لا دلالة لحديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وولاية الأمر
ننقل الرد على هذه الشبهة من كتاب ( وركبت السفينة ) لمروان خليفات ..
دلالة الحديث :
بعد أن اتفق الشيعة والسنة على صحة الحديث وملابساته ، اختلفوا في مراد النبي بقوله : (( من كنت مولاه فعلي مولاه )) قال أهل السنة : أراد بيان محبة علي ونصرته .
والشيعة يرون هذا الحديث نصاً من النبي على خلافة علي عليه السلام .
مقدمة لفهم الواقعة :
وصل النبي والحجيج منطقة خم ، وهو مكان تفرق الحجاج ، فنزل قول الله : (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغتَ رسالته والله يعصمك من الناس )) فبلّغ النبي ما أُنزل إليه ، فنزل قولـه تعـالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً )) .
ثم هنأ الصحابـة – يقدمهم أبو بكر وعمر – عليـاً وقال كل منهما : (( بخٍ بخٍ لك با بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة )) .
هذه الأحاديـث حصلت في يومٍ واحد ومكان واحد على مرأى ومسمع الغالبيـة المطلقـة من الصحابة .
ومن المعروف أن الله عز وجل إذا فرض شيئاً جديداً على المسلميـن ، لا يجعل له مقدمات ولا ترتيبات ، فحين فرضت الصلاة أخبر المسلميـن بذلك مباشرة وهكذا سائـر الفرائض كالصوم والزكاة .
وفي حادثة الغديـر نجد الأمر قد اختلف ، فقد نزلت آية تأمر الرسول بتبليغ ما أنزل الله إليه .. وبعد أن بلّغه النبي نزلت آية الإكمال . وكأنّ إكمال الدين كان متوقفاً على هذا الأمر فما كان ذاك ؟! أهو نص على خلافة علي أم بيان محبته ؟!
شرف الدين يحسم الخلاف :
لقد قيل : لا تنظر إلى من قال ولكـن انظر إلى ما قيل . نعم – أخي المسلـم – تابع معنا هذا الكلام كلمة بكلمة لترى معنى حديث الغدير .
أوّل سليم البشري – شيخ الأزهر – كلمـة مولى بالناصر والمحب … ليحمل الصحابـة على الصحة .
فأجابه عبد الحسين شرف الدين : (( لو سألكم فلاسفة الأغيار عما كان منه يوم غدير خم فقال : لماذا منع تلك الألوف المؤلفة يومئذٍ عن المسير (1) ؟ وعلام حبسهم في تلك الرمضاء بهجير ؟ وفيم اهتم بإرجاع من تقدم منهم وإلحاق من تأخر ؟ ولم أنزلهم جميعـاً في ذلك العراء على غير كلاء ولا ماء ؟ ثم خطبهم عن الله عز وجل في ذلك المكان الذي منه يتفرقون ليبلِّغ الشاهد منهم الغائب ، وما المقتضى لنعي نفسه إليهم في مستهل خطابه ؟ إذ قال : (( يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وإني لمسؤول وإنكم لمسؤولون )) ، وأي أمر يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تبليغه ؟ وتسأل الأمـة عن طاعتها فيه ، ولماذا سألهم : ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ … قالوا : بلى ، ولماذا أخذ حينئذٍ على سبيل الفور بيد علي فرفعها إليه حتى بان بياض إبطيـه ، فقال : (( يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين )) ولماذا فسر كلمته ( وأنا مولى المؤمنين ) بقوله : وأنا أولى بهم من أنفسهم ؟ ولماذا قال بعد هذا التفسير : (( فمن كنـت مولاه ، فهـذا علي مولاه . اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله )) ؟ ولم خصه بهذه الدعوات التي لا يليق لها إلا أئمة الحق ، وخلفاء الصدق ؟ ولماذا قرن العتـرة بالكتـاب ، وجعلهم قدوة لأولي الألبـاب؟ وفيم هذا الاهتمـام العظيـم من هذا النبي الكريم ؟ وما المهمة التي احتاجت إلى كل هذه المقدمات ؟ …وما الشيء الذي أمره الله بتبليغه ؟ … وأي مهمة استوجبت من الله التأكيد ، واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه التهديد ؟ وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه ويحتاج إلى عصمة الله ؟ أكنتم – بجدك لو سألكم عن هذا كله – تجيبونه بأن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما أرادا بيان نصرة علي للمسلمين وصداقته لهم ليس إلا ؟ ما أراكم ترتضون هذا الجواب ، ولا أتوهم أنكم ترون مضمونه جائز على رب الأرباب ولا على سيد الحكمـاء وخاتم الرسل والأنبيـاء ، وأنتم أجل من أن تجوزوا عليه أن يصرف هممه كلها وعزائمه بأسرها إلى تبيين شيء بيّن لا يحتاج إلى بيان ولا شك ، أنكم تنزهون أفعاله وأقواله عن أن تزدري بها العقلاء أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء … )) (2) .
