ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي (14 / ربيع الثاني / السنة 66 هـ)

قيم هذا المقال
(1 Vote)
ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي  (14 / ربيع الثاني / السنة 66 هـ)

هوية المختار

ولد المختار في مدينة الطائف، حيث كانت موطن أهله وعشيرته من ثقيف، ويمكننا التثبيت من أن ولادته كانت في السنة الأولى للهجرة، ذلك لأن جلّ المصادر تؤكد على أن مقتله كان في سنة 67 للهجرة، عن عمر يناهز السابعة والستين، ولازم ذلك أن ولادته كانت في السنة الأولى للهجرة([1]).

أبوه أبو عبيدة بن مسعود، كان قد اعتنق الإسلام وأخلص له، وقد اشترك في معارك المسلمين مع الفرس، واختاره عمر بن الخطاب للقيادة، فأبدى في ميادين القتال شجاعة واستبسالاً قلّ نظيرهما في تاريخ المعارك، وقد وقع شهيداً في إحدى معاركه مع الفرس على شاطئ الفرات، فاستلم القيادة بعده ابنه جبر وقتل بعده.

أمه دومة، امرأة عربية كانت قد اشتركت مع زوجها في المعارك خلال معاركه للفرس، وتلقت مصرعه ومصرع ولدها جبر بصبر وثبات، وكان المختار يومذاك في الثالثة عشرة من عمره، وقد بدت عليه علائم النجابة، وهو في حداثة سنه، ويروي بعض المؤرخين بهذه المناسبة: أن أباه جاء به إلى أمير المؤمنين(ع) وهو صبي فأجلسه في حجره، ومسح رأسه وهو يقول: يا كيّس يا كيّس([2]).

وقد استنتج البعض من هذه الكلمة: أن علياً(ع) كان يعبّر بها عن مخبآت المستقبل، وبما يظهر له من بطولات، وحنكة سياسية وآراء، وتصرفات سديدة رشيدة كالأخذ بثارات أهل البيت(عليهم السلام)   ومناوأة المغتصبين لحقوقهم وتراثهم، وليس ذلك ببعيد إن صحّ أن أمير المؤمنين قد وصفه بذلك، كما استنتج فريق آخر من هذه الرواية، بأنها تشير إلى فرق الكيسانية التي وضع المختار نواتها كما يدعون.

موقف المختار من أهل البيت(عليهم السلام)

اشتهر المختار بالتشيع لأهل البيت(عليهم السلام)  منذ نعومة أظفاره، ولكنه انصرف عن السياسة والمعارضة السلبية لمعاوية، لأنه كان قوياً، وقد استعمل سياسة البطش والقتل والتنكيل بالشيعة، بل حتى بمن يتهم بالتشيع بعد أن وجد أن المعارضة لا تجدي شيئاً، فخرج من الكوفة الى ضيعة له خارجها، ولم يرجع إلى الكوفة إلا بعد أن دخلها مسلم بن عقيل موفداً من الحسين(ع) لشيعتها، وحينما دخلها مسلم بن عقيل نزل عليه ضيفاً، فرحب بقدومه، ومضى يدعو الناس إلى البيعة للحسين ولزوم طاعته، ويعزو بعض الباحثين في هذا الموضوع وهو اختيار مسلم لدار المختار إلى ما كان بينهما من روابط المودة والصداقة القديمة منذ نعومة أظفارهما، وإلى تشيّع المختار وولائه الأكيد لأهل البيت(عليهم السلام)   وإخلاصه لمبادئ التشيع بالإضافة إلى مصاهرة المختار لوالي الكوفة النعمان بن بشير حيث كان زوجاً لعمرة بنت أبي عبيدة مما يجعله في مأمن من الوالي ما دام مقيماً في دار صهره([3]).

غير أن ما ذكره من الصداقة والمودة البعيدة الأمد بينهما منذ نعومة أظفارهما فليس في المصادر التي تعرضت لتاريخهما ما يشير إلى ذلك، هذا بالإضافة إلى الفارق الكبير بينهما في السن، فلقد كان المختار في الستين من عمره يومذاك، ومسلم في حدود الأربعين، وكان المختار يعيش في العراق بينما مسلم في الحجاز.

