الدرس الرابع عشر: الثورات الشِّيعية ودُول الشيعة

قيم هذا المقال
(1 Vote)
الدرس الرابع عشر: الثورات الشِّيعية ودُول الشيعة

لقد إستطاع المسلمون في فترة قصيرة أن يقيموا للإسلام حضارة عظيمة لايمکن الحديث عنها في هذا المقال الوجيز، و إنَّ ما يتعلق بموضوع بحثنا هو مشاركة الشيعة في بناء هذه الحضارة، وبما أنَّه لا يسع المجال في البحث حول دور الشيعة في القضايا الأخلاقية والإجتماعية والإقتصادية والعلم والفنون والحکم والسياسة ، والتي هي من أهمِّ مقوِّمات الحضارة وأرکانها ، فنکتفي بذکر الحديث  فيما يتعلّق بالقضايا السياسية ودورالشيعة في النهضات والثورات ضد الظلم وإقامة الدول الشيعية وتأثيرها علی الحضارة الإسلامية ، فالحديث والبحث في هذا الموضوع يننقسم إلی قسمين:

 القسم الأول : الثورات الشيعية ، القسم الثاني: دُول الشّيعة

القسم الأول :الثورات الشيعية

 في هذا القسم من البحث نبدأ بثورة الإمام الحسين(ع)  وقيامه وخروجه ([1])علی الطاغية يزيد بن معاوية لطلب الإصلاح في اُمَّة جدِّه رسول الله(ص) من الإنحراف والإعوجاج في الدين ، ومحاربة الظالمين والمفسذين . 

خروج وقيام الإمام الحسين(ع) 

کان أوَّل خروج وقيام لشيعة أهل البيت D هو خروج الإمام الحسين(ع)    وقيامه ضد الزُمرة الفاسدة الاُموية سنة ستين من الهجرة حيث بدأت من موت معاوية وانتقال الحکم الأموي إلی إبنه يزيد الطاغية ، و تحوَّل بلاط يزيد إلى مركز يشكِّل أنواع الفساد وارتكاب المحرمات، وقد طلب يزيد من عامله على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان أن يأخذ البيعة من الحسين(ع)   أو يضرب عنقه، فرفض الإمام(ع)    بيعته قائلاً: «إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيُّنا أحقّ بالخلافة والبيعة»([2]).  و انطلق الإمام الحسين (ع)   بثورته من المدينة لثلاث بقين من رجب سنة ستين قاصداً مکَّة المکرَّمة وعند خروجه صرَّح الإمام(ع)   بهدف خروجه ضد الزمرة الآُموية في وصية لأخيه محمد بن الحنفية قائلاً: «... ، وإنِّّي لم أخرج أشِراً ولا بطِراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنَّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمَّة جدِّي، اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدِّي وأبي عليّ بن أبي طالب، ...»([3]) .

وکان الإمام الحسين(ع)   في مکَّة واشتهر في مختلف الأقطار امتناعه عن البيعة، فاتَّجهت إليه الأنظار و بخاصَّة أهل الكوفة، فاجتمعوا في دار سليمان بن صُرد الخُزاعي وکاتبوا الإمام بالقدوم إليهم والبيعة والطاعة له ،  فأرسل الإمام (ع)   ابن عمِّه مسلم بن عقيل إليهم ليمهِّد للثورة ضد الاُمويين ،وخرج الإمام (ع)   من مکة يوم الثامن من شهر ذي الحجة يوم التروية قاصداً العراق ، وقد اُخبرَ في الطريق في موضع يدعى «زرود» باستشهاد مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة ، واستمرَّ الإمام (ع)   في المسير نحو الکوفة إذطلع عليه الحرّ بن يزيد الرياحي التميمي اليربوعي مع ألف فارس ، وجعجع بالإمام وأهل بيته وأصحابه حتَّی وصلوا إلی قرية العَقر ، فقال الحسين (ع)    : «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العَقر ! » ، ثمَّ نزلها وكان ذلك يوم الخميس الثاني من المحرّم سنة إحدى وستين وکانت قرية العَقر من قری منطقة الطف وکوربابل فاشتهرت بکربلاء ، وقد ذكرها الحسين في إحدی خطبه: Sوكأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاءR([4]). وهکذا قد حوصر وحورب الإمام الحسين (ع)   من قبل عبيد الله بن زياد وجيشه بقيادة عمربن سعد وکما أخبر الإمام (ع)    لقد استشهد هو وأهل بيته وأصحابه في کربلاء وفي يوم العاشر من محرم الحرام سنة الواحد والستين من الهجرة ظلماً وعدواناً، وبقيت حرارة قتله (ع)   في قلوب المؤمنين کما أخبر جدّهُ سيد المرسلين(ص)  حيث قال (ص) :Sإن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداًR[5].

الإقتداء بالنهضة الحسينية:

إنَّ حديث كربلاء و ملحمة عاشوراء، حديث خالد وحرارة لاتبرد أبداً لأنَّه حديث الإنسان المصلح و العارف المستعدَّ للشهادة ولقاء الله، وبه يتذكَّر الانسان تلك التضحيات في سبيل الله ،وما جری علی ابي عبد الله الحسين (ع)   مع ثُلَّة من أهل بيته الأطهار وأنصاره الأخيار في سبيل الدِّفاع عن مبادئ الإسلام ورسالته المحمدية الحقة، فكان بقاء الشريعة الإسلامية برسولها ورسالتها باستشهاد الإمام الحسين (ع)   کما قال کاشف الغطاء: «إنَّ الإسلام محمدي الحدوث وحسيني البقاء».وحري بالمسلمين جميعاً، بل كلِّ انسان حرٍّ ان يقتدي بهذه النهضة الحسينية المباركة في محاربة الظالمين في أي مكان وزمان، كما فعل الشعب الايراني المسلم بقيادة الامام الخميني الراحل واطاح بالنظام الطاغوتي البهلوي ، وکان کل  ذلك  ببرکة نهضة الحسين(ع)   ، حيث كان الامام الراحل يقول: «كل ما عندنا هو من محرم وصفر»، وکما اقتدی الشعب المقاوم اللبناني بنهضة الحسين(ع)   وهزم الکيان الصهيوني من بلاده، وقد استلهم  الشعب الفلسطيني الدروس من الثورة الإسلامية واستفاد من تجربةالمقاومة وأخذ يقاوم الإحتلال الإسرائيلي بعزمٍ وصلابة لا مثيل لها في تاريخ الصِّراع مع الکيان الغاصب ،وهکذا لو اقتدی ایِّ شعب مظلومٍ بثورة الحسين لفاز وانتصر علی عدوِّه کما اقتدی غاندي وشعبه وحرَّروا الهند من الإستعمار البريطاني.

الإنتفاضات الشيعية بعد الثورة الحسينية:

منذُ مقتل الإمام الحسين(ع)   وأهل بيته وأصحابه في واقعة الطَّف بدأت الثورات ضد الحكم الأموي تتوالى،بدءاً من ثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، وكان كل المناهضين للحكم الأموي ومهما اختلفوا يتخذون آل بيت النبي(ص) ودم الحسين رمزاً وشعاراً لحركاتهم ، ونهضت بها سواعد الشيعة، وحتَّی أبو مسلم الخراساني قد رفع شعارالرضا لأهل البيت و استطاع أن يتغلب على بلاد خراسان، والعراق ، ولكنه کان يخفي تحت شعارالرضا لأهل البيت، الدعوة إلى العباسيين حيث بايع بالخلافة لأبي العباس السفاح في الكوفة يوم العاشر من محرم سنة (132 هـ ) ([6])، وکان من بين تلک الثورات واقعة الحرة وانتفاضة أهل المدينة، وثورة التوابين وقيام المختار الثقفي ،ونهضة زيد بن علي وابنه يحيی ضد الاُمويين و ثورة الحسين بن علي حفيد الإمام الحسن (ع)   ضد الحکم العباسي في موضع فخ قرب مکَّة المکرَّمة من أهمِّ وأشهر تلک الثورات نستعرضها بإختصار:

واقعة الحَرَّة وإنتفاضة أهل المدينة([7])

بعد مقتل الحسين(ع)   اضطربت الأوضاع على يزيد في المدينة، وقام الناس فخلعوا محمد بن أبي سفيان عامل يزيد في المدينة وبايعوا عبد الله بن حنظلة وولّوه عليهم،  فلما وصلت الأنباء إلى الشام عقد يزيد لمسلم بن عقبة جيشاً لمحاربة أهل المدينة، واستطاع الجيش الأموي إخماد حركتهم وأباح قائدهم المدينة المقدَّسة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال، ويهتکون الأعراض، ودعا ابن عقبة أهل المدينة إلى البيعة على أنهم عبيد ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم فمن أبى البيعة بهذه الصورة قُتل، واستثنى من ذلك الإمام علي بن الحسين(ع)   ، وبلغ عدد القتلى يومئذٍ (6500) علی رواية ابن أعثم الکوفي، وفي رواية المسعودي (4200)([8])، ومن الوجوه البارزة التي قتلت في الواقعة: عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة وأبناؤه العشرة وأخوه وغيرهم من أبناء الصحابة وبقية الصحابة من حملة القرآن ومن المشاركين في بدر ([9]). وقد أخبر رسول الله (ص)  بهذه الواقعة لما مرّ بالحرّة حيث وقف فاسترجع، وقال: Sيُقتل في هذه الحرة خيار أمتيR([10]).

وواقعة الحرة وإن لم تحسب من الثورات الشيعية لعدم اكتسابها الطابع الشرعي من الإمام زين العابدين(ع)   وعدم مشاركته فيها ،وکان الإيعاز في الانتفاضة من عبد الله بن الزبير الذي حاصر مكة وملكها، ولکن بما أنَّ الذي قتل فيها کانوا مظلومين ،وکان بعضهم من الصحابة و أبناء الصحابة ومن حملة القرآن ومن المشاركين في بدر، حيث عبَّرعنهم النبي(ص)  بخياراُمَّته، وکانت هذه الإنتفاضة من آثار وتبعات وقعة الطف ،ولذا كان الإمام علي بن الحسين(ع)    يتشفَّع لأهل المدينة حتى استنقذ عدداً كبيراً من القتل، وکان يعول أربعمئة بيت من يتامى وأرامل من قتل في هذه المعركة.

