كَيْفَ سَجَدَ المَلائِكَةُ لِآدَمَ (ع) وَالسُّجُودُ لا يَكُونُ إلّا لِلهِ؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كَيْفَ سَجَدَ المَلائِكَةُ لِآدَمَ (ع) وَالسُّجُودُ لا يَكُونُ إلّا لِلهِ؟

الجواب

السُّجودُ على نوعينِ:

النَّوعُ الأوَّلُ: سجودُ العبادَةِ: وهوَ أنْ يُسْجَدَ لشيءٍ باعتقادِ أنَّ المسجودَ لهُ إلهٌ ومعبودٌ مستحقٌّ للعبادَةِ، وذلكَ كسجودِ المؤمنينَ للهِ تعالى في صلواتِهِمْ، فإنَّ سجودَهمْ وخضوعَهمْ وتذلُّلَهمْ للهِ تعالى ناشئٌ منِ اعتقادِهِمْ بأنَّهُ إلهٌ خالقٌ مستحقٌّ للعبادَةِ.

النَّوعُ الثّاني: سجودُ التَّكريمِ والتَّحيَّةِ: وهوَ أنْ يُسْجَدَ للشَّيءِ لا بنيَّةِ واعتقادِ كونِ المسجودِ لهُ إلهٌ ومعبودٌ، وإنَّما بقصدِ التَّحيَّةِ والتَّكريمِ، وذلكَ كأمرِ اللهِ الملائكةَ بالسُّجودِ لآدمَ تحيَّةً وتعظيماً وتكريماً لهُ.

والنَّوعُ الأوَّلُ منَ السُّجودِ خاصٌّ باللهِ تعالى، فمَنْ سجدَ لغيرِ اللهِ سجودَ عبادَةٍ فقدْ كفَرَ، وخرَجَ عنِ التَّوحيدِ والفطرَةِ.

وهذا النَّوعُ منَ السُّجودِ يدخُلُ في بابِ التَّوحِيدِ والشِّرْكِ؛ لأنَّ مسائلَ الإيمانِ تابعَةٌ للنِّيَّةِ والقصدِ، فمَنْ سجدَ لصنمٍ أوْ لزعيمٍ وقائدٍ أوْ لإمامٍ منْ أئمَّةِ المسلمينَ بنيَّةِ كونِهِ إلهاً معبوداً مستحقّاً للعبادَةِ فقدْ كفَرَ باللهِ، وخرَجَ عنِ الإيمانِ والتَّوحيدِ.

والنَّوعُ الثّاني لا يدخلُ في بابِ التَّوحيدِ والشِّرْكِ مادامَ الإنسانُ يخضعُ ويسجُدُ للشَّيءِ لا بنيَّةِ كونِهِ إلهاً ومستحقّاً للعبادَةِ، وإنَّما بنيَّةِ التَّعظيمِ والتَّحيَّةِ.

نعمْ، يُمثِّلُ هذا النَّوعُ مسألةً فقهيَّةً فرعيَّةً تدخلُ في بابِ الحلالِ والحرامِ، وأنَّهُ هلْ يجوزُ سجودُ التَّعظيمِ والتَّحيَّةِ لغيرِ اللهِ أمْ لا؟ وليستْ مسألةً أصوليَّةً تدخُلُ في بابِ الإيمانِ والتَّوحيدِ والشِّركِ.

سُؤالٌ: هلْ يجوزُ السُّجودُ لغيرِ اللهِ منْ بابِ التَّعظيمِ والتَّكريمِ لا بقصدِ العبوديَّةِ واستحقاقِ العبادَةِ؟

الجوابُ: ذهبَ علماؤُنا إلى أنَّهُ غيرُ جائزٍ ومحرَّمٌ؛ لأنَّ السُّجودَ مختصٌّ باللهِ تعالى، إلّا إذا كانَ (سُجُودُ التَّحيَّةِ والإكرامِ) بأمرٍ منَ اللهِ فيكونُ جائزاً؛ لأنَّ الأحكامَ الشَّرعيَّةَ بيدِ اللهِ، فهوَ الذي يحلِّلُ ويحرِّمُ كيفَ يشاءُ، فإذا أجازَ اللهُ السُّجودَ لبعضِ عبادِهِ فيجوزُ، وإنْ لمْ يُجِزْ لا يَجُزْ، واللهُ تعالى أوجبَ على الملائكةِ السُّجودَ لآدَمَ، ففي الحقيقةِ يكونُ سجودُ الملائكةِ لآدمَ امتثالاً لأمرِ اللهِ، وعبادةً للهِ، وطاعةً للهِ تعالى؛ لأنَّهُ كانَ بأمرِ اللهِ.

