المذهب الحنبلی

قيم هذا المقال
(0 صوت)
المذهب الحنبلی

وهو أقل المذاهب الاسلامیة سعة وانتشاراً ، ویتبنی على آراء الامام احمد بن حنبل الفقهیة والعقائدیة والسیاسیة ، تبلور مذهباً فی أواخر القرن الثالث الهجری اهم افکاره إغلاق باب الاجتهاد ، وعدم تجویز الخروج على الحاکم وإن کان ظالماً جائراً.

عوامل النشوء :
ـ العامل السیاسی المتمثل بدعم الحاکم العباسی لهذا المذهب الجدید ،  فقد مهدوا لنشوء مثل هذه المناهج التی تعطیهم مبرراً شرعیاً للحکم کما یخالف تماماً مذهب المعتزلة.
ـ الفتاوى والآراء التی اتى بها احمد بن حنبل ، والتی تنسجم مع توجهات الحکم القائم ، کقوله بأن العم یرث دون البنت أو ابن العم ، دعماً لدعوى العباسیین فی أن العباس بن عبد المطلب هو الذی ورث النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)
 ، الامر الذی دفع بالعباسیین الى ترویج مصطلح اهل السنة فی مقابل الشیعة ، وجدیر بالذکر ان هذا الاسم الجدید لم یظهر الى حیز الوجود الا فی العصر العباسی الاول.

النشأة والتطور :
ـ أسس احمد بن حنبل مذهبه بعد خروجه من السجن فی ایام المعتصم العباسی ، وذلک على اثر قضیة خلق القرآن، ثم تطورت معالم هذا المذهب على أیدی تلامیذه من بعده.
وجاء المتوکل للحکم فقرب احمد بن حنبل کثیراً ، واعطاه مطلق الحریة فی ابداء آرائه التی یصب معظمها فی خدمة نظام الحکم العباسی ـ فاغدق علیه العطاء لینفق على طلابه الذین کثر عددهم بسبب ذلک.
ـ رحلات احمد بن حنبل بین عدد من المدن الاسلامیة ساعد على رواج مذهبه.
ـ تولى ابنه صالح القضاء فی أصبهان ، مما ساهم فی نشر افکار المذهب الجدید.
ـ حرب المتوکل العباسی للشیعة والمعتزلة ، وأمره قضاته على المدینة وغیرها باخراج اصحاب ابی حنیفة والشافعی من المسجد ، فخلا الجو لأحمد بن حنبل بنشر آرائه.
ـ فی عام ( 381 هـ ) تبلورت آراؤه مذهباً له اصول ومعالم واضحة ، وذلک عندما أمر القادر بالله العباسی أربعة من فقهاء المذاهب الاربعة أن یصنف کل منهم مختصراً على مذهبه.
ـ فی عام ( 645 هـ ) صدر أمر عن المستعصم لأساتذة المدرسة المستنصریة بأن لا یتعدوا کلام السابقین.
ـ وفی عام ( 665 هـ) أمر الملک الظاهر أحد ملوک الممالیک بمصر بغلق باب الاجتهاد ، فتوقف الاجتهاد عندهم منذ ذلک الحین.
ـ اتسعت رقعة هذا المذهب بشکل کبیر على ید ابن تیمیة ، الذی عمل لنشره فی الشام ومصر.
ـ ولد المذهب الحنبلی من جدید على ید محمد بن عبدالوهاب فی نجد والجزیرة العربیة.

