قبسات من سيرة الامام الصادق عليه السلام في ذكرى ولادته

قيم هذا المقال
(0 صوت)
قبسات من سيرة الامام الصادق عليه السلام في ذكرى ولادته

الإمام جعفر الصادق (ع) السادس من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عالم جليل وعابد فاضل من ذرية النبي الاكرم محمد (ص) وله مكانة جليلة عظيمة لدى جميع المسلمين، وصاحب المدرسة العملاقة في الفكر والمنهاج، وقد استطاع أن يؤسس في عصره اكبر مدرسة فقهية، فتتلمذ على يده العديد من العلماء من جميع الطوائف.

 

 

 

الإمام جعفر الصادق (علیه السلام)، معین لا ینضب، بحر عجاج، متلاطم الأمواج، لا یسبر غوره، ولا یدرک ضفافه. وقد تخرج علیه فطاحل العلماء، وأساتذة المدارس الفقهیة ورؤساء المذاهب، وقد تتلمذ علیه ونهل من نمیر علومه وغزیر معارفه الجم الکثیر، أمثال هشام ابن الحکم، ومؤمن الطاق، ومحمد بن مسلم، وأبان بن تغلب، وأبو بصیر، وحمران ابن أعین، وأبو حنیفة النعمان، ممن یطول ذکرهم، وقد ترجمنا لبعض الثقات منهم فی فصل الثقات من أصحابه ورواته یربو على الثلاثمائة وخمسین. وقد أخذ هؤلاء العلماء عنه علم الحدیث والفقه والأصول والتفسیر، بالإضافة إلى العلوم الأخرى التی توسع (علیه السلام) فی تدریسها کالأخلاق والفلسفة والطب والکیمیاء والریاضیات والفلک وغیرها من العلوم الإنسانیة والحیاتیة. وقد اعترف بفضله العلماء، منهم: أبو حنیفة، حیث قال: لولا السنتان لهلک النعمان ، یرید بذلک السنتین اللتین تتلمذ علیه فی الکوفة.

 

ومن الأمور التی لا یختلف فیها اثنان کون شخصیته (علیه السلام) ذات أبعاد متعددة وجوانب مختلفة ظاهرة کالشمس فی رابعة النهار، إذا فهو الرائد الذی من أتى بعده فهو عیال علیه، منه أخذ وبه اقتدى. وأما مدرسته التی انتهجها وسار علیها، فهی امتدادا لمدرسة جده المصطفى وأبیه المرتضى صلوات الله علیهم أجمعین، وهم الذین أسسوا قواعدها وشیدوا بناءها، ثم جاء من بعدهم الإمام الصادق (علیه السلام) فأسس مدرسته الکبرى فی الکوفة بعد مدرسة المدینة المنورة حرم جده، وأرسى قواعدها یلقی فیها علومه على تلامذته وطلاب علومه، حتى بلغ عددهم ما ینیف على الأربعة آلاف طالب وراوی للحدیث عنه. قال الوشاء: دخلت مسجد الکوفة فوجدت تسعمائة شیخ، کل منهم یقول: حدثنی جعفر بن محمد (الصادق). ولولا وجود شبح الإرهاب السیاسی والإرعاب الفکری الضارب أطنابه حین ذاک على العالم الإسلامی لمنع الحدیث روایة وتدوینا بصورة عامة، وعلى مدرسة أهل البیت ومن ینتمی إلیها بصورة خاصة، لوجدت علم آل محمد (صلى الله علیه وآله) یشع نوره إلى عنان السماء، ویضئ وجه العالم کله. لقد نشط أهل الحدیث والمفسرون، ودونت المجامیع الحدیثیة، وتطورت الدراسات الفقهیة وترکت آثارها وبصماتها على العلماء حتى نشأت المذاهب الفقهیة المتعددة، ومع کل ذلک فهم یقرون بأعلمیة الإمام الصادق (علیه السلام) ویذعنون لآرائه ومرجعیته. وکان أبو حنیفة یقول: ما رأیت أحدا أفقه من جعفر بن محمد الصادق، بعد أن سأله عن أربعین مسألة من المسائل المعقدة المختلفة فأجاب عنها کلها بیسر وقدرة مبینا مختلف أوجه الآراء فیها، کما روى تلک المسائل ابن حجر العسقلانی فی تهذیب التهذیب. أما تصدی الإمام (علیه السلام) لحرکة الزندقة والإلحاد والغلو وأهل البدع والأهواء التی برزت بأعنف صورها فی عصر الإمام الصادق (علیه السلام)، والتی کادت أن تجرف عددا کبیرا من المسلمین، غیر أن تصدی الإمام وأصحابه ووقوفهم بوجه تلک التیارات الجارفة، ومناظراتهم بالأدلة الدامغة والبراهین الساطعة والحجج الواضحة، حتى استطاع أن یفوت الفرصة علیهم، وإفهامهم فساد مذاهبهم وبطلان حججهم، منهم من ذعن وآمن، ومنهم من لج وکفر، وقد ازدهر فی عصره (علیه السلام) علم الکلام وکان فی طلیعة تلامیذه وأصحابه هشام بن الحکم ومؤمن الطاق وغیرهم. کما استقطب الإمام الصادق (علیه السلام) نخبة طیبة من خیار أصحابه وتلامیذه، وأودعهم علومه ومرویاته، وکانوا على درجة کبیرة من التقوى والثقة والصلاح والضبط، وقد ترجمت فی القسم الثانی من کتابی هذا ثلاثمائة وخمسین منهم فی فصل خاص بعنوان (الثقات من أصحابه ورواته (علیه السلام)). استمرت هذه المدرسة بعطائها السخی سنین متمادیة حتى لقفتها النجف الأشرف وانتقلت إلیها بانتقال العلامة الشیخ أبو جعفر الطوسی، حیث وجد فیها التربة الصالحة والقاعدة المهیئة والمستعدة لتکون خلیفة لمدرسة الکوفة، فوسع رحابها وثبت أرکانها حتى أصبحت عاصمة فقه آل محمد ومدرستهم على مدى ألف عام. وبعد وفاة الشیخ الطوسی استمرت المدرسة على ما کانت علیه من عطاء، إذ ترأسها ولده العلامة الشیخ محمد الطوسی، وبعد وفاته بمدة من الزمن انتقلت إلى الحلة فی زمن الشیخ ابن إدریس والعلامة الحلی.

