بعدما بدا واضحاً أن احتلال جنوب السودان لمنطقة هجليج السودانية لا ينفصل عن أزمة القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان، وتحديداً ملف أبيي، تواصلت أمس الدعوات الموجهة إلى جنوب السودان لسحب قواتها من هجليج تفادياً لحرب كارثية، فيما جددت جوبا استعدادها للانسحاب من المنطقة ضمن شروط محددة.
وجاء في بيان رئاسي أعلن في سفارة جنوب السودان في نيروبي «يمكن أن يحدث مثل هذا الانسحاب إذا التزمت الأمم المتحدة بنشر قوات محايدة في هجليج يمكنها أن تظل في المنطقة إلى حين التوصل لتسوية بين الطرفين»، في وقتٍ كشف فيه كبير المفاوضين في جنوب السودان، باقان أموم، خلال مؤتمر صحافي، أن المنشآت النفطية في هجليج تضررت إلى حد كبير نتيجة الاشتباكات.
وفي اطار الجهود الدولية لاحتواء النزاع، أفادت معلومات عن زيارة مرتقبة للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، لجوبا على أمل اعادة اطلاق المفاوضات لحل الأزمة الناشئة، وذلك بالتزامن مع اصدار مجلس الأمن الدولي بياناً طالب فيه «بالانهاء الكامل والفوري وغير المشروط لكافة أشكال القتال وانسحاب (جيش جنوب السودان) من هجليج وإنهاء القصف الجوي (من جانب الجيش السوداني) ووقف أعمال العنف المتكررة عبر الحدود بين السودان وجنوب السودان وانهاء دعم كل جانب للحرب بالوكالة في أراضي الدولة الأخرى».
من جهته، أكد مفوض مجلس السلام والأمن في الاتحاد الافريقي، امتان لامامرا، أن المجلس يطالب «بانسحاب فوري غير مشروط» لقوات جنوب السودان من المنطقة. وشدد على أن «المجلس مستاء من احتلال القوات المسلحة لجنوب السودان غير القانوني وغير المقبول لهجليج الواقع إلى الشمال من خط الحدود الذي اتفق عليه في الأول من يناير 1956». وأكد أن «الشعور السائد داخل مجلس السلام والأمن أنه حان الوقت لأن يظهر الزعيمان (عمر البشير وسليفا كير ميارديت) الزعامة المطلوبة حتى يتفادى البلدان حرباً كارثية لا يحتاج إليها الشعبان»، فيما دعت الصين، السودان وجنوب السودان إلى ضبط النفس وإنهاء الأعمال العسكرية فوراً واستئناف المفاوضات بينهما. وقال الناطق باسم الخارجية الصينية، ليو ويمين، إن بلاده تشعر بقلق شديد إزاء الصراعات المسلحة بين السودان وجنوب السودان على حدوهما المشتركة.
وتسود توقعات بأن يكون هنالك وسيط دولي غير الرئيس الجنوب أفريقي السابق ثابو مبيكي، الذي تسجل عليه جوبا عدداً من المآخذ وتتهمه بأنه أكثر ميلاً لحكومة الخرطوم «التي تنتهك القوانين الدولية نهاراً جهاراً»، على حد قول وزير الاعلام في حكومة جنوب السودان، برنابا مريال بنجامين.
وفيما توعدت الخرطوم بالرد «بجميع السبل»، مشددةً على لسان المتحدث باسم الجيش السوداني، الصوارمي خالد، أن الهجوم المضاد لم يبدأ بعد، يرى بعض الخبراء الدوليين أن منطقة هجليج ستكون منطقة مواجهة بين البلدين ما لم تكن هنالك حلول جذرية في النقاط الخلافية مثلما حدث في منطقة أبيي المتنازع عليها، لكن جيش جنوب السودان يقول إنه يستخدم خطة دفاعية عن الأرض والوطن. وفي السياق، أوضح الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي، فيليب اقوير، أن القوات الجنوبية لم تنتهك أي قانون دولي في ما يختص الحدود، متهماً السوداني بقصف كثيراً من الأبرياء والمواطنين العزل.
من جهته، أفاد محافظ مقاطعة الرنك، التي تقع في ولاية اعالي النيل الحدودية، أن هنالك انتهاكاً قد حدث بولاية سنار السودانية من قبل حكومة الولاية لجهة طرد السودانيين الجنوبيين وحرق البيوت وقتل الاطفال، فيما سجل أمس وصول قسم من هؤلاء من المواطنين إلى مدينة الرنك.
في المقابل، أظهرت جولة قامت بها وزيرة الدولة لوزارة الاعلام السودانية، سناء حمد العوض، على مدينة تلودي في جنوب كردفان الاضرار التي تعرضت لها البنية التحتية في المدينة إثر هجوم شنه متمردون على المنطقة في الأيام الماضية.
ومنذ بدء الصدامات في جنوب كردفان في حزيران الماضي، لم يتمكن متمردو الحركة الشعبية لتحرير السودان ــ قطاع الشمال، من السيطرة على تلودي، لكن هجومهم هذه المرة استمر سبعة أيام، كما قال والي جنوب كردفان أحمد هارون. وأوضح هارون أنه «عندما شعر المتمردون بأنهم يفشلون، عمدوا إلى قصف المنطقة»، متحدثاً عن مقتل 35 مدنياً وإصابة 54 في حصيلة لم يكن من الممكن التأكد منها.