الافکار والمعتقدات :
ـ یقولون بالتجسیم ، ویدعون أن لله تعالى یداً ورجلاً ووجها.
ـ یقولون بعدم الحاجة الى العقل فی الاعتقادات ، بل تکفی الآیات و الروایات فی ذلک.
ـ اجازوا للمکلف ان یقلد فی الاصول.
ـ یعتقدون بأن القرآن الکریم غیر مخلوق.
ـ یقسمون الایمان الى قول وعمل ، ومرتکب الکبیرة فی نظرهم خارج من الایمان ، واذا تاب عاد الى ایمانه.
ـ لا یکفرون مرتکب الکبیرة مادام موحداً.
ـ یعتقدون بأن قلوب العباد بین اصبعین من أصابع الرحمن ، یقلبها کیف یشاء ویودعها ماأراد.
ـ لاتجوز الامامة فی نظرهم الا فی القرشی وان کان ظالماً فاسقاً.
ـ الخلفاء الراشدون مرتبون فی الفضل حسب ترتیـبهم فی الخلافة.
ـ من سب الخلفاء الراشدین فهو کافر ، وکذلک من سب عائشة.
ـ عدم جواز الخروج على الحاکم الجائر.
ـ یؤمنون بعدالة الصحابة حتى من اشتهر منهم بالفسق والظلم.
ـ جوزوا المسح على العمامة و الجورب وقالوا بجواز الجمع بین الصلاتین فی اماکن مشهورة وقالوا ان منی الآدمی ومنی مایؤکل لحمه طاهر.
ـ جوزوا الوضوء بکل مایسمى ماء ، مطلقا کان او مضافاً.
ـ یرجعون فی استنباطهم الشرعی الى النص والاجماع وفتوى الصحابة ، وإن اختلفوا اختیر مایوافق الکتاب والسنة. وهم یأخذون بالاحادیث الضعیفة و المرسلة ، ویعتمدون القیاس والاستحسان فی بعض الحالات.ـ یعتقدون بأن الله تعالى یخرج قوماً من أهل النار بیده فی یوم القیامة.
ـ یعتقدون بأن الموت یذبح یوم القیامة بین الجنة والنار.
ـ یعتقدون بأن الحوض حق ترده أمة محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) و له آنیة یشربون بها.
ـ حرموا زیارة القبور والتوسل بالاولیاء.
ـ یجیزون صلاة الجمعة قبل الزوال.
ـ یجیزون قتل من ترک الصلاة تهاوناً غیر جاحد لها ، و یعتقدون بأنه مشرک ویدفن فی مقابر المشرکین.
ــ طواف الحائض جائز إذا لم یمکنها الطواف حال طهرها ، ولاشیء علیها.
یجوز جلوس المأمومین فـی الصلاة مع عدم عجزهم عن القیام ، اذا کان الامام جالساً بسبب عدم قدرته على القیام.

أبرز الشخصیات :
1 ـ احمد بن حنبل الشیبانی المروزی ( 164 ـ 241 هـ ).
2 ـ صالح بن احمد بن حنبل ( 203 ـ 266 ).
3 ـ عبدالله بن احمد بن حنبل.
4 ـ ابن تیمیة ( 661 ـ 728 هـ ).
5 ـ ابن قیم الجوزیة ( 691 ـ 751 هـ ).
6 ـ القاضی أبو یعلى بن الفراء ( 380 ـ 458 هـ ).

الانتشار ومواقع النفوذ :
لم ینتشر المذهب الحنبلی کغیره من المذاهب ، لأنه ظهر بعد أن اجتاحت المذاهب الثلاثة الاخرى معظم الامصار ، وکان ، قضاتهم دور کبیر فی تحجیم نشر المذهب. هذا مضافاً الى اسالیب القوة التی اتبعها الحنابلة.
وینتشر المذهب الآن فی الحجاز بفعل الوهابیین الذین هم فی الحقیقة صورة ثانیة للمذهب الحنبلی ، فهم یؤلفون نصف السکان ، وفی بلاد الشام یؤلف الحنابلة ربع السکان. وللمذهب اتباع قلیلون فی ایران والعراق والخلیج الفارسي ومصر.
وقد جاء فی إحصائیة ( 1906 م ) أنه کان من أتباع المذهب الحنبلی فی الازهر (3) شیوخ و (28) طالباً فقط من مجموع (312 ) شیخاً و (9069 ) طالباً.

