تمتّع الإمام الجواد عليه السلام بمكانة علمية مرموقة في المجتمع الإسلاميّ، وكان محطّ أنظار العلماء وعامة الناس. وكانت الشيعة تأتي إليه وتسأله عن موارد الحلال والحرام رغم صعوبة التواصل ومتاعب الطريق. وكان الإمام عليه السلام يفرغ نفسه للإجابة على مشاكل الناس وأسئلتهم، فكان يقضي وقتاً طويلاً في ذلك، ويُقيم له مجلساً خاصّاً، فقد أجاب في مجلس واحد على مئات المسائل، حتّى أدهش الناس من كثرة علومه وفضائله[1].
وهذه المكانة هي التي دفعت المأمون لأن يحسن إلى الإمام ويقرّبه إليه، حتّى بالغ في إكرامه وإجلاله وإعظامه، حتّى وصل به الأمر إلى أن يعزم أن يزوّجه بابنته أمّ الفضل. وقد أثبت الإمام عليه السلام هذه المكانة وكان لا يزال صغيراً في السنّ حيث تسلّم الإمامة وعمره سبع أو ثماني سنوات[2].
وقد تتلمذ على يديه المباركتين العديد من الأصحاب، ومنهم: إبراهيم بن مهزيار، وسهل بن زياد الآدمي، وعلي بن أسباط، وموسى بن القاسم البجلي، أيوب بن نوح بن دراج، الحسن بن راشد، صالح بن أبي حماد، علي بن يحيى يُكنّى أبا الحسين، محمد بن أبي زيد الرازي، نوح بن شعيب البغدادي، أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، حمدان بن سليمان بن عميرة، داوود بن أبي زيد، رجاء العبرتائي بن يحيى، وغيرهم الكثير من الفقهاء والمحدّثين والأصحاب[3].
وكان الإمام عليه السلام شديد الزهد في حياته رغم وجوده في بغداد، فقد روى الحسين المكاري، قال: "دخلتُ على أبي جعفر عليه السلام ببغداد وهو على ما كان من أمره، فقلتُ فينفسي: هذا الرجل لا يرجع إلى موطنه أبداً، وأنا أعرف مطعمه، قال: فأطرق رأسه ثمّ رفعه، وقد اصفرّ لونه، فقال: يا حسين، خبز شعير وملح جريش في حرم جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أحبّ إليّ مما تراني فيه[4].
وكان عليه السلام كثير الوعظ والإرشاد لأصحابه، فروي أنّ رجلاً أتى إلى الإمام الجواد عليه السلام وقال له: أوصني، قال عليه السلام: "تقبل؟" قال: نعم، قال عليه السلام: "توسّد الصبر، واعتنق الفقر، وارفض الشهوات، وخالف الهوى، واعلم أنّك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون"[5].
[1] الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج6، ص496.
[2] الشيخ المفيد، محمد بن النعمان، الإرشاد، ج2، ص281.
[3] الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي، ص387، وللاطلاع أكثر يراجع كتب علم الرجال.
[4] قطب الدين الراوندي، سعيد بن عبد الله، الخرائج والجرائح، ج1، ص383.
[5] ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول، ص455.