البشر آخر رسالات ربهم إليهم والرسول الأعظم كان لابدَّ أن يكون أكمل البشر ليقوم بأعباء هذه المسؤولية الكبرى فهو إذ يؤدي إلى الناس أكمل رسالات ربه لابدَّ له أن يكون النموذج البشري الكامل من حيث تمثله الكامل لهذه الرسالة والتجسيد التام لها ليكون بعد ذلك نموذجاً وقدوة للناس من جهة وحجة عليهم من جهة أخرى.
فقد روى الشيخ المفيد، عن ابن قولويه عن.. أبي عبدالله عليه السلام قال: في اليوم السابع والعشرين من رجب نزلت النبوة على رسول الله صلى الله عليه وآله قال علي بن محمد عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما ترك التجارة إلى الشام، وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات كان يغد وكل يوم إلى حراء يصعده وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله، وإلى أنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته، وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الارض والبحار والمفاوز والفيافي، فيعتبر بتلك الآثار، ويتذكر بتلك الآيات، ويعبد الله حق عبادته، فلما استكمل أربعين سنة ونظر الله عزوجل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلها وأطوعها وأخشعها وأخضعها أذن لابواب السماء ففتحت ومحمد ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد ينظر إليهم، وأمر بالرحمة فانزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغرته، ونظر إلى جبرئيل الروح الامين المطوق بالنور طاووس الملائكة هبط إليه وأخذ بضبعه وهزه وقال: يا محمد اقرء، قال: وما أقرء؟ قال يا محمد " (إقرأ باسمِ ربِّك الّذي خلق. خلق الإنسان مِن علقٍ. إقرأ وربُّك الأكرمُ. الّذي علَّم بِالقلم. علّم الإنسان ما لم يعلم)(سورة العلق: الآيات 1 – 5)
ثم أوحى إليه ما أوحى إليه ربه عزوجل ثم صعد إلى العلو ونزل محمد صلى الله عليه وآله من الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه الحمى.. وقد اشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره ونسبتهم إياه إلى الجنون، وإنه يعتريه شياطين، وكان من أول أمره أعقل خلق الله، وأكرم براياه، وأبغض الاشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم، فأراد الله عزوجل أن يشرح صدره، ويشجع قلبه ، فأنطق الله الجبال والصخور والمدر، وكلما وصل إلى شئ منها ناداه: السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يا رسول الله أبشر، فإن الله عزوجل قد فضلك وجملك وزينك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الاولين والآخرين، لا يحزنك أن تقول قريش إنك مجنون، وعن الدين مفتون، فإن الفاضل من فضله رب العالمين، والكريم من كرمه خالق الخلق أجمعين، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك، فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات، ويرفعك إلى أرفع الدرجات، وسوف ينعم ويفرح أولياءك بوصيك علي بن أبي طالب، وسوف يبث علومك في العباد والبلاد بمفتاحك وباب مدينة حكمتك: علي بن أبي طالب، وسوف يقر عينك ببنتك فاطمة، وسوف يخرج منها ومن علي الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وسوف ينشر في البلاد دينك وسوف يعظم اجور المحبين لك ولاخيك، وسوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك علي، فيكون تحته كل نبي وصديق وشهيد، يكون قائدهم أجمعين إلى جنات النعيم.. (بحار الانوار)
لقد بُعث رسول الله صلى الله عليه وآله بالنبوة، وكان عمره الشريف أربعين سنة، حيث تلقی الرسول المصطفی (ص) اول کلمات الوحي الذي کان ينتظره ليحمل الی البشرية مشعل النور والهداية والرحمة. وكان أول من آمن بالرسول (ص) من الرجال علي (ع)، ومن النساء زوجته خديجة(ع)... وعن أبي ذرانه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: «أنت أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق و الباطل....».
ثم أن الله سبحانه أمر رسوله (صلى الله عليه وآله) أن يصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره ويدعو إليه، فأنزل سبحانه: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) ثم قال تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل أني بريء مما تعملون). الشعراء/214.
