إنّ روح عمل الإمام الحسين عليه السلام هو تطبيق كلام الحقّ وطريق الحقّ والصمود في وجه كافّة القوى التي تكاتفت عليه في هذا السبيل، هذا هو روح عمل الحسين بن عليّ عليهما السلام وحقيقته. كلّ المواضيع المتّصلة بالإمام الحسين عليه السلام، في المدينة، في مكّة، في كربلاء وخلال الطريق وكذلك الحوادث التي عرضت بعد شهادته، قد ذكرها الإمام السجّاد وزينب عليهما السلام. ذلك كلّه يؤشّر إلى هذه النقطة. هذا هو الدرس الكبير الذي قدّمه الحسين بن عليّ عليهما السلام.
من هم الذين عارضوا الإمام عليه السلام في ذلك اليوم؟ ينبغي القول: إنّ العالم بأسره قد أحاط بالإمام الحسين عليه السلام، لأنّ نظام يزيد قد تسلّط على العالم الإسلاميّ وبنحو من الأنحاء أحكم قبضته على كلّ شخص بحسبه، بعضهم بالتهديد وآخرون بالترغيب والوعود وغيرهم بالاحتيال، وجميع هؤلاء كانوا معارضين للإمام عليه السلام.
فهل كلّ من كان معارضاً للإمام الحسين عليه السلام لم يكن يحبّه؟ لا، كانوا يحبّونه! كما أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يعيش محترماً في المدينة، وكلّما كان يذهب إلى الحجّ كانت النّاس تجتمع إليه1. لكن المسألة كانت شيئاً آخر، بمعنى أنّ الإمام كان يرى أنّ النظام الاجتماعيّ للعالم الإسلاميّ هو نظام غير إسلاميّ، في حين أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم جاء ليجعل النظام الاجتماعيّ للنّاس نظاماً إسلاميّاً.
جاء نبيّ الإسلام وأوجد هذا النظام الإسلاميّ. إلّا أنّه عندما جاء يومٌ ورأى الإمام الحسين عليه السلام العالم الإسلاميّ والنظام الإسلاميّ يصبحان مغايرين للاسلام بالكامل، بل سيصبحان في كثير من الموارد معاديين للإسلام بنسبة 100%، لذا عزم الإمام الحسين عليه السلام على استعادة ذلك الوضع.
أراد الإمام الحسين عليه السلام أن يعلن لجميع النّاس في عصره ولكلّ الذين سيأتون في العصور اللّاحقة أنّه متى ما فقد هكذا نظام من المجتمع وجب القيام والثورة لإيجاده، سواء أفضت الثورة إلى قيام الحكومة والانتصار أم الشهادة.
وقد تخيّل بعضهم أنّ الإمام الحسين عليه السلام لو كان يعلم أنه سيستشهد لم يثُر، وفي المقابل ادّعى بعضهم أنّ الإمام الحسين عليه السلام ثار ليستشهد، (لكن) كلا الرأيين خاطئان.
لقد ثار الإمام الحسين عليه السلام ليلقّن البشريّة درساً: وهو أنّه كلّما شاهد المسلمون - الذين يتعلّمون من الحسين عليه السلام - الظلم في المجتمع، وغياب النظام الإسلاميّ، وأنّ القرآن لا يحكم، وسيادة العنصريّة والتمييز، والغطرسة وهضم الحقوق، والتربّع على السلطة دون ملاك أو معيار، فيجب عليهم النهوض لاسترجاع الوضع (الصحيح)، سواء انتهت الحركة بنتيجة أم لا.
لقد ذكر الإمام (الخمينيّ) مراراً، أنّنا لا نقوم من أجل النتيجة، وإنّما ننهض من أجل الوظيفة والتكليف2. بالتأكيد، عندما يكون عملنا نابعاً من الإخلاص فإنّ الله تعالى سيوصلنا إلى النتيجة أيضاً.
هذا هو روح عمل الإمام الحسين عليه السلام، لذلك صمد واستقام من أجله. وواقعاً إذا أراد الإنسان أن يحاسب ذلك اليوم الذي ثار فيه الإمام الحسين عليه السلام استناداً إلى المعايير والمعادلات العاديّة، فإنّ من المتيقّن به أنّ هذا القيام لن يكون قياماً عقلانيّاً. بالطبع لو أراد الإنسان النظر من زاوية العقل العادي والطبيعيّ، سيرى أنّ الإنسان الذي لا يمتلك أيّ قوّة في يده في مواجهة تلك القوى، لا مناص من أنّه سينتهي بهزيمة عسكريّة محقّقة. لكن، مع ذلك، ثار الإمام الحسين عليه السلام، مع أنّ إدراك الأمور والحقائق كان أسهل بالنسبة إليه من كثير من النّاس الآخرين، ومن المؤكّد أنّ هذه الحسابات أيضاً كانت أمام مرأى أبي عبد الله عليه السلام، ومع ذلك ثار، ذلك لأنّ الغاية والهدف هما القيام بالوظيفة والانتصار الإلهيّ، وليس فقط الانتصار العسكريّ، بالطبع لو تيسّر للإمام الانتصار العسكريّ لقبل به3.
دروس عاشوراء، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الفتوح, ج5, ص23, الإرشاد, ج2, ص35-36, البداية والنهاية, ج8, ص151, بحار الأنوار, ج44, ص332.
2- صحيفة الإمام ج61 ص284.
3- في مراسم العرض الصباحيّ للحرس في مقرّ قصر فيروزة 2/7/1364ش- 24/9/1986 م.