أما طريقة الاعتبار فمثل ما تقدم ذكره في إمامة آبائه عليهم السلام ، فانا إذا اعتبرنا إمامة من اختلف في إمامته في عصره عليه السلام وجدنا الأمة بين أقوال :
قائل يقول : لا إمام في الوقت ، وقوله يبطل بما دل على وجوب الإمامة في كل عصر .
وقائل يقول : بإمامة كل من لا يقطع على عصمته ، وقوله يبطل بما دل على وجوب العصمة للامام .
ومن ادعى العصمة ولم يقل بالنص من متأخري الزيدية فقوله يبطل بما دللنا عليه من أن العصمة لا يمكن أن تعلم إلا بالنص أو المعجز .
ومن اعتبر الحياة – من الكيسانية – فقوله يبطل بما علمانه من موت من ادعي حياته ، وأيضا فإن هذه الفرقة قد انقرضت وخلا الزمان من القائلين بقولها وانعقد الإجماع على خلافها .
فإذا بطلت هذه الأقوال ثبتت إمامته عليه السلام ، وإلا أدى إلى خروج الحق عن أقوال الأمة .
واما طريقة التواتر فمثل ما ذكرناه فيما تقدم فإن الشيعة قد تواترت خلافا عن سلف إلى أن اتصل نقلهم بالباقر عليه السلام أنه نص على الصادق عليه السلام ، كما تواترت على أن أمير المؤمنين عليه السلام نص على الحسن ، ونص على الحسين عليهما السلام ، وكذاك كل إمام على الإمام الذي يليه ، ثم هكذا إلى أن ينتهى إلى صاحب الزمان ، وكل سؤال يسئل على هذا الدليل فالجواب عنه مذكور في تصحيح التواتر لنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمير المؤمنين عليه السلام ، ولا يحتمل ذكره هذا الموضع .
فأما ما جاء في الأخبار من النص بالإمامة عليه والإشارة بذلك من أبيه إليه فمن ذلك :
ما رواه محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي الصباح الكناني قال : نظر أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام إلى أبي عبد الله عليه السلام يمشي فقال : ( ترى هذا ، هذا من الذين قال الله سبحانه : ( ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) ( 1 ) ( 2 ) وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله قال : ( لما حضرت أبي الوفاة قال : يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا .
قلت : جعلت فداك ، والله لأدعنهم والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحدا ) ( 3 ) .
وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام :
أنه سئل عن القائم فضرب بيده على أبي عبد الله عليه السلام ثم قال : لم ( هذا والله قائم آل محمد ) .
قال عنبسة بن مصعب : فلما قبض أبو جعفر عليه السلام دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته بذلك ، فقال : ( صدق جابر على أبي ) ثم قال عليه السلام : ( لعلكم ترون أن ليس كل إمام هو القائم بعد الإمام الذي قبله ) ( 4 ) .
وعنه ، عن عدة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن طاهر قال : كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه السلام فأقبل جعفر عليه السلام فقال أبو جعفر عليه السلام : ( هذا خير البرية ) ( 5 ) .
وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إن أبي استودعني ما هناك ، فلما حضرته الوفاة قال : ادع لي شهودا فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر ، فقال : اكتب أوصيك بما أوصى به يعقوب بنيه : ( يا بني إن الله أصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وأنتم مسلمون ) ( 6 ) . أوصى أبو جعفر محمد بن علي إلى جعفر بن محمد ، وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة ، وأن يعم صمه بعمامته ، وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع ، ثم قال للشهود : انصرفوا رحمكم الله ، فقلت بعدما انصرفوا : ما كان لك في هذا بأن تشهد عليه ؟
فقال : إني كرهت أن تغلب وأن يقال : إنه لم يوص إليه ، فأردت أن تكون لك الحجة ) ( 7 ) .
وأشباه هذه الأخبار كثيرة .
الهوامش
( 1 ) القصص 28 : 5 .
( 2 ) الكافي 1 : 243 / 1 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 180 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 214 ، كشف الغمة 2 : 167 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 13 / 5 ( 3 ) الكافي 1 : 244 / 2 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 180 ، روضة الواعظين : 257 ، كشف الغمة 2 : 166 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 13 / 3 .
( 3 ) الكافي 1 : 244 / 2 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 181 ، روضة الواعظين : 207 ، كشف الغمة 2 : 167 ، اثبات الوصية : 155 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 14 / 11 .
( 4 ) الكافي 1 : 244 / 4 ، وكذا في : الإمامة والتبصرة : 199 / 55 ، ارشاد المفيد 2 : 181 كشف الغمة 2 : 167 ، اثبات الوصية : 155 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 13 / 7 ضمن ح 7 .
( 5 ) البقرة 2 : 132 .
( 6 ) الكافي 1 : 244 / 8 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 181 ، روضة الواعظين : 208 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 278 – 279 ، كشف الغمة 2 : 67 1 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 14 / 10 .
( 7 ) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 225 ، كشف الغمة 2 : 192 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 150 / 207 .
المصدر: إعلام الورى بأعلام الهدى ج1 / الشيخ الطبرسي