إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد والبرهان عن التفكير ألحق أضراراً جسيمة بالمجتمع الإسلامي، حيث ظهرت فيه حركات هدّامة ترمي إلى تقويض الأُسس الدينية والأخلاقية.
ومن تلك الحركات المجسّمة الّتي رفع لواءها مقاتل بن سليمان المجسم ( [1]) (المتوفّى عام 150 هـ) ونشر أقاصيص الأحبار والرهبان في القرن الثالث، فهو وجهم بن صفوان مع تشاطرهما في دفع الأُمّة الإسلامية إلى حافة الجاهلية، ومع ذلك فهما في مسألة التنزيه والتشبيه على طرفي نقيض . أمّا صفوان فقد بالغ في التنزيه حتّى عطّل وصف ذاته بالصفات.
وأمّا مقاتل فقد أفرط في التشبيه فصار مجسّماً، وقد نقل المفسرون آراء مقاتل في كتب التفاسير .
فليعرف القارئ مكانه في الوثاقة وتنزيه الربّ عن صفات الخلق .
قال ابن حبّان: كان يأخذ من اليهود والنصارى في علم القرآن الّذي يوافق كتبهم، وكان يشبّه الربّ بالمخلوقات، وكان يكذب في الحديث .
وقال أبو حنيفة: أفرط جهم في نفي التشبيه، حتّى قال إنّه تعالى ليس بشيء، وأفرط مقاتل في الإثبات حتى جعله مثل خلقه. ( [2])
الهوامش:
[1] . مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي بالولاء، البلخي، أبو الحسن من المفسرين، أصله من بلخ، انتقل إلى البصرة ودخل بغداد وحدّث بها، وتوفّي بالبصرة، كان متروك الحديث، من كتبه « التفسير الكبير » و « نوادر التفسير » و « الرد على القدرية » و « متشابه القرآن » و « الناسخ والمنسوخ » و « القراءات » و « الوجوه والنظائر » ] الأعلام: 7 / 281 [ .
[2] . لاحظ ميزان الاعتدال: 4 / 173. وراجع تاريخ بغداد: 13 / 166 .