المذهب المالكي

قيم هذا المقال
(0 صوت)
المذهب المالكي

المذهب المالكي أحد المذاهب الإسلامية السنية الأربعة، والتي يتبني الآراء الفقهية للإمام مالك بن أنس. تبلور مذهباً واضحاً ومستقلاً في القرن الثاني الهجري. أهم أفكاره هو الاهتمام بعمل أهل المدينة، وعدم جواز الخروج على الحاكم الظالم الجائر.

النشأة والتطور

تأسس المذهب المالكي على يد مالك بن أنس، وذلك في أوائل القرن الثاني الهجري، وتطورت معالمه على يد تلاميذه من بعده.

ارتفع شأنه وصار له صيت شائع حتى أن المنصور قال له يوماً: «أنت والله أعلم الناس وأعقلهم، لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف، ولأبعثن به إلى الآفاق فأحملهم عليه».

توسعت قاعدة المذهب المالكي في الحجاز والمدينة المنورة وانتشر سريعاً في شمال أفريقيا.

في عام 237 هـ أخرج قاضي مصر أصحاب أبو حنيفة والشافعي من المسجد، فلم يبق سوى أصحاب مالك، وكان للقاضي الحارث بن سكين الأثر الفاعل في نشر المذهب هناك.

تبنت دولة المرابطين في المغرب الأقصى مذهب مالك ونشروا الكتب التي تحوي آراءه، توسع المذهب ورسخت قواعده، قال ابن حزم: «مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان، الحنفي في المشرق، والمالكي بالأندلس».

أصول المذهب المالكي

نحا الإمام مالك منحى فقهاء أهل المدينة في الأصول التي بنى عليها اجتهاده، واتخذت بعده أساسا لمذهبه. والأدلة التي اعتمدها علماء المدينة في عمومهاً هي نفس الأدلة التي اعتمدها غيرهم من أهل السنة والجماعة؛ هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وإنما اختلفوا عن غيرهم من أهل الرأي في مدى الاعتماد على الحديث، وشروط قبوله والعمل به، ثم اللجوء إلى القياس ومتى يكون حجة. وتميز المذهب المالكي بالاعتماد على عمل أهل المدينة

  1. الأصول النقلية
  2. الأصول العقلية
  3. النظر المقاصدي في المذهب المالكي

كان للإمام مالك منهج في الاستنباط الفقهي لم يدونه كما دون بعض مناهجه في الرواية، ولكن مع ذلك صرح بكلام قد يستفاد منه بعض منهاجه، فقد ألمح إلى ذلك وهو يتحدث عن كتابه "الموطأ": "فيه حديث رسول الله وقول الصحابة والتابعين ورأيي، وقد تكلمت برأيي، وعلى الاجتهاد، وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، ولم أخرج من جملتهم إلى غيره".

فهذه العبارة من الإمام تشير إلى بعض الأصول التي استند إليها في اجتهاداته واستنباطاته الفقهية وهي: السنة، وقول الصحابة، وقول التابعين، والرأي والاجتهاد، ثم عمل أهل المدينة.

ولقد صنع فقهاء المذهب المالكي في فقه مالك ما صنعه فقهاء المذهب الحنفي، فجاؤوا إلى الفروع وتتبعوها، واستخرجوا منها ما يصح أن يكون أصولا قام عليها الاستنباط في مذهب مالك، ودونوا تلك الأصول التي استنبطوها على أنها أصول مالك، فيقولون مثلا: كان يأخذ بمفهوم المخالفة، أو بفحوى الخطاب، أو بظاهر القرآن. كما نجدهم يقولون في كل قاعدة رأي مالك فيها كذا، وليس ذلك ما أخذوه من جملة الفروع.. ومن مجموع تلك الآراء تتكون أصول المذهب المالكي التي قامت عليها أصول المالكية، والتي قام عليها التخريج من المتقدمين والمتأخرىن في ذلك المذهب.

ولعل أدق إحصاء لأصول المذهب المالكي هو ما ذكره "القرافي" في كتابه "شرح تنقيح الفصول" حيث ذكر أن أصول المذهب هي القرآن والسنة والإجماع وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والعرف والعادات وسد الذرائع والاستصحاب والاستحسان