نهضة المختارالثقفي(64 هـ) ([11])

إنَّ المؤكَّد الذي عليه المؤرخون أنَّ دار المختارفي الکوفة كانت مركزاً لمسلم وللقائه بالوفود المبايعة له إلى حين قدوم عبيدالله بن زياد واستلامه إمارة الكوفة،‏ خلفاً للنعمان بن بشير الذي عزله يزيد بسبب ما يتصف به من لين وضعف تجاه‏ تحركات مسلم وأصحاب الحسين(ع)  . وبعد مقتل مسلم، ووصول الخبر ببلوغ الحسين(ع)   إلى كربلاء، جمع المختار جماعة من الشيعة، واتجه بهم قاصداً نصرة الحسين(ع)   فأخذته الشرطة التي كلَّفها ابن زياد بملاحقة الخارجين لنصرة الحسين(ع)   فاعتقلوه، وحينما أدخلوه على ابن مرجانة، تناول قضيباً، وانهال به يضربه على وجهه ورأسه، فأصاب عينه وشترها، ثم ألقاه في السجن مع من اعتقلهم من الشيعة. ولما زجّ بالمختار في السجن، كان ميثم التمار معتقلاً فيه وعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث، وكان عبد الله والمختار يعتقدان أن ابن زياد سيقتلهما لا محالة فجعلا يستعدان للقاء الله تعالى، غير أن ميثم التمار وبما انتهى إليه من أمير المؤمنين(ع)   من الغيبيات التي كان النبي يختصّه بها، أخبرهما بما يجري لهما، فقال لابن الحارث: إنَّك ستخرج من سجن هذا الطاغية، وتحكم البصرة، وقال للمختار: إنَّك ستخرج وتتولى الثأر من قتلة الإمام الحسين(ع)   وأنصاره، وبهذا أخبرني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ([12]).

انتقام المختار من قتلة الحسين(ع):

ممَّا لا يمكن لباحث أن يتنكَّرله ‏معارضة المختار للحكم الأموي، ولسياسة الاُمويين، وتسلطهم منذ دخل معترك السياسة، وتعرض بسبب ذلك لسجونهم ومعتقلاتهم وتعذيبهم، وقد حاربهم مع ابن الزبير حينما فرّ من ابن زياد من الكوفة، والتحق به في مكة، وفيها اشترك مع المكيين في صدِّهم عن الكعبة التي كانت هدفاً لنيران يزيد بن معاوية ، وبعد أن قضى المختار وقتاً مع ابن الزبير وكان قد تحقّق ما أراده من إشاعة الفوضى والاضطرابات في أرجاء الدولة الأموية، وخاصة في العراق، فلمَّا تبين له أنَّ الكوفة قد ثارت، وهي على استعداد للأخذ بثأر الحسين(ع)   توجّه إلى الكوفة، وترك ابن الزبير المعادي لأهل البيت عليهم السلام ، وكان سليمان بن صرد الذي قاد حرکة التوابين يستعدون لقتال الأمويين، فلم يشترك معهم وانتهت حركتهم بالفشل، وانضمَّ أفراده  إلى المختار ، فجاهر المختار في الدعوة إلى العلويين، وأخذ البيعة لهم، فكثرت أنصاره حتى طرد عامل ابن الزبير على الكوفة، وانضمَّ إلى المختار إبراهيم بن الأشتر، وحارب الأمويين والزبيريين حتى خضع العراق وسائر الأمصار عدا الحجاز والشام والجزيرة للمختار([13]).

وما إن دخل المختار قصر الإمارة في الکوفة حتى بسط يده يطلب البيعة على كتاب الله والطلب بثأر أهل البيت، ومناصرة من يناصرهم،ثم نادى منادي المختار في أرجاء الكوفة: من أغلق بابه فهو آمن إلا من اشترك في قتل الحسين.  وقال لأصحابه: اطلبوا قتلة الحسين وآل البيت، فإنه لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهِّر الأرض والمصر منهم، فتعالت الصيحات من كل جانب: يا لثارات الحسين. فأخذ الجيش باستخراجهم من مخابئهم وقتلهم، ثم قبض على عمر ابن سعد فقتله واحتز رأسه، وأحضر ابنه حفص، فقال له: أتعرف هذا الرأس؟ فقال: نعم ولا خير في العيش بعده. فقال له: ومن أنبأك أنَّك تعيش من بعده. فأمر بقتله ووضع الرأسين بين يديه وبكى، ثم قال: هذا برأس الحسين، وهذا برأس علي الأكبر، والله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله. ومضى المختار يطارد قتلة الحسين وآله وأصحابه، حتى لم يبق أحد إلا فرّ أو قتل، ثم استأجر نوادب من نساء الكوفة يندبن الحسين(ع)    ،ثمَّ أنَّه قد وصله أخبار تحرك عبيد الله بن زياد بجيش نحو العراق لتحريره من الزبيريين عن طريق الموصل كان قد أعدَّه عبد الملك بن مروان، فجهَّز جيشاً مؤلفاً من سبعة آلاف لمقابلته، فالتقى الجيشان عند نهر الخازر في ضواحي مدينة الموصل، ودار بينهما قتال عنيف انتهى بهزيمة جيش ابن زياد وقتله، فطلب ابن الأشتر جثة ابن زياد واحتز رأسه وأحرق جثته  ،وأرسل المختار رأسي عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد إلى الإمام زين العابدين في المدينة، ولما ورد الرسول المدينة بالرأسين، نادى: يا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة ومهبط الوحي أنا رسول المختار بن أبي عبيدة، ومعي رأس ابن مرجانة وعمر بن سعد، فضج الناس وتصايحوا، حتى أدخل الرأسين على الإمام زين العابدين، ووضعهما بين يديه، فلما رأهما (ع)   قال: أبعدهما الله إلى النار، ولم ير الإمام (ع)   يوماً قط ضاحكاً منذ قتل أبوه إلا في ذلك اليوم ([14]).

وبلا شك فإنّ المختار قد أدخل السرور على قلوب أهل البيت D، وقد ترحّم عليه الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام، ويروى أنه دخل على الإمام الباقر(ع)   الحَكَم بن المختار فتناول الحَكَم يد الإمام ليقبلها فمنعه، وقال له من أنت؟ فقال: أنا الحَكَم بن المختار، وكان متباعداً من أبي جعفر(ع)   فمدَّ الإمام يده إليه وأدناه حتى كاد يقعده في حجره، فقال له الحكم: أصلحك الله إنَّ الناس قد أكثروا في أبي وقالوا، والقول كثير، يقولون إنَّه كذَّاب، ولا تأمرني بشيء إلا قبلته، فقال (ع)  : … Sرحم الله أباك، رحم الله أباك، ما ترك لنا حقاً عند أحد إلا طلبه ...R([15]).             

خروج زيد الشهيد

عندما قرّر زيد بن الإمام زين العابدين(ع)   الخروج علی هشام بن عبدالملک الاُموي لم يتجاوز إمام عصره حيث استشارالإمام الصادق(ع)   فأذن له ، وفي ذلک يقول الإمام موسى الكاظم(ع)  : سمعت أبي يقول:« رحم الله عمّي زيداً... لقد استشارني في خروجه، فقلت لهُ: يا عمّ إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك » ([16]).وبعد مااستشار زيد الإمام الصادق (ع)   ، جمع الأنصار فأعلن ثورته والتحق به عدد غفير، ومما التحق معه كثير من الفقهاء والمحدثين والقضاة من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام  ،ولکن خُذِل زيد في هذه المعرکة کما خذل من قبل جدّه الحسين(ع)   وتفرق جيشه حتَّى قال: أراها حسينية،  وبعد قَتله حملت جثته وصلبت بالكناسة بالكوفة من قبل عامل الوليد في الکوفة يوسف بن عمر وکان ذلك في الثالث من شهر صفرسنة ( 121 هـ )، وكان عمره يوم شهادته ستّاً وخمسين سنة ([17]).وقد صرّح الإمام الصادق (ع)   بعاقبة هذا الأمر بقوله : « إنَّ الله عزَّ ذكره، أذن في هلاك بني اُمية بعد إحراقهم زيداً بسبعة أيّام »([18]).

هذا وقد أخبر النبي (ص)  بخروج زيد وشهادته کما أخبر بذلک جدَّه أميرالمؤمنين (ع)  ، لقد روى علي بن العباس عن أبي جعفر قال: قال رسول الله(ص)  للإمام الحسين: Sيخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرَّاً محجّلين يدخلون الجنة بغير حسابR([19]).وروی عن علي (ع)   قال  : «يخرج بظهر الكوفة ( الكُناسة ) رجل يقال له : زيد في اُبّهة ( الملك ) لا يسبقه الأوّلون ولا يدركه الآخرون إلاّ من عمل بمثل عمله ! ...»([20]) .

أهداف قيام زيد:

يظهر من بعض الاخبار أنّ جمعاً من الشيعة كانوا يزعمون أنّ زيداً صاحب الأمر منذ عصر الباقر (ع)   ،وکان البعض يظن أنَّ زيداً کان يدعو لنفسه  ففي آخرخبر عن زيد قبل قيامه في عهد الصادق (ع)   ، عن عُمارة بن زيد الأنصاري قال  : سألت زيد بن علي  : أنت صاحب الأمر ؟ قال  : لا ، ولكنّي من « العترة » فقلت له  : فبمن تأمرنا ؟ فأشار إلى الصادق جعفر (ع)   ([21])، وفي خبر آخر عن سليمان بن خالد قال  : انتهيت إلى زيد وهو يقول  : جعفر إمامنا في الحلال والحرام([22]) .

و قالوا بأن قيام زيد بن علي (ع)   وخروجه على سلطان زمانه «هشام بن عبد الملك» كان لأهداف يريدها زيد لنفسه، فردّ علی هذا الإتهام الإمام الصادق (ع)   حين قال: «...فإنّ زيداً كان عالماً صدوقاً ولم يدْعُكم إلى نفسه إنّما دعاكم إلى الرضيِّ من آل محمّد (ص) ، ولو ظفر لَوَفى بما دعاكم إليه» ([23]) . وهكذا نری کيف كان الإمام الصادق (ع)   يتابع ثورة عمّه زيد ويتحمّل نتائجها وأعباءها.

خروج يحيى بن زيد

قد خرج يحيى من الكوفة بعد مقتل أبيه زيد وتوجّه إلى خراسان، فسار إلى الري، ومنها أتى سرخس، ثم خرج ونزل بلخ على الحريش بن عبد الرحمن الشيباني ولم يزل عنده حتّى هلك هشام وولي الوليد، وكتب والي الكوفة إلى نصر بن سيار والي خراسان يخبره بأنّ يحيى بن زيد موجود في منزل الحريش في بلخ، وهنا طلب نصر من الحريش بأن يسلّم إليه يحيى، فردّ الحريش على الوالي نصر بن سيّار قائلا: لا علم لي به، ولهذا السبب ضُرب الحريش ستمئة سوط ([24]).

و أرسل نصر جيشاً يُقدّر بعشرة آلاف فارس وكان يحيى في سبعين رجلا، وفي المعركة الأخيرة التي دارت حوالي جوزجان اُصيب يحيى بسهم في جبهته کأبيه فقُتل وبادروا إليه فاحتزّوا رأسه، وقاتل بعده أصحابه حتّى قُتلوا عن آخرهم، وأرسل نصر بن سيار برأسه إلى الوليد بن يزيد فأرسله الوليد إلی أمه ريطة في المدينة ،وکان مصرعه سنة125هـ بعد مضي خمس سنوات علی مصرع أبيه  ([25])، وصلب جسده الشريف علی باب مدينةجوزجان ولم يزل مصلوباً حتَّى ظهر أبو مسلم الخراساني فأنزله وغسّله وكفّنه وحنّطه ودفنه هناك  وقبره مشهور يُزار ([26]) ، ثمّ تتبّع قتلته فلم يدع أحداً ممن شهد قتله ([27]) ، وأظهر أهل خراسان النياحة عليه سبعة أيام ! ثمّ لم يولد في تلك السنة بخراسان مولود إلاّ وسمّي بزيد أو يحيى ، لما داخل أهل خراسان من الحزن والجزع عليه([28]).

