هناك أسئلة تُطرح تلقائياً حول سرّ هذه الأهمية المعطاة للعبودية وعن سبب كونها تشريفاً لا ينال شرفها إلا الكمّل من أولياء الله تعالى والذين ارتضى من عباده المخلصين.
فلماذا العبودية لله وحده؟ ولماذا يجب أن تندكّ إرادة الإنسان وتذوب في إرادة الله؟
ولماذا يجب أن تتطابق إرادة الإنسان وسلوكه وأفعاله ومختلف توجّهاته مع هذه الإرادة الإلهية، ودونما تمرّدٍ أو اعتراض...؟
لا بد لنا من أن نستهدي بنور القرآن الكريم للإجابة عن هذه الأسئلة حيث تشير الآيات الشريفة: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[1] إلى جانبٍ مهمٍ من هذا السرّ فجعل الهدف من خلق الإنسان عبادته عزّ وجلّ. وليس ذلك لأنّ الله عزّ وجلّ يحتاج إلى عبادتنا من صلاة ودعاء وقراءة للقرآن، فهو غنيّ عنها كما ذكرنا، وإنّما أُمرنا بهذه الأعمال العباديّة لما فيه خيرنا وللوصول إلى السعادة الحقيقيّة. وقد ذكرنا سابقاً أن هذه الأعمال العبادية إنما تؤدّي إلى العبودية وإلى صيرورة الإنسان عبداً حقيقيّاً لله عز وجلّ.
ونقرأ في آيةٍ أخرى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[2]. فوجودنا في هذا العالم وتفضُّل الله علينا بنعمة الحياة هما ابتلاءٌ وامتحان. وإنّ الذي يبدو من هذه الآية أنّ الله تعالى خلق الإنسان وأحياه ثمّ أماته لأجل الابتلاء والامتحان. والامتحان يكون من خلال الأعمال: ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.
وأفضل الأعمال المقرّبة إلى الله سبحانه وتعالى هي العبادة التي أمرنا بها وفرضها علينا، كما في الحديث المروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "قال الله تبارك وتعالى ما تحبّب إليّ عبدي بأحبّ ممّا افترضت عليه"[3]. وتفصيله ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "قال الله عزّ وجلّ، من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمُحارَبتي، وما تقرّب إليّ عبد بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه، وإنّه ليتقرّب إليّ بالنّافلة حتّى أُحِبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصِر به، ولسانه الّذي ينطق به ويده الّتي يَبطِش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته..."[4].
فهذا الحديث يُشير إلى هذه الحقيقة بشكلٍ واضح، وهي أنّ الله خلق الناس لهدف تكامليّ هيّأ له جميع وسائله التكوينيّة والتشريعيّة وجعلها في متناول الإنسان واختياره بشكلٍ ميسّرٍ.
وهكذا يتّضح أنّنا خُلقنا لعبادة الله الّتي تُربّي الناس وتهديهم فينالون مقام العبودية المطلقة لله تعالى، كما نقرأ في حديثٍ عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ الإمام الحسين خطب أصحابه فقال: "إنّ الله عزّ وجلّ ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه"[5].
[1] سورة الذاريات، الآية 56 – 58.
[2] سورة الملك، الآية 2.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص82.
[4] م. ن، ص352.
[5] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج5، ص312.