- قالَ العلّامَةُ المجلسيُّ في سجودِ الملائكةِ لآدَمَ: (تحقيقٌ: اعلمْ أنَّ المسلمينَ قدْ أجمعُوا على أنَّ ذلكَ السُّجودَ لمْ يكنْ سجودَ عبادَةٍ؛ لأنهَّا لغيرِ اللهِ تعالى تُوجِبُ الشِّرْكَ، ثمَّ اختلفُوا على ثلاثةِ أقوالٍ:

الأوَّلُ: أنَّ ذلكَ السُّجودَ كانَ للهِ تعالى، وآدمُ - على نبيِّنا وآلِهِ وعليْهِ السَّلامُ - كانَ قبلةً.

والثّاني: أنَّ السُّجودَ في أصلِ اللغَةِ هوَ الانقيادُ والخُضُوعُ.

والثّالثُ: أنَّ السُّجودَ كانَ تعظيماً لآدَمَ - على نبيِّنا وآلِهِ وعليْهِ السَّلامُ - وتكرِمَةً لهُ، وهوَ في الحقيقةِ عبادَةٌ للهِ تعالى لكونِهِ بأمْرِهِ، وهوَ مختارُ جماعَةٍ منَ المفسِّرِينَ. وهوَ الأظهرُ منْ مجموعِ الأخبارِ التي أوْرَدْناها، وإنْ كانَ الخبرُ الأوَّلُ يؤيِّدُ الوَجْهَ الأوَّلَ.

ثمَّ اعلمْ أنَّهُ قدْ ظهَرَ ممّا أوْرَدْنا منَ الأخبارِ أنَّ السُّجودَ لا يجوزُ لغيرِ اللهِ ما لمْ يكنْ عنْ أمْرِهِ، وأنَّ المسجودَ لهُ لا يكونُ معبوداً مطلقاً، بلْ قدْ يكونُ السُّجودُ تحيَّةً لا عبادَةً وإنْ لمْ يَجُزْ إيقاعُهُ إلّا بأمْرِهِ تعالى). [بحارُ الأنوارِ ج11 ص140]

- قالَ ابنُ كثيرٍ: (والسَّجْدَةُ كانَتْ لآدَمَ إكراماً وإعظاماً واحتراماً وسلاماً، وهيَ طاعَةٌ للهِ؛ لأنَّها امتثالٌ لأمْرِهِ تعالى. وقدْ قوّاهُ فخرُ الدِّينِ الرّازيُّ في تفسيرِهِ) [تفسيرُ ابنِ كثيرٍ ج1 ص347]

- ونقلَ القرطبيُّ أنَّ العلماءَ اتَّفقُوا على أنَّ سجودَ الملائكةِ لآدَمَ لمْ يكنْ سجودَ عبادَةٍ، (أيِ: النَّوعَ الأوَّلَ منَ السُّجودِ)، وأنَّ السُّجودَ لغيرِ اللهِ بقصدِ التَّحيَّةِ والإكرامِ (أيِ: النَّوعَ الثّانيَ منَ السُّجودِ) كانَ جائزاً في الأممِ السّابقةِ، ولكنَّهُ نُسِخَ في شريعَةِ نبيِّنا خاتمِ الأنبياءِ، حيثُ قالَ: (واختلفَ النّاسُ في كيفيَّةِ سُجُودِ المَلائِكةِ لآدَمَ بَعْدَ اتِّفاقِهِمْ على أنَّهُ لمْ يكنْ سُجُودَ عِبادَةٍ .... واخْتُلِفَ أيضاً: هلْ كانَ ذلكَ السُّجُودُ خاصّاً بآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، فلا يجُوزُ السُّجُودُ لغيرِهِ منْ جَمِيعِ العالَمِ إلّا للهِ تعالى، أمْ كانَ جائِزاً بَعْدَهُ إلى زَمانِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِقولِهِ تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً}، فكانَ آخرَ ما أُبِيحَ منَ السُّجُودِ للمخلوقينَ؟ والذي عليْهِ الأكثرُ أنّهُ كانَ مبُاحاً إلى عَصْرِ رسولِ اللهِ (ص)، وأنَّ أصحابَهُ قالوا لهُ حينَ سجدَتْ له الشَّجَرَةٌ والجَمَلُ: نحنُ أولى بالسُّجُودِ لكَ منَ الشَّجَرَةِ والجَمَلِ الشّارِدِ، فقالَ لهمْ: لا ينبغي أنْ يُسْجَدَ لأحَدٍ إلّا للهِ ربِّ العالَمِينَ) [الجامعُ لأحكامِ القرآنِ ج1 ص436 – 437]

قراءة 1559 مرة