التوسل بأولياء الله

قيم هذا المقال
(0 صوت)

يدّعي الوهابيون حرمة التوسل بأولياء الله بعد وفاتهم ، وحرمة التوسل بمنزلة الأولياء وجاههم عند الله تعالى ، وسنذكر فيما يلي بعض ما يدل على بطلان ما يذهب إليه الوهابيون .

أولاً : قوله تعالى "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً" (النساء/64)

تصرّح الآية الكريمة بأن التوسل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والاستشفاع به إلى الله عز وجل والاستغفار منه لمغفرة المعاصي ، مؤثر وموجب للتوبة والرحمة الإلهية .

والآية الكريمة مطلقة لم تحدد الاستغفار بالرسول (ص) في حياته فقط ، ومن يحددها بحياته (ص) عليه أن يأتي بدليل مقيد للإطلاق .

ثانياً : التوسل بحق السائلين

روي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (ص) قال :

"مَنْ خَرَجَ مَنْ بَيْتِهِ اِلى الصَّلاةِ فَقالَ: اللَّهُمَّ إنّي أسْألُكَ بِحَقِّ السّائِلينَ عَلَيْكَ ، و َ أَسْأَلُكَ بِحَقَّ مَمْشاىَ هذا فَإنَّي لَمْ أخْرُجْ أشراً وَ لا بَطَراً وَ لا رياءً وَ لا سُمْعَةً ، وَ خَرَجْتُ اتّقاء سَخَطِكَ وَ ابْتِغاء مَرْضاتِكَ ، فَاَسْأَلُكَ أنْ تُعيذَني مِنَ النّارِ وَ أنْ تَغْفِرلي ذُنوبي، إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاّ أنْتَ، أقَبلَ اللّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَ اسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ ألْف مَلَك" (1) .

ثالثاً : توسل النبي (ص) بحقه وحق من سبقه من الأنبياء (ع)

"لَما ماتَتْ فاطِمَةُ بِنْت أسَد، دَخَلَ عَلَيْها رَسُولُ الله (ص) فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِها فَقال: رَحِمَكِ اللّه يا أُمّي بعد أُمّي ثُمَّ دَعا رَسولُ اللّه أُسامَةَ بن زَيْد و أبا أيُّوبَ الأنصاري وَ عُمَرَ بن الْخَطَابِ وَ غُلاماً أسْودَ يَحْفِرُونَ، فَحَفَرُوا قَبْرَها، فَلَمّا بَلَغُوا اللَّحْد حَفَرَهُ رَسُولُ اللّه (ص) بِيَدِهِ وَ أَخْرَجَ تُرابَهُ، فَلَمّا فَرغَ دَخَلَ رَسُولُ اللّه فاضطَجَعَ فيهِ ثُمَّ قالَ: اللّهُ الَّذي يُحْيي وَ يُميتُ وَ هُوَ حَىٌّ لا يَمُوتُ، إِغْفِرْ لأُمّي فاطِمَةَ بِنْتِ أسَد، وَ وَسِّعْ عَلَيْها مَدْخَلَها، بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَ الأنبياء الَّذينَ مِنْ قَبْلي" (2).

رابعاً : توسل النبي آدم (ع) بحق رسول الله محمد (ص)

عن رسول الله (ص) أنه قال :

" لَمّا أذْنَبَ آدمُ الذنب الَّذي أذْنَبهُ، رَفَعَ رَأسَهُ إلى السَّماء فَقالَ: أسْأَلُكَ بِحَقّ مُحَمَّد إلاّ غَفَرْتَ لي . فَأوحى اللّه إلَيْهِ: وَ مَنْ مُحَمَّدٌ؟ فَقالَ: تَبارَكَ اسْمُكَ، لَمّا خُلقْتُ رَفَعْتُ رَأَسي إلى عَرْشِكَ فَإِذا فيهِ مَكْتُوبٌ: لا إله إلاّ اللّه و مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّه، فَقُلْتُ: إنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ أعْظَمُ عِنْدَكَ قَدْراً مِمَّن جَعَلْتَ اسْمَهُ مَعَ اسْمِكَ، فَأوْحى إليه إنَّهُ آخِرُ النبِيّينَ مِنْ ذُرّيَّتِكَ، وَلَوْلا محمّد لَما خَلَقْتُكَ" (3) .

خامساً : صحابي يحث على التوسل تطبيقاً لتعليم رسول الله (ص)

جاء في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي ، المجلد الثاني ، كتاب الصلاة ، باب صلاة الحاجة :

"وعن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقى عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إلي حين أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته فيّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

"أو تصبر؟" فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات" فقال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل عليه الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط .

قلت روى الترمذي وابن ماجة طرفاً من آخره خالياً عن القصة، وقد قال الطبراني عقبه: والحديث صحيح بعد ذكر طرقه التي روي بها" .

سادساً : التوسل بالنبي (ص) عند قبره

جـاء فـي سنن الدارمي و وفاء الوفاء للسمهودي عن أوس بن عبد اللّه قال : قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا الى عائشة فقالت : انظروا قبر النبي (ص ) فاجعلوا منه كوة الى السماء حتى لا يكون بينه و بين السماء سقف قال ففعلوا فمطرنا مطرا حتى نبت العشب و سمنت الإبل (4) .

