إذا كانت بعض الإفتراءات على الشيعة قيلت ثم ماتت واندثرت، وبعضها قيلت ولكنّها لم تشتهر، فإنّ اُکذوبة أن الشيعة تشک بنبوة محمد(ص) أو ما يطلق عليها بمسألة (خان الأمين) تعيش فعلاً في بعض الأذهان ولم تمسح إلی يومنا هذا، ونحن في هذا الدرس حول عقيدة الشيعة في النبوة نبحث أولاً مسألة عصمة الأنبياء ثمَّ نبحث عقيدة الشيعة بنبوَّة محمَّد(ص) بصورة خاصَّة، ونجيب علی شبهة «خان الأمين».
الأنبياء معصومون
قد أجمع علماء المسلمين على عصمة الأنبياء عن تعمد الكذب في تبليغ الرسالة عن الله تعالى واختلفوا بعد ذلك في صدور ما ينافي العصمة فذهب بعض علماء السنة إلى جواز وقوع كل ذنب منهم صغيراً كان أو كبيراً حتى الكفر قبل النبوة و صدورالسهو و النسيان منهم حتَّی بعد النبوَّة بينما البعض الآخر فصَّل في ذلك ولم يصل إلى هذا الحد، وبوسع القارئ الرجوع إلى آراء الفخر الرازي في كتابه عصمة الأنبياء، والباقلاني والغزالي مفصلاً في کتاب نظرية الإِمامة([1]). أما الشيعة الإمامية فقد ذهبوا إلى عصمة الأنبياء مطلقاً عن الذنوب الکبيرة والصغيرة، قبل البعثة وبعدها، علی سبيل العمد أوالنسيان وقد ساقوا لذلك أدلة كثيرة، والذي يهمنا في المقام هو البحث حول نبوَّة محمد وعقيدة الشيعة الإمامية في ذلک([2]).
عقيدة الشيعة في نبوَّة محمد(ص)
يقول آية الله کاشف الغطاء: يعتقد الشيعة الإمامية: أن جميع الأنبياء الذين نص عليهم القرآن الكريم رسل من الله، وعباد مكرمون، بعثوا لدعوة الخلق الى الحق، وأن محمداً(ص) خاتم الأنبياء، وسيد الرسل، وأنه معصوم من الخطأ والخطيئة، وأنه ما ارتكب المعصية مدة عمره، وما فعل إلا ما يوافق رضا الله سبحانه حتى قبضه الله إليه. وأن الله سبحانه أسرى به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى، ثم عرج من هناك بجسده الشريف الى ما فوق العرش والكرسي وما وراء الحجب والسرادقات، حتى صار من ربه قاب قوسين أو أدنى.... ويعتقد الإمامية أن كل من اعتقد أو ادعى نبوة بعد محمد(ص)، أو نزول وحي أو كتاب فهو كافر يجب قتله ([3]).
نبوة محمد(ص) و شبهة «خان الأمين»
ملخَّص هذه الإکذوبة المنسوبة للشيعة أنّ الشيعة يعتقدون أنّ الوحي أراده الله تعالى لعليِّ بن أبي طالب ولكن جبرئيل خان أو أخطأ فذهب بالوحي إلى محمّد(ص)، ولقد وضعت هذه الفرية على لسان الشعبي عامر بن شراحيل فقد ذكر ابن تيمية في منهاج السنة أنَّ الشعبي قال: «احذرِّكُم أهل هذه الأهواء المضلة وشرها الرافضة، ... إلى أن قال: واليهود تبغض جبرئيل ويقولون هو عدوُّنا من الملائكة، وكذلك الرافضة يقولون غلط جبرئيل بالوحي على محمد ...الخ»([4]). إنّ هذه الصورة التي وضعت على لسان الشعبي: أخذها ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والنحل فنسبها لفرقة من الغلاة سمَّاهم الغرابية: لأنّهم قالوا إنّ علياً أشبه بمحمد من الغراب بالغراب، ولذلك غلط جبرئيل بالوحي فذهب به لمحمد وهو مبعوث لعليٍّ ولا لوم عليه لأنّه اشتبه، وبعضهم شتمه وقال بل تعمد ذلك ([5]). في حين ذهب الرازي في كتابه اعتقادات فرق المسلمين إلى أنّهم قالوا غلط ولم يتعمد([6]). وفي المعاصرين من أهل القلم وهو مـحمد ثابت المصري يـضـرب على هذا الوترنفسه في كتابه ( جولة في ربوع الشرق الادنى ) حيث يقول : «ومن الشيعة قسم اوجب النبوة بعد النبي فقالوا بانَّ الشبه بين محمد وعلي كان قريباً لـدرجـة انَّ جـبـرائيـل أخـطأ، وتلك فئة الغالية او الغُلاة، ومنهم من قال بأنَّ جبرائيل تعمَّد ذلك ».
