لماذا الحاجة إلى بعثة الأنبياء (عليهم السلام)؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
لماذا الحاجة إلى بعثة الأنبياء (عليهم السلام)؟

إن مما لا شـك فيه أن الإنسـان قد وجد في هذا العالم لغاية وهدف، قـال تعـالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾[1]، وهو يسعى فطريا لتحقيق سعادته، وتحصيل كمالاته التي تكون بها إنسانيته من خلال عبادة الله تعالى، والاتصال به.

 

وغني عن البيان أن تحقيق الكمال وبلوغ السعادة، موقوف على معرفة طرقها ووسائلها، والعوائق التي تقف بوجهها، والسعي إلى رفعها، ولهذا كان الإنسان مفطورا على البحث وتحصيل المعرفة، قبل ان يدخل في أي عمل، فتراه يعمل عقله في أهداف وغايات عمله، قبل كل شيء، ثم تقييم هذه الغايات، ومدى انسجامها مع ما يرجوه من سعادة، حتى إذا ثبت له الانسجام بين هذه الأمور، بادر إلى تحقيقه.

 

إن مقومات السعادة الإنسانية تتنوع، بتنوع المجالات الحياتية، التي يعيشها الإنسان، ويطمح إليها، سواء في ذلك الفرد والجماعة، من التعرف على القوانين الحاكمة في الكون، كما قال تعالى: ﴿أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت﴾[2].

 

والقوانين التشريعية التي ينبغي إلتزامها والعمل بها، لتحسين السلوك الإنساني، الذي يخدم الهدف الذي يسعى إليه، والذي يعبر عنه في المصطلح القرآني "الإخراج من الظلمات إلى النور"، كما في قوله تعالى: ﴿كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور﴾[3]، وقوله تعالى: ﴿يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾[4].

 

وإقامة العدل بين الناس، قال تعالى: ﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط﴾[5].

 

ورفع الاختلاف الحاصل بينهم، قال تعالى: ﴿كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه﴾[6].

 

وإرجاعهم إلى أحكام العقل البديهية، قال تعالى: ﴿هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب﴾[7].

 

وبالتالي إلى إتمام الحجة عليهم، قال تعالى: ﴿قل فلله الحجة البالغة﴾[8].

 

وقال تعالى: ﴿رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾[9].

 

 وتحذيرهم وإنذارهم من النار إلى غير ذلك من أهداف سامية، توصلهم إلى الحياة الكريمة، قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم﴾[10].

 

وقال تعالى: ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء﴾[11].

 

قصور المعرفة الإنسانية:

إن المعارف الإنسانية تعتمد، فيما لو خلي الإنسان ونفسه، على طريقين أساسيين في حصولها وتحققها، وهما الحس والعقل.

 

وتحصل المعارف الحسية، نتيجة مواجهة الإنسان بحواسه، لظواهر العالم الخارجي، فتنطبع صورها في قواه المدركة، التي يتعرف بواسطتها على ما يحيط به، هذا النوع من المعرفة لا يتجاوز ظواهر الأشياء عند مماستها والإحساس بها.

 

وأما المعارف العقلية فتحصل نتيجة ما زود به العقل البشري، من قدرة على معرفة الأوليات، وتجريدها بواسطة المتخيلة، وإدراك الكليات وتطبيقها على الظواهر، واستفادة التعميم فيها، الذي يفيد تحصيل القانون العام وتقنينه، وهو ما يؤدي إلى كشف بعض البواطن التي ينطوي عليها عالم التكوين، ونفس الكلام يجري في القوانين التشريعية، التي يسعى من خلال الالتزام بها، إلى انتظام أمور معاشه ومعاده..

 

فالمعرفة الإنسانية إذن متوقفة، على تحقق التعاون والتلاقح، بين المدركات الحسية والمدركات العقلية.

 

ولما كان تحقيق السعادة متوقفا على حصول المعرفة، فمن الطبيعي أن يثار تساؤل مهم، وهو هل تكفي المعارف الحسية والعقلية في الوصول إلى المراد أم لا؟

 

إن الوصول إلى الحياة الطيبة وتحصيل السعادة الحقيقية، مرتبط بمعرفة كل ما يحيط بالإنسان، من ظواهر وبواطن، ومن علاقات الأشياء بعضها مع بعض، ومدى تأثيرهما الإيجابي أو السلبي، من خلال هذه العلاقة، مضافا إلى معرفة القوانين الحاكمة في هذا العالم، ليتمكن من التفاعل والانسجام معها، على نحو يمكنه أن يحقق بواسطته الغاية المنشودة.

 

والأمر المعلوم بالملاحظة والتجربة، أن كلا من الحس والعقل لا يفيان، وحدهما، بالغرض والغاية المنشودة، وهو ما نراه من تعديل وتبديل للقوانين، مرة بعد أخرى، في كافة المجتمعات الإنسانية، الأمر الذي يكشف عن عدم إصابتها كبد الحقيقة، مع ما يترتب عليه من مظالم وتجاوزات بحق الآخرين، بل بحق الإنسان نفسه.

 

هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن القوانين الوضعية كثيرا ما تستفيد من النصوص المقدسة، والقوانين الإلهية الواردة في الكتب السماوية.

 

فلا بد إذن من وجود طريق ثالث للمعرفة يجب التعرف عليه والاستناد إليه، في تحقيق الهدف، وهذا الطريق هو الوحي، لوضوح محدودية قدرة العقل الإنساني في إدراك حقائق الأشياء، والربط بينها.

 

وحصول المعرفة عن طريق الوحي، متوقف على وجود الأنبياء، المتصلين بالمبدأ الأعلى مباشرة، من دون توسط بشري.

 

وهذا دليل على ضرورة بعثة الأنبياء، وعلى أن الإنسان الأول، أي آدم (عليه السلام)، لا بد أن يكون نبياً، مرتبطاً بالوحي، ليتمكن من رسم الحدود الصحيحة، التي تصل بالإنسان إلى مبتغاه، ويحقق خلافة الله تعالى في الأرض، كما أخبر تعالى ملائكته حين قال: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾[12].

 

ولولا هذه النبوة لم يكن الإنسان الأول قادراً، على  تحصيل المعارف والكمالات، التي أراد الله تعالى منه أن يحققها في مسيرة حياته.

 

وقد بين أمير المؤمنين (عليه السلام) أهمية الوحي والنبوة في حياة الإنسان، حين قال: "فبعث إليهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة"[13].

 

سماحة الشيخ حاتم إسماعيل

 

[1] سورة الذاريات، آية: 56

[2] سورة: الغاشية، آية:17-18   

[3] سورة: إبراهيم، آية:1

[4] سورة: آل عمران، آية:164

[5] سورة: الحديد، آية:25

[6] سورة: البقرة، آية:213

[7] سورة:إبراهيم، آية:52

[8] سورة: الأنعام، آية:149

[9] سورة: النساء، آية:165

[10] سورة:الأنفال، آية:24

[11] سورة: الأعراف، آية:96

[12] سورة البقرة، آية:31

[13] نهج البلاغة، الخطبة الأولى، ص43، تحقيق صبحي الصالح

قراءة 1617 مرة