وكيفما كان الحال فالمؤكد الذي عليه المؤرخون، أن دار المختار كان مركزاً لمسلم وللقائه بالوفود المبايعة له إلى حين قدوم عبيد الله بن زياد واستلامه إمارة الكوفة،‏ خلفاً للنعمان بن بشير الذي عزله يزيد بسبب ما يتصف به من لين وضعف تجاه‏ تحركات مسلم وأصحاب الحسين(ع).

وبعد مقتل مسلم، ووصول الخبر ببلوغ الحسين(ع) إلى كربلاء، جمع المختار جماعة من الشيعة، واتجه بهم قاصداً نصرة الحسين(ع) فأخذته الشرطة التي كلفها ابن زياد بملاحقة الخارجين لنصرة الحسين(ع) فاعتقلوه، وحينما أدخلوه على ابن مرجانة، تناول الأخير قضيباً، وانهال به يضربه على وجهه ورأسه، فأصاب عينه وشترها، ثم ألقاه في السجن مع من اعتقلهم من الشيعة([4]).

ويروي ابن أبي الحديد: أنه لما زجّ بالمختار في السجن، كان ميثم التمار معتقلاً فيه وعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث، وكان عبد الله والمختار يعتقدان أن ابن زياد سيقتلهما لا محالة فجعلا يستعدان للقاء الله تعالى، غير أن ميثم التمار وبما انتهى إليه من أمير المؤمنين(ع) من الغيبيات التي كان النبي يختصّه بها، أخبرهما بما يجري لهما، فقال لابن الحارث: إنك ستخرج من سجن هذا الطاغية، وتحكم البصرة، وقال للمختار: إنك ستخرج وتتولى الثأر من قتلة الإمام الحسين وأنصاره، وتطأ بقدميك على وجنتيه، وبهذا أخبرني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب([5]).

هذا ولما علمت أخت المختار زوجة عبد الله بن عمر بخبر سجنه، طلبت من زوجها عبد الله بن عمر أن يتدخل ويطلب من يزيد إطلاق سراحه، ففعل فأطلق سراحه، وأمره ابن مرجانة أن يغادر العراق خلال ثلاثة أيام، وإن وجده بعدها ضرب عنقه([6]).

موقف المختار من الأمويين

مما لا يمكن لباحث أن ينكره ‏معارضة المختار الكبيرة للحكم الأموي، ولسياسة الأمويين، وتسلطهم منذ دخل معترك السياسة، وتعرض بسبب ذلك لسجونهم ومعتقلاتهم وتعذيبهم، وقد حاربهم مع ابن الزبير حينما فرّ من ابن زياد من الكوفة، والتحق به في مكة، وفيها اشترك مع المكيين في صدهم عن الكعبة التي كانت هدفاً لنيرانهم ووسائل الدمار التي استعملوها للإجهاز على حركة ابن الزبير قبل ان يستفحل أمرها، وحارب قتلة الحسين والجيش الأموي الذي قاده ابن زياد لاسترجاع العراق إلى الحكم الأموي حتى قضى عليه في الموصل، وعلى أعوانه ممن اشترك في معركة كربلاء([7]).

موقف المختار من عبد الله بن الزبير

لما خرج المختار من سجن ابن زياد في الكوفة إلى الحجاز وهو يقول: والله لأقطعنّ أنامل ابن زياد، ولأقتلنّ بالحسين بن علي عدد من قتل بدم يحيى بن زكريا، وكان ابن الزبير قد رفع رأسه، وعادت إليه كل أمانيه وأحلامه بخروج الحسين إلى العراق ومصرعه على ثرى الطف، والحجاز هو البلد الأول الذي حمل لواء المعارضة للدولة الأموية بعد مقتل الحسين بن علي، وتركزت المعارضة فيه بشخص ابن الزبير الذي أصبح سيد الموقف يومذاك بعد مجزرة كربلاء([8]).

لم يكن المختار ممن يجهل نوايا ابن الزبير وأطماعه، وحقده على البيت العلوي، ولكنه لم يجد سبيلاً لمحاربة الأمويين، والانتقام من قتلة الحسين(ع) إلا بالالتجاء إلى أقوى المعارضين لدولتهم، فلجأ إلى ابن أبي الزبير وكان‏ يريد بالالتجاء إليه إضعاف الأمويين، وخلق جو من الاضطرابات والفوضى في مختلف المناطق، وبخاصة العراق معقل التشيع فحثّه على القيام والقتال، وشارك في معاركه وأبلى معه بلاءً حسناً([9]).

