ميلاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ([1])
وليدة الأسرة المباركة:
غني عن التعريف أن نذكر حياة كلّ من النبي الأكرم(ص) والسيدة خديجة عليها السلام وكيفية زواجهما، إمّا النبي الأكرم (ص) فهو خير البشر أجمع ولا يقاس به أحد وهو أفضل المخلوقات وسر وجودها وأمّا السيدة خديجة الكبرى فهي أول إمرأة آمنت برسول الله (ص) وصدقته وآزرته بمالها فلذا كان رسول الله(ص) يودّها ويحترمها ويشاورها في أموره، وكانت له وزير صدق...
وفي حقها قال النبي(ص) : «وخير نساء أمّتي خديجة بنت خويلد»([2]).
ففاطمة الزهراء عليها السلام ولدت من هذين الشخصيتين العظيمتين وهما النبي الأعظم محمد بن عبد الله (ص) والسيدة خديجة الكبرى بنت خويلد.
وقد روى أكثر العلماء ومنهم الشيخ الطوسي في المصباح والعلامة المجلسي في حياة القلوب أن ولادة تلك السيدة الجليلة تصادف العشرين من شهر جمادى الثانية ويوم الجمعة في السنة الخامسة بعد المبعث وقيل لسنتين بعد المبعث([3]).
وفي رواية أخرى عن عائشة قالت: فادركتني الغيرة يوماً، فقلت: وهل كانت إلا عجوزاً قد أخلف الله لك خيراً منها.
قالت: فغضب حتى اهتزّ مقدم شعره، وقال: والله ما أخلف لي خيراً منها، لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وأنفقتني مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله أولادها إذ حرمني أولاد الناس.
قالت: «فقلت في نفسي والله لا أذكرها بسوء أبداً»([4]).
في هذا الجو من البهجة والسعادة والاحترام المتبادل وُلِدَت الزهراء عليها السلام ؛ فأبوها أشرف الخلق، وسيد الرسل، وخاتم الأنبياء، وحبيب الله، وهو الذي كان يتمتّع بالخُلُق السّامي حتى أثنى عليه القرآن الكريم فقال سبحانه وتعالى: (وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ)([5]) وأمّها كانت سيدة قومها ذات الشرف السامي والنسب الرفيع، والجمال المهذّب، والمال الوفير، والعقل الموزون، والشخصية المتميّزة، فهي سيدة قومها...
الزهراء كانت وليدة من هكذا أمٍّ وأبٍ فهي من دوحة النبوة، ومن ذلك الشرف والعز والعظمة.
أما كيف انعقدت نطفتها الطاهرة؟ فإليك ما اتفق عليه مؤرخوا المسلمين عن الإمام الرضا(ع) قال: قال النبي(ص): «لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبـرئيل وأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي فلمّا هبطت واقعت خديجة، فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة»([6]).
وفي (الروض الفائق) لشعيب المصري: روى بعض الرواة الأجلاء أن خديجة الكبرى تمنّت يوماً من الأيام على سيد الأنام النبي(ص) أن تنظر إلى بعض فاكهة الجنة، فأتى جبرئيل إلى نبي الرحمة بتفّاحتين من الجنة، وقال: «يا محمد يقول لك من جعل لكل شيء قدراً كُلْ واحدةً وأطعِم الأخرى لخديجة الكبرى، واغشها، فإني خالق منكما فاطمة الزهراء، ففعل المختار ما أشار به الأمين وأمر».. إلى أن قال: «فكان المختار كلّما اشتاق إلى الجنة ونعيمها قبّل فاطمة وشمّ طيب نسيمها، فيقول حين يستنشق نسمتها القدسيّة: إن فاطمة حوراء إنسية»([7]).
