الإمام الحسن (عليه السلام) والدفاع عن القيم‏

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الإمام الحسن (عليه السلام) والدفاع عن القيم‏

* المعارضة من جانب جبهة الإمام الحسن (عليه السلام)
كانت جميع محاولات الإمام الحسن (عليه السلام) بعد الصلح تصب في مخالفة ما يقوم به معاوية ويمكن تقسيم نشاطات الإمام (عليه السلام) إلى قسمين أساسيين نذكرهما باختصار:

ألف: النشاط الديني ونشر ثقافة الإسلام:
تجمع المحدثون والعلماء حول الإمام (عليه السلام) بعد عودته إلى المدينة. وكانوا إما من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أو من التابعين والمجموعات الأخرى. أما أبرز هؤلاء: الأحنف بن قيس، الأصبغ بن نباته، جابر بن عبد الله الأنصاري، جعيد الهمداني، حبة بن جوين العرفي، حبيب بن مظاهر، حجر بن عدي، رشيد الهجري، رفاعة بن شداد، زيد بن أرقم، سليمان بن صرد الخزاعي، سليم بن قيس الهلالي، عامر بن واثلة بن أسقع، عباية بن عمرو بن رهبى، قيس بن عباد، كميل بن زياد، حارث بن الأعور بن بنان، المسين بن نجبه الفزارى وميثم بن يحيى التمار وهؤلاء من جملة أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله).

وكان هناك أشخاص آخرون أمثال: أبو الأسود الدؤلي، أبو إسحاق بن كليب السبيعي، أبو مخنف، جابر بن خلد، جارود بن منذر، حبابة بنت جعفر، سويد بن غفلة، مسلم بن عقيل و...

فقد اجتمع هؤلاء من أماكن مختلفة فكان بما كسبوه من تربية علمية ومعنوية سدوداً منيعة أمام مؤامرات معاوية[1].

وعندما كان يحضر أحد الأشخاص من المدينة إلى الشام كان يسأله معاوية عن الإمام الحسن (عليه السلام) وكانوا يجيبون. يقول ابن صباغ المالكي في هذا الخصوص: «وكان إذا صلى الغداة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جلس في مجلسه يذكر الله حتى ترتفع الشمس ويحبس إليه من يجلس من سادات الناس يحدثهم... ويجتمع الناس حوله فيتكلم بما يشفي غليل السائلين ويقطع حجج المجادلين...»[2].

طبعاً كان الإمام (عليه السلام) مجهزاً بسلاح العلم لهذا النوع من النشاطات وهو علمه الذي ورثه عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، لذلك يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «لما صالح الحسن بن علي (عليه السلام) معاوية جلسا بالنخيلة فقال معاوية: يا أبا محمد بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يخرص النخل فهل عندك من ذلك علم، فإن شيعتك يزعمون أنه لا يعزب عنكم علم شي‏ء في الأرض ولا في السماء؟ فقال الحسن (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يخرص كيلاً وأنا أخرص عدداً فقال معاوية: كم في هذه النخلة؟ فقال الحسن (عليه السلام): أربعة آلاف بسرة وأربع بسرات.

فأمر معاوية بها فصرمت وعدت فجاءت أربعة آلاف وثلاث بسرات. فقال: والله ما كذبت ولا كذبت فنظر فإذا في يد عبد الله بن عامر بن كريز بسرة ثم قال: يا معاوية أما والله لولا أنك تكفر لأخبرتك بما تعمله وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في زمان لا يكذب وأنت تكذب وتقول: متى سمع من جده على صغر سنه، والله لتدعن زياد أو لتقتلن حجراً ولتحملن إليك الرؤوس من بلد إلى بلد...»[3].

ب - بعض الإجراءات في مواجهة معاوية
كان الإمام (عليه السلام) يقوم ببعض الأنشطة التي يراد منها مواجهة ما يمارسه معاوية حيث كانت تدل هذه الأنشطة على وجود تباين بين جبهتي الحق والباطل. طبعاً وجود الإمام كان عاملاً هاماً وأساسياً في منع الكثير من الانحرافات. من هنا نجد أن الضغط الكبير على الشيعة قد حصل بعد شهادة الإمام (عليه السلام). ولعل من أبرز الأنشطة التي قام بها الإمام (عليه السلام).

1 - الدفاع عن الشيعة:
يمكن الإشارة إلى موارد متعددة في هذا الإطار، لعل أبرزها دفاع الإمام (عليه السلام) عن أنصاره في مقابل سلطة معاوية. فكان الإمام (عليه السلام) هو الملجأ الوحيد لأصحابه.

غضب والي الكوفة (زياد بن أبيه) على سعيد بن أبي سرح الكوفي فطلب زياد إحضاره فهرب إلى المدينة والتجأ إلى الإمام (عليه السلام).

