في رواية يؤكّدها الطبري، أصلها أن العباس بن عبد المطلب رأى أن دبابير تخرج من ظهره وتلدغ ظهر النبي(ص) ، فأوّلها النبي(ص) أنّ ذرية العباس تقتل ذريته (ص) ، وإنها تملك.
«وكان بدء ذلك فيما ذكر عن رسول الله(ص) أنه أعلم العباس بن عبد المطلب أنه تؤول الخلافة إلى ولده، فلم يزل ولده يتوقعون ذلك ويحدثون به بينهم..»([1]).
واتخذوا لذلك وسيلة الدعوة إلى آل محمد، واستفادوا كثيراً من هذه الوسيلة بل ربحوا قادة كبار جنّدوهم في سبيل الوصول إلى غايتهم، من ذلك أبو سلمة الذي كانوا يسمّونه وزير آل محمد والذي قتلوه حين استنفذوا غايتهم.
اعتبرت ليلة الجمعة لثلاث عشرة مضت من شهر ربيع الآخر عام (132هـ)([2]) حيث بويع أبو العباس السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة هو يوم قيام الدولة العباسية..
أسباب سقوط الدولة الأموية
يذكر المؤرّخون عدة أسباب لسقوط الدولة الأموية، منها المنطقي المعقول، ومنها غير ذلك مما توحي به النفوس المريضة والأبصار الزائغة عن الحق. والسبب الرئيسي والأساسي لسقوط الأمويين، هو فسادهم وانحرافهم عن الدين وطعن الدين باسم الدين، فقتلوا عترة رسول الله(ص) ، فبدؤوا بسبطي النبي(ص) وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين(ع) وسبوا حريمهم، ومن قبل قتلوا عمار بن ياسر قتيل الفئة الباغية، وقتلوا حجراً، وأمَّروا أولاد الزنا، وعاثوا في الأرض فساداً على أيد العتاة المردة من جلاوزتهم أمثال بسر بن أرطاة، وعبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر، والحجاج بن يوسف الثقفي، وغيرهم من المجرمين.
فمنذ مقتل الحسين(ع) بدأت الثورات ضد الحكم الأموي تتوالى، وكأنّ دم الحسين(ع) استصرخهم، واشتعلت الثورة ابتداءً من خطبة زينب (س)، إلى استنكار عام لهذا العمل الفظيع الذي تبلور فيما بعد في واقعة الحرة وانتفاضة المدينة، وثورة التوابين، وثورة المختار الثقفي، وثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث التي انضم إليها الشيعة والعباد والقرّاء وحتى الخوارج والمسيحيون([3])، وثورة يزيد بن المهلب، وثورة المطرف بن المغيرة([4])، ثم ثورة زيد بن علي بن الحسين(ع)([5])، ثم انتفاضة يحيى بن زيد، حتى ثورة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، وأبي مسلم الخراساني([6]).
وكان كل المناهضين للحكم الأموي ومهما اختلفوا يتخذون آل بيت النبي(ص) رمزاً وشعاراً لحركاتهم وتحركاتهم. والتي نهضت بها سواعد الشيعة، وأبو مسلم الخراساني كان مثالاً لهذه الحركات. فقد استطاع أن يتغلب على بلاد خراسان، وأن يهزم نصر بن يسار عامل مروان الحمار على خراسان، واستقر الأمر لأبي مسلم الذي كان يتخذ من الثأر للحسين(ع) شعاراً، ثم اتجه إلى العراق واحتلها، ولكنه يخفي تحت هذا الشعار الدعوة إلى العباسيين.
أما أبو سلمة الخلال فكان هو الآخر يدعو لآل محمد(ص) ولكنه كان مخلصاً في دعوته لهم (عليهم السلام).
إلا أن التباين والدهشة ثم التخاذل ظهر حين بايع أبو مسلم الخراساني بالخلافة لأبي العباس السفاح في الكوفة يوم العاشر من محرم سنة (132هـ).
