بما أنَّ الصَّوم فرصة للإنسان كي يؤكِّد ارتباطه بالله تعالى، فإنَّ هذا الارتباط يوجب عليه المبادرة إلى محاسبة النّفس ومراقبتها، والتعرّف إلى مكامن ضعفها بغية تصحيح أوضاعها.
فعندما يصوم المرء احتساباً وقربةً إلى الله، فإنّ هذا الاحتساب يستدعي منه وقفة فيها كلّ الجرأة والحريّة على انتقاد الذّات ومعرفة حجمها الطّبيعيّ.
فإن كان متكبّراً على زوجته وعياله وجيرانه ورفاقه، فعليه أن يتوقف عن ذلك، ويستفيد من صيامه معنى المواظبة على التّواضع لله، والتواضع للناس، وأن يعيش هذا التواضع سلوكاً عملياً مع الناس، فلا يبغي عليهم، ولا يبخسهم حقّهم، بل يعيش التودّد لهم، والرّحمة لضعفائهم، والبرّ بمستضعفيهم.
كثيرون منّا لا يعرفون أحجامهم، ويعيشون انتفاخ الشخصيّة والغرور، فيستعلون على الفقراء والنّاس من حولهم، وبما أنَّ الصّوم عبادة تهدف إلى تربية مشاعر الصَّائم على كلّ سموّ وخلق رفيع، فإنّ عليه أن يرفض كلّ كبر وغرور.
الصيام يدعو الصائم إلى أن يخفض جناحه لأهله وأولاده وللنّاس من حوله، وأن يشعرهم بأنه يمارس الطاعة والعبادة فعلاً، من خلال تصرّفاته المقبولة التي يرضاها تعالى، وليس مجرّد أنه ممتنع عن الطّعام والشّراب فقط.
لا بدّ من أن يترك الصّوم في نفوسنا أثراً طيّباً يصحّح لها مشاعرها، وينظّم لها سلوكيّاتها المنحرفة، فما دام الإنسان في طاعة الله، فإنّ عليه التنبه إلى مسؤوليّاته، ومعرفة قدره وحدوده، وعدم الانجراف وراء وساوس النّفس التي تجعله وضيعاً في أعين الناس، وساقطاً من حسابات الله في الدّنيا والآخرة.
كتب علينا الصّيام في كلّ عام، حتى نلتفت إلى أحجامنا، وما نحن عليه من أوضاع نفسية وروحيّة، ولنعمل على مراجعتها وتصويب الخلل فيها، فالمصيبة أن يصرّ البعض على انحرافهم، وأن يكتفوا بمظاهر العبادة دون إحداث التّغيير المطلوب، من أجل تثبيت الشخصيّة الإيمانيّة في المجتمع، والّتي تعمل على تحصينه من كلّ ما يضرّه ويؤذيه.
المشكلة أن نخرج من الصَّوم ونبقى على انحرافنا الخلقيّ والاجتماعيّ والرّوحيّ، وإذا كان الأمر كذلك، فما نفع صيامنا ما دامت سلوكيَّاتنا بعيدة عن روحانيَّات الصّوم وآدابه، الّتي تؤكِّد من جملة ما تؤكّده، نبذ الذاتيّات والأنانيات، وممارسة التواضع، ومحاسبة النفس. فلنكن من الصّائمين المتواضعين لله والنّاس، ولنخرج من الصّوم ونحن في أفضل حال يرضاها الله تعالى لنا...