الأصول النقلية

  • القرآن: يلتقي الإمام مع جميع الأئمة المسلمين في كون كتاب الله عز وجل هو أصل الأصول، ولا أحد أنزع منه إليه، يستدل بنصه، وبظاهره ويعتبر السنة تبيانا له.
  • السنة النبوية: أما السنة ومفهومها عند الإمام مالك فطبيعي أن يسير في فهمها على ما سار عليه السلف وعامة المحدثين الذين كان من أئمتهم وأقطابهم، غير أنه ربما عمم في السنة لتشمل ما يعرف عند علماء الحديث بالمأثور. وهو بهذا المعنى يعطي لعمل أهل المدينة وإجماعهم مكانة خاصة، ويجعل من قبيل السنة كذلك فتاوى الصحابة، وفتاوى كبار التابعين الآخذين عنهم، كسعيد بن المسيب، ومحمد بن شهاب الزهري، ونافع، ومن في طبقتهم ومرتبتهم العلمية، كبقية الفقهاء السبعة.
  • عمل أهل المدينة: من الأصول التي انفرد بها مالك واعتبرها من مصادر فقه الأحكام والفتاوى. وقسّم الإمام الباجي عمل أهل المدينة إلى قسمين: قسم طريقه النقل الذي يحمل معنى التواتر كمسألة الآذان، ومسألة الصاع، وترك إخراج الزكاة من الخضروات، وغير ذلك من المسائل التي طريقها النقل واتصل العمل بها في المدينة على وجه لا يخفى مثله، ونقل نقلا يحج ويقطع العذر. وقسم نقل من طريق الآحاد، أو ما أدركوه بالاستنباط والاجتهاد، وهذا لا فرق فيه بين علماء المدينة، وعلماء غيرهم من أن المصير منه إلى ما عضده الدليل والترجيح. ولذلك خالف مالك في مسائل عدة أقوال أهل المدينة(3).
  • الإجماع: لعل مالكًا أكثر الأئمة الأربعة ذكرا للإجماع واحتجاجا به، والموطأ خير شاهد على ذلك. أما مدلول كلمة الإجماع عنده فقد قال: "وما كان فيه الأمر المجتمع عليه فهو ما اجتمع عليه أهل الفقه والعلم ولم يختلفوا فيه".

شرع من قبلنا: ذهب مالك على أن شرع من قبلنا شرع لنا.

الأصول العقلية

كان للإمام مالك منهج اجتهادي متميز يختلف عن منهج الفقهاء الآخرين، وهو وإن كان يمثل مدرسة الحديث في المدينة ويقود تيارها، فقد كان يأخذ بالرأي ويعتمد عليه، وأحيانا توسع في الرأي أكثر ما توسع فيه فقهاء الرأي في العراق، كاستعماله الرأي والقياس فيما اتضح معناه من الحدود والكفارات مما لم يقل به علماء المذهب الحنفي. ومن الأصول العقلية المعتمدة في المذهب المالكي:

القياس: يعتبر القياس على الأحكام الواردة في الكتاب المحكم والسنة المعمول بها، طبقا للمنهج الذي قاس عليه علماء التابعين من قبله.

الاستحسان: لقد اشتهر على ألسنة فقهاء المذهب المالكي قولهم: "ترك القياس والأخذ بما هو أرفق بالناس" إشارة إلى أصل الاستحسان؛ لأن الاستحسان في المذهب المالكي كان لدفع الحرج الناشئ عن اطراد القياس، أي أن معنى الاستحسان طلب الأحسن للإتباع.

المصالح المرسلة: من أصول مذهب مالك المصالح المرسلة، ومن شرطها ألا تعارض نصًا. فالمصالح المرسلة التي لا تشهد لها أصول عامة وقواعد كلية منثورة ضمن الشريعة، بحيث تمثل هذه المصلحة الخاصة واحدة من جزئيات هذه الأصول والقواعد العامة.

سد الذرائع: هذا أصل من الأصول التي أكثر مالك الاعتماد عليه في اجتهاده الفقهي، ومعناه المنع من الذرائع، أي المسألة التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل ممنوع، أي أن حقيقة سد الذرائع التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة..

العرف والعادة: إن العرف أصل من أصول الاستنباط عند مالك، وقد انبنت عليه أحكام كثيرة؛ لأنه في كثير من الأحيان يتفق مع المصلحة، والمصلحة أصل بلا نزاع في المذهب المالكي.

الاستصحاب: كان مالك يأخذ بالاستصحاب كحجة، ومؤدى هذا الأصل هو بقاء الحال على ما كان حتى يقوم دليل يغيّره.

قاعدة مراعاة الخلاف: من بين الأصول التي اختلف المالكية بشأنها "قاعدة مراعاة الخلاف"، فمنهم من عدها من الأصول ومنهم من أنكرها. ومعناها "إعمال دليل في لازم مدلول الذي أعمل في نقيضه دليل آخر". ومثاله: إعمال المجتهد دليل خصمه القائل بعدم فسخ نكاح الشغار في لازم مدلوله الذي هو ثبوت الإرث بين الزوجين المتزوجين بالشغار فيما إذا مات أحدهما. فالمدلول هو عدم الفسخ وأعمل مالك في نقيضه وهو الفسخ دليل آخر. فمذهب مالك وجوب الفسخ وثبوت الإرث إذا مات أحدهما.