أحداث ووقائع :
1 ـ کان للحنابلة فی بغداد فی القرن الرابع الهجری نفوذ وسطوة ، فاستغلوا نفوذهم فی مناصرة مذهبهم ، واصبحوا یتعرضون بعنف لکل من یخالف آراءهم فاسرفوا فی طغیانهم الى درجة ان آذوا الناس اشد الایذاء واحدثوا فی بغداد شغبا واضحا مما أوغر صدور الحکام، فخرج التوقیع من جهة الخلیفة العباسی الراضی بالله بالاستـنکار لاعمالهم ، وفی سنة ( 443 هـ ) وقعت الحرب بین الشیعة والحنابلة وقتل منهما خلق کثیر، وذلک على اثر نصب الشیعة ابراجا کتبوا علیها ( محمد و علی خیر البشر ) فانکر الحنابلة ذلک ونشبت الحرب بینهم. وفی یوم کان الحنابلة قد عادوا من تشییع رجلٍ منهم ودفنه ، فهجموا على مرقد الامامین موسى بن جعفر ومحمد الجواد ( علیهما السلام ) فنهبوهما وسرقوا مافیهما من قنادیل الذهب والفضة.
2 ـ کما هدم المقتدر بالله مسجد براثا بعد ان اوشى الحنابلة على الشیعة الذین فیه .
3 ـ اختلف الحنابلة مع طائفة من العامة فی تفسیر قوله تعالى ( عسى ان یبعثک ربک مقاماً محموداً ) ، فقال الحنابلة : ( یجلسه معه على العرش ) وقال الاخرون : ( بل المراد من ذلک هی الشفاعة العظمى ) فاقتتلوا بسبب ذلک.
4 ـ وقعت بین الحنابلة والشافعیة فتنة فی بغداد ، على أثر انکار ابی یعلى بن الفراء وابن التمیمی للجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحیم ) ، ومنعوا الترجیع فی الأذان ، والقنوت فی الفجر ، فجاء الحنابلة الى باب الشعیر ، ونهوا إمامه عن الجهر بالبسملة، فأخرج لهم مصحفاً وقال : ( أزیلوها من المصحف حتى لا أتلوها )
5 ـ وفی القرن الثامن الهجری شجع الملک المعظم على الانتماء الى المذهب الحنفی ، فترک قسم من الحنابلة مذهبهم ، ومنهم یوسف بن فرغلی سبط ابی الفرج بن الجوزی ، فأصبح من المقربین للملک .

من ذاکرة التاریخ :
تدخلت الدولة العباسیة فی مناصرة المعتزلة وأخذت الناس الى اتباع آرائهم بالقوة ثم ازداد نشاطهم ایام المأمون والمعتصم والواثق وکان المحدثون یقفون امامهم لقولهم بخلق القرآن وقدمه ، فحصلت محنة عامة ، اجاب من اجاب لها وامتنع من امتنع حتى جاء عهد المتوکل فأراد أن یستقطب الرأی العام حیث بلغت الفتنة الى اقصى حدها من العنف والشدة ، فأعلن ابطال ذلک فی سنة 234 هـ ، وهدد من اثارها واظهر المیل للمحدثین ووقف بجانبهم فکانت لاصحابهم الغلبة وفی ذلک الوقت ظهر نجم احمد وظهر اسمه وعلت منزلته عند المتوکل وقربه الیه وطلب منه ان یتولى تعلیم ولی العهد، کما کان یتعاهده بالاکرام و یشید بذکره ویتشوق لرؤیته.

خلاصة البحث :
ـ المذهب الحنبلی : هو احد المذاهب الاسلامیة التی ظهرت فی اوائل القرن الثالث الهجری بتبنی آراء احمد بن محمد بن حنبل الفقهیة والعقائدیة. ـ ساعدت عوامل کثیرة على ابرازه منها : دعم السلطات العباسیة ، واحتضان المتوکل لزعماء ومروجی المذهب ، وکان دعمه لهم سیاسیاً واعلامیاً ومادیاً ، وبسبب ذلک عاشت فرقة المعتزلة لحظاتها الاخیرة بسبب الضغط والمطاردة لاتباعها ومریدیها من قبل السلطة.
ـ اتسعت شعبیة الحنابلة بعد تصدی ابن تیمیة الذی درس فی المدارس الحنبلیة وتخرج منها وقد خالف المذاهب الاسلامیة جمیعها فی افکاره وآرائه بسبب قوله بالتجسیم والتشبیة والجهة.
ـ من افکارهم ومعتقداهم وآرائهم الفقهیة انهم قالوا بالتجسیم وادعوا أن لله یداً ورجلاً ووجهاً واعتقدوا بأن القرآن غیر مخلوق ، وعدّوا من سب الصحابة کافرا لایمانهم بعدالتهم جمیعاً حتى من اشتهر منهم بالفسق ، وجوزوا الوضوء بکل ما سمى ماء مطلقا کان او مقیدا ، وقالوا بطهارة منی الآدمی ومنی کل مایؤکل لحمه وآراء اخرى.
ـ کان من ابرز الشخصیات التی تصدت لزعامة ونشر المذهب : احمد بن حنبل الشیبانی وابنه صالح بن احمد واحمد بن تیمیة وابن قیم الجوزیة وامثالهم.
ـ انتشر المذهب فی بلدان عدیدة من العالم الاسلامی کالعراق وایران ومصر والشام والحجاز.
المصدر : تحقیق راسخون 2014

قراءة 1453 مرة