 

وجاء دور المقدس الأردبیلی فاجتهد ووسع مدرسته فی النجف الأشرف حتى عادت المرجعیة ومدرسة آل محمد (صلى الله علیه وآله) الکبرى إلیها، واستمرت النجف فی عطائها وتحملت مسؤولیتها وبث إشعاعها العلمی على خیر وجه فی الحدیث والفقه واستنباطه من أصوله، کما توسعت فی علم التفسیر، حتى انتقلت إلى کربلاء المقدسة فی زمن العلامة الشیخ ابن فهد الحلی، وبعد الحرکة الأخباریة وتصدی العلامة المحقق البهبهانی لها انتقلت بعد ذلک مرة ثانیة إلى النجف الأشرف، وازدهرت فی زمن السید محمد مهدی بحر العلوم والعلامة الشیخ صاحب الجواهر وغیرهم من فطاحل العلماء، واستمرت فی عطائها فی بث إشعاعها إلى جنب مدرسة ری وقم التی أسسها الأشعریون فی القرن الثالث الهجری. وبعد تصدی الحکام الملحدین من البعثیین الظلمة لمدرسة النجف الأشرف، وقتل العلماء الأعلام کالشهید السید محمد باقر الصدر وغیره، واختطاف الأجلة من أعلامها والأساتذة من مدرستها کالعلامة الشیخ محمد تقی الجواهری وغیره، وتشرید وطرد الوافدین إلیها من العلماء الأفاضل والطلاب من الأقطار الإسلامیة، عند ذاک انتقلت معظم أرکانها إلى مدرسة قم المقدسة عش آل محمد (صلى الله علیه وآله) فی الجمهوریة الإسلامیة، فی عصرنا هذا، حتى یقضی الله ورسوله أمرا کان مفعولا وما هو خیر للأمة والمسلمین. وقد ذکرنا ذلک مفصلا فی باب (تأریخ الفقه الشیعی) من کتابنا هذا. ومن الأبعاد التی انتهجها الإمام الصادق (علیه السلام) فی سیاسته مع حکام الظلم والجور، فقد اتخذ السلبیة منهجا له، ومحاولة عدم الاصطدام بالسلطة والحکام الجائرین، مستفیدا من تجربة ثورة الشهیدین محمد بن عبد الله بن الحسن ذو النفس الزکیة وأخیه إبراهیم، ومن ثورة عمه الشهید زید بن علی. وعلى الرغم من منهجه السلبی، فکان یدعم کل ثورة یقوم بها الحسنیین أو الحسینیین ویشجعها مادیا ومعنویا، فکان یتحرک فی محوره بصورة لا تلفت النظر، وبأسالیب مختلفة لیوقظ الحس الثوری والسیاسی لدى الأمة، ویحذر أصحابه من الرکون إلیهم والتعاون معهم، ومقاطعتهم کأسلوب جدی من أسالیب السلبیة والمقاطعة مع الحکام الظلمة والسلطة الجائرة. ومع ذلک کله فإن أئمة أهل البیت (علیهم السلام) وحرصا منهم على مصلحة الإسلام العلیا، کانوا یسارعون فی مد ید العون للحکام الظلمة وإنقاذهم من المواقف الخطرة عندما تحدق بهم من قبل الحکومات الکافرة المحیطة بهم. کما حصل ذلک للحاکم الأموی عبد الملک بن مروان مع الدولة البیزنطیة الرومانیة، فی مشکلة منعه إدخال العملة الصلیبیة إلى بلاد الإسلام، وتهدید الرومان بشن حرب على البلاد الإسلامیة إن تم المنع. فاستنجد الحاکم الأموی بالإمام الباقر (علیه السلام) لإنقاذه من هذه الورطة، عند ذلک علمه الإمام کیفیة العمل على صب سکة العملة الإسلامیة بدلا من التعامل بالعملة الصلیبیة. وقد ذکرنا ذلک مفصلا فی کتابنا (الباقر محمد (علیه السلام)) وهو الجزء الثامن من (موسوعة المصطفى والعترة)، فراجع. وهذا الکتاب الذی بین یدیک عزیزی الباحث إنما هو نموذج موجز لترجمة حیاة کوکب دری ونجم ساطع من کواکب أئمة أهل البیت (علیهم السلام) ونجومهم الزاهرة، ألا وهو الإمام الناطق أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام)، الذی ثنیت له الوسادة، واستطاع بث علومه الربانیة مقتبسا من علوم آبائه الطاهرین. وهو فی مجلدین من موسوعة المصطفى والعترة التاسع والعاشر، متخذا بذلک نهجا جدیدا فی البحث، مضیفا إلى فصوله: التفسیر العرفانی للقرآن،

 

والمنهج العرفانی فی أحادیثه، والثقات من أصحابه (علیه السلام)، وعلم الکیمیاء، وعلم نسبة الضوء والوقت، ومنهجه التربوی، وفصل فی حریة البحث فی الإسلام، ونشوء المذاهب والفرق الإسلامیة، وتأریخ تدوین الحدیث، وتأریخ الفقه الشیعی، والتصدی لحرکة الزندقة، ومنهجه السیاسی، وبحث فی حدیث من مات ولم یعرف إمام زمانه ... وغیرها من المباحث بطرق عدیدة وأسانید معتبرة، إلى غیر ذلک من الفصول. وقد بذلت فی تألیفه وتصنیفه من الجهد المضنی ما لا یعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فقد سهرت اللیالی فی تتبع المصادر واستخراج الأحادیث والروایات المسندة والموثوقة من الصحاح، والمسانید، والموسوعات الحدیثیة، والتأریخیة، والرجالیة، وغصت أعماق البحار حتى استطعت أن أستخرج هذه الدرر النضیدة من فضائل العترة الطاهرة، أقدمه لک عزیزی فی صحن الولاء جواهرا زاهرة ولآلی زاهیة. سائلا المولى القدیر، ورسوله الکریم وآله الطاهرین أن یتقبلوا منی هذا الیسیر لیکون ذخرا لی فی یوم عز فیه الناصر وعدم فیه الشافع، إلا رحمة الله تعالى، وشفاعة رسوله (صلى الله علیه وآله وسلم) وآله الطاهرین صلوات الله علیهم أجمعین، فهو حسبی . دار الهجرة - قم المشرفة حسین الشاکری ذکرى ولادته (علیه السلام) - 17 ربیع الأول عام 1416 ه‍

 

 الفصل الأول:

 

ملامح شخصیة الإمام جعفر الصادق (علیه السلام)

 

  الأسرة الکریمة:

 

 الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) من أسرة کریمة، هی من أشرف وأسمى أسرة فی دنیا العرب والإسلام، تلک الأسرة التی أنجبت خاتم النبیین وسید المرسلین، محمد (صلى الله علیه وآله وسلم) وأنجبت عظماء الأمة من الأئمة، وأعلام العلماء، وهی على امتداد التأریخ لا تزال مهوى أفئدة المسلمین وغیرهم، ومهبط الوحی والإلهام، ومبعث منهج الحق الذی تماوج فی بطاح البیداء، وأودیة الجبال وسفوح الروابی، فکان نورا على شاطئ السلام من مطلع الشمس حتى مغربها، تلک الأسرة التی کان یقودها سید العرب عبد المطلب بن هاشم، حیث قال: لا ینزل المجد إلا فی منازلنا * کالنوم لیس له مأوى سوى المقل وکما قال شاعر العرب - الفرزدق -: من یعرف الله یعرف أولیة ذا * فالمجد من بیت هذا ناله الأمم من هذه الأسرة التی أغناها الله بفضله، تفرع عملاق هذه الأمة، ومؤسس نهضتها الفکریة والعلمیة، الإمام الصادق (علیه السلام)، وقد ورث من عظماء أسرته خصالهم العظیمة، وسجایاهم السنیة، فکانت صفاته الحمیدة مل ء فم الدنیا.