انتقام المختار من قتلة الحسين(ع)

بعد أن قضى المختار وقتاً مع ابن الزبير كان قد تحقّق ما أراده من إشاعة الفوضى والاضطرابات في أرجاء الدولة الأموية، وخاصة في العراق، فلما تبين له أن الكوفة قد ثارت، وهي على استعداد للأخذ بثأر الحسين لو تيسر لهم الزعيم الذي يجمعهم تحت لوائه توجّه إلى الكوفة، وترك ابن الزبير المعادي لأهل البيت(عليهم السلام) ، وكان سليمان بن صرد ومن معه من التوابين يستعدون لقتال الأمويين، فلم يشترك معهم وانتهت حركتهم على النحو المعروف، وعادت فلولهم إلى الكوفة وانضموا إلى المختار([10]).

فجاهر المختار في الدعوة إلى العلويين، وأخذ البيعة لهم، فكثرت أنصاره حتى طرد عامل ابن الزبير على الكوفة، وانضم إلى المختار إبراهيم بن الأشتر، وحارب فلول الأمويين والزبيريين حتى خضع العراق وسائر الأمصار عدا الحجاز والشام والجزيرة للمختار([11]).

وما إن دخل المختار قصر الإمارة حتى بسط يده يطلب البيعة على كتاب الله والطلب بثأر أهل البيت، ومناصرة من يناصرهم، وفي هذه الأثناء فرّ شمر ابن ذي الجوشن، وعمر بن سعد، ومحمد بن الأشعث من الكوفة، غير أنهم بعد ذلك سمعوا بخروج الناس على ا لمختار في الكوفة فعادوا إليها، وجعلوا يحرّضون الناس عليه، وقادوا معركة ضارية معه انتهت الى انتصار المختار([12]).

ثم نادى منادي المختار في أرجاء الكوفة: من أغلق بابه فهو آمن إلا من اشترك في قتل الحسين. وأطلق العنان لجيشه لينتقموا من قتلة الحسين، وقال لأصحابه: اطلبوا قتلة الحسين وآل البيت، فإنه لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض والمصر منهم، فتعالت الصيحات من كل جانب: يا لثارات الحسين. فأخذ الجيش باستخراجهم من مخابئهم وقتلهم، ثم قبض على عمر ابن سعد فقتله واحتز رأسه، وأحضر ابنه حفص، فقال له: أتعرف هذا الرأس؟ فقال: نعم ولا خير في العيش بعده. فقال له: ومن أنبأك أنك تعيش من بعده. فأمر بقتله ووضع الرأسين بين يديه وبكى، ثم قال: هذا برأس الحسين، وهذا برأس علي الأكبر، والله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله([13]).

ومضى المختار يطارد قتلة الحسين وآله وأصحابه، حتى لم يبق أحد إلا فرّ أو قتل، ثم استأجر نوادب من نساء الكوفة يندبن الحسين، ومن قتل معه على باب عمر بن سعد([14]).

ثم أنه قد وصله أخبار تحرك عبيد الله بن زياد بجيش نحو العراق لتحريره من الزبيريين عن طريق الموصل كان قد أعده عبد الملك بن مروان، فجهز جيشاً مؤلفاً من سبعة آلاف لمقابلته، فالتقى الجيشان عند نهر الخازر في ضواحي مدينة الموصل، ودار بينهما قتال عنيف انتهى بهزيمة جيش ابن زياد وقتله، فطلب ابن الأشتر جثة ابن زياد واحتز رأسه وأحرق جثته.

أرسل المختار رأسي عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد إلى الإمام زين العابدين في المدينة، ولما ورد الرسول المدينة بالرأسين، نادى: يا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة ومهبط
الوحي أنا رسول المختار بن أبي عبيدة، ومعي رأس ابن مرجانة وعمر بن سعد، فضج الناس وتصايحوا، حتى أدخل الرأسين على الإمام زين العابدين، ووضعهما بين يديه، فلما رأهما (ع) قال: أبعدهما الله إلى النار، ولم ير الإمام (ع) يوماً قط ضاحكاً منذ قتل أبوه إلا في ذلك اليوم([15]).