بين الحکم الأموي و العباسي

سقطت الدولة الأموية في(13/ ربيع الثاني/ السنة 132 هـ) علی يد العباسيين وبمعونة أبي مسلم الخراساني وكان السبب الرئيسي لسقوطها ، هو فسادهم وانحرافهم عن الدين ، فقتلوا عترة رسول الله(ص) ، بدؤوا بسبطي النبي(ص)  وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين(ع)   ، ومن قبل قتلوا عمار بن ياسر وحجراً، وعاثوا في الأرض فساداً على أيدي العتاة المردة من جلاوزتهم أمثال عبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر، والحجاج بن يوسف الثقفي، وغيرهم من المجرمين.

لقد سقطت الدولة الأموية بعد تسعين عاماً على إنشائها لتقوم دولة أخرى بدماء العلويين كما قامت دولة الأمويين على دمائهم، وإذا کان الأمويون معذورين بقتل ذرية رسول الله لأخذ ثارهم من بدرکما صرح يزيد في أشعاره،فليس هناک عذر لبني العباس وهم يدَّعون القرابةمن النبي،وقد أشار إلی هذه المسألة شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي بعد شهادة الإمام الرضا(ع)   بقوله:

أری أمية معذورين إن «قتلوا»

 

ولا أری لبني العباس من عذر ! ([29])

نعم قدتعرض أهل بيت النبي (ص)  لأنواع الأذى والظلم والاضطهاد في سبيل حفظ الإسلام من الانحراف، ووقوفهم ضد الظلم والظالمين، من الحكّام الأمويين وخاصَّة العباسيين، ولو أنَّ النبي (ص)  قد أمرهم بإيذاء أهل بيته لأمكننا القول بأنّه لم يمكن أن يلاقوا أكثر ممّا لاقوه بالفعل من الأذى والظلم والمحن والمصائب، بحيث يعجز عن بيانها القلم، ويكلّ عن ذكرها اللسان، وجدير بتلك المآسي أن تبكيها العيون دماً.

وقد أخبر الرّسول (ص)  بتلك المظالم التي سوف تقع على أهل بيته (ع)  ، وأوصاهم بالصبر، قال النبي (ص) : «إنَّ أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً، وإنَّ أشدّ قومنا لنا بغضاً بنو أميّة وبنو المغيرة وبنو مخزوم»([30])،وقال الإمام الحسن العسكري (ع)  :« قد وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين: أحداهُما أنّهم كانوا يعلمون أنه ليس لهم في الخلافة حقّ فيخافون من ادعائنا إيّاها وأن تستقّر في مركزها. وثانيها أنّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منّا، وكانوا لا يشكون أنّهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول اللّه (ص)  وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولّد القائم (عج) أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم، إلاّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون» ([31]).

وقعة فخ أوخروج الحسين بن علی(ع) 

وكان من ظلم العباسيين، ومطاردتهم لأبناء علي أمير المؤمنين (ع)   أن خرج بالمدينة الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب، وكان معه جماعة من أهل بيته، منهم إدريس، ويحيى، وسليمان بنو عبد اللّه بن الحسن، فاشتد أمر الحسين في بدء الأمر، وطرد من المدينة عامل الهادي العباسي حفيد المنصور، وبايع الناس الحسين على كتاب اللّه وسنة نبيه، وأقام وأصحابه بالمدينة أياماً يتجهزون، ثم خرجوا إلى مكة للحج، فقابله هناك جيش الحاكم العباسي يوم التروية الثامن من ذي الحجة، فقتل الحسين وجماعة من أهل بيته وأصحابه، وجمعت رؤوسهم فكانت مئة ونيفاً، وكان بينها رأس سليمان بن عبد اللّه بن الحسن المثنى، وكان مقتلهم بموضع يقال له فخ على ثلاثة أميال من مكة سنة 169 هجري، وإلى ذلك يشير دعبل في تائيته  المعروفة :

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي  ***  نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان وأخرى بطيبة  ***   واُخرى بفخ نالها صلواتي

أما يحيى فإنه فر من الوقعة المذكورة إلى بلاد الديلم([32]).، ودعا الناس إلى بيعته فبايعوه، واشتد أمره، وقويت شوكته، فجهز له الرشيد جيشاً ضخماً بقيادة الفضل بن يحيى البرمكي، فكاتبه الفضل، وبذل له الأمان، وكل ما يختار فآثر حقن الدماء، وأجاب الفضل بعد أن أخذ اليمين المغلظة من الرشيد بخطه، وأشهد العلماء والأكابر، وحضر يحيى إلى بغداد، فأكرمه الرشيد. وأعطاه مالاً كثيراً، ثم غدر به.وکان مصرع الحسين بن علي وإخوته وأهل بيته أکبر واقعة بعد وقعة الطَّف کمارُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْجَوَادِ (ع)   حيث قَالَ:« لَمْ يَكُنْ لَنَا بَعْدَ الْطَّفِّ مَصْرَعٌ أَعْظَمُ مِنْ فَخٍّ» ([33]).

القسم الثاني : دُول الشِّيعة

حاول الأمويون والعباسيون القضاء على الشيعة كلياً، وذلک بقتل رموزهم من الأئمة وأبنائهم الثائرين وإخماد ثوراتهم وحبس أوقتل قادة الثواروالمجاهدين من علمائهم  وأرادوا أن يحدُّوا من نموِّ التشيُّع وانتشاره بعد العجز واليأس عن استئصاله، ولكنَّه رغم کل هذا البطش والتنکيل نما التشيُّع وازدهر،، وقامت هنا وهناك دول للشيعة، منها دولة الأدارسة في المغرب ودولة العلويين في الديلم، والبويهيين في عراق العرب والعجم، والحمدانيين في سورية، والفاطميين في مصر، والصفويين في إيران. وسنشير فيما يلي إلى كل واحدة من هذه الدول وما كان لها من تأثير في انتشار التشيع، ومدی تأثيرها علی الحضارة الإسلامية، وسنكتفي في البحث بالقدر الذي يجعل القارئ على علم بمكان هذه الدول في التاريخ،وکيفية نشوئها وتکوَّنها وذلک بحسب التسلسل الزمني لإيجادها ، وقد مرَّ ذکر قيام المختار الثقفي ضد الاُمويين وتشکيل إمارته في الکوفة والعراق وإيران ، وهي أوَّل إمارة للشيعة استغرقت ثلاثة سنيين (67هـ -64هـ )ومن بعدها بأکثر من مئة سنة جاءت دولة الأدارسة في المغرب وتلتها دول اُخری في سائر البلدان الإسلامية:

 دَولَة الأدَارسَة في المغرب(194 ـ 305هـ )

کان إدريس بن عبد اللّه بن الحسن ممَّن فرَّ من وقعة فخ إلى مصر، ثمَّ إلی المغرب الأقصى فنزل بمدينة تدعى «وليلة»، وكان فيها عامل للعباسيين اسمه إسحاق بن محمد بن عبد الحميد، فأجار إدريس وأكرمه وخلع طاعة العباسيين، وبلغت أخبار إدريس هارون الرشيد ببغداد، فخاف عاقبة ذلك، فدس إليه رجلاً يعرف باسم الشمَّاخ، فتقرب إلى إدريس بشتى الطرق، ثم اغتاله بالسم فمات إدريس وکان ذلک سنة 177 هـ ، وكان إدريس فاضلاً عادلاٌ و مقبلاً على أعمال الخير. ومات إدريس ولم يترك ولداً إلا حملاً من جارية بربرية، اسمها كنزة، وولدت الجارية ذكراً، فسموه إدريس، ولقِّب واشتهر بالإدريس الثاني ولَّما كثرت الوفود على إدريس الثاني من العرب وغيرهم وضاقت بهم مدينة «وليلة» بنى مدينة فاس سنة 193هـ واتخذها عاصمة ، وأنشأ فيها المدارس والجوامع والأسواق،ومات إدريس الثاني سنة 213 وعمره نحو 36 سنة، وترك 12 ذكراً، واعتلى كرسي الخلافة بعد إدريس الثاني ابنه محمد، وقسَّم بلاد المغرب بين إخوته، وعظمت دولتهم، وحسنت آثارهم، وهکذا استمر حکم الأدارسة إلی سنة 305 هـ التي زحف قائد عبيداللّه المهدي الخليفة الفاطمي الأول، إلى فاس وحاصرها، وخرج الملك من يد الأدارسة وتوزع بين الفاطميين والأمويين بالأندلس، فالقسم الشرقي من مراكش سقط في أيدي الفاطميين، والغربي في أيدي الأمويين ([34]).

وللأدارسة في المغرب أعمال جليلة، فبهم انتشر الإسلام هناك علی أساس محبة أهل البيت والإقتداء بهم، حتى بلغ أقاصي البلاد، وازدهرت العلوم والحضارة، فلقد أنشأوا المدن الواسعة،کمدينة فاس وبنوا المساجد، کمسجد القرويين المعروف اليوم بجامعة القرويين، وهي جامعة دينية إسلامية تضم المئات من الطلاب، كجامعة النجف في العراق، والأزهر في مصر،  وأقاموا الجامعات والكليات، کجامع الزيتونة في تونس وعمَّ في عهدهم العدل والأمن والرخاء.

الدَولَة الحَمْدَانيَّة في حلب والموصل(293 هـ ـ 392هـ )

ينتسب الحمدانيون إلى قبيلة تغلب، وحمدان هذا هو جد الأمراء الحمدانيين، وكان أميراً على قلعة ماردين القريبة من الموصل من قبل العباسيين، ثم أعلن الاستقلال عنهم سنة 281 للهجرة وكان ذلك في خلافة المعتضد. وأنجب حمدان سبعة أولاد منهم أبو الهيجاء والد ناصر الدولة وسيف الدولة،وقد حکم ناصر الدولة الموصل وحکم أخوه سيف الدولة مدينة حلب، وفي سنة 356 هـ مات سيف الدولة،وقام بعده ابنه أبو المعالي الملقب بسعد الدولة، ومات أبو المعالي سنة 381 هـ ، وتولى بعده ابنه أبوالفضائل الملقب بسعيد الدولة إلی أن مات سنة 392 هـ ، وبموته انتهت إمارة الحمدانيين التي استمرت على الموصل وحلب، وما يتبعهما من سنة 293 هـ إلى سنة 392 هـ .