 

والده: الإمام أبو جعفر محمد بن علی الباقر، ابن الإمام السجاد زین العابدین علی بن الحسین الشهید سبط رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) وسید شباب أهل الجنة ابن علی ابن أبی طالب أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وهو غنی عن التعریف، ورث المجد کابرا عن کابر، ومن أجدر بالإمام جعفر الصادق (علیه السلام) أن یفتخر بهذا النسب الرفیع المقدس، ویترنم بقول الفرزدق: أولئک آبائی فجئنی بمثلهم * إذا جمعتنا - یا جریر - المجامع لم تمض فترة طویلة من اقتران السیدة أم فروة بالإمام محمد بن علی الباقر (علیه السلام)، حتى حملت وعمت البشرى أفراد الأسرة العلویة بالمولود الجدید، ولما أشرقت الأرض بنور ولادته سارعت القابلة لتزف البشرى إلى أبیه فلم تجده فی البیت، وإنما وجدت جده الإمام زین العابدین (علیه السلام)، فهنأته بالمولود الجدید وأخبرته القابلة بأن له عینین زرقاوین جمیلتین، فتبسم الإمام (علیه السلام) وقال: إنه یشبه عینی والدتی (1). وبادر الإمام السجاد (علیه السلام) إلى الحجرة فتناول حفیده فقبله، وأجرى علیه مراسیم الولادة الشرعیة، فأذن فی أذنه الیمنى، وأقام فی أذنه الیسرى. والبدایة المشرقة للإمام الصادق (علیه السلام) أن استقبله جده، الذی هو خیر أهل الأرض وهمس فی أذنیه نشید الولاء للإسلام الخالد.

 

والدته: السیدة المعظمة الجلیلة: فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر، وتکنى أم فروة، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبی بکر، ولعل ذلک یفسر لنا معنى کلام الإمام (علیه السلام): لقد ولدنی أبو بکر مرتین. الکافی:... عن إسحاق بن جریر، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): کانت أمی ممن آمنت واتقت وأحسنت، والله یحب المحسنین. قال (علیه السلام): وقالت أمی: قال أبی [الإمام الباقر (علیه السلام)]: یا أم فروة، إنی لأدعو الله لمذنبی شیعتنا فی الیوم واللیلة ألف مرة، لأنا نحن فیما ینوبنا من الرزایا نصبر على ما نعلم من الثواب، وهم یصبرون على ما لا یعلمون (1). مرضها: فی سنة تسعین من الهجرة انتشر مرض الجدری فی یثرب، فأصاب مجموعة کبیرة من الأطفال، وکان الإمام الصادق (علیه السلام) فی السنة السابعة أو العاشرة من عمره، فخافت علیه أمه من العدوی، ففرت به إلى الطنفسة من ریف المدینة. ولما استقرت السیدة أم فروة مع ابنها الصادق فقد أصیبت هی بهذا المرض دون أن تشعر به فی بادئ الأمر، فلما ظهرت علیها الأعراض، تنبهت إلى خطورة الموقف، ولم تهتم السیدة أم فروة بعلاج نفسها، وإنما کان همها الوحید إنقاذ ولدها جعفر فأبعدته عنها إلى مکان آخر، وأخذت تعانی آلام

 

أعراض المرض، وسریانه فی جسمها. ولما انتهى الخبر إلى الإمام الباقر (علیه السلام)، أوقف بحوثه ودروسه العلمیة واتجه لعیادة زوجته، وقبل أن یغادر المدینة زار قبر جده رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) ودعا الله تعالى أن ینقذ زوجته أم فروة من هذا المرض. ولما انتهى إلیها عظم علیها مجیئه، وخافت علیه من العدوی، وشکرته على تصدعه لزیارتها، والتفت إلیها الإمام وبشرها بالسلامة، قائلا: لقد دعوت الله عز وجل عند قبر جدی رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) أن ینجیک من هذا المرض، وإنی واثق أن جدی لا یردنی، وسیقضی لی حاجتی، فثقی بأنک ستشفین من هذا المرض، وأنا أیضا مصون منه إن شاء الله . واستجاب الله دعاء ولیه الإمام، فقد عوفیت السیدة أم فروة من مرضها، ولم یترک أی أثر على جسمها. ومن الجدیر بالذکر إن هذا المرض لا یصیب الکبار إلا نادرا، فإن أصابهم کان خطرا على حیاتهم فلا ینجو منه إلا القلیل (1).

 

مولده وصفاته

 

مولده:

 

 لقد أشرقت نور الإمامة، وفجر الإمام العظیم ینابیع العلم والحکمة والأخلاق، ولقد ازدهرت دنیا الإسلام بهذا المولود العظیم الذی تفرع من شجرة النبوة والدوحة الهاشمیة، کما قال الشاعر: إذا ولد المولود منهم تهللت * له الأرض واهتزت إلیه المنابر إنه من معدن الحکمة والعلم، ومن بیت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم

 

تطهیرا. لو کان یوجد عرف قبلهم * لوجدته منهم على أمیال إن جئتهم أبصرت بین بیوتهم * کرما یقیک مواقف التسآل نور النبوة والمکارم فیهم * متوقد فی الشیب والأطفال (1) اختلف المؤرخون فی سنة ولادة الإمام الصادق (علیه السلام)، وما أدری هل هذا الاختلاف مقصود ومتعمد، أو غیر مقصود؟ ولکن الثابت عند أئمة أهل البیت (علیهم السلام) وتأریخهم الراجح، أن ولادته کانت فی یوم السابع عشر من ربیع الأول سنة 82 ه‍ على قول، أو غرة رجب، وفی أقوال أخرى أنه ولد بالمدینة المنورة سنة 80 ه‍ أو سنة 83 ه‍. بعد استعراض هذه الأقوال، نقول: إن القول المشهور عند شیعة أهل البیت هو الیوم السابع عشر من شهر ربیع الأول، وهو الیوم الذی ولد فیه رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم)، کما هو ثابت عند أئمة أهل البیت، وأهل البیت أدرى بما فیه، ومجمل القول فإن أئمة السیر والتأریخ مجمعون على أن ولادته (علیه السلام) بین سنین ثلاثة 80 و82 و83 هجریة. اسمه وألقابه وکناه: الاسم: أما اسمه الشریف جعفر ، ونص کثیر من المؤرخین أن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) هو الذی سماه جعفر ولقبه ب‍ الصادق .

