من جملة مكتسبات شهر رمضان الكبيرة التوبة والإنابة؛ العودة إلى الله تعالى. نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي: «واجمع بيني وبين المصطفى وانقلني إلى درجة التوبة إليك». اللّهُمّ ارفعنا إلى درجة التوبة، لنعود عن الطريق الخطأ، والعمل السيِّئ، والظنون السيِّئة، والأخلاق الذميمة.
يقول الإمام السجّاد (عليه السلام) في دعاء وداع شهر رمضان المبارك مخاطباً خالق العالم: «أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك وسمّيته التوبة»؛ فتحت لنا هذا الباب لنسارع إلى عفوك وننهل من نِعمة عفوك ورحمتك؛ هذا الباب هو باب التوبة. نافذة رحبة نحو مناخات العفو الإلهيّ الصافية. لو لم يفتح الله تعالى سبيل التوبة على عباده لكان وضعنا نحن العباد المذنبين سيِّئاً جدّاً. يقع الإنسان في الخطايا والزلّات والمعاصي نتيجة غرائزه الإنسانية وأهوائه النفسية. وكلّ واحد من تلك الذنوب يحدث جرحاً في قلب الإنسان وروحه. ماذا كنّا سنفعل لولا طريق التوبة؟
يقول الإمام عليّ (عليه السلام) في دعاء كميل: «لا أجد مفرّاً ممّا كان منّي ولا مفزعاً أتوجّه إليه في أمري غير قبولك عذري». لو لم تكن هناك حالة قبول العذر التي منَّ الله الكريم الرحيم بها علينا، كيف كنّا سنستطيع إنقاذ أنفُسنا من كلّ ما أنزلناه بأنفُسنا، ومن شرور كلّ تلك الأعباء الثقيلة من الذنوب، والمخالفات، والخطايا، واتّباع الأهواء؛ لما كان لنا مفرّ ولا ملاذ. الله تعالى هو الذي فتح أمامنا هذا الملاذ ألا وهو التوبة.
تقودنا أهواؤنا وقلوبنا الغافلة إلى ارتكاب الأخطاء والوقوع في الزلّات، وقد وفّر لنا شهر رمضان فرصة غسل أنفُسنا وتطهيرها، هذا الغسل له قيمة كبيرة. هذه الدموع تطهّر القلوب ويجب أن نحافظ عليها ونبقيها. كلّ هذه الآلام الكبرى والأمراض المهلكة الخطيرة أي الأنانيات، والكبر، والحسد، والاعتداءات، والخيانة، واللاأبالية - وهي أمراضنا الكبرى - تجد لها في شهر رمضان علاجها وتغدو ممكنة التطبيب. يُقبِل الله تعالى، ولاشكّ أنّه قد أقبل وتوجّه.
كان شهر رمضان الذي مررنا به هذه السنة حسناً جدّاً، حيث المجالس التي شهدها هذا الشهر - مجالس القرآن، ومجالس الذكر، ومجالس الدُّعاء والموعظة-. كم من إنفاق حصل في هذا الشهر، وكم من المساعدات قُدِّمت طوال الشهر الفضيل للضعفاء؛ هذه لها قيمة كبيرة. كلّ واحد من هذه الأنشطة ينشر عطراً في روح الإنسان ويوفِّر له فتحاً؛ فلنحافظ على هذه الأُمور.