ولمحبة الحمدانيين للعلم والأدب وإکرامهم للعلماء إجتمعت عندهم أكابر رجال ذلك العصر على اختلاف بلدانهم وتباين ثقافتهم، كالفارابي والشريف أبي إبراهيم جد بني زهرة، والمتنبي وابن خالويه ، وكثيرون غيرهم من القضاة والنحويين والأدباء والشعراء والفنانين العرب وغير العرب.

الحمدانيون والتشيع:

إنَّ تشيع الحمدانيين وإهتمامهم لنشره لا يختلف فيه اثنان، وقد ظهر ذلك جلياً في هجرة علماء الشيعة إليهم، كالشريف أبي ابراهيم جد بني زهرة، وفي مدح الشعراء لهم، فانتشر التشيع وارتفع شأنه في الموصل وحلب في عهد الحمدانيين، واشتد بهم أزر الشيعة في العراق، وفي سنة 354 هجري ضرب سيف الدولة دنانير جديدة كتب عليها «لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فاطمة الزهراء الحسن والحسين جبريل عليهم السلام . وإن الحمدانيين لم يكرهوا أحداً على التشيع، بل تركوا الناس يختارون لأنفسهم ما يشاؤون، ويعتقدون ما يريدون، فانبرى الدعاة المخلصون، وأعلنوا الحق، فآمن به من آمن، حيث لا ضغط ولا إكره، على عكس الأمويين و العباسيين وصلاح الدين الأيوبي، لقد حمل الأيوبيون معهم إلى مصر وسورية تياراً هائلاً من التعصب الأعمى كان له أسوأ الأثر في حياة المسلمين،ولو افترض أن صلاح الدين الأيوبي كان على حق في تسننه، وأن الشيعة كانوا على ضلال في تشيعهم فأي مبرر له في قتلهم واستئصالهم؟ إن قوانين الدول المتحضرة تنص على أن لكل إنسان الحق في إعلان آرائه ومعتقداته، بل والترويج لها ما دام لا يتعدى على حق غيره. وهؤلاء المسلمون في كل مكان يعتقدون أن العين بالعين والسن بالسن، وقوانين دولتهم تنص على خلاف ذلك،لقد أراد صلاح الدين الأيوبي، ومن على شاكلته أن يقضي على الشيعة والتشيع، ويأبى اللّه إلا أن يتم نور آل الرسول المنبثق عن نور اللّه بالذات.

ماهو مذهب الحمدانيين ؟:

بقي أن نعرف إلى أي مذهب شيعي تنتسب اسرة الحمدانيين، إلى الزيدية أو الإسماعيلية أو الاثني عشرية؟ويجيب عن هذا التساؤل مصطفى الشكعة في كتابه «فنون الشعر في مجتمع الحمدانيين»، ويتلخص قوله بما يلي:إن شعر أبي فراس  الحمداني الذي تربَّی في حجر سيف الدولة الحمداني يكشف لنا هذا اللغز الذي ظل غامضاً، حتى الآن، يقول أبو فراس في قصيدته الميمية:

يا للرجال أما لله منتصف       من الطغاة أما للدين منتقم

بنو علي رعايا في ديارهم        والأمر تملكه النسوان والخدم

وبعد هذه المقدمة المشحونة بالعطف على آل البيت ينتقل الأمير الشاعر إلى هجاء العباسيين، لأنهم نالوا الخلافة بالرسول، ثم لم يراعوا حرمة آل بيته ، ويعقد مقارنة بين بني علي، وبني العباس:

 

أتفخرون عليهم لا أبا لكم       حتى كأن رسول الله جدكم

وما توازن فيما بينكم شرف         ولا تساوت بكم في موطن قدم

ولا لكم مثلهم في المجد متصل       ولا لجدكم معشار جدهم

وبعد هذه الحملة على العباسيين يعطينا أبو فراس مفتاحاً لمذهبه الشيعي، حيث يذكر موسى الكاظم وعلي الرضا، وهذان الإمامان ليسا من الأئمة عند الزيدية ولا عند الإسماعيلية ، وإنما هما من أئمة الاثني عشرية. قال:

ليس الرشيد كموسى في القياس ولا       مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم

وإذا كان الشاعر قد أعطانا في هذه القصيدة إشارة عابرة إلى أنه يعتنق مذهب الاثني عشرية، فإنه ينتقل بنا إلى التصريح والتأكيد علی الأئمة الاثني عشر واحداً بعد واحد في ابياته الاُخری لا مجال لذکرها هنا.

وصخورمسجدهم الجامع في نينوی الموصل المحمولة إلی متحف بغداد کان منحوتاً عليها: أللهم صلِّ علی المصطفی محمد والمرتضی علي والبتول فاطمة والمجتبی الحسن والشهيد الحسين وعلي بن الحسين ومحمدبن علي وجعفربن محمد وموسی بن جعفروعلي بن موسی ومحمدبن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة القائم المهدي عليهم السلام .

دَولَة الفَاطِميّين في مصر(296 هـ ـ 567هـ )

ينتسب هؤلاء إلى جدهم الملقب بالمهدي، أول خلفائهم ببلاد المغرب، وهو عبيد اللّه بن محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق، وهم من فرقة الإسماعيلية، احدى فرق الشيعة، والإسماعيلية يوافقون الإمامية الاثني عشرية في سوق الإمامة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الإمام جعفر الصادق، ثم يعدلون بها عن الإمام موسى الكاظم إلى أخيه إسماعيل، ثم إلى ابنه محمد، ثم إلى ابنه جعفر، ثم إلى ابنه محمد الملقب بالحبيب، ثم إلى عبيد اللّه الملقب بالمهدي أول خلفاء الفاطميين، ثم الى ابنه العزيز، ثم ابنه الظاهر، ثم إلى ابنه المستنصر باللّه أبي تميم خامس خلفائهم بمصر، وهنا يفترق الإسماعيلة إلى فرقتين: إحداهما تقول: إن الإمامة انتقلت من المستنصر إلى ابنه المستعلي، وأخرى تقول: إنها انتقلت إلى ابنه نزار.

وتفترق الإسماعيلة عن الإمامية في جهات ذکرنا أهمَّها في ما سبق في البحث عن هذه الفرقة ولسنا في صدد بيان عقائدئدهم وفلسفتهم، وإنما غرضنا أن نعرّف بالدولة الفاطمية، وخلفائها في المغرب ومصر، ومكانها من التاريخ وتأثيرها في الحضارة الإسلامية ونشر التشيع.

كان بداية خلافة الفاطميين بخلافةعبيد اللّه المهدي في سنة 296 للهجرة، واصطدم المهدي بدولة الأدارسة، وساهم إلى حد كبير في إزالتها، كما اصطدم مع الأمويين في الأندلس، وأزال دولة الأغالبة كلية، وخضع له المغرب الأقصى، وتونس، ورأى المهدي أن يبني حاضرة في مكان متوسط يتخذها حصناً يعتصم به عند الحاجة، ويوجه منه هجماته إلى الخارجين عليه، فبنى مدينة أسماها المهدية تقع على بعد ستين ميلاً جنوبي القيروان، يحيط بها البحر من ثلاث جهات، وبعد أن انتهى من بنائها أنشأ مدينة أخرى بجوارها أسماها زويلة، نسبة إلى أحدى قبائل بلاد المغرب، ومات سنة 322 هـ ، وقام بالأمر بعده ابنه أبو القاسم محمد الملقب بالقائم بأمر اللّه. ومات القائم سنة 333 هـ ، وتولى بعده ولده إسماعيل الملقب بالمنصور.فشرع المنصور بالعمل على انعاش البلاد، ، وأنشأ أسطولاً كبيراً، وأسس مدينة المنصورية، واتخذها عاصمة لدولته. ومات المنصور سنة 341 هـ ، وآلت الخلافة إلى ولده المعز لدين اللّه.وفي سنة 358 هـ أمر المعز قائده جوهر الصقلي  بفتح مصر، وهكذا زال سلطان الأخشيديين والعباسيين عن مصر، وأصبحت هذه البلاد ولاية تابعة للدولة الفاطمية التي امتدت من المحيط الاطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً، ونافست الدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلة الدولة العباسية في بغداد ، وكان لتلك المنافسة أبعد الأثر في الحضارة الإسلامية ([35]).

القاهرة والجامع الأزهر:

في سنة 358 هـ وضع جوهر أساس مدينة القاهرة التي لا تزال إلى اليوم، وبعد إكمالها اتخذها عاصمة للدولة الجديدة الفاطمية، ورأى جوهر أن لا يفاجئ السنيين في مساجدهم بشعائر المذهب الشيعي، خشية أن يثير حفيظتهم، فبنى الجامع الأزهر، وعقدت فيه حلقات الدرس، وكانت تركز اهتمامها على نشر المذهب الشيعي بين الناس.ومنع جوهر من لبس السواد شعار العباسيين، وزاد في الخطبة: «اللهم صل على محمد المصطفى، وعلى علي المرتضي، وفاطمة البتول، والحسن والحسين سبطي الرسول» كما أمر أن يؤذَّن في جميع المساجد بحي على خير العمل، واستمرت شعائر التشيع، والتدريس في الأزهر على المذهب الشيعي، ولما أيقن المعز أن دعائم ملكه توطدت في مصر والشام سار إليها من إفريقيا بأهله ، فوصل الإسكندرية سنة  362 هـ ، وانتقل منها إلى القاهرة عاصمته الجديدة، واستقرت الخلافة الفاطمية بمصر، وامتدَّ سلطانها من أواسط المغرب إلى شمال الشام، حتى حلب والحرمين ومات المعز سنة 365 هـ وخلف المعز ولده أبو منصور نزار الملقب بالعزيز باللّه.

 وفي عهد العزيز  اشتدت حركة الإنشاء والتعمير، فأنشئت في أيامه صروح ومنشآت عديدة منها قصر الذهب بالقاهرة، وجامع القرافة، وجامع القاهره الذي أتمَّه ولده الحاكم، وبستان سردوس، وقصور عين شمس، ودار الصناعة، وقنطرة الخليج. وبلغت الحضارة في عهد الفاطميين اقصى الغايات، فبنوا المدن، واقاموا المساجد، وأنشأوا دور الكتب والجامعات، واتسعت في أيامهم التجارة، وتحسنت الزراعة، وانتشرت الآداب، وفنون الحكمة وأنواع العلوم. ([36]).

الفاطميون والتشيع:

اتفق المؤرخون على أن الدَّولة الفاطمية قامت على أساس الدعوة الشيعية الإسماعيلية، وأنها قد حرصت على نشرها بمختلف الوسائل، وأنَّ الفاطميين اتخذوا بناء المساجد ومعاهد العلوم سبيلاً لنشر عقائدهم في المجتمعات وسرعان ما ترعرعت وعمَّ أثرها في مصر وشمال أفريقيا ، فالمؤذنون ينادون على المآذن «حيّ على خير العمل» والخطباء في المساجد يفتتحون كلامهم بالصلاة على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة البتول، والحسن والحسين سبطي الرسول، وحلقات الدروس في الأزهر وغيره ترتكز على مذهب الشيعة، وأحكام القضاة تصدر وفقاً لهذا المذهب ([37]).

