الإمام الحَسَن العَسکَرِیّ ودَورُهُ بِالإعِداد لِعصرِ الغَیبَة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الإمام الحَسَن العَسکَرِیّ ودَورُهُ بِالإعِداد لِعصرِ الغَیبَة

لقد طرح الإمام العسکری قضیة الإمام المهدی (علیه السلام) وإمامته على مختلف الأصعدة، وأنه الخلف الصالح الذی وعد الله به الأُمم وأن یجمع به الکلم، کما اتخذ الإمام العسکری (علیه السلام) إجراءات تتناسب والظروف المحیطة بهما.

غیر أن النقطة الأُخرى التی تتلوها فی الأهمیة هی مهمة إعداد الأُمة المؤمنة بالإمام المهدی (علیه السلام) لتقبّل هذه الغیبة التی تتضمّن انفصال الأُمة عن الإمام بحسب الظاهر وعدم إمکان ارتباطها به وإحساسها بالضیاع والحرمان من أهم عنصر کانت تعتمد علیه وترجع إلیه فی قضایاها ومشکلاتها الفردیة والاجتماعیة، فقد کان الإمام حصناً منیعاً یذود عن أصحابه ویقوم بتلبیة حاجاتهم الفکریة والروحیة والمادیة فی کثیر من الأحیان.

فهنا صدمة نفسیة وإیمانیة بالرغم من أن الإیمان بالغیب یشکّل عنصراً من عناصر الإیمان المصطلح، لأنّ المؤمنین کانوا قد اعتادوا على الارتباط المباشر بالإمام (علیه السلام) ولو فی السجن أو من وراء حجاب وکانوا یشعرون بحضوره وتواجده بین ظهرانیهم ویحسّون بتفاعله معهم، والآن یُراد لهم أن یبقى هذا الإیمان بالإمام حیّاً وفاعلاً وقویّاً بینما لا یجدون الإمام فی متناول أیدیهم وقریباً منهم بحیث یستطیعون الارتباط به متى شاءوا.

إنّ هذه لصدمة یحتاج رأبها إلى بذل جهد مضاعف لتخفیف آثارها وتذلیل عقباتها. وقد مارس الإمام العسکری تبعاً للإمام الهادی(علیهما السلام) نوعین من الإعداد لتذلیل هذه العقبة ولکن بجهد مضاعف وفی وقت قصیر جدّاً.

الأوّل: الإعداد الفکری والذهنی.

الثانی: الإعداد النفسی والروحی.

أما الإعداد الفکری فقد قام الإمام تبعاً لآبائه (علیهم السلام) باستعراض فکرة الغیبة على مدى التاریخ وطبّقها على ولده الإمام المهدی (علیه السلام) وطالبهم بالثبات على الإیمان باعتباره یتضمن عنصر الإیمان بالغیب وشجّع شیعته على الثبات والصبر وانتظار الفرج وبیّن لهم طبیعة هذه المرحلة ومستلزماتها وما سوف یتحقق فیها من امتحانات عسیرة یتمخّض عنها تبلور الإیمان والصبر والتقوى التی هی قوام الإنسان المؤمن برّبه وبدینه وبإمامه الذی یرید أن یحمل معه السلاح لیجاهد بین یدیه.

فقد حدّث أبو علی بن همّام قائلاً: سمعت محمد بن عثمان العمری قدس الله روحه یقول: سمعت أبی یقول: سئل أبو محمد الحسن بن علی (علیهما السلام)

وأنا عنده عن الخبر الذی روی عن آبائه (علیهم السلام): إنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى یوم القیامة وأن من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة فقال (علیه السلام): «إنّ هذا حقّ کما أنّ النهار حق»، فقیل له: یا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدک؟ فقال: ابنی محمّد هو الإمام والحجة بعدی. من مات ولم یعرفه مات میتة جاهلیة، أما إنّ له غیبة یحار فیها الجاهلون، ویهلک فیها المبطلون ویکذب فیها الوقّاتون، ثم یخرج فکأنی أنظر إلى الأعلام البیض تخفق فوق رأسه بنجف الکوفة» (1)

 

وحدّث موسى بن جعفر بن وهب البغدادی فقال: سمعت أبا محمد الحسن (علیه السلام) یقول: «کأنی بکم وقد اختلفتم بعدی فی الخلف منّی، أما إن المقرّ بالأئمة بعد رسول الله (صلى الله علیه وآله) المنکر لولدی کمن أقرّ بجمیع أنبیاء الله ورسله ثم أنکر نبوّة رسول الله (صلى الله علیه وآله)، والمنکر لرسول الله (صلى الله علیه وآله) کمن أنکر جمیع الأنبیاء، لأن طاعة آخرنا کطاعة أوّلنا والمنکر لآخرنا کالمنکر لأوّلنا، أما إنّ لولدی غیبة یرتاب فیها الناس إلاّ من عصمه الله عزّ وجل»(2).