وعندما علم ابن عباس بذلك قال: جزاه الله عنّا وعن رسول الله خير جزاء المحسنين، لقد أخذ بثأرنا وأدرك وترنا. كما خرّ محمد بن الحنفية ساجداً شاكراً لله، وقال: جزاه الله خير الجزاء، لقد أدرك لنا ثأرنا ووجب حقه على كل من أولده عبد المطلب بن هاشم. وعن فاطمة بنت علي(ع) قالت: ما تخضّبت امرأة من العلويات، ولا أجالت في عينيها مروداً، ولا ترجّلت حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد إلى المدينة. وقد روى المرزباني نفس هذا المضمون عن الإمام الصادق(ع)([16]).

وفي رواية عن المنهال بن عمرو أنه قال:‏ حججت في السنة التي ظهر فيها المختار، ودخلت على الإمام علي بن الحسين، فقال لي: يا منهال ما فعل حرملة ابن كاهل؟ فقلت: تركته حياً يرزق، فرفع الإمام (ع) يديه، وقال: اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر النار. ومضى المنهال يقول: فرجعت إلى الكوفة، وذهبت لزيارة المختار ذات يوم، وكان لي صديقاً، فوجدته قد ركب دابته، فركبت معه حتى أتى الكناسة، فوقف ينتظر شيئاً، وكان قد وجّه الشرطة في طلب حرملة بن كاهل، فلما وقف بين يديه، قال: الحمد لله الذي أمكنني منك. ثم دعا الجزّار وأمره بأن يقطع يديه ورجليه، وبحزمة قصباً، فقطع يديه ورجليه وأحرقه بعد ذلك، فقلت بعدما رأيت ذلك: يا سبحان الله. فالتفت إليّ المختار، وقال: ممّ سبّحت يا منهال؟ فقصصت عليه ما سمعته من الإمام (ع)، ودعاءه على حرملة، فقال لي: بالله عليك لقد سمعت ذلك؟ فقلت: إي والله. فنزل وصلى ركعتين وصام نهاره شكراً لله على استجابة دعاء الإمام علي بن الحسين على يديه([17]).

وبلا شك فإنّ المختار قد أدخل السرور على قلوب أهل البيت، وقد ترحّم عليه الإمامان الباقر والصادق(ع)، ونزهه الإمام الصادق من كل ما نسب إليه، ويروى أنه دخل على الإمام الباقر(ع) الحكم بن المختار فتناول الحكم يد الإمام ليقبلها فمنعه، وقال له من أنت؟ فقال: أنا الحكم بن المختار. وكان متباعداً من أبي جعفر(ع) فمد الإمام يده إليه وأدناه حتى كاد يقعده في حجره، فقال له الحكم: أصلحك الله إن الناس قد أكثروا في أبي وقالوا، والقول كثير، يقولون إنه كذاب، ولا تأمرني بشيء إلا قبلته.

فقال (ع): «يا سبحان الله لقد أخبـرني أبي أن مهر أمي كان مما بعث به المختار، أو لم يبنِ دورنا، وقتل قاتلينا، وطلب دماءنا رحمه الله». إلى أن قال: «رحم الله أباك، رحم الله أباك، ما ترك لنا حقاً عند أحد إلا طلبه».

 

([1]) الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ: 442.

([2]) المصدر السابق.

([3]) حياة المختار للخرطبولي: 63.

([4]) تاريخ اليعقوبي 2: 162.

([5]) شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 127.

([6]) المصدر السابق.

([7]) الكامل في التاريخ 4: 160.

([8]) الانتفاضات الشيعة عبر التاريخ: 452 - 453.

([9]) الكامل في التاريخ 4: 167.

([10]) المصدر السابق.

([11]) الأخبار الطوال للدينوري: 300.

([12]) الخوارج والشيعة: للمستشرق فلهوزن 52.

([13]) تاريخ الطبري 4: 533.

([14]) الأخبار الطوال: 360.

([15]) تاريخ اليعقوبي 2: 164.

([16]) المختار الثقفي للخرطبولي: 203.

([17]) الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ: 462 - 464.

قراءة 6570 مرة