السيدة زينب الكبرى(عليها السلام)
هي حفيدة النبي(ص) ومنذ فجر الصبا كانت آية في ذكائها، فقد حفظت القرآن الكريم، والكثير من أحاديث جدها النبي(ص)، وخصوصاً ما يتعلق بأحكام الدين.
وقد بُهر أمير المؤمنين(ع) من فرط ذكائها، حينما قالت له: أتحبنا يا أبتاه؟،
فقال (ع): «وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي». فأجابته - بأدب واحترام -: يا أبتاه إنّ الحب لله تعالى، والشفقة لنا([1]).
وقد روت عن أمها الزهراء(عليها السلام)([2]) أخباراً كثيرة([3])، وفي طليعتها خطبتها العظيمة في الاحتجاج على الخليفة الأول، وقد نقلها ابن أبي الحديد، عن أبي بكر الجوهري بأسانيد متعددة كلها تنتهي إلى زينب(عليها السلام)([4])، وروت أيضاً عن أبيها وأخويها الحسنين (عليها السلام)([5]). ولم تختزن العقيلة العلم لنفسها، بل أفاضت من معارفها ومروياتها على الأمة نساءً ورجالاً، فممن روى عنها ابن عباس الذي كان يفتخر بالرواية عنها، ويقول: حدثتنا عقيلتنا، وكان مع ما هو عليه من العلم يسألها عن المسائل التي لا يهتدي لحلها([6])، كما روى عنها غيره كثير([7]).
ويكفي لمعرفة نمير علمها، وعظيم معرفتها، ما شهده في حقها الإمام زين العابدين(ع) حيث قال لها: «يا عمة أنت - بحمد الله - عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة»([8]).
جهاد العقيلة زينب(عليها السلام)
يحقّ لنا القول بأنّ زينباً(عليها السلام) ورثت الجهاد منذ نعومة أظفارها عن أمها فاطمة(عليها السلام)، فكانت - كما ذكرنا - تقف إلى جانب أبيها بعد فقد أمها، وانتقلت مع أبيها إلى الكوفة لتواصل جهادها المقدس، كما أنها رجعت مع الحسنين، إلى المدينة بعد شهادة أبيها وخذلان الناس لأخيها الحسن، وكذلك عندما أعلن الإمام الحسين الثورة على يزيد كانت إلى جانبه وخرجت معه إلى كربلاء، ورأت بأمّ عينها مصرع أخيها وأبنائها وأبناء عمومتها وإخوانها، ولشدّة صبرها وعقيدتها برسالة الحسين(ع) جاءت إلى جثمانه الطاهر، ووضعت يديها تحته، وقالت: «اللهم تقبّل منا هذا القربان»([9]).
واصلت زينب مسيرة أخيها الحسين في مسيرة السبي من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام، موضّحة أهدافه، ومعرّفةً أنّ الذي قتله يزيد؛ هو الحسين ابن فاطمة بنت رسول الله وليسوا بخوارج، وقد أحدث خطابها في الكوفة اضطرابات خاف ابن زياد أن تتحوّل إلى ثورة فأسرع بتسريحها وسائر أفراد عائلتها إلى الشام، وقد خطبت في الشام خطاباً أفرغت فيه عن لسان أبيها أمير المؤمنين(ع) ، وبفعل هذا الخطاب، وخطاب الإمام زين العابدين كادت أن تندلع الثورة، فعجّل يزيد بتسريحهم إلى المدينة.
وفي المدينة أخذت تواصل الطريق الذي شقّه الحسين(ع) ، وكان لها الأثر البليغ في خروج الكثير عن بيعة يزيد، حتى كتب واليه إليه: «إن كان لك شغل بالمدينة فأخرج زينباً منها» فأخرجوا زينب (عليها السلام) من المدينة وتوجهت مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى الشام، حيث كان عبد الله يملك أرضاً فيه، وبعد أن بقيت فيه مدة من الزمن انتقلت إلى جوار ربّها يوم الأحد 15/ رجب/ السنة 62هـ ودفنت في قرية رواية في غوطة دمشق بحسب القول المشهور، وقيل أنّها توفيت في مصر ودفنت فيها، وقيل أنها توفيت في المدينة ودفنت في البقيع وهو خلاف المشهور.
يا زائراً قبر العقيلة قف وقل |
|
منيّ السلام على عقيلة هاشم |
هذا ضريحك في دمشق الشام قد |
|
عكفت عليه قلوب أهل العالم |
([2]) معجم رجال الحديث، للخوئي 23: 19.
([3]) أدب الطف، لجواد شبر 1: 243.
([4]) شرح النهج، لابن أبي الحديد 16: 210-211.
([7]) راجع معجم رجال الحديث، للخوئي 23: 190، وأدب الطف 1: 238، ومقاتل الطالبيين: 91، وزينب الكبرى: 35، 37، وتراجم النساء: 119.