 

ألقابه:

 

 1 - الصادق: لقبه بذلک جده رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) لأنه أصدق إنسان فی حدیثه وکلامه، وقیل أن المنصور الدوانیقی - ألد أعدائه - هو الذی أضفى علیه هذا اللقب، والسبب فی ذلک حسبما یقول الرواة: إن أبا مسلم الخراسانی طلب من الإمام الصادق (علیه السلام) أن یدله على قبر جده أمیر المؤمنین (علیه السلام) فامتنع، وأخبره أنه إنما یظهر القبر الشریف فی أیام رجل هاشمی یقال له - أبو جعفر المنصور - وأخبر أبو مسلم المنصور بذلک فی أیام حکومته وهو فی الرصافة ببغداد، ففرح بذلک المنصور وقال: هذا هو الصادق (1). 2 - الصابر (2): ولقب بذلک لأنه صبر على المحن الشاقة والخطوب المریرة التی تجرعها من خصومه الأمویین والعباسیین. 3 - الفاضل (3): لقب بذلک لأنه کان أفضل أهل زمانه وأعلمهم لا فی شؤون الشریعة وإنما فی جمیع العلوم. 4 - الطاهر (4): لأنه أطهر إنسان فی عمله وسلوکه واتجاهاته. 5 - عمود الشرف (5): لقد کان الإمام (علیه السلام) عمود الشرف، وعنوان الفخر والمجد لجمیع المسلمین. 6 - القائم (6): من ألقابه الشریفة، لقیامه بإحیاء الدین والذب عن شریعة

 

المسلمین. 7 - الکافل (1): إنما لقب بذلک لأنه کان کافلا للفقراء والأیتام والمحرومین، فقد قام بالإنفاق علیهم وإعالتهم. 8 - المنجی (2): من ألقابه الکریمة، المنجی من الضلالة، فقد هدى من التجأ إلیه، وأنقذ من اتصل به. هذه بعض ألقابه الکریمة التی تحکی بعض صفاته ومعالم شخصیته. کناه: وکنی الإمام الصادق (علیه السلام): 1 - أبو عبد الله. 2 - أبو إسماعیل. 3 - أبو موسى. اسمه جعفر، وفی المناقب ومحاسن البرقی: قال الصادق (علیه السلام) لضریس الکناسی: لم سماک أبوک ضریسا؟ قال: کما سماک أبوک جعفرا، قال: إنما سماک أبوک ضریسا بجهل، لأن لإبلیس ابنا یقال له ضریس، وإن أبی سمانی جعفرا بعلم، على أنه اسم لنهر فی الجنة، أما سمعت قول ذی الرمة؟: أبکى الولید أبا الولید أخا الولید فتى العشیرة * قد کان غیثا فی السنین وجعفرا غدقا ومیرة (3)

 

ویلقب بالصادق، ولم یلقبه بهذا اللقب أحد من الناس، بل لقبه بذلک جده رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) الصادق الأمین الذی *(ما ینطق عن الهوى إن هو إلا وحی یوحى)*. کما روی ذلک فی علل الشرائع عن المفضل بن عمر، عن أبی حمزة الثمالی ثابت بن دینار، عن علی بن الحسین، عن أبیه، عن جده (علیهم السلام)، قال رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم): إذا ولد ابنی جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب، فسموه: الصادق، فإنه سیکون فی ولده سمی له، یدعی الإمامة بغیر حقها ویسمى کذابا (1). وکذا فی الخرائج والجرائح، وکفایة الأثر لعلی بن محمد علی الخزاز، حیث روى الأخیر فی ترجمة الإمام الصادق (علیه السلام) حدیثا مسندا عن أبی هریرة، عن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) أنه قال - فی حدیث طویل -: یخرج الله من صلبه - أی من صلب محمد بن علی الباقر (علیه السلام) - کلمة حق، ولسان صدق، فقال له ابن مسعود: فما اسمه یا نبی الله؟ قال: یقال له جعفر الصادق فی قوله وفعله، الطاعن علیه کالطاعن علی، والراد علیه کالراد علی. وفی معانی الأخبار للشیخ الصدوق: سمی الصادق صادقا لیتمیز من المدعی للإمامة بغیر حقها، وهو جعفر بن علی الهادی، إمام الفطحیة الثانیة (2). وقد بلغ من شهرته (علیه السلام) بهذا اللقب أنه صار کالاسم له، حتى أنه لیستغنی به عن ذکر اسمه ولقبه، ویعرف به إذا أطلق، ومن ثم جعلناه عنوان کتابنا:

 

الصادق جعفر ، وکذلک کنیته - بأبی عبد الله - صارت کالاسم له، یستغنى بها عن اسمه ولقبه لا سیما فی الأحادیث، ویلقب أیضا بالفاضل، والقائم، والکامل، والمنجی، وغیرها. ویکنى أبا عبد الله، وأبا إسماعیل، وأبا إسحاق، وأبا موسى، والکنیة الأولى هی أشهر کناه، وأکثرها ورودا فی الروایات والأحادیث. ولعل ذکره بغیر هذه الکنیة کان بدافع التقیة، فالظروف ما کانت تسمح بالتصریح باسم الإمام الصادق وکنیته المشهورة، ولهذا السبب کان البعض یستعمل الکنى غیر المشهور بها رعایة للظروف.

 

 نبوغه وذکائه:

 

 کان الإمام الصادق (علیه السلام) نابغة زمانه، وآیة من آیات الذکاء فی سنیه المبکرة من صباه، فلم یجاریه أحد بمثل سنه على امتداد الزمن، وقد کان یحضر دروس أبیه وهو یافع لم یتجاوز عمره الشریف ثلاث سنین، وقد فاق بتلقیه لدروس أبیه جمیع تلامیذه من کبار العلماء والرواة، مما أدهش الولید بن عبد الملک عندما زار المدینة المنورة ووقف على حوزة أبیه الإمام الباقر (علیه السلام) واستیعاب الإمام الصادق ما یلقیه أبوه من دروس، ومناقشته. ومن الجدیر بالذکر أن دروس الإمام الباقر (علیه السلام) وبحوثه لم تقتصر على علم الحدیث، والفقه، والتفسیر فحسب، وإنما شملت جمیع أنواع العلوم، من فلسفة، وطب، وعلم الکیمیاء، وعلم النجوم والجغرافیا، والفلک وغیرها. وقد ألم بها الإمام الصادق (علیه السلام) إلماما کاملا، ومما یدل على ذلک ما نقله الرواة أن الولید بن عبد الملک عندما زار المسجد النبوی بصحبة عامله على المدینة عمر بن عبد العزیز،

 