وكانت معركة الزاب هي نهاية الحكم الأموي إلى الأبد، فقد جاء في (مروج الذهب) و(تاريخ اليعقوبي) وغيرهما من المؤرخين؛ أنّ مروان بن محمد قد انهزم في معركة نهر الزاب بعد أن قتل أكثر من معه من الجيش وغرق في نهر الزاب خلق كثير ممن كانوا معه، وكان فيمن غرق من بني أمية ثلاثمائة غير من غرق من سائر الناس، واتجه مروان فيمن بقي معه نحو الموصل فمنعه أهلها من دخولها فاتجه إلى حران وكانت داره بها وعياله يقيمون فيها، ثم هرب بهم إلى فطرس في بلاد فلسطين، وعبد الله بن علي في إثره، وفي طريقه حاصر دمشق وفيها الوليد بن معاوية بن عبد الملك في خمسين ألف مقاتل ففتحها وأسر جماعة من أحفاد عبد الملك بن مروان وأرسلهم إلى أبي العباس في الحيرة، فقتلهم وصلبهم فيها. كما قتل من بني أمية وغيرهم خلقاً كثيراً، ومضى في طريقه إلى نهر أبي فطرس فقتل جماعة ممن كانوا مع مروان الحمار وأسر من بني أمية بضعاً وثمانين رجلاً، وقد كان جمعهم في مكان خاص وأمرهم بالدخول عليه، وأعدّ لكل رجل منهم رجلين يحملان العمد، وحينما دخلوا عليه أطرق ملياً..
فقام أحد الشعراء وأنشد أبياتاً جاء فيها:
أما الدعاة إلى الجنان فهاشم |
|
وبنو أمية من كلاب النار |
وكان النعمان بن يزيد بن عبد الملك جالساً إلى جانب عبد الله بن علي، فالتفت إلى الشاعر وقال: كذبت يا ابن اللخناء، فرد عبد الله بن علي قائلاً: بل صدقت يا أبا محمد امض لقولك.
ثم التفت إلى الأمويين، وأخذ يذكّرهم بمقتل الحسين(ع) وبنيه وإخوته وأنصاره وما جرى لأهل بيته من الإهانة والسبي والإذلال، ثم صفّق بيديه، فضرب القوم رؤوس الأمويين بالعمد التي أعدّوها فماتوا عن آخرهم، فناداه رجل من أقصى القوم:
عبد شمس أبوك وهو أبونا |
|
لا نناديك من مكان بعيد |
فقال له عبد الله: هيهات هيهات.. لقد كان ذلك ولكن قطعه قتل الحسين بن علي(ع) وسبي نسائه وأطفاله.
ثم أمر بهم فسحبوا وطرحت عليهم البسط وجلس بمن معه عليها ودعا بالطعام فأكلوا، وقال: يوم كيوم الحسين ولا سواء.
ثم دعا بذلك الرجل الذي أنشد البيتين وقال:
ومدخل رأسه لم يدنه أحد |
|
بين الفريقين حتى لزّه القرن |
وأمر بضرب عنقه.
وجاء في (البداية والنهاية) لابن كثير([7]): أن عبد الله بن علي عندما احتلّ دمشق أباح القتل فيها ثلاث ساعات وأنه قتل جمعاً كبيراً من الأمويين قُدّر بعشرات الآلاف.. ونبش قبور حكام آل أمية وأظهر العظام وحرقها إلا أنه لم يجد في قبر يزيد شيئاً إلا خط أسود على مساحة القبر كأنه خط بالرماد. ووجد جسد هشام بن الحكم على حاله وكان طلي بمعدن خاص يحفظه من الاهتراء فجلده ثمانين جلدة ثم أحرقه، ويعلل بعض المؤرخين جلده بأنه فعل ذلك به لأنه كان قذف أم زيد بن علي بالزنا حينما وقف بين يديه، وقال له: أخرج يا ابن الزانية، وقيل: إنما فعل ذلك انتقاماً لأبيه علي بن عبد الله، لأن هشاماً كان قد جلده ثمانين سوطاً..([8])
ويرى بعض الرواة أنّ الآية من سورة القدر (ليلةٌ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهْر)([9]) تشير إلى الزمان الذي تعيشه تلك الدولة التي لم تترك حرمة من حرمات الإسلام إلا وداستها ووطأتها بأقدامها، ولا لوناً من ألوان التعذيب والتنكيل بالعلويين والأبرياء من صلحاء المسلمين إلا ومارسته، وحققت لأبي سفيان وحزبه جميع ما كان يحلم به ويعمل من أجله، ولكن الله يمهل ولا يهمل..
لقد سقطت الدولة الأموية بعد تسعين عاماً على إنشاءها لتقوم دولة أخرى بدماء العلويين كما قامت دولة الأمويين على دمائهم.
([3]) الأخبار الطوال: للدينوري.
([5]) تاريخ ابن كثير، ومقاتل الطالبيين.
([7]) البداية والنهاية لابن كثير 10: 45.
([8]) تاريخ اليعقوبي: 92- 93، وكذا المجلد الثاني من مروج الذهب للمسعودي.