ما هي المصادر الحديثّية المعتمدة لدى الشيعة؟

قيم هذا المقال
(2 صوت)
ما هي المصادر الحديثّية المعتمدة لدى الشيعة؟

جواب:

قبل التعرّض لبيان المصادر الحديثيّة المعتمدة عند الشيعة، من اللازم التذكير بالفارقين الأساسيين بين المراحل التاريخيّة التي قطعها الحديث عند كلّ من الشيعة والسنّة:

ألف. لقد تعرّض الحديث عند أهل السنّة إلى العديد من التقلّبات بعد وفاة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، أبرزها المنع من تدوين الحديث وتصنيفه الذي استمرّ منذ عهد الخلفاء إلى زمان حكم عمر بن عبد العزيز (سنة 99 هجريّة). وتُعدّ هذه المسألة من مسلّمات تاريخ الحديث التي لا يرتاب حولها أيّ باحث، كما يدلّ عليه ما نُقل عن الخليفة الثاني، حيث قال: >أقلّوا الرواية عن رسول الله إلاّ فيما يُعمل به<. (1)

وأمّا بالنسبة لتاريخ الحديث الشيعي، فقد كانت حلقاته ـ خلافاً لأهل السنّة ـ متّصلة بعصر الرسالة والإمامة بشكل كامل، ولم تُفقد أيّ واحدة من هذه الحلقات، بحيث لا نعثر على أيّ مقطع من تاريخ الحديث الشيعي تحت اسم >عصر المنع من تدوين الحديث<.

ب. أنّ المجمّعين للموسوعات والجوامع الحديثيّة السنّية الأولى قاموا بإعدادها اعتماداً على الروايات الشفاهيّة. فقد عمد كلّ من البخاري ومسلم ـ في الواقع ـ إلى تأليف الصحيحين من خلال المسموعات الروائيّة التي انتقلت إليهما عن طريق شيوخهما وأساتذتهما، بينما نجد أنّ المصنّفين للجوامع الحديثيّة الشيعيّة الأولى قد استفادوا من السنّة المكتوبة المعروفة عندنا بالأصول الأربعمائة؛ ولهذا يُطلق على هذه المرحلة اسم مرحلة تشكّل التراث الروائي الشيعي في قالب الأصول الأربعمائة، وهي مرحلة يختصّ بها تاريخ الحديث لدى الشيعة.

ويُطلق اسم الأصول الأربعمائة على مجموعة من المؤلّفات الحديثيّة التي تمّ إعدادها من قبل أصحاب الأئمّة عليهم السلام ـ وخاصّة في عصر الصادقين عليهم السلام ـ، وتمّت الاستفادة منها عند تصنيف الجوامع الروائيّة الشيعيّة؛ ولهذا يجب عدّها ـ بالنظر إلى اعتماد الجوامع الأوليّة عليها ـ بمثابة الرأسمال الأوّلي لتدوين الموسوعات الحديثيّة.

وبحسب النقولات التاريخيّة، فقد كانت هذه الأصول متواجدة إلى عصر أصحاب الجوامع الشيعيّة الأولى الذين عملوا على الاستفادة منها، كما أنّ عدداً منها بقي موجوداً إلى زمان كلّ من محمد بن إدريس الحلّي (ت 598)، والسيّد بن طاووس (ت 673) والشهيد الثاني (ت 966) والكفعمي (ت 1104) والميرزا حسين النوري (1320)، حيث كانوا يستندوا إليها أحياناً.

إنّ وجود العديد من العوامل، من ضمنها تطوّر المجتمع الشيعي وتكامله في عصر الغيبة الصغرى وبداية الغيبة الكبرى لصاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه، الحاجة المستمرّة لعلماء الدين الشيعة ـ أعمّ من الفقهاء والمتكلّمين والمفسّرين ـ لتراث روائي مدوّن ونشأة الخلاف في الرؤى الفقهيّة والكلاميّة على إثر تبعثر الأصول الروائيّة، كلّ ذلك ساهم في جعل مسألة تدوين الجوامع الحديثيّة من طرف الشيعة أمراً ضروريّاً أكثر من أيّ زمان آخر.