وقد رأى الإمام الباقر (علیه السلام) على المنبر یلقی دروسه ومحاضراته على تلامیذه، فسلم علیه، فرد الإمام السلام علیه، وتوقف عن الدرس تکریما له، فأصر الولید علیه أن یستمر فی تدریسه، وکان موضوع الدرس الجغرافیا فاستمع الولید، وبهر من ذلک فسأل الإمام ما هذا العلم؟! . فأجابه الإمام (علیه السلام): إنه علم یتحدث عن الأرض والسماء والشمس والنجوم. ووقع نظر الولید على الإمام جعفر الصادق، فسأل عامله عمر بن عبد العزیز: من یکون هذا الصبی بین الرجال؟! . فأجابه قائلا: إنه جعفر بن محمد ، وأسرع الولید قائلا: هل هو قادر على فهم الدرس واستیعابه؟ ، فعرفه عمر بما یملک الصبی من قدرات علمیة، قائلا: إنه أذکى من یحضر درس الإمام وأکثرهم سؤالا ونقاشا . بهر الولید وتعجب، فاستدعاه بالوقت، فلما مثل بادر قائلا: ما اسمک؟ ، أجابه الصبی بطلاقة قائلا: اسمی جعفر . وأراد الولید امتحانه، فقال له: أتعلم من کان صاحب المنطق ومؤسسه؟ فأجابه الصبی: کان أرسطو ملقبا بصاحب المنطق، لقبه إیاه تلامیذه وأتباعه . ووجه الولید إلیه سؤالا ثانیا قائلا: من صاحب المعز؟ ، فأنکر علیه الإمام ذلک وقال: لیس هذا اسما لأحد، ولکنه اسم لمجموعة من النجوم، تسمى ذو الأعنة (1). واستولت الحیرة والذهول على الولید، فلم یدر ما یقول، وتأمل کثیرا

 

لیستحضر مسألة أخرى یسأل بها سلیل النبوة، وحضر فی ذهنه السؤال الآتی، فقال له: هل تعلم من صاحب السواک؟ ، فأجابه على الفور: هو لقب عبد الله ابن مسعود صاحب جدی رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) . ولم یستحضر الولید مسألة یسأل بها الإمام، ووجد نفسه عاجزا أمام هذا العملاق العظیم، فراح یبدی إکباره وإعجابه بالإمام الصغیر، ویرحب به وهو مرغم، وأمسک بیده، ودنا من الإمام الباقر (علیه السلام) یهنئه بولده قائلا: إن ولدک هذا سیکون علامة عصره (1). وصدق توسم الولید، فقد أصبح الإمام جعفر الصادق نابغة عصره وأعلمهم على الإطلاق. ولیس هناک تعلیل مقنع لهذه الظاهرة، التی اتصف بها سلیل النبوة فی حال طفولته، إلا قول شیعة أهل البیت من أن الله تبارک وتعالى منح أئمة أهل البیت (علیهم السلام) العلم والحکمة فی جمیع أدوار حیاتهم، کما منح أنبیائه ورسله، فإن الطفل بحسب تکوینه السایکولوجی من غیر الممکن أن تکون له مثل هذه القدرات العلمیة، ومهما اتصف بالذکاء الحاد. معرفته بجمیع اللغات: وکان من السمات البارزة التی تمیز بها فی ذکائه ونبوغه، تعلمه فی سنیه المبکرة لجمیع لغات العالم، وکان یتکلم مع أهل کل لغة کأنه واحد منهم، وهذه بعضها:

 

1 - النبطیة. 2 - العبریة. 3 - الفارسیة. 4 - معرفته بکل لغة. فقد روى أبان بن تغلب قال: غدوت من منزلی بالمدینة المنورة، وأنا أرید أبا عبد الله الصادق، فلما صرت بالباب وجدت قوما عنده لم أعرفهم، ولم أر قوما أحسن زیا منهم، ولا أحسن سیماء منهم [جالسین] کأن الطیر على رؤوسهم، [فکان] فجعل أبو عبد الله (علیه السلام) یحدثنا بحدیث فخرجنا من عنده، وقد فهم خمسة عشر نفرا، متفرقوا الألسن، منهم العربی، والفارسی، والنبطی، والحبشی، ، فقال العربی: حدثنا بالعربیة، وقال الفارسی: حدثنا بالفارسیة، وقال الحبشی: حدثنا بالحبشیة، وقال الصقلی: حدثنا بالصقلیة. وأخبر (علیه السلام) بعض أصحابه بأن الحدیث واحد، وقد فسره لکل قوم بلغتهم (1). ودار حدیث بین الإمام وبین عمار الساباطی باللغة النبطیة، فبهر عمار وراح یقول: ما رأیت نبطیا أفصح منک بالنبطیة . فقال (علیه السلام) له: یا عمار، وبکل لسان (2). ولقد ملک الإمام الصادق (علیه السلام) فی طفولته وشبابه وشیخوخته من النبوغ وقوة الذکاء ما لا یوصف، فقد فاق بهذه الظاهرة جمیع عباقرة الأرض.

 

هیبته ووقاره:

 

 کانت الوجوه تعنو لهیبة الإمام الصادق (علیه السلام) ووقاره، فقد حاکى هیبة الأنبیاء، وجلالة الأوصیاء، وما رآه أحد إلا هابه لأنه کانت تعلوه روحانیة الإمامة، وقداسة الأولیاء، وکان ابن مسکان وهو من خیار الشیعة الثقات، لا یدخل علیه شفقة أن لا یوافیه حق إجلاله وتعظیمه، فکان یسمع ما یحتاج إلیه من أمور دینه من أصحابه، ویأبى أن یدخل علیه (1)، فقد غمرته هیبته. شمائله: فی المناقب: کان الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) ربع القامة (2)، أزهر الوجه، حالک الشعر (3)، جعد أشم الأنف (4)، أنزع رقیق البشرة، دقیق المسربة (5)، على خده خال أسود، وعلى جسده خیلان حمرة (6). وفی الفصول المهمة: صفته معتدل [القامة] آدم (7).

 

وقد صدر کتاب حول الإمام الصادق (علیه السلام)، اشترک فی تألیفه عدد من الشخصیات الغربیة، باللغة الأجنبیة، وترجم الکتاب إلى عدة لغات منها العربیة والفارسیة، باسم الإمام الصادق عند علماء الغرب ، وفی ذلک الکتاب شرح واف حول شمائل الإمام وصفاته وعلومه (علیه السلام).

 

 نقش خاتمه:

 

الله خالق کل شیء (1). عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام)، قال: قوموا خاتم أبی عبد الله (علیه السلام) فأخذه أبی بسبعة، قال: قلت: بسبعة دراهم؟ قال: سبعة دنانیر (2). عن محمد بن عیسى، عن صفوان، قال: أخرج إلینا خاتم أبی عبد الله الصادق (علیه السلام)، وکان نقشه: أنت ثقتی فاعصمنی من خلقک (3). عن إسماعیل بن موسى، قال: کان خاتم جدی: جعفر بن محمد (علیه السلام) فضة کله، وعلیه: یا ثقتی قنی شر جمیع خلقک (4). ابن الصباغ المالکی: نقش خاتمه ما شاء الله لا قوة إلا بالله، أستغفر الله (5).

 

العدد القویة: نقش خاتمه: الله عونی وعصمتی من الناس وقیل نقشه: أنت ثقتی فاعصمنی من خلقک ، وقیل: ربی عصمنی من خلقه (1). هذه مجمل ما عثرنا علیها من الروایات الواردة بهذا الشأن.