وكتب المعز لدين اللّه على الأماكن: خير الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وجعلوا اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو يوم غدير خم يوم عيد، وأصبح الاحتفال به في كل سنة من أهم الاحتفالات الدينية التي كانت تهتز لها جوانب القاهرة فرحاً وسروراً، وإن شعائر الحزن يوم العاشر من المحرم كان أيام الأخشيديين في مصر، واتسع نطاقه في أيام الفاطميين، فكانت مصر في عهدهم توقف البيع والشراء، وتعطل الأسواق، ويجتمع أهل النوح والنشيد يطوفون بالأزقة والأسواق، ويأتون إلى مشهد أم كلثوم ونفيسة، وهم نائحون باكون»  ([38]).

ولولا سياسة الضغط والتنكيل التي اتبعها صلاح الدين الأيوبي مع الشيعة لكان لمذهب التشيع في هذا العصر في مصر وشمال أفريقيا وحتَّی بعض من بلاد الشام ذو شأن ومکانة بين المسلمين.

حکَّام الزيدية في اليمن

تعتبر اليمن أحد المراکز الأصلية للشيعة الزيدية،وهذه البلاد من المناطق القليلة التی حکمها أفراد يمتازون بخلفية علمية، حيث ما يزيد على نصف هؤلاء الحکّام فی عداد العلماء وأصحاب المؤلّفات ، وکان الزيدية قد تمکَّنوا من حکم اليمن فی سنة ۲۸۴هـ ، وتناوبوا على حکمها منذ ذلک الوقت إلى أواخر القرن الهجریّ الرابع عشر. وکاننفوذ الزيدية محدوداً فی المناطق الجنوبية لليمن إلى ما قبل القرن الهجریّ الحادیعشر، ثمّ امتدّ نفوذهم بعد ذلک إلى المناطق الشمالية أيضاً. وقد ورد فی الکتب التاريخية القديمة إشارات إلىأنّ العلويين حکموا فی منطقة « صَعدة » فی اليمن، وأنّهم کانوا من أعدل الناسوأکثرهم إنصافاً ([39]). ويمکن مراجعة تاريخالسلسلة الطويلة لأئمّة الزيدية الذين حکموا فی اليمن فی المصادر التاريخيةالمختصّة، ودوائر المعارف ([40]).

تاريخ التشيُّع في إيران

إنَّ الـقـاء نظرة خاطفة على ماضي ايران وتاريخ تشيُّعه يكشف لنا ان التشيع  فيه اتـخـذ مجراه التدريجي ببطءِ على امتداد قرون متمادية و عندما نتأمل في الحوادث التي لها علاقة بـتـنـامـي التشيُّع في مختلف مناطق إيران والدُّول التي تأسست إثر تلک الحوادث نستطيع ان نسجل عدة مراحل بحيث يمثل كل منها مرحلة اشمل من سابقتها ، وفي بداية القرن العاشر وأيام الصفويين حيث تحوّلت أغلب مناطق إيران إلی التشيع، ويمکن تلخيص تلک المراحل إلی قسمين:

القسم الأول من الإيرانيين  قد تشيَّع عن طريق الصحابة أوالموالين الشيعة  الذين رافقوا عمليات فتح بلاد إيران ونقلوا معهم عقائدهم وفكرهم الشيعي أو عن طريق هجرة العرب الشيعة إلی هذا البلد بسبب ظلم الاُمويين والعباسيين ،ومن أبرز مواطن التشيع في هذا القسم خراسان، ثمَّ بعض المناطق المركزية من ايران کمُدن قم وکاشان و ری.

والقسم الثاني من الإيرانيين  قد دخلوا التشيع مع التيار الذي صنعه الحكَّام ،فکان للحکَّام دور في نموِّ التشيع وإنتشاره بين الناس إمَّابصورة غيررسمية بل بالتطعاطف مع الشيعة وإعطائهم الحرية في إقامة الشعائر ودراسة العقيدة الشيعية والتحدُّث والکتابة عنها،کما حدث في خلافة المأمون في خراسان،وفترة حکومة العلويين في طبرستان ، ودولة السربدارية في غرب خراسان أوفي إمارات البويهين في الري وهمدان وإصفهان ، أوبإعلان ضرورة العدول إلى مذهب الشيعة وذلك حينما أعلن خدابنده الإيلخاني في القرن السابع ثمَّ الصفويون في بداية القرن العاشر رسمية المذهب الشيعي، وفيمايلي نبحث تاريخياً الدُّول الشيعية التي کان لها التأثير في نشر التشيُّع في إيران ونبدأ بدولة العلوية الزيدية في طبرستان حيث أنَّها کانت من أقدم الحکومات الشيعية في إيران :

دَولَة العَلويّين في طبرستان (205 ـ 304هـ )

إنَّ التشيع لآل البيت عليهم السلام  دخل إيران قبل أن يذهب الإمام الرضا (ع)   إلى خراسان، وإن أفراداً من التابعين ذهبوا سنة 83 هجري إلى قم، ونشروا التشيُّع بين أهلها، ومن هاتين القاعدتين( قم وخراسان) انطلق التشيع إلى كثير من الربوع الإيرانية، وقامت في بعض مدنها ومناطقها دويلات، وکان دَولَة العَلويّين في طبرستان (الدَّيلم) بداية تلک الدُول، وکان مؤسسها الحسن بن زيد من أحفاد الإمام الحسن المجتبی(ع)    المعروف بالداعي الکبير، حيث ثار في سنة 250 هـ في طبرستان وبايعه الناس، واستمر في الحكم 20 سنة في تلک المنطقة، وقام من بعده أخوه محمد وبقي في الولاية 17 عاماً وبضعة شهور.ولمَّا توفي محمد بن زيد سنة 287هـ تولى من بعده الحسن بن علي بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين المعروف بالناصرالاُطروش، وأقام في الحكم 13 سنة يدعو إلى الإسلام، فأسلم على يده خلق كثير، وقتل الاُطروش سنة 304 هـ ودفن في مدينة آمل من مدن محافظة طبرستان، فقام بعده صهره الحسن بن القاسم العلوي، وقتل سنة 316هـ ، وبه انتهت هذه الدولة العلوية الزيدية التي استمرت 66 سنة، وبهم تشيع کثيراً من الناس في بلاد الدَّيلم، وبنوا المساجد والمشاهد المتبرکة من أحفاد رسول الله في تلک الناحية ([41]).

دَولَة البويهيّين في عراق العرب والعجم(321 ـ 447هـ )

تلقى آل بويه مقاليد الحكم و السلطة من عام 320ـ447 هـ فكانت لهم السلطة في العراق و بعض بلاد إيران كفارس و كرمان و بلاد الجبل و همدان و إصفهان و الرَّي، وكان بداية البويهيين في أوائل القرن الرابع الهجري في بلاد الدَّيلم حيث کان أبوهم رجلاً فقيراً يدعى «أبو شجاع بويه» ماتت زوجته، وخلفت له ثلاثة بنين، وهم علي، و الحسن، و أحمد، و اضطر أبو شجاع لفقره أن يُدخل أولاده الثلاثة في الخدمة العسكرية جنوداً ، ولكن سرعان ما ارتقوا بدهائهم ومهارتهم إلى مرتبة القواد وأمراء الجيش، وأخذوا يستميلون الناس بحسن المعاملة، وبذل الأموال فقويت شوكتهم،  ولمَّا اطمأنوا إلى قوتهم خرجوا عن طاعة الحاكم الذي يعملون بأمره، وكان اسمه «مرداويج» واستقلوا عنه.وأول من ملك من البويهيين علي بن بويه، أكبر أولاد أبي شجاع، وكان يلقب بعِماد الدولة، وكان ابتداء سلطانه في شيراز عام 321 هجري، ثم امتدَّ إلى إيران والعراق، وغيرها من بلاد بني العباس، وكانت مدة ملكه ست عشرة سنة، وتوفي بشيراز  ولم يكن له ولد ذكر، فلما مات صار أخوه الحسن (ركن الدولة) أمير الأمراء.

أما أخوهما الأصغر أحمد الملقب بمعز الدولة فقد كان أمير العراق منذ عهد أخيه علي عماد الدولة، وكان هو المستولي على الخلافة، واضطر الخليفة إلى أن يقلده السلطة، كما نقش اسمه على العملة، وذكر اسمه مقروناً باسم الخليفة في خطبة الجمعة، وكان موقفه من الخليفة كموقف تشارل مارتيل من ملوك فرنسا، إذ كان هو الحاكم الحقيقي، وكان الخليفة لا حول له، ولا قوة، مجرداً من كل سلطة، وليس له من الشؤون غير قبض المخصصات، وقدرها خمسة آلاف دينار من خزينة الدولة، وكان معز الدولة محباً للفنون والعلم، وهو الذي جعل اليوم العاشر من المحرم  يوم حزن بصفة رسمية، تعطل فيه الدوائر الحكومية، وتقفل الأسواق.

وتوفي معز الدولة في ملك أخيه ركن الدولة سنة 356، وكانت إمارته 21 سنة ، واستخلفه اخوه ركن الدولة الحسن بن بويه فدامت إمارته أربعاً وأربعين سنة، وقد كان حليماً واسع الكرم، حسن السياسة لرعاياه وجنده، وقد أثنى المؤرخون على عدله وكرمه.

وتوفي ركن الدولة سنة 366 هجري، واستخلف على ممالكه ابنه عضد الدولة، وكان عضد الدولة يمثل السيد الحاكم تمثيلاً حقيقياً، وقد خضعت لسلطانه البلاد الممتدة من الخزر إلى كرمان وعمان، وقد طهَّر الطرق من اللصوص، وحقق الأمن، وكان يتصدق كل جمعة بعشرة آلاف درهم على الضعفاء والأرامل، وأکثرمن العمران فبنی ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء والصعاليک، وكان يحب العلم ويقرِّب العلماء من مجلسه ، ويجري الأرزاق عليهم ، وأنشأمكتبة تحتوي على أنواع العلوم، ومن آثاره تجديد عمارة مشهد أميرالمؤمنين (ع)  .

 وتوفي عضد الدولة سنة 372 هجري،  ودفن بوصيته بجوار أمير المؤمنين (ع)   ،وتولى بعده ولده أبو كاليجار الملقب بصمصام الدولة، ونازعه الملك أخوه شرف الدولة أبوالفوارس، وهکذا کثرت المنازعات من بعد عضد الدولة بين ملوک آل بويه إلی أن ضعف ملکهم ، وفي زمن مملکة أبي نصر الملقب بالملك الرحيم، دخل طغرل بيك السلجوقي إلی بغداد سنة 447 واستولى عليها، وقبض على الملك الرحيم، وسجنه في إحدى القلاع، وانتهى به ملك البويهيين الذي امتدَّ من سنة321 هجري إلى سنة 447 هـ ، وکان السبب الأول لانهيار دولتهم وزوالها على أيدي السلجوقيين شغلهم بالحروب الخارجية والداخلية، بخاصة بين أمراء البيت البويهي بعضهم مع بعض حول الملك. ([42]).