أقول: هذه الرواية وعشرات في مضمونها وردت في أمّهات المصادر وكتب التاريخ تؤكد أن نطفة الزهراء انعقدت من فاكهة الجنة، وإنّ الجليل سبحانه وتعالى شاء أن تكون الزهراء حوراء إنسية كما أشار إلى ذلك النبي(ص) ، لذا وجدتُ من الأهمية بمكان أن أشير إلى جملة من المؤرخين وإلى بعض المصادر التي ذهبت إلى ذكر هذا المعنى المتّحد في ذاك المضمون وبألفاظ متقارب منهم:
الخطيب البغدادي في (تاريخه) الجزء الخامس ص87.
والخطيب الخوارزمي في (فضل الحسين) ص63.
والحافظ الذهبي في (ميزان الاعتدال) الجزء الأول ص38.
والعلامة الزرندي في (نظم درر السمطين).
والحافظ العسقلاني في (لسان الميزان) الجزء الخامس ص160.
والعلامة القندوزي في (ينابيع المودة).
والعلامة محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى) ص43.
أقول: لقد روى هؤلاء الأعلام خبر فاكهة الجنة وانعقاد نطفة الزهراء(س) منها، وبطرق عديدة، ورواتها كلّ من: عائشة، وابن عباس، وسعيد بن مالك، وعمر بن الخطاب.
إذاً متى ولدت أم الأئمة فاطمة عليها السلام ؟
اتفقت الأخبار من طرقنا الخاصة ومن طرق غيرنا أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات، وفي بعض الأخبار أنها ولدت بعد المعراج مباشرة، وسنة المعراج (الأول) للنبي(ص) كانت في السنة الثالثة من المبعث، وقيل في السنة الثانية.
ومن خلال عدة من النصوص أنّ النبي عرج به إلى السماء أكثر من مرة لذا تصدق تلك الروايات التي قالت كانت ولادة فاطمة في السنة الخامسة بعد المبعث وهي السنة التي عرج بها النبي إلى السماء وأكل من فاكهة الجنة([8]).
أما اليوم فإنه كان في العشرين من جمادى الآخرة وأقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين، ثم هاجرت مع الفواطم إلى المدينة المنورة، وعلى هذا التحديد جملة كبيرة من علماء الأمة وكبار المؤرخين كالشيخ الكليني في كتابه (الكافي).
وابن شهر آشوب في (مناقب آل أبي طالب).
والشيخ المفيد كما في (إقبال الأعمال)، و(حدائق الرياض).
والشيخ الكفعمي في (المصباح)، وهكذا الشيخ الطوسي.
والطبري في (دلائل الإمامة)؛ كما هو المروي عن الإمام الصادق(ع)، والشيخ المجلسي في (بحار الأنوار) الجزء 43.
وعليه تأكّد لنا أن ولادة الزهراء عليها السلام كان بعد المعراج مباشرة، وهذا يعني أنها ولدت بعد البعثة المباركة بخمس سنين. ومن قال غير ذلك فهو ضعيف لا يقوم على دليل لأن قبل المبعث لم يكن معراج ولا إسراء، فافهم وتدبّر، ولا تذهب بك الظنون والمذاهب.
فاطمة... فداها أبوها:
روى الصدوق في (أماليه)، بسنده عن محمد بن قيس، قال: كان النبي(ص) إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة عليها السلام فدخل عليها فأطال عندها المكث، وقد خرج مرة في سفر فصنعت فاطمة عليها السلام مسكتين من ورق وقلادة وقرطين([9]) وستراً لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها(ع)، فلمّا قدم رسول الله(ص) دخل عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها، فخرج عليهم رسول الله(ص) وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس عند المنبر، فظنّت فاطمة عليها السلام أنه إنّما فعل ذلك رسول الله(ص) لما رأى من المسكتين والقلادة والقرطين والستر، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها، ونزعت الستر، فبعثت به إلى رسول الله(ص) وقالت للرسول: قل له تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول: اجعل هذا في سبيل الله: فلمّا أتاه قال (ص) : «فعلت!. فداها أبوها - ثلاث مرات - ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما أسقى فيها كافراً شربة ما». ثم قام فدخل عليها([10]).