 

 وصیة الإمام الباقر لابنه الصادق (علیه السلام

 

) بعدة طرق، منها: الکافی، علی بن إبراهیم، عن محمد بن عیسى، عن یونس بن عبد الرحمن، عن عبد الأعلى، عن أبی عبد الله الصادق (علیه السلام)، قال: إن أبی (علیه السلام) استودعنی ما هناک (2). فلما حضرته الوفاة قال: ادع لی شهودا، فدعوت له أربعة من قریش، فیهم نافع مولى عبد الله بن عمر، فقال: اکتب: هذا ما أوصى به یعقوب بنیه: *(یا بنی إن الله اصطفى لکم الدین فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)*. وأوصى محمد بن علی إلى جعفر بن محمد، وأمره أن یکفنه فی برده الذی کان یصلی فیه الجمعة وأن یعممه بعمامته، وأن یربع قبره، ویرفعه أربع أصابع، وأن یحل عنه أطماره عند دفنه. ثم قال - للشهود -: انصرفوا، رحمکم الله. فقلت له: یا أبت - بعدما انصرفوا - ما کان فی هذا بأن تشهد علیه؟ فقال: یا بنی؟ کرهت أن تغلب، وأن یقال: إنه لم یوص إلیه، فأردت أن تکون لک حجة (3).

 

فی ظلال جده وأبیه: أدرک الإمام الصادق (علیه السلام) خمسة عشر سنة من حیاة جده الإمام علی بن الحسین السجاد (علیه السلام)، وقد سمع الشیء الکثیر منه، ومنها: أدعیته المذکورة فی الصحیفة السجادیة. فقد قال الإمام الصادق (علیه السلام) یوما لابنه: قم یا إسماعیل، فأتنی بالدعاء الذی أمرتک بحفظه، فقام إسماعیل، فأخرج صحیفة کأنها الصحیفة التی دفعها إلی یحیى بن زید، فقبلها الإمام أبو عبد الله، ووضعها على عینیه، وقال: وهذا خط أبی، وإملاء جدی (علیه السلام) بمشهد منی مما یستفاد منه أنه کان یحضر مجلس جده الإمام زین العابدین (علیه السلام) ویستمع إلى أحادیثه وأمالیه. کما أن الإمام الصادق (علیه السلام) عاش فی خدمة والده وتحت ظله أربعا وثلاثین سنة، وکان یتبعه اتباع الفصیل أثر أمه، ویرافقه فی حله وترحاله، فی سفره وحضره، مرافقة التلمیذ أستاذه، وکان صامتا، ولا یتصرف فی شیء من الشؤون فی حضرة والده، وکثیرا ما کان الوالد یهدی لولده أفضل المواعظ، وأغلى النصائح، وأحسن الدروس فی الحکم والمعرفة. ولیس معنى ذلک أنه (علیه السلام) کان یجهل تلک الأمور، فقد یکون سرد المواعظ والنصائح من الإمام إلى آخر من قبیل إیاک أعنی واسمعی یا جارة . هذا ما کان من علاقة الإمام الصادق بجده وأبیه (علیهم السلام).

 

زوجاته وأخوته وأولاده

زوجات الإمام وجواریه:

 

 أما ما یتعلق بزوجاته وجواریه، فقد تزوج بعدة حرائر، واشترى بعض الجواری، وإلیک بعض تفصیل ذلک. 1 - تزوج بالسیدة فاطمة بنت الحسین بن الإمام زین العابدین، فهی بنت عمه، وقیل: فاطمة بنت الحسین الأثرم ابن الإمام الحسن (علیه السلام) (1). 2 - أم حمیدة، أو حمیدة المصفاة البربریة. 3 - أم مالک بن أنس. کما فی المناقب : سأل سیف الدولة عبد الحمید المالکی قاضی الکوفة عن مالک؟ فوصفه وقال: وکان جربند جعفر الصادق، أی الربیب (2) (ابن الزوجة). 4 - أم أبی حنیفة (3). قال أبو عبد الله المحدث: إن أبا حنیفة من تلامذته، وإن أمه کانت فی حبال الإمام الصادق (4). 5 - أم وهب بن وهب أبی البختری. 6 - أم سالمة. وإلیک صفات بعض أحوال زوجاته. قال ابن شهرآشوب فی المناقب: حمیدة المصفاة، ابنة صاعد البربری، ویقال: إنها أندلسیة، أم ولد، تکنى لؤلؤة... الخ (5).

 

الکافی... عن المعلى بن خنیس: أن أبا عبد الله (علیه السلام) قال: حمیدة مصفاة من الأدناس، کسبیکة لذهب، ما زالت الأملاک تحرسها حتى أدیت إلی ، کرامة من الله لی والحجة من بعدی (1). الکافی... حدثنا عیسى بن عبد الرحمن، عن أبیه، قال: دخل ابن عکاشة ابن محصن الأسدی، على أبی جعفر (علیه السلام) وکان [ابنه] أبو عبد الله (علیه السلام) قائما عنده، فقدم إلیه عنبا [فأکل]. فقال لأبی جعفر (علیه السلام): لأی شیء لا تزوج أبا عبد الله فقد أدرک التزویج؟ قال (علیه السلام) - وبین یدیه صرة مختومة -: سیجئ نخاس (2) من أهل بربر فینزل دار میمون، فنشتری له بهذه الصرة جاریة. قال: فأتى لذلک ما أتى، فدخلنا یوما على أبی جعفر (علیه السلام) فقال: ألا أخبرکم عن النخاس الذی ذکرته لکم؟ قد قدم، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة منه جاریة، قال: فأتینا النخاس، فقال: قد بعت ما کان عندی إلا جاریتین مریضتین إحداهما أمثل من الأخرى (3). قلنا: فأخرجهما حتى ننظر إلیهما، فأخرجهما. فقلنا: بکم تبیعنا هذه المتماثلة؟ قال: بسبعین دینارا، قلنا: أحسن، قال: لا أنقص من سبعین دینارا؟ قلنا له: نشتریها منک بهذه الصرة ما بلغت، ولا ندری ما فیها. ففککنا [الصرة] ووزنا الدنانیر فإذا هی سبعون دینارا، لا تزید ولا تنقص، فأخذنا الجاریة فأدخلناها على أبی جعفر (علیه السلام) وجعفر قائم فأخبرنا أبا جعفر بما کان، فحمد الله وأثنى علیه، ثم قال لها: ما اسمک؟ قالت: حمیدة.

 

فقال (علیه السلام): حمیدة فی الدنیا محمودة فی الآخرة، أخبرینی عنک أبکر أنت أم ثیب؟ قالت: بکر... فقال (علیه السلام): یا جعفر خذها إلیک، فولدت خیر أهل الأرض: الإمام موسى ابن جعفر (علیهما السلام) (1). وکذلک فی الخرائج والجرائح (2).

