أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في ديسمبر الماضي عزمه نقل السفارة الأمريكية من مدينة "تل أبيب" إلى مدينة القدس الشريف وهذا القرار يُعدّ من أهم القرارات العنصرية التي يقوم بها هذا الرئيس المتهور ومن المحتمل أن يكون لهذا القرار تأثير عميق وسلبي على القضية الفلسطينية القديمة وخلال الأيام القليلة الماضية أكد الرئيس "ترامب" مرة أخرى أنه حريص ومتحمس لنقل سفارة بلاده من "تل أبيب" إلى مدينة "القدس" الشهر المقبل (مايو) ومن المقرر أن يتم افتتاح السفارة الأمريكية المؤقتة في الـ "14 مايو" المقبل ولكن بالنظر إلى التطورات الحالية التي تشهدها المنطقة وخاصة تلك التي تحدث في الأراضي الفلسطينية، فإن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيواجه بالتأكيد الكثير من التحديات والصعاب.
مسيرة العودة؛ وردود أفعال المقاومة الفلسطينية
لقد ازداد التماسك الداخلي بين الفصائل والأحزاب الفلسطينية بشكل كبير، منذ إعلان قرار الرئيس "ترامب" نقل سفارة بلاده إلى مدينة القدس الشريف ولهذا فإن مسيرة العودة التي قام بها الفلسطينيون خلال الأيام الماضية مهمة للغاية ويذكر أن الفلسطينيين في قطاع غزة بدؤوا مسيرتهم يوم الجمعة 30 مارس 2018 الموافق للذكرى الخامسة والخمسين ليوم الأرض وقد جاءت هذه المسيرة تحت اسم "مسيرة العودة" وعلى الرغم من أن الفلسطينيين يخرجون في مظاهرات كل عام مطالبين بحقهم في العودة وإعادة جميع أراضيهم المنهوبة، إلا أن مسيرة هذا العام كانت ذات أهمية خاصة وذلك بسبب اعتراف أمريكا بمدينة القدس الشريف عاصمة للكيان الصهيوني.
وفي هذه المسيرة أكد الفلسطينيون أهمية تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 194، الذي تشير الفقرة 11 منه على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم ولقد ارتفع عدد الشهداء منذ بداية هذه المسيرة وحتى وقتنا الحالي إلى 39 شهيداً وجرح أكثر من 4600 شخص أيضاً.
وفي سياق متصل أفادت بعض التقارير الطبية بأن هناك أكثر من 130 جريحاً حالتهم الصحية حرجة جداً. من ناحية أخرى، دعا "إسماعيل هنية"، زعيم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الجمعة الماضية كل أبناء الشعب الفلسطيني إلى الخروج والمشاركة في المسيرة الحاشدة والاعتصام والتخييم في جميع حدود المناطق الفلسطينية المحتلة في ذكرى الاحتلال الفلسطيني التي ستوافق الخامس عشر من الشهر المقبل (15 مايو)، وأعرب قائلاً: " لقد وصلت مرحلة التهديد "احتجاجات العودة" إلى نهايتها.
من جهته دعا "هنية" الأمة الإسلامية والعربية إلى دعم مظاهرات العودة ودعا أيضاً جميع أحرار العالم إلى الوقوف مع الشعب الفلسطيني لكي يتمكنوا من العودة إلى وطنهم، الذي طُردوا منه منذ 70 عاماً وهذا الأمر يعني أن شعب فلسطين لن يتخلى عن أراضيه ولن يستسلم لقرار الرئيس "ترامب" بالاعتراف بالقدس الشريف عاصمة للكيان الصهيوني.
إن موجة المعارضة لهذا القرار الأمريكي والتعامل اللاإنساني والعنيف لقوات الجيش الصهيونية مع المتظاهرين الفلسطينيين، لم تقتصر على الرأي العام للمنطقة والأمة الإسلامية وإنما تجاوزت ذلك بكثير، فعلى سبيل المثال، أعلنت الممثلة اليهودية "ناتالي بورتمان" قبل عدة أيام بأنها ترفض الذهاب إلى "إسرائيل" والمشاركة في الاحتفال السينمائي وتسلّم جائرة قدرها مليون دولار وذلك احتجاجاً على أعمال العنف التي قامت بها قوات الجيش الإسرائيلي في مدينة "غزة" وهذا الأمر سوف يزيد بدوره من شدة الضغوطات على الرئيس "ترامب"، ولذلك، ففي حال استمرار هذه الاحتجاجات والمسيرات الشعبية، فإن الرئيس "ترامب" سيضطر لإعادة النظر في ذلك القرار المثير للجدل.