النظر في المذهب المالكي

إن الإمام مالك عندما يطلق الرأي يعني به فقهه الذي يكون بعضه رأيا اختاره من مجموع آراء التابعين، وبعضه رأيا قد قاسه على ما علم، ومن ثم فإن باب أصول فقه الرأي عنده هو ما عليه أهل المدينة وعلم الصحابة والتابعين. ويمكن تلخيص ذلك في قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد التي عليها مدار مقاصد الشريعة الإسلامية، فهذا هو أساس الرأي عنده مهما تعددت ضروبه واختلفت أسماؤه. إن أخص ما امتاز فقه مالك هو رعاية المصلحة واعتبارها، لهذا فهي عمدة فقه الرأي عنده اتخذها أصلا للاستنباط مستقلا.

أبرز الشخصيات

  • مالك بن أنس (93 ـ 179 هـ.
  • عبد الرحمن بن القاسم العتقي (132 ـ 191 هـ).
  • عبد الله بن وهب المصري (125 ـ 197 هـ).
  • أشهب بن عبد العزيز بن داود المصري (145 ـ 204 هـ).
  • عبد الله بن عبد الحكم المصري (155 ـ 214 هـ).
  • اصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع (151 ـ 225 هـ).
  • أسد بن الفرات (142 هـ -213 هـ).
  • أبو بكر الباقلاني.
  • القاضي عياض.
  • أبو بكر بن العربي.
  • أبو الوليد الباجي.
  • عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون.
  • ابن عبد البر.
  • ابن عرفة.
  • إبراهيم اللقاني.
  • أبو الحسن علي بن أحمد الخصاصي.
  • أحمد زروق.
  • عبد الواحد بن عاشر.
  • الشيخ ماء العينين.
  • الشيخ الطيب العربي[بحاجة لمصدر].
  • الدكتور مصطفى العربي[بحاجة لمصدر].
  • محمد الطاهر بن عاشور.
  • عبد القادر بن علي مشاط المالكي.
  • محمد علوي المالكي.
  • محمد عز الدين الغرياني.

مواقع النفوذ

انتشر المذهب المالكي في الحجاز انتشاراً واسعاً، لانها موطن مالك بن أنس.

انتشر في بغداد بسبب دعم السلطة العباسية له، وظهر في البصرة بعد خمسة قرون من تاريخ انتشاره في الحجاز.

ظهر في بلاد فارس، وضعف فيها في عهد الدولة الصفوية.

يعتبر المذهب المالكي هو الغالب في بلاد المغرب العربي والإمارات والبحرين، وقطر، والكويت، والسودان وصعيد مصر، والمنطقة الشرقية من السعودية ووسط وغرب أفريقيا ويبلغ عدد أتباعه في العالم أكثر من (150) مليون تقريباً.

انتشر مذهب مالك في الاندلس حتى كان اهلها يغالون في مالك وفقهه وقد التزموا فتواه نظرا لالزام السلطة لهم.

المصادر

  1. ترتيب المدارك، للقاضي عياض، ج 2/ ص: 72.طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميةـ، المغرب.
  2. شرح تنقيح الفصول، للقرافي، ص 445، حققه طه عبد الرؤوف سعد، دار الفكر، الطبعة الأولى: 1393هـ/1973م.
  3. إحكام الفصول في أحكام الأصول، أبو الوليد الباجي، ص 480-481. تحقيق عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى: 1401هـ/1981م.
  4. ترتيب المدارك، ج2/34.
  5. شرح حدود ابن عرفة، للرصاع، 1/263. تحقيق محمد أبو الأجفان والطاهر المعموري. دار الغرب الإسلامي، ط1/1993م.
  6. الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة، حسن مشاط، ص 235. دراسة وتحقيق عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى. ـ الزاوي، مناقب مالك.
  7. ابن عبد البر يوسف بن عبد الله المزي القرطبي، الانتقاء (بيروت ـ لبنان، دار الكتب العلمية).
  8. ابن قتيبة الدنيوري، عبد الله بن مسلم، الامامة والسياسة (قم ـ إيران، انتشارات الشريف الرضي، ط1 1371 هـ. ش ـ 1413 هـ. ق).
  9. السيوطي، تزين المسالك.
  10. الامين، شريف يحيى، معجم الفرق الإسلامية، (بيروت ـ لبنان، دار الاضواء، ط1، 1406 هـ. ق ـ 1986 م).
  11. للمقرئ التلمساني، نفح الطيب (بيروت ـ لبنان، دار صادر، 1388 هـ).
  12. أحمد امين، ضحى الإسلام (بيروت ـ لبنان، دار الكتاب العربي، 1343 هـ. ق ـ 1935 م).
قراءة 1415 مرة