 

 إخوته:

 

 کان للإمام أبی جعفر الباقر (علیه السلام) أولاد من أمهات شتى، أکبرهم جعفر الذی یکنى به، وشقیقه عبد الله، وأمهما: أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبی بکر، کما أسلفنا، وإبراهیم، وعبید الله، درجا (3)، أمهما أم حکیم بنت أسد بن المغیرة الثقفیة، وعلی، وزینب، لأم ولد، وأم سلمة، لأم ولد. وقیل:إن زینب هی أم سلمة، حکاه صاحب أعلام الورى. وقال ابن شهرآشوب فی المناقب: أولاده سبعة، وعددهم. وکذا قال الشیخ المفید فی الإرشاد، إلا أنه قال: وعبد الله الأفطح (4)، ثم قال: درجوا کلهم إلا أولاد جعفر الصادق.

 

أولاده:

 

 کان للإمام الصادق (علیه السلام) من الأولاد عشرة، من أمهات شتى، سبعة ذکور وثلاثة إناث، وقیل: أحد عشر بزیادة بنت أخرى، وهم: إسماعیل الأعرج - ویقال له: إسماعیل الأمین (1) - وعبد الله الأفطح وأسماء - وتکنى بأم فروة -، وهؤلاء الثلاثة اختلف فی أمهم، فقال المفید: إنها فاطمة بنت الحسین بن علی بن الحسین بن أبی طالب، وقال الحافظ الجنابذی: إنها فاطمة بنت الحسین بن علی بن أبی طالب، والإمام موسى بن جعفر الکاظم (علیه السلام) ومحمد الدیباج وإسحاق وفاطمة الکبرى - على خلاف -، وأمهم أم ولد اسمها حمیدة البربریة، والعباس وعلی العریضی وأسماء وفاطمة الصغرى، لأمهات شتى. وعن المناقب: أن أم فروة هی نفسها أسماء. وفی بحار الأنوار 40: 241، عن کشف الغمة: أما أولاده فکانوا سبعة: ستة ذکور وبنت واحدة، وقیل أکثر من ذلک، وعلى هذا یکون الخلاف فی أبنائه بین التسعة والأحد عشر. والمشهور ما ذکره الشیخ المفید طاب ثراه فی الإرشاد، قال: وکان أولاد أبی عبد الله (علیه السلام) عشرة، سبعة ذکور وثلاث إناث، وهم: إسماعیل، وعبد الله، وأم فروة، أمهم فاطمة بنت الحسین بن الحسن بن علی (علیهما السلام)، وموسى (علیه السلام)، وإسحاق، ومحمد لأم ولد (2)، والعباس، وعلی، وأسماء، وفاطمة، لأمهات شتى.

 

إسماعیل:

 

 کان إسماعیل أکبر أولاد الصادق (علیه السلام)، وکان شدید المحبة له والبر به والإشفاق علیه (1). وقد کان قوم من الشیعة فی حیاة الإمام الصادق (علیه السلام) یظنون أنه القائم بعده، لمیل أبیه الشدید إلیه وإکرامه، ولأنه أکبر أولاده سنا، فمات فی حیاة أبیه (علیه السلام) فی العریض، وحمل على رقاب الناس إلى المدینة، ودفن فی البقیع. وکان إسماعیل رجلا کریما شجاعا جلیلا، یحبه الإمام الصادق (علیه السلام) لفضائله وفواضله. حتى إنه (علیه السلام) قال للمفضل بن عمر، وهو من وکلائه وخواص أصحابه الثقات - وأبو الحسن موسى (علیه السلام) غلام -: هذا المولود - یعنی موسى الکاظم - الذی لم یولد فینا مولود أعظم برکة على شیعتنا منه، ثم قال: لا تجف إسماعیل (2). وقال (علیه السلام): کان القتل قد کتب على إسماعیل مرتین، فسألت الله تعالى فی رفعه عنه فرفعه (3). وأقواله وأعماله التی کانت تنبئ عن ذلک الحب والعطف کثیرة، وحتى ظن قوم من الشیعة أنه القائم بعد أبیه بالإمامة، لذلک البر وتلک الرعایة، ولأنه أکبر إخوته سنا، وأکبر الإخوة سنا أحد علائم الإمامة، ولکن موته أیام أبیه أزال ذلک الظن. وأظهر الصادق (علیه السلام) بموت إسماعیل عجبا، فإنه بعد أن مات وغطی، أمر بأن یکشف عن وجهه وهو مسجى، ثم قبل جبهته وذقنه ونحره، ثم أمر به فکشف

 

وفعل به مثل الأول، ولما غسل وأدرج فی أکفانه أمر به فکشف عن وجهه ثم قبله فی تلک المواضع ثالثا، ثم عوذه بالقرآن، ثم أمر بإدراجه. وفی روایة أخرى أنه أمر المفضل بن عمر فجمع له جماعة من أصحابه حتى صاروا ثلاثین، وفیهم أبو بصیر وحمران بن أعین وداود الرقی، فقال لداود: اکشف عن وجهه، فکشف داود عن وجه إسماعیل، فقال: تأمله یا داود فانظره أحی هو أم میت؟ فقال: بل هو میت. فجعل یعرض على رجل رجل حتى أتى على آخرهم، فقال: اللهم اشهد. ثم أمر بغسله وتجهیزه، ثم قال: یا مفضل احسر عن وجهه، فحسر عن وجهه، فقال: حی هو أم میت؟ انظروه جمیعکم، فقالوا: بل هو یا سیدنا میت، فقال: شهدتم بذلک وتحققتموه؟ قالوا: نعم، وقد تعجبوا من فعله، فقال: اللهم اشهد علیهم. ثم حمل إلى قبره، فلما وضع فی لحده قال: یا مفضل اکشف عن وجهه، فکشف فقال للجماعة: انظروا أحی هو أم میت؟ فقالوا: بل میت یا ولی الله، فقال: اللهم اشهد. ثم أعاد علیهم القول فی ذلک بعد دفنه، فقال لهم: المیت المکفن المحنط المدفون فی هذا اللحد من هو؟ فقالوا: إسماعیل ولدک. فقال: اللهم اشهد (1). قد یعجب المرء من إصرار الإمام على أن یعرف الناس موت إسماعیل حتى لا تبقى شبهة ولا ریب بموته، ولکن لا عجب من أمر الإمام العالم بما سیحدث فی هذا الشأن، إنه یعلم أن قوما سیقولون بإمامته لأنه الأکبر زعما منهم إنه لم یمت، فما فعل ذلک إلا لیقیم الحجة علیهم، وقد کشف بنفسه (علیه السلام) عن هذا السر، فإنه قال بعد أن وضع إسماعیل فی لحده وأشهد القوم على موته: فإنه سیرتاب المبطلون،

 

