تحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الكعبة المشرّفة (15/ رجب / السنة 2 هـ)

قيم هذا المقال
(3 صوت)
تحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الكعبة المشرّفة (15/ رجب / السنة 2 هـ)

فقد ذكر المؤرخون والمفسرون، في سبب تحويل القبلة أن النبي(ص) حين قدم المدينة كان يتوجه إلى بيت المقدس([1])، حين عبادته ما كان يفعل ذلك طوال وجوده في مكة فصار اليهود يعيّرونه، ويقولون: أنت تابع لنا، تصلي إلى قبلتنا، أو كانوا يقولون: تخالفنا يا محمد في ديننا وتتبع قبلتنا([2]).

فشق هذا الكلام على رسول الله (ص)  واغتم من ذلك غماً شديداً، وكان قد وعده الله تعالى سابقاً بتحويل القبلة، فخرج في جوف الليل يقلّب وجهه في السماء، ينتظر أمر الله تعالى في ذلك، وأن يكرمه بقبلة تختص به، فلما أصبح وحضرت صلاة الظهر - وقيل العصر - وكان في مسجد بني سالم([3])، صلى النبي بأصحابه ركعتين، فنزل جبرئيل، فأخذ بعضديه فحوله إلى الكعبة، فاستدارت الصفوف خلفه، فأنزل الله عليه: «قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ»   ([4]).

فصلى ركعتين إلى الكعبة، فقالت اليهود - الذين شقّ عليهم ذلك - والسفهاء ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها([5]) وإلى هذا أشار قوله تعالى:«  وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاّ لِنَعْلَمَ مَن يَتّبِعُ الرّسُولَ مِمّن يَنقَلِبُ عَلَىَ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاّ عَلَى الّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رّحِيمٌ»   ([6]).

وقد سئل الإمام العسكري(ع) عن سبب تحويل القبلة فأجاب: إن هوى أهل مكة كان في الكعبة، فأراد الله أن يبين متبع محمد من مخالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس، أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة، ليبين من يتبع محمداً فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه..([7]).

إن الكعبة التي رفعت قواعدها على يدي بطل التوحيد وناشر لوائه النبي العظيم (إبراهيم الخليل (ع)  كانت موضع احترام وتقديس من المجتمع العربي، فقد كان العرب يحبون الكعبة ويعظمونها غاية التعظيم على ما هم عليه من الشرك والفساد، فكان اتخاذه قبلة من شأنه كسب رضا العرب، واستمالة قلوبهم، وترغيبهم في الإسلام تمهيداً لاعتناق دين التوحيد ونبذ الأوثان والأصنام.

وأيضاً كان تغيير القبلة واحداً من مظاهر الابتعاد عن اليهود واجتنابهم.

 

 

([1]) إذن بيت المقدس أو مسجد الأقصى هو القبلة الأولى للمسلمين ولازال يحظى بقداسة عندهم وهو ثالث المساجد الذي يستحب شد الرحال إليه وهو اليوم تحت احتلال واغتصاب الصهاينة المجرمين القادمين من أنحاء العالم ونسأل الله أن يأتي ذلك اليوم الذي يتحرر من أيدي الغاصبين ليستطيع المسلمون أن يزوره ويتعبدوا فيه.

([2]) مجمع البيان 1: 255.

([3]) وقد اشتهر هذا المسجد اليوم بمسجد ذي القبلتين وهو من المساجد العامرة التي يقصدها الزوار.

([4]) البقرة: الآية 144.

([5]) بحار الأنوار 19: 114، و195، و202، وإعلام الورى: 71، وتفسير القمي 1: 63.

([6]) البقرة: الآية 143.

([7]) بحار الأنوار 19: 197، وتفسير الميزان 1: 333.

قراءة 4573 مرة