هذا ملخَّص تاريخ ملوك بني بويه، وقد أشرنا في مطاوي الحديث عنهم إلى اهتمامهم بالعلوم والآداب، أما مناصرتهم لمذهب التشيع الإمامي الإثني عشري فقد ذهبوا فيه إلى أقصى حد، وكان الغالب في بغداد عاصمة الدولة مذهب التسنن قبل البويهيين، وبعدهم نما فيها مذهب التشيع، وانتشر. وما اقتصر آل بويه في خدمة التشيع على مظاهر الفرح يوم الغدير، وشعائر الحزن يوم عاشوراء، بل كانوا يبذلون جهدهم في خدمة أهل البيت بشتى الوسائل، وكانوا يحترمون علماء الشيعة بجميع طرق الاحترام من التبجيل والعناية، وبذل الأموال الكثيرة، وقد كان عضد الدولة يركب في موكبه العظيم، لزيارة الشيخ المفيد.كما أنَّ آل بويه أسكنوا الشيعة في المشاهد المقدسة، وخصَّصوا لهم الرواتب([43]).

دولَة السربداراية في خراسان(739هـ - 788هـ )

في بداية القرن السابع کان هجوم المغول علی بعض مدن إيران ومنها مدن خراسان فنهض جماعة من أهلها للذبّ عن أموالهم وحرماتهم و تصدَّوا لهجوم المغول فاحتلّ عبد الرزاق الباشتيني مدينة سبزوار وأعلن الدولة السربدارية وحكم سنتين وعدة أشهر، إلاّ انه قُتل بعدها ليأتي بعده أخوه (وجيه الدين مسعود) وقاد حرباً ضد القائد المغولي (أرغون شاه) وانتصر فيها واضاف نيشابور الى حكومة السربداريين وكان ذلك في سنة 739هـ، ولكن من تلک السنة حتَّی سنة744هـ حدثت حالات من الاضطراب وقعت اثناء الحرب بين (آل كرت) وسربداران كان من ضحاياها الشيخ حسن الجوري فقيه السربداران فضعفت الدولة السربداراية وأخيراً انقرضت بعد قتل علي المؤيد علی يد تيمور سنة 788هـ فدامت حکومتهم حوالي خمسين عاماً .

وتعود أهمية دولة السربداران إلى أنّها قامت على قواعد واُسس إسلامية هدفها دفع بغي المغول وظلمهم وإرساء العدل متخذة من مذهب أهل البيت الإمامي الإثني عشري طريقاً لتحقيق ذلك، حيث كان شعارهم يقول أن من الرجولة أنْ نرى الرأس على المشنقة ولانقبل بذُّل وهو بالفارسية (سر به دار مي دهيم امَّا زير بار ننك نمي رويم) وبهذا عُرف اسم دولتهم بـ (سربداران) ومختصره رؤوسنا على المشانق.

عُرفت دولة السربداراية بالعدل والإحسان إلى الضعفاء خصوصاً في حكم علي بن المؤيد آخر أمرائهم ،والعناية بالشؤون الفكرية والعمرانية و الاهتمام بنشر التشيع الإمامي الإثني عشري حيث أرسل علي بن المؤيد رسالة إلى الشهيد الأول جمال الدين بن مكي العاملي و دعاه إلی خراسان ليکون فقيه دولتهم ومرجعها الأعلی ولكن الشهيد الأول رفض هذا الطلب وألَّف بدلاً عن ذلك كتاباً فقهياً بإسم (اللمعة الدمشقية) أرسله الى الدولة السربدارية ليكون منهجاً ودستوراً يطبّق في تلك الدولة ويكون مرجعاً فقهياً لأتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام وقد دلَّت بعض الترجمات على أن السبب وراء رفض الشيخ المجيء إليهم هو: انشغاله بالرد على فتنة اليالوش وهي فتنة صوفية أسسها أحدتلامذة الشهيد  إسمه محمد الجالوش أو اليالوش وكذلك لانّ الشيخ الشهيد كان مراقباً بشدة من الدولة العثمانية التي قتلته في ما بعد بسبب التعصب المذهبي المقيت لدى حكامها وانحيازهم إلى مذاهب العامة وإقصائهم مذهب أهل البيت عليهم السلام بشكل واضح.

دولة اُلجايتو الإيلخاني المعروف بخدابنده(716هـ - 703هـ )

کان هجوم المغول علی إيران بزعامة جنگيزخان في بداية القرن السابع وحکم هو وأبناؤه إيران ما يقارب مئة عام ثمَّ انتقل الحکم إلی أحفاده من المغول الذين اشتهروا بالإيلخانية، فاعتنق بعضهم الإسلام تدريجاً ووجدوا انفسهم في إيران أمام مذهبين : المذهب السني , و المذهب الشيعي و لمَّا رکن غازان خان الايلخاني (693 ـ 703) الى الاسلام ,- وکان يحکم في تبريز- اتخذموقفاً وسطاً بين المذهبين لمصلحة کان يراها إلی أن جاء من بعده اُلجايتو الإيلخاني الملقَّب بخدابنده(716هـ - 703هـ) فانتقل من تبريز إلی مدينة السلطانية([44]) التي هو أسَّسها واشتهرت بعد ذلک بإسمه، وبعد ما أسلم، تشيَّع([45])، وأعلن محمد خدابنده رسمية مذهب الشيعة الإثنی عشرية في إيران وأخذ يُروِّج هذا المذهب بشکل محدود في بعض مدن إيران ، وقد ساعد علی ذلک سقوط الدولة العباسية علی يد هولاکوخان الإيلخاني. وفي أوآسط القرن الثامن انقراضت دولة المغول الإيلخانية وحلَّت مکانها الدولة المغولية التيمورية .

الدولة المشعشعين في خوزستان( 845 هـ- 914 هـ) ([46])

تأسَّست إمارة السادةالمشعشعين الشيعية في خوزستان في بداية القرن التاسع وعلی يد السيد محمد بن فلاح المشعشع الموسوي([47])،الذي يرجع نسبه إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام ،وقد اشتهر المشعشعيون بالموالي أي السادة من أحفاد هذا الإمام الهُمام . وقد اتَّخذ السيد محمد بن فلاح المشعشع مدينةالحويزة من محافظة خوزستان عاصمة لحکومته ، وسرعان ما تحوَّلت هذه الإمارة إلى الدولة المشعشعية التي أصبحت أقوى دولة في المنطقة وشمل نفوذها في فترات قوَّتها مناطــق واسعة من جنوب وغرب ايران وجنوب شرق العراق وشمال شبه الجزيرة العربية حيث كانت تضم ميناء البصرة وعبادان و الدورق ورامهرمز وشوشتر ومناطق من محافظات كهكيلوية وبُوير أحمد ، وفارس وبوشهر، ولرستان وكرمانشاه. وقد ضربت النقود باسم المشعشعيين عام(914هـ = 1516م) و هو أكبر دليل على استقلالها مع وجـود قوتين كبيرتين هما الدولة الصفوية والدولة العثمانية وقدحافظ المشعشعيون على استقلالهم وسيادتهم الكاملة نحو سبعين عاماً, منذ ظهور محمد بن فلاح في عام 845 هـ وحتى سقوط الدولة المشعشعية علی يد الشاه إسماعيل الصفوي عام914هـ وبعد سقوطها استمرَّت الاُسرة المشعشعية تحکم تحت سلطة الحكم الصفوي ، والمولى مطَّلِب كان آخر حاكم مشعشعي صاحب عظمة وشهرة ، وقد انقضت حكومته على يد الشيخ خزعل الکعبي حاكم خوزستان عام 903 1م ، وهكذا انتهت حكومة موالي الحويزة بعد أن دامت حوالى خمسة قرون ، ومابقي من آل المشعشع بعد هذه الأحداث أصبحوا تحت طاعة الشيخ خزعل الكعبي حاكم خوزستان . وفي عصرنا هذا هناك العدد الکثير من سادة المشعشعيين المتواجدين في العراق وخوزستان والمنقسمين إلى عشرات العشائر والبيوتات الشريفة.

 

الدَّولَة الصّفويَّة في إيران(905هـ  ـ 1133هـ )

في أوآسط القرن الثامن انقراضت دولة المغول الإيلخانية وحلَّت مکانها الدولة المغولية التيمورية ، وفي أوآخر القرن التاسع للهجرة انقراضت دولة المغول التيمورية في إيران وحلَّت مکانها الدَّولة الصفوية التي أعلنت رسمِّية مذهب الشيعة الإمامية الإثنی عشرية في أوائل القرن التاسع علی يد الشاه إسماعيل، وأخذت تروِّجه في کلِّ بلاد إيران بشتَّی الوسائل.

إن الصفويين هم اُسرة السيد الشيخ صفي الدين العارف المشهور المتوفى عام(735 هـ ) ، الذي کان يسکن في مدينة أردبيل في شمال إيران وينتهي نسبهم إلى الإمام موسى الكاظم(ع)   وکان أول ملوکهم ومؤسس دولتهم أحد أحفاد صفي الدين، بإسم الشاه إسماعيل الذي استلم مقاليد الحكم في عام(905 هـ) في مدينة تبريزعندما انقرضت دولة المغول التيمورية في إيران، وأعلن رسمِّية المذهب الشيعي الإمامي الإثنی عشري وأخذ يروِّج هذا المذهب في کلِّ بلاد إيران  واستمر في الحكم إلى عام(930 هـ).

وجاء من بعد الشاه إسماعيل ولده الشاه طهماسب وسار علی نهج أبيه في تأييد مذهب التشيع، وقد بالغ في إكرام العلماء وأهل الدين، حتى جعل أمر المملكة بيد عالم العصر المحقق الثاني الشيخ علي عبد العالي الکرکي العاملي اللبناني، وقال له فيما قال : أنت أولى مني بالملك، لأنَّك نائب الإمام حقاً، وأنا عامل منفذ، وكتب إلى جميع الولاة، وأرباب المناصب بإطاعة الشيخ، والعمل بأوامره وتعاليمه، فكان الشيخ يطبق الشرع ، ويقيم الحدود، كما عين الأئمة للصلاة، والمدرسين في المدارس، والوعاظ لبث المذهب ونشره.ومن آثار الشاه طهماسب ترميم الحائر الحسيني، واصلاحه، وتوسيع الصحن، وتجديد المنارة المعروفة بمنارة العبد.، ومات الشاه طهماسب سنة 984 هـ ، وكانت مدة ملكه 54 سنة. وكان له أولاد كثر، تنازعوا الملك بعده، وتغلب أحدهم على اخوته، وهو إسماعيل الثاني، وبقي في الحكم سنة واحدة وبضعة أشهر، وقام بعده أخوه محمد خدابنده، وكان أعمى، ضعيف الرأي، وقد اضطرب أمر المملكة على عهده، وقامت ثورات وفتن، وتمرَّد عليه ولده عباس واستقل بالحكم.