یریدون إطفاء نور الله: ثم أومأ إلى موسى (علیه السلام)، ولما أن دفن إسماعیل وأشهدهم أخذ بید موسى فقال: هو حق والحق معه إلى أن یرث الله الأرض ومن علیها (1). وظهر على الصادق الحزن الشدید حین حضر إسماعیل الموت وسجد سجدة طویلة، ثم رفع رأسه فنظر إلى إسماعیل قلیلا ونظر إلى وجهه، ثم سجد أخرى أطول من الأولى، ثم رفع رأسه فغمضه وربط لحییه وغطى علیه ملحفته، ثم قام ووجهه قد دخله شیء عظیم حتى أحس ذلک منه من رآه، وعلى إثر ذلک دخل المنزل فمکث ساعة، ثم خرج على القوم مدهنا مکتحلا وعلیه ثیاب غیر التی کانت علیه، ووجهه قد تسرى عنه ذلک الأثر من الحزن، فأمر ونهى، حتى إذا فرغ من غسله دعا بکفنه فکتب فی حاشیته: إسماعیل یشهد أن لا إله إلا الله (2). فتعجب الناس من انقلاب حاله وذهاب ذلک الحزن الشدید، فبدر إلیه بعض أصحابه قائلا: جعلت فداک، لقد ظننا أننا لا ننتفع بک زمانا لما رأیناه من جزعک؟ فقال (علیه السلام): إنا أهل بیت نجزع ما لم تنزل المصیبة، فإذا نزلت صبرنا. وقدم لأصحابه المائدة وعلیها أفخر الأطعمة وأطیب الألوان ودعاهم إلى الأکل وحثهم علیه، ولا یرون للحزن أثرا على وجهه، فقیل له فی ذلک، فقال: وما لی لا أکون کما ترون وقد جاء فی خبر أصدق الصادقین: إنی میت وإیاکم. ولکنه لما حمل لیدفن تقدم سریره بغیر حذاء ولا رداء، وهذا أعظم شعار للحزن، وکان یأمر بوضع السریر على الأرض یکشف عن وجهه یرید بذلک تحقیق

 

موته لدى الناس، فعل ذلک مرارا إلى أن انتهوا به إلى قبره (1). ولما فرغ من دفنه جلس والناس حوله وهو مطرق، ثم رفع رأسه فقال: أیها الناس إن هذه الدنیا دار فراق، ودار التواء، لا دار استواء، على أن لفراق المألوفحرقة لا تدفع، ولوعة لا ترد، وإنما یتفاضل الناس بحسن العزاء وصحة الفکرة، فمن لم یثکل أخاه ثکله أخوه، ومن لم یقدم ولدا کان هو المقدم دون الولد، ثم تمثل بقول أبی خراش الهذلی: ولا تحسبن أنی تناسیت عهده * ولکن صبری یا أمیم جمیل (2) ولما مات إسماعیل استدعى الصادق (علیه السلام) بعض شیعته وأعطاه دراهم وأمره أن یحج بها عن ابنه إسماعیل، وقال له: إنک إذا حججت عنه لک تسعة أسهم من الثواب ولإسماعیل سهم واحد (3). ومات إسماعیل بالعریض (4) وحمل على الرقاب إلى المدینة (5) وقبره فیها معروف، هدمه حکام آل سعود الوهابیون کما هدم قبور آبائه الأئمة فی البقیع وإلى الیوم لم یسمح بإعادة البناء علیها. فتلک الأعمال من الصادق (علیه السلام) مع ابنه إسماعیل تدلنا على کبیر ما یحمل له من الحب والبر والعطف، وعلى ما کان علیه إسماعیل من التقوى والفضل، ولکن

 

هناک أحادیث قدحت فی مقامه ووصمت قدسی ذاته، وإنی لا أراها تعادل تلک الأحادیث السالفة، بل إن بعض الأخبار کشفت لنا النقاب عن کذب هذه الأخبار القادحة، أو أنها صدرت لغایات مجهولة لنا، فمن تلک الأحادیث الکاشفة، ما رواه فی الخرائج والجرائح عن الولید بن صبیح (1)، قال: جاءنی رجل فقال لی: تعال حتى أریک ابن إلهک (2). فذهبت معه، فجاء بی إلى قوم یشربون، فیهم إسماعیل ابن جعفر، فخرجت مغموما فجئت إلى الحجر فإذا إسماعیل بن جعفر متعلق بالبیت یبکی قد بل أستار الکعبة بدموعه، فرجعت أشتد فإذا إسماعیل جالس مع القوم، فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الکعبة قد بلها بدموعه، قال: فذکرت ذلک لأبی عبد الله (علیه السلام)، فقال: لقد ابتلی ابنی بشیطان یتمثل على صورته. فهل یا ترى زکاة لإسماعیل أفضل من هذا الحدیث، فلا بد إذن من طرح الأحادیث القادحة أو حملها على غایات غیر ما دلت علیه بظاهرها، ولو کان إسماعیل کما قدحت فیه تلک الأحادیث لما لازمه الصادق (علیه السلام) فی الحضر والسفر، ولنحاه کما نحى ابنه عبد الله. ولما مات إسماعیل انصرف عن القول بإمامته من کان یظن أن الإمامة فیه بعد أبیه. وحدث القول بإمامته بعد أبیه الصادق، والقائلون بإمامته یسمون بالإسماعیلیة، وقد أشرنا وسنشیر إلى هذه الفرقة.

 

وذکر هنا الشیخ المفید طاب ثراه فی الإرشاد أن الذین أقاموا على حیاته شرذمة لم تکن من خاصة أبیه ولا من الرواة عنه وکانوا من الأباعد والأطراف، ولما مات الصادق (علیه السلام) انتقل فریق منهم إلى القول بإمامة موسى (علیه السلام) بعد أبیه، وافترق الباقون فریقین، ففریق منهم رجعوا عن حیاة إسماعیل، وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعیل، لظنهم أن الإمامة کانت فی أبیه، وأن الابن أحق بمقام الأب من الأخ، وفریق ثبتوا على حیاة إسماعیل، وهم الیوم شذاذ لا یعرف منهم أحد یومى إلیه، وهذان الفریقان یسمیان بالإسماعیلیة، والمعروف منهم الآن من یزعم أن الإمامة بعد إسماعیل فی ولده وولد ولده إلى آخر الزمان. وبالرغم من هذه التدابیر اللازمة والشواهد الواضحة، قام بعض الناس بالتشکیک فی موت إسماعیل، محاولین إثبات إمامته بعد أبیه. فکانت النتیجة تکوین مذهب جدید متشعب عن مذهب أهل البیت الشیعة الإمامیة، ومنفصل عنه، وهو مذهب الإسماعیلیة، وقد انقسم هذا المذهب إلى قسمین: ظاهریة: وهم المعروفون الیوم بالبهرة، وباطنیة وهم معروفون بالأغاخانیة، وهم منتشرون فی العالم، وخاصة فی بلاد الهند، وباکستان، وشرقی إفریقیا. ویعترفون فی مذهبهم بستة من أئمة أهل البیت (علیهم السلام) الاثنی عشر - حیث یقفون عند الإمام الصادق (علیه السلام) - ولا یعترفون بإمامة الستة الباقین (علیهم السلام). ولهم تأریخ مفصل، وأحکام فقهیة تختلف عن فقه شیعة أهل البیت الإمامیة اختلافا کثیرا، ولو أردنا الدخول فی التفصیل، لطال بنا المقال وخرجنا عن الاختزال.

 

المصدر : الحوزة اونلاین - حسین الشاکری

قراءة 1025 مرة