 

وحدّث الحسن بن محمد بن صالح البزّاز قائلاً: سمعت الحسن بن علی العسکری (علیهما السلام) یقول: «إنّ ابنی هو القائم من بعدی وهو الذی یُجری فیه سنن الأنبیاء بالتعمیر والغیبة حتى تقسو القلوب لطول الأمد فلا یثبت على القول به إلاّ من کتب الله عزّ وجلّ فی قلبه الإیمان وأیّده بروح منه»(3).

 

إلى غیرها من الأحادیث والأدعیة التی تضمّنت بیان فکرة الغیبة وضرورة تحققها وضرورة الإیمان بها والصبر فیها والثبات على الطریق الحق مهما کانت الظروف صعبة وعسیرة.

وأما الإعداد النفسی والروحی فقد مارسه الإمام (علیه السلام) منذ زمن أبیه الهادی (علیه السلام) فقد مارس الإمام الهادی (علیه السلام) سیاسة الاحتجاب وتقلیل الارتباط بشیعته إعداداً للوضع المستقبلی الذی کانوا یستشرفونه وکان یُهیئهم له، کما انّه قد مارس عملیة حجب الإمام الحسن العسکری(علیه السلام) عن شیعته فلم یعرفه کثیر من الناس وحتى شیعته إلاّ بعد وفاة أخیه محمد حیث أخذ یهتمّ باتمام الحجة على شیعته بالنسبة لإمامة الحسن من بعده واستمر الإمام الحسن(علیه السلام) فی سیاسة الاحتجاب وتقلیل الارتباط لضرورة تعوید الشیعة على عدم الارتباط المباشر بالإمام لیألفوا الوضع الجدید ولا یشکّل صدمة نفسیة لهم، فضلاً عن إن الظروف الخاصة بالإمام العسکری (علیه السلام) کانت تفرض علیه تقلیل الارتباط حفظاً له ولشیعته من الانکشاف أمام أعین الرقباء الذین زرعتهم السلطة هنا وهناک لیراقبوا نشاط الإمام وارتباطاته مع شیعته.

وقد عوّض الإمام الحسن العسکری (علیه السلام) الأضرار الحاصلة من تقلیل الارتباط المباشر بأمرین:

 

أحدهما: بإصدار البیانات والتوقیعات بشکل مکتوب إلى حدٍّ یغطی الحاجات والمراجعات التی کانت تصل إلى الإمام (علیه السلام) بشکل مکتوب. وأکثر الروایات عن الإمام العسکری (علیه السلام) هی مکاتباته مع الرواة والشیعة الذین کانوا یرتبطون به من خلال هذه المکاتبات.

 

ثانیهما: بالأمر بالارتباط بالإمام (علیه السلام) من خلال وکلائه الذین کان قد عیّنهم لشیعته فی مختلف مناطق تواجد شیعته. فکانوا حلقة وصل قویة ومناسبة ویشکّلون عاملاً نفسیّاً لیشعر أتباع أهل البیت باستمرار الارتباط بالإمام وإمکان طرح الأسئلة علیه وتلقی الأجوبة منه. فکان هذا الارتباط غیر المباشر کافیاً لتقلیل أثر الصدمة النفسیة التی تحدثها الغیبة لشیعة الإمام (علیه السلام).

 

وهکذا تمّ الإعداد الخاص من قبل الإمام الحسن العسکری (علیه السلام) لشیعته لیستقبلوا عصر الغیبة بصدر رحب واستعداد یتلائم مع مقتضیات الایمان بالله وبرسوله وبالأئمة وبقضیة الإمام المهدی (علیه السلام) العالمیة والتی تشکّل الطریق الوحید لإنقاذ المجتمع الإنسانی من أوحال الجاهلیة فی هذه الحیاة.

 

نظام الوکلاء فی عصر الإمام الحسن العسکری (علیه السلام)

 

إنّ نظام الوکلاء قد أسّسه الأئمة من أهل البیت (علیهم السلام) حین اتّسعت الرقعة الجغرافیة للقاعدة الموالیة لأهل البیت (علیهم السلام). وقد اختار الأئمة من بین أصحابهم وثقاتهم من أوکلوا إلیه جملة من المهام التی لها علاقة بالإمام (علیه السلام) مثل قبض الأموال وتلقی الأسئلة والاستفتاءات وتوزیع الأموال على مستحقّیها بأمر الإمام (علیه السلام). وبالإضافة إلى مهمة الإرشاد وبیان الأحکام.

کان الوکیل یقوم بتخفیف العبء عن الإمام وشیعته فی ظروف تشدید الرقابة على الإمام (علیه السلام) من قبل السلطة، کما کان یتولّى مهمة بیان مواقف الإمام السیاسیة حین لا یکون من المصلحة أن یتولّى الإمام بنفسه بیان مواقفه بشکل صریح ومباشر.

إنّ نظام الوکلاء یعتبر حلقة الوصل والمؤسسة الوسیطة بین الإمام وأتباعه فی حال حضور الإمام (علیه السلام) ولا سیّما عند صعوبة الارتباط به.