محبة فاطمة وشفاعتها:
عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قلت لأبي جعفر الباقر(ع): جعلت فداك يا ابن رسول الله حدّثني بحديث فضل جدتك فاطمة، إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك.
فقال أبو جعفر(ع): «حدّثني أبي عن جدّي عن رسول الله(ص) قال: إذا كان يوم القيامة تُنصب للأنبياء والرسل منابر من نور، فيكون منبـري أعلى من منابرهم يوم القيامة.
ثم يقول: اخطب، فاخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها.
ثم ينصب للأوصياء منابر من نور، وينصب لوصيّ علي بن أبي طالب في أوساطهم منبـر، فيكون منبـره أعلى من منابرهم.
ثم يقول: يا علي اخطب، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها.
ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور، فيكون لابني وسبطي وريحانتي أيام حياتي منبـر من نور، ثم يقال لهما: اخطبا. فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلها.
ثم ينادي المنادي وهو جبـريل(ع): أين فاطمة بنت محمد؟ فتقوم (س)، إلى أن قال: فيقول الله تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟
فيقول: محمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام: لله الواحد القهار.
فيقول الله تعالى: يا أهل الجمع إني قد جعلتُ الكرم لمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.
يا أهل الجمع: طأطؤا الرؤوس، وغضّوا الأبصار، فإن هذه فاطمة تسير إلى الجنة، فيأتيها جبـرئيل بناقة من نوق الجنّة، مدبّجة الجنبين، خطامها من اللؤلؤ الرطب، عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها، فتركبها، فيبعث الله مائة ألف ملك ليسيروا عن يمينها، ويبعث إليها مائة ألف ملك ليسيروا عن يسارها، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم، حتى يصيروا على باب الجنة، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت، فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك، وقد أمرتُ بك إلى جنّتي؟
فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم.
فيقول الله: يا بنت حبيبي! ارجعي فانظري من كان في قلبه حبٌ لكِ أو لأحد من ذريتك، خُذي بيده فأدخليه الجنة».
قال أبو جعفر الباقر(ع): «والله يا جابر، إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبّيها، كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من الحبّ الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله تعالى: يا أحبّائي ما التفاتكم، وقد شفّعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟
فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم.
فيقول الله: يا أحبّائي. ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحب فاطمة.
انظروا من أطعمكم لحب فاطمة.
انظروا من سقاكم شربة ماء لحب فاطمة.
انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة.
فخذوا بيده وأدخلوه الجنة»([11]).
نعم إنها الجنة إن شاء الله، هذه فاطمة بنت محمد(ص) إنها لتشفع لمحبّيها يوم المحشر على رغم أنوف مبغضيها.
منزلة فاطمة عند رسول الله (ص):
روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله(ص) في مرضه الذي قبض فيه، لفاطمة(س): بأبي وأمي انتِ! أرسلي إلى بعلك فادعيه لي.
فقالت فاطمة للحسين أو للحسن: «انطلق إلى أبيك فقل: يدعوك جدّي».
فانطلق إليه الحسين(ع) فدعاه، فأقبل علي بن أبي طالب(ع) حتى دخل على رسول الله(ص) وفاطمة عنده وهي تقول: «وا كرباه لكربك يا أبتاه!».
فقال رسول الله(ص) : «لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة، ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم([12]): تدمع العينان، وقد يوجع القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون».
وروي أن النبي(ص) دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين(ع) وقال لمن في بيته: أخرجوا عني.
وقال لأم سلمة: كوني على الباب فلا يقربه أحد.
ثم قال لعلي: اُدنُ منّي، فدنا فأخذ بيد فاطمة فوضعها على صدره طويلاً وأخذ بيد علي بيده الأخرى، فلما أراد رسول الله(ص) الكلام غلبته عبرته، فلم يقدر على الكلام، فبكت فاطمة بكاءً شديداً وبكى علي والحسن والحسين عليهم السلام لبكاء رسول الله(ص).