وروي عبد الله بن عباس، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله " وأنذر عشيرتك الاقربين دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لي: يا علي إن الله تعالى أمرني أن أنذر عشيرتك الاقربين قال: فضقت بذلك ذرعا، وعرفت أني متى اباديهم بهذا الامر أرى منهم ما أكره، فصمت على ذلك وجاءني جبرئيل فقال: يا محمد إنك إن لم تفعل ما امرت به عذبك، ربك فاصنع لنا يا علي صاعا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، وملا لنا عسا من لبن، ثم اجمع لي بني عبدالمطلب حتى اكلمهم وابلغهم ما امرت به ، ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم أجمع وهم يؤمئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فيهم أعمامه أبوطالب وحمزة والعباس وأبولهب، فلما اجتمعوا له دعاني بالطعام الذي صنعت له فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وآله جذمة من اللحم فنتفها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحى الصفحة، ثم قال: خذوا بسم الله، فأكل القوم حتى صدروا مالهم بشئ من الطعام حاجة وما أرى إلا مواضع أيديهم وايم الله الذي نفس علي بيده أن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم، ثم جئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعها، وايم الله أن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لشد ما سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال لي من الغد: يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن اكلمهم، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثم أجمعهم لي، قال: ففعلت ثم جمعتهم فدعاني بالطعام فقربته لهم، ففعل كما فعل بالامس وأكلوا حتى ما لهم به من حاجة، ثم قال: اسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا، ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله عزوجل أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤمن بي ويؤازرني على أمري فيكون أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي من بعدي؟ قال: فأمسك القوم، وأحجموا عنها جميعا، قال: فقمت.. وقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك على ما بعثك الله به، قال: فأخذ بيدي، ثم قال: إن هذا أخي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع .
فلما نادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام وصدع بما أمره الله تعالى به، استجاب له الأحداث من الرجال، والضعفة من الناس، حتى كثر من آمن به، فعظم ذلك على أصحاب الأغراض والأطماع من قومه، ورأوا أن مصالحهم الشخصية المعتمدة على عبادة الأصنام مهددة بالخطر، فنكروه وأجمعوا على خلافه وعداوته وأكبر على منابذته وإيذائه، فحدب أبو طالب عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعه وقام دونه، لأنه بالإضافة إلى أيمانه بالله والرسول صلى الله عليه وآله كان شريفاً في قومه، معظماً في قريش، مطاعاً في أهل مكة، فلم يتجاسروا معه مكاشفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بشيء من الأذى. وانطلقت هذه المسیرة العظیمة لتنیر الدرب للبشریة جمعاء للوصول الی ساحل البر والأمان، ويأخذ بيدها إلى الخير والسلام آمنة مطمئنة.
وقد قال الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام مشيرا الی بعثة الرسول الاکرم (ص):" بَعَثَهُ وَ النَّاسُ ضُلاَّلٌ فِي حَيْرَة، وَحَاطِبُونَ فِي فِتْنَة، قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الأَهْوَاءُ، وَاسْتَزَلَّتْهُمُ الْکِبْريَاءُ،وَاسْتَخَفَّتْهُمُ الْجَاهِليَّةُ الْجَهْلاَءُ; حَيَارَى فِي زَلْزَال مِنَ الأَمْرِ، وَ بَلاَء مِنَ الْجَهْلِ، فَبَالَغَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ و آلِهِ فِي النَّصِيحَةِ، وَ مَضَى عَلَى الطَّرِيقَةِ، وَ دَعَا إِلَى الْحِکْمَةِ، وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ". لقد كانت بعثه النبي صلى الله عليه وآله بعد فترة من الرسل، وبعد ما أِشرف الناس على الهلاك لكثرة الخرافات وشدة الجاهلية، فقام النبي صلى الله عليه وآله برسالته ودعا العالم بأجمعه إلى التوحيد والإيمان بالله عز وجل، وترك عبادة الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع، ودعى إلى الفضائل ومكارم الأخلاق، ونهى عن الرذائل وقبائح الصفات، ودعى إلى السلم ونبذ العنف، ودعى إلى حب الآخرين وقضاء حوائجهم، ودعى إلى الكرامة والأخلاق بعد ما فشي فيهم القتل والسرقة والزنا وارتكاب الفواحش، وبعد ما كانوا يأخذون الربا ويشربون الخمر، ويطوفون بالبيت عراة رجالا ونساء.
