قدّمنا في الجزء الثاني التوزيع الديموغرافي للطائفة الدرزية، ومن ثم نبذه قصيرة عن أبرز الشخصيات الدرزية في العصر الحديث، وسنتطرق في الجزء الثالث والأخير إلى الدورين الإجتماعي والسياسي للدروز بدء من سوريا مروراً بلبنان وصولاً إلى الكيان الإسرائيلي، فاتحين باب التساؤل عن مستقبل أو مصير الدروز في ظل الأحداث التي تعصف في المنطقة .
: ,
يعتبر التنوخيون أصل الدروز في المنطقة، لذلك لمعرفة التاريخ السياسي للدروز، لا بد من مقدّمة قصيرة نوضح من خلالها دور التنوخيين السياسي، وكيف إنعكس ذلك لاحقاً بعد عدّة قرون على الدور السياسي للدروز في المنطقة .
جاء قسماً من تنوخ إلى لبنان منذ الفتح الإسلامي، وإستقر فرع آخر من تنوخ في معرّة النعمان في محافظة إدلب السورية مكافئة له على جهاده ضد البيزنطيين في عملية الفتح الإسلامي لبلاد الشام. أما في العصر العباسي وبسبب انحيازهم إلى للثورة العباسية، كلّفهم الخليفة أبو جعفر المنصور بمهمة التصدي لغزوات البيزنطيين وأعوانهم في لبنان، وهكذا رحلت بقية العشتئر التنوخية إلى لبنان وسكنت في الاماكن الجبلية المطلة على الشاطئ والممتدة من مصب نهر الكلب شمالاً حتى مصب نهر الأولي جنوباً .
الدور العسكري أعطى أسلاف الموحدين الدروز دوراً مشابهاً على الصعيد السياسي، ولم يطرأ أي تعديل على هذا الدوربعدما أصبحوا جماعة مميزة، من حيث العقيدة الدينية في القرن الحادي عشر. اذاً، كمقدمة عامة يتضح الدور السياسي والعسكري المهم للدروز في حماية الثغور العربية والإسلامية .
دور الدروز في سوريا
يعود التاريخ السياسي للدروز في سوريا إلى نحو ألف سنة، حيث غدوا لاعباً أساسياً في المنطقة بعد فرض وجودهم في بلاد الشام لا سيّما بعد معركة حطين. وبرزت آنذاك عائلات الدروز العريقة كأرسلان واللمعيين وغيرهم، ثم تابعوا تقوية نفوذهم بالوقوف مع المماليك ضد التتار والمغول، ولا سيما في معركة عين جالوت، وقفوا مع العثمانيين ضد حملة محمد علي ضد بلاد الشام وصمدوا في جبل العرب جنوب دمشق حوالي سنة بقيادة الشيخ إبراهيم الهجري، وحيث كبدوا المصريين خسائر فادحة فيما يعرف بمعارك "اللجاه"، إلا أن العلاقة ساءت مع العثمانيين عندما قاموا بالتمرد على السلطة العثمانية .
بعد سيطرة القوميون الأتراك على الحكم العثماني، صاروا ينتهكون حرمات الجبل، ويعدمون أحراره ومنهم ذوقان الأطرش ويحيى عامر، لذلك شكّل سلطان الأطرش في جبل الدروز بسوريا قوة فرسان سارت مع الجيش العربي من الجبل، وكانوا في طليعة الذين دخلوا دمشق ورفعوا العلم العربي فوقها.
لم يقتصر دور الدروز في سوريا على هزيمة العثمانيين، فبعد إحتلا دمشق من قبل فرنسا، قام سلطان باشا الأطرش في عام 1925 بإشعال فتيل الثورة السورية الكبرى في جبل الدروز وخاضوا معارك عديدة كبدت الجيش الفرنسي خسائر كبير كمعركة الكفر وتل الحديد والمزرعة، ونقلوا الثورة إلى دمشق وغوطتها وإلى لبنان وجبل الشيخ، وكان لهم الدور الأكبر والأساسي في الاستقلال عن فرنسا .
رفض سلطان باشا الاطرش تشكيل دولة درزية، بل إندمج الدروز مع كافة السوريين واشتركوا معهم في الأحداث السياسية، كما نجح سلطان الأطرش والزعماء السوريين الآخرين في إقصاء أديب الشيشكلي رئيس الجمهورية السورية عام 1954إلى البرازيل بعد أن حاول إثارةالفتنة وإستخدام الجيش الوطني للفتك بالدروز .
كذلك، لم يغب الدور الدرزي على الساحة السورية في كافة الحروب ضد الكيان الإسرائيلي، حيث قدّمت هذه الطائفة الكثير من الشهداء على مذبح الوطن .