سابعاً : الإمام مالك يعلم المنصور التوسل بالنبي (ص)

سأل المنصور العباسي إمام المالكية مالك بن أنس عن كيفية زيارة النبي (ص) والتوسل به :

"يا أبَا عَبْدِاللّه أَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَ أَدْعُوا، أم أَسْتَقْبِلُ رَسُولَ اللّه؟ فَقالَ مالِك في جوابه: لِمَ تَصْرِفْ وَجْهَكَ عَنْهُ وَ هُوَ وَسيلَتُكَ وَ وَسيلَةُ أبيكَ آدَمُ إلى اللّه يَوْمَ الْقِيامَة؟! بَلِ اسْتَقْبِلْهُ وَ اسْتَشْفِعْ بِهِ فَيَشْفِّعُكُ اللّه، قالَ اللّه تَعالى: ولَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ... " (5) .

سؤال : هل يمكن أن يسمع الموتى كلامنا ونداءنا ؟

الجواب :

1- روي أنه بعد انتهاء معركة بدر بهزيمة المشركين وقتل صناديدهم ، وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخاطبهم واحداً تلو الآخر، ويقول : "يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، يا أُمية بن خلف، يا أباجهل، و هكذا عدَّ من كان منهم بالقليب، وقال: هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً فانّي قد وجدت ما وعدني ربّي حقّاً" ؟!

فقال له أصحابه: يا رسول اللّه أتنادي قوماً موتى؟!

فقال (ص) : "ما أنتم بأسمعَ لما أقول منهم، ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني" (6) .

2- أخرج البخاري : عن نافع أنّ ابن عمر أخبره، قال: اطّلع النبي (ص) على أهل القليب، فقال: "وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً" ؟

فقيل له : ندعوا أمواتاً ، فقال: "ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون" (7) .

3- إن المسلمين على اختلاف مذاهبهم يسلّمون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تشهد الصلاة فيقولون : "السلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته" .

فإن كانت صلتنا منقطعة بالنبي (ص) فما معنى سلامنا عليه خمس مرات يومياً ؟!

4- روى مسلم أن النبي (ص) كان يزور القبور ، و يخرج آخر الليل إلى البقيع ، فيقول : "السّلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون ، غداً مأجلون وانّا إن شاء اللّه بكم لاحقون، اللّهمّ اغفر لأهل بقيع الغرقد" (8) .

أما ما جاء في قوله تعالى "فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوتى" وقوله سبحانه "وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُور" ، فإن المقصود بالإسماع : الإسماع المفيد ، فإسماع الموتى لا يجدي نفعاً بعدما ماتوا كافرين .

والحمد لله رب العالمين ...

__________________________

الهامش :

(1) سنن ابن ماجة ، ج1 ص256 ح778 ، ومسند أحمد ج3 ص21 .

(2) المعجم الأوسط للطبراني ص356-357 ، والمستدرك للحاكم ج3 ص108 ، سير أعلام النبلاء للذهبي ج2 ص118 ، وصححه ابن حبان والحاكم كما يقول مؤلف "خلاصة الكلام" .

(3) المستدرك ج2 ص615 ، تفسير روح المعاني للآلوسي ج1 ص217 ، تفسير الدر المنثور للسيوطي ج1 ص59 نقلاً عن الطبراني وأبي نعيم والبيهقي .

(4) سنن الدرامي ج1 ص43-44 ، وفاء الوفا ج2 ص549 . وراجع أيضاً دلائل النبوة للبيهقي ج7 باب ما جاء في رؤية النبي في المنام ص47 حيث روى رواية مشابهة .

(5) ذكر أحمد زيني دحلان ـ في كتابه الدُرَر السنيَّة: ج 10 ـ أن القاضي عياض ذكر هذا الحوار بَسند صحيح . و كذلك ذكره السبكي في شفاء السقام ، و السمهودي في وفاء الوفا ، و القسطلاني في المواهب اللّدنيّة. قال ابن حجر ـ في الجوهر المنظّم ـ : قد روي هذا بسند صحيح . و قال العلاّمة الزرقاني ـ في شرح المواهب ـ : إنّ ابن فهد ذكر هذا بَسند حَسن، و ذكره القاضي عياض بسند صحيح . ( نقلاً عن الوهابية في الميزان للشيخ جعفر السبحاني )

(6) سيرة ابن هشام ج1 ص649 ، السيرة الحلبية ج2 ص179-180 .

(7) صحيح البخاري ج9 ص98 باب ما جاء في عذاب القبر من كتاب الجنائز .

(8) صحيح مسلم ج3 ص63 باب ما يقال عند دخول القبور من كتاب الجنائز .

مصادر البحث

منها :

1- الوهابية في الميزان ، بحوث في الملل والنحل ج4 ، بحوث قرآنية في التوحيد والشرك : للشيخ جعفر السبحاني .

2- التوسل بالنبي والتبرك بآثاره : للسيد مرتضى العسكري .

قراءة 2979 مرة