بطلان شبهة «خان الأمين»
قد عرفت أنّ منشأ مسألة خان الأمين هي رواية الشعبي ونظراً لأهمية الموضوع سنثبت ضعف هذه الرواية بل کذبها ليتبيَّن بطلان هذه الشبهة:
1 ـ إنّ رجال سند هذه الرواية بين متهم مثل عبدالرحمن بن مالك بن مغول فقد قالت عنه كتب التراجم بأنّه ضعيف، وكذَّاب، ووضَّاع، ويقول عنه النسائي ليس بثقة([7]).
2-إنَّ أوَّل ما يقال في هذه الرواية أنّ الشعبي عندما كان يقارن بين اليهود والشيعة يسمى الشيعة بالرافضة، وهذا اللقب الذي نبز به الشيعه قد ذكر مؤرخوا السنة أنّه عرف في آخر أيام زيد بن عليٍّ عندما طلب منه أفراد جيشه البراءة من الخليفتين فأبى فرفضه قوم منهم سموا بالرافضة هذه هي رواية هذا اللقب وهذه الواقعة كانت سنة مقتل زيد أي: سنة 123 هجرية في حين أنّ الشعبي ولد عام عشرين أو ثلاثين على رواية اُخرى من الهجرة فالفرق بين وجوده والرواية سبعة عشر سنة لأنّه مات سنة مائة وخمس من الهجرة، فإمَّا أن يكون لفظ الرافضة ورد قبل هذا وهو ما لا تقول به رواياتهم أو أنّ القصة مخترعة وهو الأصح،ومن جهة اُخری أنّ الشعبي يرمى بالتشيع وقد نص على تشيعه كل من ابن سعد والشهرستاني ولا يعقل أن يقول شيعي هذا القول ([8]).
3- أوليس القرآن الكريم يقول عن جبرئيل: “ مُطاعٍ ثَمَّ أَمين” ([9]). ويقول عن النبي (ص): “ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ ...” ([10]). والشيعة يقرؤون القرآن آناء الليل وأطراف النهار فكيف لا يفهمون ذلك، وأيضاً ألا تكفي آلاف المنائر والمساجد عند الشيعة والتي تصرخ ليل نهار أشهد أنّ محمداً رسول الله للتدليل على أنّ هذه القصة فرية مفتعلة كأخواتها.
4ـ إنّ كتب مصادر الشيعة الإمامية في العقائد متوفرة، فهل يوجد في كتاب واحد منها ما يشير إلى هذه الفرية، وأين القائلون بهذه المسألة، ومن هم هؤلاء «الغرابية» وكم عددهم وأين مكانهم، والظاهر أنَّهم خرجوا من المقلع الذي خرج منه عبدالله بن سبأ، وخلقتهم الأهداف التي خلقته نفسها، وهي تشويه سمعة الشيعة والتشيع، وتفريق المسلمين وتمزيق وحدتهم.
والحق أنَّ هؤلاء لهم مصالح في بقاء هذه الشبهات والأکاذيب، کما کانت لأسلافهم في قضية مقتل عثمان واُکذوبة اشتراک علي بن أبي طالب (ع) في دمه، وقد سئل مروان عن موقف الإِمام عليٍّ(ع) من عثمان بالثورة فقال: ما كان أحد أدفع عن عثمان من عليٍّ فقيل له: ما لكم تسبُّونه على المنابر؟ فقال: لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك([11]).
هذا وقد عرضنا عقيدة الشيعة حول الأنبياء ونبوَّة محمد(ص) في الدرس السابق، وفي ختام هذا البحث نأتي بعبارات اُخری ممَّا كتبه علماء الشيعة عن نبوة النبي محمد(ص)، فهذا السيد محسن الأمين العاملي وهو من المعاصرين يقول: «إنّ من شك في نبوة النبي وجعل له شريكاً في النبوة فهو خارج عن دين الإِسلام »([12]). ويقول محمدرضا المظفر في کتابه عقائد الإِمامية:« نعتقد أنّ صاحب الرسالة الإِسلامية هو محمد بن عبدالله وهو خاتم النبيين وسيد المرسلين، وأفضلهم على الإِطلاق كما أنّه سيد البشر جميعاً لا يوازيه فاضل في فضل ولا يدانيه أحد في مكرمة، وإنّه لعلى خلق عظيم »([13]).
الهوامش:
([1]) راجع نظرية الإِمامة :111.
([2]) راجع دلائل الصدق1: 368.و معالم الفلسفة لمغنية :193.
([3]) أصل الشيعة واصولها :143.
([4]) منهاج السنة1: 16.
([5]) الفصل بين الملل والنحل4: 183.
([6]) اعتقادات فرق المسلمين :59.
([7]) لسان الميزان :427.
([8]) راجع ترجمة الشعبي في کتاب وفيات الأعيان 1 :266 .
([9])التكوير:21
([10])الأحزاب:40.
([11]) الصواعق المحرقة:53.
([12]) أعيان الشيعة 1: 92 .
([13]) عقائد الإمامية :64. ولمزيد الإطَّلاع علی هذه المسألة راجع کتاب شرح العقائد للصدوق ، وأوائل المقالات للمفيد، وتنزيه الأنبياء للشريف المرتضى وغيرها من الکتب.