فقام زياد باعتقال عائلة سعيد ووضعها في السجن، وصل الخبر إلى الإمام (عليه السلام) فكتب إلى زياد بن أبيه: «أما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم فهدمت داره وأخذت ماله وحبست أهله وعياله فإن أتاك كتابي هذا فابن له داره واردد عليه ماله...»[4].

وكتب زياد بن أبيه إلى الإمام (عليه السلام) قائلاً: «من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة: أما بعد: فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب وأنا سلطان وأنت سوقة وتأمرني فيه بأمر المطاع المسلط على رعيته. كتبت إليّ في فاسق آويته. إقامة منك على سوء الرأي ورضا منك بذلك، وايم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك، ولحمك وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا مدع عليك فإن أحب لحم على أن آكله للحم الذي أنت منه، فسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك، فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه، وإن قتلته لم أقتله إلا لحبه أباك الفاسق، والسلام».

فلما ورد الكتاب على الحسن (عليه السلام) قرأه وتبسم وكتب إلى معاوية وجعل كتاب زياد عطفه. قرأها معاوية فكتب إلى زياد: «أما بعد، فإن الحسن بن علي بعث إليَّ بكتابك إليه.. من ذلك إلى الحسن تشتم أباه، وتعرض له الفسق ولعمري إنك الأولى بالفسق من أبيه.. فإذا ورد عليك كتابي فنحل ما في يديك لسعيد بن أبي سرح وابن له داره واردد عليه ماله ولا تعرض له...»[5].

2 - الدفاع عن القيم‏
سنحاول في هذا المقطع الإشارة إلى أن أهم القيم التي دافع عنها الإمام، الولاية والإمامة التي حاول معاوية استعمال شتى الوسائل والأساليب للتعرض لها. أما موقف الإمام (عليه السلام) فتجلى في ما يلي:

1 - 2 ـ توضيح وتبيين ما يتمتع به أمر المؤمنين علي (عليه السلام) من قداسة عندما كان يلجأ معاوية إلى إهانة الإمام علي (عليه السلام) بحضور الإمام الحسن (عليه السلام) أو عندما كان يترك أصحابه يتعرضون للإمام. كان الإمام الحسن (عليه السلام) يلجأ لتبيين الحق والرد على الإهانات دفاعاً عن مشروعية الإمامة وحاكمية الإمام علي (عليه السلام)، من أبرز المواقف التي صرح بها الإمام الحسن (عليه السلام) في مجلس معاوية، الإشارة إلى ما ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع: «أيها الناس أني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده كتاب الله فاحلّوا حلاله وحرموا حرامه واعلموا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا بما أنزل الله من الكتاب وأحبوا أهل بيتي وعترتي وولوا من والاهم وانصروهم على من عاداهم وأنهما لم يزالا فيكم حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة ثم دعا وهو على المنبر علياً فاجتذبه بيده وقال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه اللهم من عادى علياً فلا تجعل له في الأرض مقصداً ولا في السماء مصعداً واجعله في أسفل درك من النار... أنت الزائد عن حوض يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط ابله.. إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفنية نوح من دخل فيها نجا ومن تخلف عنها غرق...»[6].

2 - 2 ـ التعرض لخلافة غير الأهل لها.
حاول الإمام (عليه السلام) توضيح عدم لياقة معاوية للخلافة، لذلك كتب في رسالة له: «أقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، وما طمعت فيها يا معاوية، فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها، فطمعت فيها الطلقاء، وأبناء الطلقاء: أنت وأصحابك، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما ولت أمة أمرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا»[7].
وقد ذكر الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية بأنه غير لائق للخلافة فقال: «أما الخليفة فمن سار بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعمل بطاعة الله عزَّ وجلَّ، وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن، واتخذ الدنيا أماً وأباً، وعباد الله خولا، وماله دولا، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكاً فتمتع منه قليلاً، وكان قد انقطع عنه»[8].

3 - 2 ـ إعلانه السأم من حكومة الفاسدين‏
كان الإمام (عليه السلام) يشك في حكومة وخلافة أشخاص فاسدين، وكان يعلن سأمه وتأففه من ولاة هذه الحكومة. ينقل أن الإمام (عليه السلام) كان يطوف بالمسجد الحرام عندما شاهد حبيب بن مسلمة الفهري.
قال الحسن (عليه السلام) لحبيب بن مسلمة الفهري: رب مسير لك في غير طاعة قال: أما مسيري إلى أبيك فلا، قال: ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك فلو كنت إذا فعلت شراً قلت خيراً كنت كما قال الله عزَّ وجلَّ: «خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً» ولكنك كما قال: «كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون»[9].