ولنأخـذ هذا النص ثم نقف عنده قليـلاً . عن حذيفة بن أسيد قال صلىالله عليه وآله وسلم :
(( ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله … )) قالوا : بلى نشهد بذلك . قال : (( اللهم اشهد – ثم قال - : يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه )) .
أولاً : نلاحظ أن النبي استدرج المسلمين فأخذ منهم الشهادة لله بالوحدانية ولنفسه بالنبوة ، كي يمهد للأمر المراد تبليغه . فالرسول ذكر أصلين من أصول الدين : التوحيد والنبوة . فما علاقـة محبة علي ونصرته للمسلمين بهذين الأصلين ؟! وهل مجرد بيان محبة علي يستلزم ذكر التوحيـد والنبوة ؟! لعمري إنها لا تجتمع . فإرادة المحبة هنا غير واردة . نعم ، إن الرسول أخذ الشهادة من الناس بالتوحيد ، ثم بالنبوة ، فثلّث بالإمامة . وهذا ما يقبلـه السياق . أما إرادة المحبة فلا تجتمع مع التوحيد والنبوة .
ثانياً : قال النبي في كلامـه (( إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا – علي – مولاه )) .
فحين قال النبي : (( وأنا أولى بهم من أنفسهم )) ، قال مباشرة : (( فمن كنت مولاه )) أي من كنت أولى به من نفسه فعلي كذلك . ففسر النبي كلمة (مولى) بكلمة ( أولى) (3) . وكلمة (أولى) هنا أعم من الخلافة ، فكما أن طاعة النبي أولى من طاعة الناس لأنفسهم ، فكـذا علي !! فهل هناك قرينة أوضح من هذه ؟! (( إنه لقول رسول كريم )) .
ثالثاً : إن محبة علي ونصرته للمسلمين يعرفها الجميع ، وقد فرض الله مودتـه في القرآن داعيـاً المسلميـن إلى حبه وطاعته ، وجعل النبي حبه علامة الإيمان . وفي خيبر قال : (( لأعطين الراية غداً لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله )) ، فكان علياً . فمحبة علي ، ونصرته للمسلمين ، أمر مفروغ منه ، فلا يمكن تفسير الحديث بدعوة الناس لمحبة علي ، لأن محبتـه مفروضة بالقرآن . فإذا كان النبي دعا الناس لحب علي ، فهو لم يأت بشيء جديد – حاشاه – وليس هذا إكمالاً للدين .
رابعاً : لقد فهم الصحابة وعلى رأسهم أبي بكر وعمر ما فهمه شيعة آل البيت . فبعد أن بلّغ النبي أمـر الله ، قال أبو بكر وعمر لعلي : بخ بخ لك با بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كـل مؤمن ومؤمنـة ، وتبع الصحابة أبا بكر وعمر ببيعة علي – وهم أكثر من مائة ألف – ولمدة ثلاثة أيام .
إن أبا بكر وعمر قالا لعلي : (( أصبحت مولاي … )) فلو كان قصد النبي بيان محبة علي ودعوة الناس لهذا ، فمعنى ذلك أن الشيخين لم يمتثلا أمر الله في حب علي إلا في هذه اللحظة ، لذلك قالا : (( أصبحت )) ، ولا أعتقد أن أحداً يقبل هذا التفسير ويرضاه للشيخين ! فقولهما : (( أصبحت مولاي )) يدل على أمر جديد . ولنعم ما قال محمد جواد مغنية : (( أي عاقل يهنئ غيره بحبه له )) ؟!!