أبرز التحديات التي تواجه قرار "ترامب"
إن قرار الرئيس "ترامب" لا يستند إلى أي أساس قانوني ولقد تمت إدانته بشدة في المجتمع الدولي وحول هذا السياق عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في كانون الأول / ديسمبر جلسة خاصة تتعلق بمناقشة آخر التطورات في منطقة الشرق الأوسط ولاسيما قضية القدس وفي هذا الاجتماع، كانت أمريكا في عزلة تامة ولقد تحدث كل الحضور تقريباً عن معارضتهم لقرار الرئيس "ترامب" بشأن القدس وفي نهاية هذا الاجتماع وفي خطوة غير مسبوقة وصف ممثلو فرنسا وألمانيا والسويد وبريطانيا وإيطاليا قرار أمريكا بشأن القدس بأنه "غير قانوني ويخالف قرارات مجلس الأمن" و"غير مناسب" ولقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة التصويت لإدانة نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس حيث إن عدد الأصوات الموافقة على هذا التصويت 128 صوتاً مقابل 9 أصوات مخالفة ومن بين الدول التي عارضت التصويت على إدانة قرار "ترامب" بشأن القدس، هي غواتيمالا وهندوراس والكيان الصهيوني وجزر مارشال وميكرونيزيا وجزر نافار وجزيرة باولو والتوغو وأمريكا.
في الواقع، إن قرار الرئيس "ترامب" بنقل عاصمة بلاده إلى مدينة القدس الشريف يواجه أيضاً حاجزاً باسم القرارات الأممية والحماية القانونية للدول الغربية.
جامعة الدول العربية وقضية فلسطين
في نهاية المطاف، اختتمت مساء يوم أمس الأحد أعمال القمة العربية العادية الـ 29 والتي عقدت بمدينة الظهران السعودية مؤكدة بطلان وعدم شرعية القرار الأمريكي بشأن القدس المحتلة وأكد البيان أهمية تعزيز العمل العربي المشترك المبني على منهجية واضحة وأسس متينة وتقديم الدعم اللازم للقضية الفلسطينية وضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وعلى هذا الأساس تم إطلاق اسم "قمة القدس" على هذه القمة العربية التي كان من المقرر أن تقوم السعودية فيها بتمهيد الطريق لتكثيف عملية تطبيع الدول العربية مع إسرائيل ولكن عزوفها عن القيام بهذا الشيء يعكس حقيقة أن القادة العرب ما زالوا خائفين من ردود أفعال الشعوب الإسلامية والعربية وبالتالي، فلقد أصبح من الواضح أنهم لا يجرؤون على القيام بالتطبيع مع الكيان الصهيوني علناً.
ولكن الآن وبعد أن أكدت القمة العربية الأخيرة معارضتها لقرار "ترامب" بالاعتراف بمدينة القدس الشريف عاصمة للكيان الصهيوني، فإن عيون الشعوب المسلمة والمجتمع الدولي موجّهة نحو ردة فعل هذه الدول العربية في حال قامت أمريكا الشهر القادم بتنفيذ قرارها بشأن القدس؟.
نظراً لامتلاك الدول العربية موقع جيوسياسي حساس يقع في مركز الطاقة العالمية، فإن لديها القدرة على ممارسة الكثير من الضغوطات على الرئيس الأمريكي "ترامب" والكيان الصهيوني، لإجبارهما على تغيير مسار الأحداث التي تشهدها المنطقة ولكن إذا ما اكتفت تلك الدول العربية بالإعلان عن معارضتها لقرار أمريكا وحمايتها لحقوق الفلسطينيين ولم تقم باتخاذ أي إجراءات عملية، فإن ذلك الإعلان سيبقى في مستوى الخطابات والبيانات السابقة وعليه فإننا سنشهد افتقار هذه الجامعة العربية لمصداقيتها وفي الواقع، ستكون هذه القضية واحدة من أبرز التحديات التي ستواجه الرئيس "ترامب" وذلك لأن رؤساء الدول العربية لا يجرؤون على دعم هذا القرار علانية