حالياً، تقف الطائفة السورية التي تعرّضت قبل أيام إلى مجزة مروعة على يد جبهة النصر الإرهابية في جبل السماق، إلا جانب الجيش في مواجهة الجماعات التكفيرية. فقد أعلن شيخ عقل الطائفة حمّود الحناوي في كلمة له ألقاها في مقام عين الزمان عن "تشكيل "درع الوطن" يحمي السويداء إلى جانب الجيش العربي السوري". بدوره، أكّد الشيخ يوسف جربوع أن "خيار السويداء إلى جانب الدولة السورية لأنها ضمانة السوريين، وخيار الأهالي القتال إلى جانب الجيش ".
يتضح أن الطابع العروبي والوطني يطغى على درو الدروز الذين يتبوؤن مناصب عدة في الدولة السورية، إضافةً إلى التمثيل البرلماني بنسبة 3.2%، فهم أقلية وفيّة لجذورها لم تسعى يوماً إلى دولة مستقلة .
دور الدروز في لبنان
لم يختلف دور الدروز في لبنان عن دورهم في سوريا كثيراً حيث كان لهم الفضل الكبير في الاستقلال عام 1943 مع الراحل الأمير "مجيد أرسلان"، شاركوا بعدة ثورات ضد الحكم بقيادة "كمال جنبلاط" مؤسس وقائد الحزب التقدمي الاشتراكي، كما شاركوا في الحرب الأهلية اللبنانية من 1975م إلى 1990م، تحت لواء الجيش الشعبي بقيادة "وليد جنبلاط"، وهم اليوم لديهم زعامتان سياسيتان بقيادة الأمير "طلال أرسلان" رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، إضافةً إلى تيار التوحيد اللبناني بزعامة النائب السابق وئام وهاب. كان، ومايزال للدروز دور سياسيٌّ كبير على الساحة اللبنانية؛ وبغضِّ النظر عن النسبة التي يمثلونها في لبنان(8 نواب في البرلمان اللبناني) إلا أنهم يُعتبَرون "بيضة القبان" كما يصوِّرهم البعض .
في خريف1983، أشعل فتيل حرب الجبل بين قوات اليمين اللبناني المسيحي ضد المسلحين الدروز ومسلحي المخيمات الفلسطينية ومسلحي اليسار اللبناني، أخذ القتال منحنى طائفيا وتحول إلى حرب بين الموارنة والدروز، آلت الغلبة في الأخير إلى الدروز، إلا أنه بعد مرور حوالى 31 عامًا، تمت المصالحة بين الدروز والمسيحيين برعاية رئيس الجمهورية المسيحي الماروني ميشال سليمان، والبطريرك الماروني بشارة الراعي، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، ووسط حضور شعبي وسياسي متنوع الانتماءات والطوائف .
دروز الكيان الإسرائيلي
تظهر العديد من المواقف المشرّفة للدروز في الكيان الإسرائيلي، فقد إنضم الكثيرين منهم إلى الإنتفاضة الفلسطينية التي اندعلت في العام 2000، كما قام الدروز السوريين في الجولان المحتل بإحراق الهويات الإسرائيلية ورفع شعار "لا بديل عن الهوية السورية"، وقاموا بانتفاضات واستمروا تحت الحصار لمدة 6 أشهر، وقامت الحكومة الإسرائيلية باعتقال الكثيرين منهم، فضلاً عن مهاجمتهم في الفترة الآخير مستشفى ميداني تابع لجبهة النصرة داخل الجولان السوري المحتل .
يسعى الكيان الإسرائيلي حالياً للإستفادة من ورقة الدروز، عبر تهديدهم من جماعات إرهابية مدعومة إسرائيلياً، كي يطلب الدروز الحماية منها، وبالتالي تنضم إليها هذه الجماعة من لبنان إلى السويداء إلى جبل الشيخ والأراضي المحتلة، إلا أن تاريخ الدروز ومواقفهم الحالية تؤكد رفضهم القاطع لهذه المؤامرات .
خلاصة
يتضح أن المواقف الدرزية في المنطقة، بدءاً من سوريا مروراً بلبنان وصولاً إلى فلسطين المحتلة، جلّها مواقف وطنية عروبية، ما يدعونا للجزم بأن مصير هذه الطائفة كبقيّة أشقائها في الوطن فلا خيار لها سوى خيار الدولة ومقارعة الكيان الإسرائيلي، ورغم أن الدروز أقلية سوءاً في لبنان أو سوريا إلأا أن دورهم التاريخي العريق ألقى بظلاله على واقعهم الحالي .