الشاه عباس الکبير:

استتب لشاه عباس  الأمر سنة 996 للهجرة، وقد اتخذ مدينة اصفهان عاصمة ملكه، ونظم أحوالها، واحسن تدبيرها، وكانت العاصمة قبله مدينة تبريز، ثم قزوين. وأطلق الإيرانيون عليه شاه عباس الكبير لکثرة خدماته لهم،وكان معروفاً بأصالة الرأي، وحسن التدبير، والعدل في الرعية، وكانت البلاد الإيرانية حين تولى الملك مجزأة الأطراف، موزعة بين الأتراك والتركمان بسوء إدارة أسلافه، فاسترجعها ووحدها تحت سلطانه، وأنشأ ووسَّع العلاقات السياسية والعلمية والعسكرية بين إيران ودول أوروبا، وقد اهتمَّ بعمران البلاد في بناء المساجد والجسور وشق الطرق وتعبيدها، وتسهيل المواصلات حتى أنه بنى ألف خان، يتسع الواحد منها لمئات المسافرين، وقد استخدم العديد من الخبراء بالتجارة والصناعة، من الأرمن وغيرهم، وأنشأ لهم الكنائس والأسواق، وأطلق لهم الحرية الدينية .

وکان الشاه عباس يولي إهتماماً خاصّاً بعلماء المذهب، وكان مع كثرة حروبه ومغازيه لا يقعده شيء عن إحياء الشعائر المذهبية، وله آثار باقية، حتى اليوم في مشاهد الأئمة بالعراق وإيران، وهو الذي بنى الحضرة العلوية في النجف وصحنها بهندسة الشيخ البهائي، ومن آثاره النهر المعروف في النجف بنهر الشاه، وقد حفره سنة 1032 هجري بعد أن فتح بغداد، كما أن من آثاره في النجف آبار واسعة كثيرة، وهي تسمى اليوم «الشاه عباسيات». واستقل الشاه عباس بالملك سنة 996 هـ ، وتوفي سنة 1038 هـ  ودفن في مدينة أردبيل عند قبورأجداده .

نهاية الدولة الصفوية:

تولَّى المُلك في الدولة الصفوية من بعد الشاه عباس أولاده وأحفاده، وليس فيهم من يستأهل الذكر سوى حفيده الشاه عباس الثاني ابن الشاه صفي، وفي زمن حکومة سلطان حسين هجم محمود أفغان سنة 1135هـ علی إصفهان واحتلَّها فضعفت السلسلة الصفوية، ومن بعده حکم ابنه الشاه طهماسب الثاني إلی سنة 1148 هـ  ، ثمَّ خلعه نادرشاه من السلطنة وعين مکانه ابنه الشاه عباس الثالث الذي کان يبلغ من العمر عدَّة أشهر وقد توفي  في تلک السنة وبموته انتهی الحکم الصفوي الذي اسغرق أکثر من مئتي سنة (1148 هـ  - 905هـ  ) ([48]). وفي سنة 1148 هـ جلس على أريكة السلطنة نادر شاه أفشار وأسس السلسلة الأفشارية .

وخلاصة الکلام : من وقف على تاريخ الشيعة واطَّلع على أحوال الصفويين يقف على أنَّ عصرهم كان عصر ازدهار التشيع لا تكوِّنه،کما يقوله البعض ممَّن لا علم له بتاريخ الشيعة أو يعلم ولکن يقول ذلک ظلماً وعدواناً ، وكان الصفويون خير الملوك لقلة شرورهم و كثرة بركاتهم،و قد راج العلم و الأدب و الفنون المعمارية أثناء حكمهم،و لهم آثار خالدة إلى الآن في ايران و العراق، ومن علماء عصرهم المحقق الكركي، والسيد الداماد، والشيخ حسين عبد الصمد، وولده الشيخ البهائي، والمجلسي الكبير صاحب البحار، وصدر المتألهين صاحب الأسفار، والمحقق الأردبيلي،  والفيض الكاشي، وغيرهم من العلماء .

إيران الشيعة بعد الصفوية

 واستمرَّ حکم الشيعة في إيران بعد الصفوية بدول اُخری جاءت بعدها کدولة الأفشارية ثمَّ الزندية (1148 هـ ـ 1193هـ ) ، ثمَّ الدولة القاجارية (1200 هـ ـ 1344هـ )  وکان آخر دولة ملکية في إيران هي الدولة البهلوية التي سقطت بالثورة الإسلامية لشعب إيران بتاريخ ( 11/ شباط/ 1979م) ،والکلام في مؤسّسي هذه الدُّول وترجمة أحوالهم وما آل إليه مصيرهم ووضع الشيعة والتشيُّع في زمان حکومتهم وسلطنتهم يحوجنا إلى بحث مستقلّ في ذلك ، فمن أراد الاطّلاع على ذلك فليراجع المصادر المؤلّفة في هذا الموضوع.ولکن لأهمية موضوع إيران بعد سقوط النظام الملکي البهلوي بالثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني الراحل وتأسيس الجمهورية الإسلامية فيها علی أساس التشيع الخالص وتأثيرات هذه الدولة علی المنطقة بل العالم بأجمعه وعلی نشر التشيُّع وحيويته فلابدَّ من البحث حول هذا النظام السياسي الجديد ولوبالإختصار:

الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتشيُّع

في تاريخ ( 11/ شباط/ 1979م=22/ بهمن/ 1357هـ. ش) سقط النظام البهلوي في إيران وولَّی عهدحکم الملوك والطَّواغيت في هذه البلاد وأشرقت أرضها بانتصار الثورة الإسلامية بقيادة رجل إلهي من سلالة رسول الله(ص) ، و أبرز شخصية دينية سياسية الذي استطاع أن يؤسس نظاماً جمهورياً إسلامياً فيها.

لقد قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية علی أساس الإسلام المحمدي الأصيل الذی دعی اليه قائدالثورة الإمام الخميني الراحل من بداية ثورته المبارکة وهو الإسلام المتمثل بالقرآن والسُّنه النبوية ومذهب أهل البيت D ونظام ولاية الفقية الذی هواستمرارلخط الأنبياء والأولياء وخلافتهم في الأرض لأنَّ الفقهاءاُمناء الرُسل وورثه الأنبياء، ولذاجعل مسألة ولاية الفقية علی رأس الهِرم السياسی والنظام الحاکم فی الجمهورية الاسلامية کمانصَّ عليه الدستور الإيراني فی الأصل الخامس من اُصوله هوفی الواقع تأسيس لنظام إلهی يريدأن يطبق أحکام الشريعة الإسلامية فی ساحة المجتمع کمايريده النبي وأهل بيته عليهم السلام ، وهوليس مصلحة للشيعة فحسب بل مصلحه لجميع المسلمين وياليت سائرالمسلمين يقومون بهذاالعمل ويجعلون الفقهاء حکَّامهم بدل ماهم عليه الآن من أنظمة ملوکية أوجمهورية غربية أوشرقية.

نعم کان إختيار مذهب أهل البيت عليهم السلام الشيعی الإمامی الإثنا عشری هوالمذهب الرسمي فی ايران ينطلق من مبادئ إسلامية أصيله ومرتکزة علی الکتاب والسُّنة وعلی أساس عقيدة أغلب  الشعب الإيراني المتمسِّک بهذا المذهب، وأمَّا بقية المذاهب الإسلامية فی البلاد وحتَّی الأقليات الدينية السَّماوية فهی معترف بها فی الدستور ولهاحقوقهاالشرعية والقانونية، ولذاماتقوم به الجمهورية الإسلاميه من تقنين فی البرلمان أوالدَّولة أوالقضاء وماتقوم به من أعمال وسياسات داخل البلاد وخارجها تراعی فيها بالدرجة الاُولی مصلحة عامَّة المسلمين والشعب بمختلف أطيافه، ثمَّ مصلحة المذهب الرسمی وأتباعه، وعلی هذا الأساس دائماًتدعوالجمهورية الإسلامية إلی الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية والحواربين الأديان السَّماوية وبهذا الاُسلوب تتحبَّب الجمهورية الاسلامية عند الشعوب، وهوأفضل دعاية ودعوة إلی التشيع.

إنَّ ماتقوم به الجمهورية الإسلامية في عصرنا هذا من التَّصدي لأعداء الدِّين و الدَّعوة إلی الإسلام المحمدي الأصيل في قبال الإسلام الأمريكي الذي يُروِّجه الغرب ، وماتقوم به من الدِّفاع عن الشعوب المستضعفة ودعم الحركات التحررّية والصحوة الإسلامية ، ومساندة المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها من البلدان تجاه الإستكبار العالمي ،كلّه في الواقع ينطلق من العقيدة المنبعثة من مذهب أهل البيت عليهم السلام وأتباعه وهم الشيعة الذين دائماً وعلی مرِّ العصورکانوا ولايزالون يرفضون الرکون والخضوع للظالم ويرفضون الإستبداد ويحاربون الإستکبار بمختلف أشکاله، وهذا العمل بدوره هو يشكِّل التبليغ الحقيقي لمذهب التشيُّع وإستقبال المسلمين علی هذا المذهب، وکم سمعنا وقرأنا أنَّ من دخل التشيُّع بسبب الثورة الإسلامية وأفکار قائدها الإمام الخميني الراحل، أومن اعتنق هذا المذهب بسبب وقوف حزب الله ومقاومته ضدالإحتلال الإسرائيلي وإنتصاراته الباهرة المتأثرة بثورة إيران والمقتبسة من ثورة الحسين (ع)   أکثرمن تشيَّع بالبحث والجدال العلمي. ولذا أصبحت الجمهورية الإسلامية اليوم أمل المستتضعفين والمحرومين في العالم ، وقاعدة قويَّة وسنداً للشيعة المضطهدين أين ماکانوا، وهي الآن الممهدة الحقيقية لظهور المهدي المنتظر وستکون القاعدة الأساسية لدولته الکريمة العالمية التي بها يَعِزُّ الإسلام وأهله وتُملئ الأرض قسطاً وعدلاً إنشاءالله.

عدد الشيعة وبلدانهم

في باب معرفة الشيعة والتشيع يبقی الکلام حول معرفة عدد الشيعة وبلدانهم ، وبما أنَّ هذا البحث ليس ذات أهمية علمية، وأنَّ الإحصائيات تتغير بحسب الزمان والمکان وبسبب الوقائع والأحداث فلا نتطرَّق إلی هذا البحث ونوکل الأمر إلی القارئ لمراجعة المصادر لمعرفة هذا الموضوع ، ومن تلک المصادر أعيان الشيعة للسيد الأمين، وتاريخ الشيعة للشيخ المظفر، ولکن بما أنَّه لا يمکن الإعتماد الکامل علی هذين الکتابين في عصرنا هذا لمعرفة عدد الشيعة وبلدانها حيث أنَّ هذه الإحصائيات قديمة فيمکن مراجعة المجلات التي تصدر من قبل المجامع والمؤسسات الرسمية خاصة المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام للإطلاع علی آخرالمعلومات و الإحصائيات في هذا الموضوع.