فقالت فاطمة: يا رسول الله قد قطَّعت قلبي، وأحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين والآخرين، ويا أمين ربه ورسوله، ويا حبيبه ونبيه.
مَنْ لِوُلدي بعدك؟
ولذُلٍّ ينزل بي بعدك؟
مَنْ لعليّ أخيك وناصر الدين؟
مَنْ لوحي الله وأمره؟
ثم بكت وأكبّت على وجهه فقبّلته، وأكبّ عليه علي والحسن والحسين عليهم السلام فرفع رأسه (ص) إليهم، ويد فاطمة في يده فوضعها في يد علي، وقال له: «يا أبا الحسن وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنك لفاعل هذا.
يا علي هذه والله سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين، هذه والله مريم الكبـرى([13]).
أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لهم ولكم فأعطاني ما سألته.
يا علي أنفذ ما أمرتك به فاطمة، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبـرئيل.
واعلم يا علي إني راضٍ عمّن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربّي وملائكته.
يا علي: ويل لِمَنْ ظلمها، ويل لِمَنْ انبزها حقها، وويل لمن هتك حرمتها».
ثم ضمَّ (ص) فاطمة إليه وقبّل رأسها وقال: فداك أبوك يا فاطمة([14]).
عصمة فاطمة عليها السلام:
عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت (إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً)([15]) فجاءت فاطمة ببرمة فيها ثريد، فقال (ص) لها: ادعي زوجك وحسناً وحسيناً. فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت هذه الآية فغشّاهم بكساء خيبري كان عليه، فقال:
«اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» قالها ثلاث مرات([16]).
وعن عائشة بنت أبي بكر قالت: خرج رسول الله(ص) غداة غدٍ وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخلهُ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً)([17]).
نقول: لقد نزلت في حق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عليهم السلام آيات عديدة، استدلّ بها المفسّرون والمؤرخون من أصحاب الفقه وأرباب المذاهب، على عصمة هؤلاء الخمسة الأطهار، ونحن توخينا الاختصار وتركنا البحث للقارئ النبيه، إذ هناك العشرات من المصادر ينبغي مراجعتها.
من فضائل فاطمة عليها السلام ومناقبها:
رُوي عن جابر بن عبد الله قال: إنّ رسول الله(ص) أقام أياماً ولم يُطعم طعاماً حتى شقّ ذلك عليه، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهن شيئاً فأتى فاطمة، فقال (ص) : «يا بنية هل عندك شيء آكله، فإني جائع؟».
قالت: لا والله بنفسي وأخي.
فلمّا خرج عنها بعثت جارية لها رغيفين وبضعة لحم فأخذته ووضعته تحت جفنة وغطّت عليها وقالت: والله لأوثرنّ بها رسول الله(ص) على نفسي وغيري. وكانوا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله(ص) فرجع إليها، فقالت عليها السلام: «قد أتانا الله بشيء فخبأته لك». فقال (ص): «هلمّي علي يا بنية». فكشفت الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليه بهتتْ وعرفت أنه من عند الله، فحمدت الله وصلّت على نبيه أبيها وقدّمته إليه، فلمّا رآه حمد الله، وقال (ص): من أين لك هذا؟
قالت: «هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب»، فبعث رسول الله(ص) إلى علي فدعاه وأحضره وأكل رسول الله(ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين وجميع أزواج النبي حتى شبعوا.
قالت فاطمة عليها السلام: «وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت منها على جميع جيراني جعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً»([18]).
أقول: ليهنك يا بنت محمد(ص) حيث أجراك الله سبحانه مجرى مريم بنت عمران (إذْ كُلّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً. قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنّىَ لَكِ هَـَذَا؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ)([19]).
بل أنت يا أمّ الهداة أعلى وأزكى وأطهر، فكم لك من آيات باهرات وكرامات ساطعات؟!