 

کما أنه أصبح البدیل الوحید للارتباط بالإمام (علیه السلام) فی دور الغیبة الصغرى. وحیث إنّ الأئمة (علیهم السلام) کانوا یعلمون ویتوقّعون الوضع المستقبلی للإمام المهدی (علیه السلام) کما أخبرت بذلک نصوص النبی (صلى الله علیه وآله) وأهل بیته الأطهار (علیهم السلام)، کان الخیار الوحید للإمام المعصوم فی عصر الغیبة الصغرى أن یعتمد على مثل هذه المؤسسة الواسعة الأطراف والمهامّ، ومن هنا کان الاعتماد على الثقات من جهة وتعوید الأتباع للارتباط بالإمام (علیه السلام) من خلال وکلائه أمراً لابد منه، وهذا الأمر یحتاج إلى سیاسة تعتمد السنن الاجتماعیة وتأخذها بنظر الاعتبار، ولا یمکن لمثل هذه المؤسسة البدیلة أن تستحدث فی أیام الغیبة الصغرى بل لابد من التمهید لذلک بإنشائها وإثبات جدارتها تاریخیاً من خلال مراجعة الوکلاء والتثبت من جدارتهم وتجذّر هذه المؤسسة فی الوسط الشیعی لیکون هذا البدیل قادراً على تلبیة الحاجات الواقعیة لأبناء الطائفة، ولئلا تکون صدمة الغیبة فاعلة وقویة. ومن هنا کان یتسع نشاط هذه المؤسسة ویصبح دورها مهماً کلّما اشتدت الظروف المحیطة بالإمام المعصوم (علیه السلام) وکلّما اقترب الأئمة من عصر الغیبة.

 

وعلى هذا یتّضح أن عصر الإمام الحسن العسکری (علیه السلام) الذی کان یشکّل نقطة الانتقال المهمّة والجوهریة من عصر الحضور إلى عصر الغیبة کان یستدعی الاعتماد الکبیر على الوکلاء ویستدعی إحکام نظامهم وکثرة مهامّهم واتّساع دائرة نشاطهم وتواجدهم اتّساعاً یمهّد للانتقال بأتباع أهل البیت (علیهم السلام) إلى دور الغیبة التی ینقطعون فیها عن إمامهم وقیادتهم المعصومة.

 

إنّ مقارنة عدد وکلاء الإمام العسکری (علیه السلام) بوکلاء الإمام الهادی (علیه السلام) ومناطق تواجد هؤلاء الوکلاء والمسؤولیات الملقاة علیهم وکیفیة الارتباط فیما بینهم تشهد على تمیّز الدور الکبیر للوکلاء فی هذه الفترة القصیرة جدّاً وهی ستّ سنوات، کما أن استقرار الوکلاء فی مناصبهم واعتماد الإمام (علیه السلام) علیهم وبیان ذلک لأتباعه قد حقق الهدف المرتقب من نظام الوکلاء فی مجال تسهیل الانتقال إلى عصر الغیبة بأقلّ ما یمکن من الأخطار والتبعات.

 

على أن انحراف بعض الوکلاء ـ طمعاً أو حسداً ـ وکشف انحرافهم من قبل الإمام (علیه السلام) وحذفهم وإخبار الأتباع بانحرافهم فی أول فرصة ممکنة دلیل على مدى حرص الإمام (علیه السلام) على سلامة عناصر هذا الجهاز الخطیر فی دوره ومهامّه الرسالیة، وهو دلیل على المراقبة المستمرة من الإمام (علیه السلام) لهم ومدى متابعته لأوضاعهم ونشاطاتهم.

 

وإلیک قائمة بأسماء بعض وکلاء الإمام الحسن العسکری (علیه السلام):

 

1 ـ إبراهیم بن عبدة النیسابوری من أصحاب العسکریین (علیهما السلام)، کان وکیلاً له فی نیسابور.

2 ـ أیوب بن نوح بن درّاج النخعی کان وکیلاً للعسکریین (علیهما السلام).

3 ـ أیوب بن الباب، أنفذه من العراق وکیلاً إلى نیسابور.

4 ـ أحمد بن إسحاق الرازی.

5 ـ أحمد بن إسحاق القمی الأشعری کان وکیلاً له بقم.

6 ـ جعفر بن سهیل الصیقل.

7 ـ حفص بن عمرو العمری الجمّال.

8 ـ عثمان بن سعید العمری السمّان (الزیّات) وهو أوّل السفراء الأربعة.

9 ـ علی بن جعفر الهمّانی من وکلاء أبی الحسن وأبی محمد (علیهما السلام) .

10 ـ القاسم بن العلاء الهمدانی من وکلائه ووکلاء ابنه الإمام المهدی (علیه السلام).

11 ـ محمّد بن أحمد بن جعفر (الجعفری) القمی العطّار.

12 ـ محمّد بن صالح بن محمد الهمدانی.

13 ـ محمد بن عثمان بن سعید العمری.

14 ـ عروة بن یحیى البغدادی النخّاس المعروف بالدهقان کان من وکلائه فی بغداد ثم انحرف وضلّ وأخذ یکذب على الإمام ویقتطع الأموال لنفسه وأحرق بیت المال الذی سُلّم إلیه من بعد ابن راشد وتبرّأ منه الإمام ولعنه وأمر شیعته بلعنه ودعا علیه حتى أخذه الله أخذ عزیز مقتدر (4).

قراءة 860 مرة