جهاد الإمام الكاظم (عليه السلام) في مرحلة إمامته

قيم هذا المقال
(0 صوت)
جهاد الإمام الكاظم (عليه السلام) في مرحلة إمامته

كيف بدأ موسى بن جعفر جهاده عندما وصل إلى الإمامة؟ وماذا فعل؟ ومن جمع؟ وأين ذهب؟ وأيّ أحداثٍ جرت عليه طيلة هذه الـ 35 سنة؟ للأسف، ليس هنالك جوابٌ واضح.

فلا يوجد في يد أحد سيرةٌ منظَّمة ومدوَّنة عن هذه المرحلة الممتدّة على 35 سنة. لكن هناك أشياءٌ وحوادث متفرّقة وقعت في حياة الإمام الكاظم يُمكن أن نفهم من مجموعها أموراً كثيرة. وأبرز هذه الأحداث أنّ هناك أربعة خلفاء حكموا في هذه السنوات الـ 35 من عهد إمامة موسى بن جعفر عليه السلام. قاموا بالتضييق على الإمام وأتباعه، وصولاً إلى سجنه ونفيه وقتله.
 
في زمن المنصور
كان المنصور قد استدعى الإمام عليه السلام بمعنى أنّه قد نفاه أو أحضره جبراً إلى بغداد. وكم امتدّت هذه الحالة؟ ليس معلومًا. وذات مرّة أحضروا الإمام في زمان المنصور إلى منطقةٍ في العراق تُدعى أبجر، حيث نفوه لمدّةٍ ما. يقول الراوي: وصلت إلى هناك، إلى محضر موسى بن جعفر عليه السلام، في ظلّ تلك الأحداث، وكان الإمام يقول كذا ويفعل كذا.
 
1- في زمن المهديّ العبّاسيّ:
أُحضر الإمام عليه السلام مرّة واحدة على الأقلّ من المدينة إلى بغداد. يقول الراوي: كُنتُ في الطّريق التي سلكها موسى بن جعفر، في المرّة الأولى التي كانوا يحضرونه فيها إلى بغداد ـ فيُعلم من هذا التّعبير أنّ الإمام عليه السلام كان قد أُحضر عدّة مرّات إلى بغداد، ويحتمل أن يكون قد حصل ذلك مرّتين أو ثلاث في زمن المهديّ ـ فوصلتُ إلى الإمام عليه السلام وتأسّفت وحزنت. فقال لي الإمام: كلّا، لا تغتمّ، فسأرجع من هذا السفر سالمًا، ولن يتمكّن هؤلاء من إلحاق أيّ ضررٍ بي. هذا كان في زمان المهديّ.
 
2- في زمن الهادي العبّاسيّ:
أرادوا إحضار الإمام لقتله، فحزن أحد الفقهاء المحيطين بالهادي العبّاسيّ، وتألّم قلبه عندما رأى ابن النبيّ يُفعل به هذا، فتوسّط للهادي العبّاسيّ، فانصرف عن قتله. وفي زمن هارون أيضًا، كانوا قد أحضروا الإمام عليه السلام إلى بغداد، لمدّة طويلة، وعلى عدّة مراحل، حيث أحتمل أيضًا أنّه تمّ إبعاد الإمام عن المدينة أكثر من مرّة، ولكنّ القدر المتيقّن هو أنّه تمّ إحضاره مرّة واحدة، وحُبس في أماكن مختلفة، كانت بغداد واحدة منها، كما وُضع في سجون متعدّدة أيضاً، كان آخرها سجن السنديّ بن شاهك حيث استُشهد عليه السلام.

لقد تم إحضار الإمام موسى بن جعفر عليه السلام عدّة مرّات، على امتداد هذه السنوات الـ 34 أو 35، أثناء انشغاله بالدعوة إلى الإمامة، والقيام بالتكليف. علاوة على ذلك، فإنّ خلفاء عصره كانوا قد تآمروا عدّة مرّات على قتله. فبمجرّد أن وصل المهديّ العبّاسيّ ابن المنصور إلى الحكومة، حتّى قال لوزيره أو حاجبه الرّبيع إنّه عليك أن تعدّ العدّة لقتل موسى بن جعفر عليه السلام والقضاء عليه، حيث كان يشعر أنّ الخطر الأساس كان يأتي من جانب موسى بن جعفر عليه السلام. وكان الهادي العبّاسيّ، كما ذكرت، قد عزم في بداية حكومته على قتل الإمام عليه السلام، حتّى أنّه أنشد شعرًا، قائلًا: لقد ولّى الزمان الّذي نعامل فيه بني هاشم باللين، ونستسهلّ أمرهم، وإنّني عازمٌ وحازمٌ على ألّا أُبقي منهم أحداً، وأوّل من سأقضي عليه هو موسى بن جعفر.
 
وفيما بعد، أراد هارون الرّشيد أن يقوم بالأمر نفسه، وقد فعل وارتكب هذه الجريمة الكبرى. فأيّ حياةٍ مليئة بالأحداث مرّت على موسى بن جعفر عليه السلام!
 
3- التخفّي من السلطات وأعوانها:
من المؤكَّد أنّ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام كان يعيش في مرحلة ما من حياته متخفّيًا، ولم يكن معلومًا أين كان يستتر. وفي ذلك الزّمان، كان الخليفة يستدعي من وقتٍ لآخر أفرادًا، ويُحقّق معهم حول إذا ما كانوا قد رأوا موسى بن جعفر عليه السلام، ويسألهم عن مكانه. وكانوا هم يُصرّحون بأنّهم لم يُشاهدوه، حتّى أنّ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام - كما جاء في رواية - كان قد أخبر أحد هؤلاء بأنّهم سيرسلون في طلبك ويسألونك أين رأيت موسى بن جعفر، فأنكِر ذلك تمامًا وقل إنّني لم أره. وهذا ما حصل بالفعل، فقد جاؤوا به وسجنوه من أجل أن يسألوه عن مكان موسى بن جعفر.
 
كان الإمام يقوم ببيان الأحكام والمعارف الإسلاميّة، ولا يتدخّل بالحكومة أو يُمارس المواجهة السّياسيّة، ووضعوه تحت مثل هذه الضغوط. وفي إحدى الرّوايات ورد بأنّ موسى بن جعفر كان يتخفّى في قرى الشّام، "دخل موسى بن جعفر عليه السلام بعض قرى الشّام هاربًا متنكّراً، فوقع في غار"[1].
 
وقد رُوي في حديثٍ أنّ موسى بن جعفر لم يكن في المدينة لمدّة من الزّمن، وكان يُلاحَق في قرى الشّام من قِبَل الأجهزة الحاكمة، حيث كانت تُرسل الجواسيس في أثره، وتلاحقه من هذه القرية إلى تلك القرية، في لباس مختلف وغير معروف، إلى أن وصل الإمام عليه السلام إلى غارٍ ودخله، فوجد فيه نصرانيًّا، فراح الإمام يتباحث معه. فحتى في مثل هذا الوقت، لم يكن الإمام عليه السلام غافلًا عن تكليفه الإلهيّ في بيان الحقيقة، فيتحدّث مع ذلك النصرانيّ، ويُسلم النصرانيّ.
 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 48، ص 105.

قراءة 266 مرة