وهل يغيب عن الأذهان ما قال فيكِ النبي الأكرم(ص) ؟! فممّا قاله؛ كما هو عن
ابن عباس قال: إن رسول الله(ص) كان جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فقال: اللهم إنك تعلم أنّ هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس عليّ فأحبب من أحبهم، وأبغض من أبغضهم، ووال من والاهم، وعاد من عاداهم، وأعن من أعانهم، واجعلهم مطهّرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب، وأيّدهم بروح القدس منك.
ثم قال (ص): «يا علي أنت إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي، وأنت قائد المؤمنين إلى الجنة، وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور عن يمينها سبعون ألف ملك، وعن يسارها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك، تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة».
فقيل يا رسول الله هي سيدة نساء عالمها؟
فقال (ص): ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقرّبين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم، فيقولون: يا فاطمة: «يَا مَرْيَمُ إِنّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىَ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ»([20]).
وفي (المناقب) روى أبو علي الصولي في أخبار فاطمة، وأبو السعادات في فضائل العشرة بالإسناد عن أبي ذر الغفاري قال: بعثني النبي(ص) أدعو علياً فأتيت بيته وناديته فلم يجبني فأخبرت النبي(ص) .
فقال (ص) : «عد إليه فإنه في البيت ودخلت عليه فرأيت الرحى تطحن ولا أحد عندها».
فقلت لعلي: إنّ النبي(ص) يدعوك فخرج متّشحاً حتى أتى النبي(ص) فأخبرت النبي(ص) بما رأيت.
فقال (ص) : «يا أبا ذر لا تعجب فإنّ لله ملائكة سيّاحون في الأرض موكّلون بمعونة آل محمد»([21]).
وعن الحسن البصري، وابن إسحاق، عن عمار، وميمونة، أن كليهما قالا: وجدت فاطمة نائمة والرحى تدور، فأخبرت رسول الله بذلك، فقال: إنّ الله علم ضعف أمته فأوحى إلى الرّحى أن تدور فدارت([22]).
ومن مناقبها؛ أسلم ببركتها جمع غفير:
إنها عليها السلام رهنت كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة واستقرضت الشعير فلما دخل زيد داره قال: ما هذه الأنوار في دارنا؟
قالت: لكسوة فاطمة، فأسلم في الحال، وأسلمت امرأته، وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفساً([23]).
وتزامناً مع ذكرى ميلاد سيدة نساء العالمين حبيبة المصطفى وأمّ أبيها فاطمة الزهراء عليها السلام نعيش ذكرى ميلاد مؤسس وقائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني حفيد الزهراء، وابنها البار، الذي اقتدى بنهجها وجهادها، حتى أعاد إلى الأذهان قدرة الله سبحانه، وعز الإسلام، وما وعده الله لنبيّه، فقد أنجز وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهلك الأحزاب وحده..
([1]) أعلن يوم ولادة الزهراء في الجمهورية الإسلامية، يوماً للمرأة المسلمة في كل عام، ولقد تزامن يوم مولد الإمام الخمينيH مع مولد جدته فاطمة الزهراءB ولذا يحتفل الشعب الإيراني وبعض الشعوب المسلمة في هذا اليوم العظيم.
([3]) بنقل من كتاب منتهى الآمال 1: 255 بتصرف في العبارات..
([8]) الكافي: 1/442 باب مولد النبي حديث 13.
([9]) المسكة: السوار، والورق أي الفضة.
([11]) بحار الأنوار 8: 51، ط مؤسسة الوفاء - بيروت 1983.
([12]) إبراهيم بن رسول الله وأمّه مارية القبطية، توفي وله من العمر سنة ونصف.
([13]) أراد في (كونها مريم الكبرى) أي من حيث المنزلة أو من حيث الشبه.
([15]) سورة الأحزاب: الآية 33.
([18]) بحار الأنوار 43: 27، والخرايج.
([19]) سورة آل عمران: الآية 37.
([21]) الخرايج، ومناقب ابن شهر آشوب، وبحار الأنوار 43: 29 مع اختلاف يسير في الألفاظ.