لقد بعث الله تعالى الرسول العظيم صلى الله عليه وآله وسلم في مجتمع يعتقد بالخرافة ويعبد الأصنام ويسجد للأوثان، فقد كان في كل بيت من بيوت مكة صنم يعبده أهل ذلك البيت، بل كان في جوف الكعبة نفسها وعلى سطحها أكثر من 360 صنما يُعبدون من دون الله، وقد كان العربي آنذاك يستبق سفره بالتمسح بالأصنام تبركا والتماسا للخير، كما يفعل ذات الأمر إذا عاد من سفره.
لقد كانت العصبية والنزاعات وحالات الاحتراب تسود في ذلك المجتمع ولأتفه الأسباب، كما جرى في حرب البسوس حيث أصاب شخص ضرع ناقة بسهم فقامت إثر ذلك حرب استمرت لأكثر من أربعين سنة قتل فيها الألوف. وعلى ذات المنوال جرت حرب داحس والغبراء بسبب خلاف على سباق بين فرسين، واستمرت هذه الحرب عشرات السنين هلك خلالها الحرث والنسل.
جاء النبي الأكرم وسط مجتمع كانت حياته حياة احتراب وعصبية وجهل وتخلف في مختلف المجالات وبحسب وصف الآية الكريمة ﴿وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ﴾، لقد كان مجتمعا معرضا للانتهاء والإبادة ومهددا بالعيش خارج التاريخ والحياة، فخلق منه هذا النبي العظيم مجتمعا جديدا وأمة متقدمة استطاعت أن تقود العالم خلال فترة قياسية من الزمن. إن في ذلك دلالة كبيرة على عظمة هذا الدين وهذا الرسول .
وفي هذا الصدد ايضا، قالت الصديقة فاطمة عليها السلام في خطبتها: «وكنتم علي شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسه العجلان، وموطئ الأقدام، وتشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله». وقالت عليها السلام: «فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً على نيرانها، عايدة لأوثانها، منكرة الله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، جلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم».
ولقد تحمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصيب كبير من التعذيب الاذى في سبيل ابلاغ الدعوة الاسلامية، فإنه كان كلما سمع أنَّه عُذِّب أو أوذيَ أحدٌ في سبيل دعوته تألَّم وتأثَّر، ولربما فاضت عيناه بالدموع إضافة إلى ذلك فقد كانت قريش تتعرض للنبي بالذات؛ إذ كان أبو لهب يرمي النبيّ بالحجارة، وكانت زوجته تُلقي في طريق الرسول الأشواك وكان أبو جهل يحاول إثارة غضبه بإلقاء الغرث على رأسه وهو في الصلاة، أو يرمي القذر في طعامه وهو يأكل؟ وشجَّ أحد الكفَّار رأسه الشريف بالقوس حتى جرت دماؤه على وجهه الكريم..! وكان بعض آخر منهم يلطِّخون داره بالأقذار ، وقد يلقون بها في فناء داره. أما السخرية والاستهزاء والتقريع، فقد كانت تمتلئ بها أفواه الكفاّر، ويصبُّونها على النبي كلَّ حين !.
وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقابل كلّ ذلك بصبر حكيم، وحلم قائد، وأناة نبيّ، فإذا جاءت إليه طائفة من الكفّار استقبلهم بكل طلاقة، ودعاهم إلى الدِّين بأحسن طريق، فإذا لبّوا دعوته يكون ذلك خيراً وإلاّ فإنه كان يطلب منهم أن يأتوا بمثل ما أتى به من القرآن ثم يتلو عليهم: "قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً " الاسراء/88 .ولطالما كانوا يسخرون منه ويستهزئون بدعوته، فكان يعظهم ويدعو الله لهم بالهداية دون أن يغضب أو يثور .وكان في بعض الأحيان يتجوَّل في العشائر والمجامع ، ويدعو الناس إلى ربهم بيد أن كفار قريش كانوا يعرقلون طريق دعوته.
من هنا فإن ذكرى المبعث النبوي الشريف سوف تظل الذكرى المتجددة التي لا تنتهي حاجتنا منها إلى التأمل والاعتبار .. وبناء النفس وتربية الذات والانابة الله تعالى لتتحول هذه الذكرى في حياة المسلمين إلى محطة سنوية فيها لصاحب الذكرى نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كشف حساب انجازاتنا في سبيل قيام الأمة الاسلامية المظلومة التي أرسى صلى الله عليه وآله وسلم قواعدها.
المصدر:العالم