4 - 2 ـ توضيح مشروعية حكومة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
كان الإمام الحسن (عليه السلام) يؤكد في خطاباته المتكررة على مشروعية حكومة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ليقدم بذلك إجابات على ما يلقيه معاويه من اتهامات وتشكيك في مشروعية حكومة الإمام (عليه السلام). وكان الإمام الحسن (عليه السلام) يعتمد على أقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في توضيح إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) كتنصيبه يوم غدير خم[10].

5 - 2 ـ توضيح أحقيته بالحكومة
صحيح أن الإمام الحسن (عليه السلام) عمل على توضيح مشروعية الإمام علي (عليه السلام) ومع ذلك وضح للجميع أحقيته للحكومة في مقابل الادعاءات التي كان ينشرها معاوية حيث كان يتحدث بعدم لياقة الإمام الحسن (عليه السلام) للخلافة. وفي هذا الإطار اعتلى الإمام الحسن (عليه السلام) المنبر بحضور معاوية وقام في الناس خطيباً فقال: «أيها الناس من عرفني فأنا الذي يعرف ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب، ابن عم نبي الله، أول المسلمين إسلاماً، وأمي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجدي محمد بن عبد الله نبي الرحمة»[11].
وعندما طلب منه معاوية اعتلاء المنبر والإعلان أمام الناس عن إيداعه الخلافة عند معاوية، قال: «أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله»[12].

6 - 2 ـ الاستعداد للحرب من جديد
المعروف أن معاوية نقض الصلح مرات ومرات، لذلك يمكن القول بأن الإمام (عليه السلام) كان على استعداد لقتال معاوية من جديد لو تهيأت له الإمكانات الضرورية، من هنا يعتقد البعض أن سبب تسميم الإمام (عليه السلام) اعتقاد معاوية باستعداده للقتال من جديد[13].

إن ما طالعناه هو جزء بسيط من التعارض القائم بين جبهتي الحق والباطل. وإن ما كان يقوم به الإمام الحسن (عليه السلام) وضع الشك عند معاوية من أن الخطر الوحيد على بني أمية هو الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) ، لذلك بدأ معاوية التفكير باغتيال الإمام (عليه السلام)، فعمل أكثر من مرة على دس السم إليه.

ينقل الحاكم النيسابوري بسند قوي عن أم بكر بنت مسور: «كان الحسن بن علي سمّ مراراً كل ذلك يغلب حتى كانت المرة الأخيرة التي مات فيها كان يختلف كبده فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثاً حتى توفي»[14].

في هذا الإطار يوضح ابن أبي الحديد السبب الأساسي الذي دفع معاوية إلى قتل الإمام الحسن (عليه السلام): «أراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن عليه شي‏ء أثقل من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي الوقاص، فدس إليهما سماً فماتا منه»[15].
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) بأن جعدة - لعنة الله عليها - جاءت بالسم إلى المنزل وكان الإمام (عليه السلام) صائماً فلما حان الإفطار طلب اللبن، فوضعت جعدة السم فيه. فعندما شرب اللبن، صرخ بعد لحظات قائلاً: «عدوة الله! قتلتيني قتلك الله والله لا تصيبين مني خلفاً، ولقد غرك وسخر منك، والله يخزيك ويخزيه».

ثم يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «فمكث (عليه السلام) يومان ثم مضى، فغدر بها معاوية ولم يف لها بما عاهد عليه»[16].
 
 تدوين: أ. آشوري‏، مبلغان - بتصرّف
 
[1] بحار الأنوار، ج‏42، ص‏110 - 112؛ ناسخ التواريخ. ج‏5، ص‏245 - 247.
[2] الفصول المهمة، ص‏159.
[3] بحار الأنوار، ج‏43، ص‏329؛ الخرائج، ج‏2، ص‏573؛ العدد القوية، ص‏42.
[4] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج4، ص72.
[5] المصدر نفسه، ص73.
[6] بحار الأنوار، ج‏44، ص‏70 - 86، ح‏1.
[7] المصدر نفسه، ج‏44، ص‏63.
[8] الاحتجاج، الطبرسي، ج‏1، ص‏419؛ الخرائج والجرائح، ص‏218.
[9] أحكام القرآن، أحمد بن علي الرازي، ج‏4، ص‏355؛ نور الثقلين، ج‏5، ص‏532.
[10] جلاء العيون، ص‏442؛ بحار الأنوار، ج‏44، ص‏70 - 86.
[11] الأمالي، للشيخ الصدوق، ص‏150.
[12] جلاء العيون، ص‏442.
[13] الغدير، ج‏11، ص‏8.
[14] المستدرك على الصحيحين، ج‏3، ص‏173.
[15] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج‏16، ص‏49.
[16] بحار الأنوار، ج‏44، ص‏154.

قراءة 1130 مرة