وكاستجابة لهذه الحاجة الملحّة، فقد بادر المرحوم الكليني (ت 329) والشيخ الصدوق (ت 381) والشيخ الطوسي (ت 460) إلى تصنيف موسوعات روائيّة،  وأخرجوا لنا كلاًّ من كتاب >الكافي<، >من لا يحضره الفقيه<، >مدينة العلم<، التهذيب< و>الاستبصار<. لكن لا يخفى أنّ علماء كبار، نظير أحمد بن محمد بن خالد البرقي ‌(ت 274)، محمد بن الحسن الصفّار‌(ت 290) والحميري القمّي ‌(ت 300) قد سبقوهم في تأليف هذه الكتب التي سنذكرها بالترتيب: المحاسن، بصائر الدرجات وقرب الإسناد. وبالتزامن مع عصر المرحوم الكليني والصدوق والشيخ الطوسي، فقد تمّ تدوين كتب حديثيّة أخرى من طرف هؤلاء العظماء ومحدّثين آخرين، نظير عيون أخبار الرضا عليه السلام، الخصال والأمالي للشيخ الصدوق، الغيبة والاقتصاد للشيخ الطوسي و... . لكن بما أنّ هذه الكتب الخمسة كانت تتمتّع بالجامعيّة والإتقان من ناحية متن الروايات وسندها، فقد حظيت باهتمام العلماء الشيعة في القرون المتأخّرة، لتُعرف ـ تدريجيّاً ـ باسم الكتب الروائيّة الشيعيّة الخمسة، لكن وبعد فقدان كتاب مدينة العلم، فقد اشتهرت بالكتب الحديثيّة الشيعيّة الأربعة.

وعلى هذا، تكون الكتب الروائيّة الأساسيّة الأربعة للشيعة بالشكل الآتي:

1. الكافي، ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني ‌(ت 329)؛

2. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمّي‌ (ت 381)؛

3. تهذيب الأحكام فى شرح المقنعة، شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ‌(ت 460)؛

4. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، الشيخ الطوسي‌ (ت 460).

وقد صُنّفت بعد ذلك مجموعة من الكتب الأخرى من أجل تكميل الجوامع الحديثيّة الشيعيّة وتنظيمها، وهي عبارة عن:

1. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار ‌(عليهم السلام‌)، العلاّمة محمد باقر المجلسي ‌(ت 215)؛

2. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، محمد بن الحسن الحرّ العاملي ‌(ت 1104).

ومن بين جميع الكتب الروائيّة الشيعيّة، يُمكننا الإشارة إلى الكتابين البارزين: نهج البلاغة والصحيفة السجّادية.

فنهج البلاغة ـ الذي عُدّ من قبل البعض فوق كلام البشر ودون كلام الخالق وبمثابة أخٍ للقرآن ـ هو اسم لكتاب أطلقه مصنّفه (أي السيّد الرضي المتوفّى سنة 406) على مجموعة من خطب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ورسائله وكلماته القصار. ويحتوي نهج البلاغة (الموجود بين أيدينا حاليّاً) على 241 خطبة و79 رسالة و480 حكمة (كلمة قصيرة).

وأمّا الصحيفة السجّادية التي تُلقّب بـ >زبور آل محمد عليهم السلام< و>إنجيل أهل البيت عليهم السلام< و>أخت القرآن<، فهي عبارة عن مجموعة من الأدعية المنسوبة إلى الإمام الرابع للشيعة.. علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وقد حوت هذه الأدعية في مطاويها على العديد من الدروس والتعاليم المهمّة في مختلف ميادين المعارف الدينيّة والتي وردت على شكل مناجاة وابتهالات.

كما توجد أيضاً العديد من الكتب الأخرى، لكنّنا سنتجنّب ذكرها رعايةً للاختصار.

 

الهوامش:

1. ابن كثير، البداية والنهاية، بيروت، دار الفكر، 1407 ق، ج 8، ص 107.

2. لمزيد من الاطّلاع، يُرجى مراجعة: نصيري، علي، آشنايى با علوم حديث (التعرّف على علم الحديث)، قمّ، مركز إدارة الحوزة العلميّة بقمّ، 1383 هـ ش، الفصل الثاني (التعرّف على تاريخ الحديث عند الشيعة).

 

قراءة 7187 مرة