 

 

([1])  إنَّ التعبير بالقيام أوالخروج لحرکة الإمام الحسين(ع)   ولکلِّ حرکة جهادية شرعية أفضل من التعبير بالثورة أو النهضة من الکلمات العصرية  إستناداً إلی عدِّة آيات من القرآن الکريم منها قوله تعالی: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاس‏ ...(المائدة: 97)، ومنها قوله تعالی:...وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدينَ عَلَى الْقاعِدينَ أَجْراً عَظيما (النساء:95) . ومنها قوله تعالی:... وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحيماً (النساء:100) . ،وإستناداً إلی قول النبي(ص)  : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا».  الإرشاد للمفيد: 220 ،علل الشرايع1: 211). قوله(ص)  للإمام الحسين: Sيخرج رجل من صلبك يقال له زيد ...» وقول الإمام الحسين(ع)   : ...وإنَّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمَّة جدِّي...  فهذه التعبيرات القرآنية والروائية تحمل قداسة خاصَّة للحرکات الجهادية ضد الظلم والفساد والطغيان.

([2])  مقتل الحسين للمقرّم : 144، عن مقتل الحسين للخوارزمي عن کتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الکوفي البغدادي (م 310هـ) .

([3]) مقتل الحسين للمقرَّم : 156. عن مقتل الحسين للخوارزمي عن کتاب الفتوح لإبن الأعثم الکوفي في (م 310هـ)  ، وفي مابعد: بسيرة جدِّي: والخلفاء الراشدين بعدي وأبي علي ابن أبي طالب.  وهذا ليس بصحيح حيث أنَّ لقب الراشدين إنَّما شاع في القرن الثالث للهجرة .والأصح منه ماأرسله المازندراني الساروي الحلبي في مناقب آل أبي طالب ج4: 97، جواباً لإبن عباس في مکَّة قولاً وليس وصية.

([4]) راجع: موسوعة التاريخ الإسلامي6: 128.

([5]) مستدرك الوسائل10: 318،ب 49 ، عن مجموعة الشهيد، عن الأنوار لمحمد بن همام عن الإمام الصادق عليه السلام .

([6]) تاريخ اليعقوبي 3: 66،و راجع مقاتل الطالبيين، الحديث حول أبي مسلم الخراساني.

([7]) الحرة موقع من ضواحي المدينة ، وواقعة الحرة وإنتفاضة اهل المدينة کانت في شهرذي الحجة لسنة 63 هـ ، وقيل في شهر صفر، راجع( موسوعة التاريخ الاسلامي 6: 253) عن الإمامةوالسياسة 1: 22وفي تاريخ ابن الوردي 1: 165.

([8]) الفتوح 5: 181. مروج الذهب 3: 70.

([9]) راجع تاريخ الخلفاء: 167، تاريخ الطبري 5: 456 ،  الكامل في التاريخ 4: 79.

([10]) الإمامة والسياسة: 1: 219.

([11]) ولد المختار المکنَّی بأبي إسحاق في مدينة الطائف في السنة الأولى للهجرة ، حيث كانت موطن أهله وعشيرته من ثقيف ، وقتل سنة 67 للهجرة في حرب مع مصعب بن الزبيربأمر من أخيه عبدالله، عن عمر يناهز السابعة والستين،وأبوه أبو عبيدة بن مسعود  قداختاره عمر بن الخطاب للقيادة في المعرکة مع الفرس، وقد وقع شهيداً في إحدى معاركه مع الفرس على شاطئ الفرات،وأمُّ المختار إسمها دومة، امرأة عربية كانت قد اشتركت مع زوجها في المعارك ، وكان المختار يومذاك في الثالثة عشرة من عمره. وقُتل المختار في الکوفة سنة 67 للهجرة عن عمر يناهز السابعة والستين في حرب مع مصعب بن الزبيربأمر من أخيه عبدالله الذي کان يحکم في مکَّة .

([12]) راجع تاريخ اليعقوبي 2: 162. الكامل في التاريخ 4: 160.

([13]) الأخبار الطوال للدينوري: 300. وراجع تاريخ اليعقوبي 2: 164.

([14]) الأخبار الطوال: 360، تاريخ الطبري 4: 533. وراجع الخوارج والشيعة، للمستشرق فلهوزن 52.

([15]) رجال الکشي: 125، بحار الأنوار45 :343،ب49. وفي تکملة الرواية ينقل عن الإمام الباقر(ع)   أنَّه قال: «...وإنَّ مهر اُمي کان مما بعث به المختار » واُمّه فاطمة بنت الحسن(ع)   والباقرقد ولدسنة 57 للهجرة وقيام المختار کان في عام 64 للهجرة فالرواية  لايمکن الإعتماد عليها والشطرالأخيرمنها غير صحيح قطعاً .

([16]) عيون أخبار الرضا (ع)   1  : 477 ، الباب 47 ، الحديث 187 ، و الكناسة اسم محلة بالكوفة.

([17]) أنساب الأشراف 3 : 446، و راجع كتاب (زيد الشهيد) للسيد عبد الرزاق المقرم. وقيل كانت شهادته ودفنه ليلة الجمعة السادس والعشرين من شهر محرّم الحرام سنة ( 122 هـ ) ،راجع مقاتل الطالبيين  : 92 ، وأنساب الأشراف 4  : 252 ، الحديث 254 .

([18]) الكافي 8 : 161 ، وتفسير العياشي1: 325.

([19]) عيون أخبار الرضا1:249 ب25، بحار الأنوار46 : 170،ب11.

([20]) مقاتل الطالبيين  : 88 . وعنه في فرحة الغري  : 51 ، وعنهما في بحار الأنوار 46  : 183 .

([21]) انظر قاموس الرجال 4: 567 .

([22]) اختيار معرفة الرجال  : 361 ، الحديث 668 .

([23]) راجع کتاب( زيد بن علي) ، للسيد عبد الرزاق المقرم : 176 .

([24]) تاريخ الطبري 7  : 189 .

([25]) راجع  مقاتل الطالبيين  : 107 ،  وفي مروج الذهب 3  : 212 .

([26]) ينسب ليحيی بن زيد تلاثة مزارات أحدها في ميامي التي تبعد عن مشهد حوالي ستين كيلو متراً، والثاني في مدينة جرجان القديمة قرب مدينة گنبد کاووس في محافظة گلستان في شمال إيران، و المرقد الثالث في جوزجان أفغانستان و هو أقرب للصواب حيث دارت المعرکة هناک، وکما جاء خبره في قصيدة دعبل التَّائية في حضور الإمام الرضا(ع).

([27]) راحع تاريخ اليعقوبي 2: 332 ، والكامل في التاريخ: 5/127، وزيد بن علي ، للسيد عبد الرزاق المقرم: 176.

([28])  مروج الذهب 3  : 213 .

([29]) عيون أخبار الرضا (ع)   2: 280، الباب ،65 ح2، وراجع أخبارشعراء الشيعة، للمرزباني:93.

([30]) المستدرك على الصحيحين 4: 534، الصوارم المهرقة:74 و198.

([31]) إثبات الهداة 3: 570، عن التفسير المنسوب إلى الحسن العسكري (ع)  .

([32]) تقع بلاد الديلم أوطبرستان على شواطئ بحر قزوين، وتشمل جرجان القديمة وطرفاً من مدن محافظة رشت.

([33]) بحارالأنوار  48 : 165، باب 7. عن عُمْدَةِ الطَّالِبِ وَ مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ.

([34]) راجع الجزء الأول من كتاب «البيان المُغرب في أخبار المَغرب» لابن عذاري المراكشي، والجزء الأول من «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى» لأبي العباس الناصري، وكتاب «مختصر تاريخ العرب» للسيد مير علي.

([35]) تاريخ الدولة الفاطمية لحسن إبراهيم : 147 ،وراجع  ابن الأثير، حوادث سنة 333 .

([36]) راجع تاريخ الشعوب الإسلامية:2 ،للمستشرق «بروكلمان» ، و کتاب مختصر تاريخ العرب، لسيد مير علي.

([37]) راجع تاريخ الدولة الفاطمية،لحسن إبراهيم.

([38]) راجع تاريخ الشيعة للشيخ المظفر،  و کتاب مصر في عصر الدولة الفاطمية لسرور نقلاً عن اتعاظ الحنفاء، للمقريزي .

([39]) راجع حسن التقاسيم للمقدسی1: ۱۴۶.

([40]) منها دائرة المعارفالشيعية۷۰:۱۲، الزيدية اليمن عبر التاريخ .

([41]) راجع تاريخ الشيعة، للشيخ محمد الحسين المظفر.

([42]) راجع  ابن الأثير ج 6 ، و  کتاب «مختصر تاريخ العرب» للسيد مير علي، وکتاب «الحضارة الإسلامية» لآدم متز 1 : 38.

([43]) راجع كتاب «الكنى والألقاب»  للشيخ عباس القمي، و تاريخ الشيعة للشيخ محمد الحسين المظفر.

([44]) لقد أسس هذه المدينة الجايتو(خدابنده) وبنی فيها القبة السلطانية المشهورة التي لازالت موجودة وهي من أهمِّ معالم المدينة ، ويقال إنَّ الجايتو قد بنی هذه القبَّة لينقل جثمان الإمام علي (ع) من الننجف ويدفنه في هذا المکان .

([45]) المشهورأنَّ الفضل في تشيع الجايتو يعود للعلا مة الحلي (الحسن بن يوسف بن المطهر المتوفى سنة 736 هـ) و ان تصنيف العلامة الحلي عدداً من الكتب في الامـامـة منهاكتاب نهج الحق و كشف الصدق و اهدائها الى (الجايتو) يدلُّ على جهود هذا الفقيه في نشر التشيع في إيران.

([46]) من المصادرالمعتبرة التي تذكر تاريخ الدولة المشعشعية في خوزستان الکتب التالية : كتاب (مجالس المؤمنين) للتستري ، و کتاب (تاريخ العراق بين الاحتلالين) للعزاوي نقلاً عن (تاريخ الغياثي) وأحسن من كتب فيهم كاتب شيعي يدعى جاسم شبر في كتابه (تاريخ المشعشعين) .

([47]) بدأ السيد محمد بن فلاح الموسوي المشعشع حياته صوفيا و کان صاحب رياضة وقد اعتكف قبل خروجه في جامع الكوفة سنة كاملة وينسب إليه بعض الإدعاءات والأفکار، وتنسب إلی محمد بن فلاح مدينة الفلاحية ( شادگان الفعلية) التي تقع بين آبادان و الأهواز .

([48]) راجع تاريخ الشيعة للمظفر، وأعيان الشيعة ج 11 للسيد الأمين، وتاريخ إيران لمكاريوس، وغير هذه الكتب في هذا الموضوع .

قراءة 8128 مرة