فلا أدري هل نحن أعلم من الصحابة بلغة العرب وملابسات الحادثة ؟ فما بال العلماء يشرّقون ويغرّبون في معنى المولى ؟ وما لنا لا نفهم الواقعة كما فهمها الصحابـة ؟ هذا حسان بن ثابت الشاعر الفصيح فهم منها ولاية الأمر فأنشد :
فقال له قم يا علي فإنني رضيتك بعدي إماماً وهاديا
هذا ما قاله حسان ، فهل أخطأ بفهمه للحديث ؟! فالعجب ممن لم يحضر الحادثة ويفهم منها ما لم يفهمه حسان والصحابة !
خامساً : إن قول الرسول بعد نزول آية الإكمال : (( الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي )) فيه دلالة واضحة على ما نقول فالنبي قرن النبوة بولايـة
علي ، فالنبوة + محبة علي ، لا يستقيم السياق .
ولكن النبوة + إمامة علي ، يستقيم السياق .
سادساً : لو فرضنا أن الحديث يدعو لحب علي ونصرته ، فهل امتثل السلف هذه الوصية النبوة ؟ سل الجمل وصفين والنهروان و…و…
احتجاج علي (ع) بحديث الغدير :
في مسجد الكوفة وبعد أن عادت الخلافة لعلي عليه السلام خطب بالناس : (( أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، لما قام فشهد . فقام اثنا عشر بدرياً فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، لما قام فشهد . فقام اثنا عشر بدرياً فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم : (( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجي أمهاتهم ؟ )) . فقلنا : بلى يا رسول الله . قـال : (( فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه )) . وكتـم الشهادة بعض الصحابة فدعا عليهم فأصابتهم الدعوة (4) .
هذا الإمام علي عليه السلام يعيد ذكرى الغدير على الناس . فماذا أراد من ذلك ؟ هل أراد بيان نصرتـه ومحبتـه للمسلميـن ؟! لا وربي ليس ذلك هـو الأمـر ، بل إنه أمـر أكبر من ذلك ، فما طلب شهادتهم إلا ليؤكد حقـه في الخلافـة ، وما أصابت منكري الشهادة دعوتـه إلا لإنكارهم لأمر عظيم .
_____________________________________________________________________________
(1) ما يذكره شرف الدين هنا أمر ثابت في الروايات ومن أراد تفصيلها فليراجع الجزء الأول من الغدير .
(2) المراجعات : ص194-195 المراجعة – 58 .
(3) ذهب إلى تفسير كلمة مولى بأولى كثير من العلماء ونص ابن طلحـة الشافعي في مطالـب السؤول ص16 على ذهاب طائفـة إلى حمل اللفظ في الحديث على الأولى . وذهب لهذا الرأي المبرد ، والزجاج ، وابن الأنباري ، والفراء ، وثعلب ، وابن المبـارك ، وابن الملقن ، والجوهري ومن المفسرين : الطبري ، والبغوي ، وأبو حيان الأندلسي ، والبيضاوي والثعالبي ، وأبو السعود ، والرازي ، والبخاري ، وسبط ابن الجوزي . راجـع منهـج في الانتماء المذهبي ، صائب عبد الحميد : ص110 – 114 .
(4) فراجع مسند أحمد 1/119 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي 9/11 وقال : إسناده حسن ، فضائل الصحابـة لأحمد بن حنبل 2/585 . أُسد الغابة 2/233 . خصائص النسائي : ص22-25 . الإصابة 4/182 . السيرة الحلبية 3/302 و 337 . تاريـخ بغداد 14/236 . صفوة الصفوة 1/313 . تاريخ الخلفاء : ص134 . حلية الأولياء 5/26 . الرياض النضرة 3/127 . ترجمـة الإمام علي من تاريـخ دمشق 2/5-25 . الكنى والأسمـاء ، الدولابي . شرح النهج ، ابن أبي الحديد 1/362 . المناقب ، ابن المغازلي الشافعي . مطالـب السؤول : ص54 . البداية والنهاية 5/210 و 7/348 . تذكرة الخواص : ص17 . جمع الجوامع ، السيوطي . وابن أبي عاصم في السنة كما في كنز العمال 6/407 . شرح المواهب ، الزرقاني 7/13 . ذخائر العقبى : ص67 . خصائص النسائي : ص22 . جواهر العقدين ، السمهودي . وسيلة المآل ، الفضل بن با كثيـر الشافعي . المناقب ، الخوارزمي : ص94 . العاصمي في زين الفتى . مشكل الآثار ، الطحـاوي 2/308 . فرائد السمطين الباب العاشر . أسنى المطالب ، شمس الدين الجزري : ص3 . راجـع الغدير 166-185 .