فنزويلا وإيران: المربّع المحظور

قيم هذا المقال
(0 صوت)
فنزويلا وإيران: المربّع المحظور

هكذا، لم تعد فنزويلا كما إيران، قضية دولة مارقة في القاموس الأميركي الصهيوني، بل قضية أمن استراتيجي تستدعي عملاً مكثفاً على مدار السنوات وتوظيف كل القتلة الإقتصاديين والإرهابيين و نشطاء الأنجؤز، لتحويلها من دولة مارقة إلى دولة فاشلة.

من المفهوم أن تحتل سوريا وحزب الله وغيرهما من القوى العربية، الرسمية والشعبية التي تناهض العدو الصهيوني وتقاومه، موقعاً ثابتاً في الاستراتيجية الأميركية الأطلسية – الصهيونية – الرجعية، وعملها الدؤوب ضد هذه القوى، فجوهر القضية الفلسطينية هو ذاته جوهر الصراع العربي الصهيوني، وتجلّياته المباشرة في الاحتلال الكولونيالي لأرض قومية، هي فلسطين، وفي تجلّياته غير المباشرة، ممثلة بالبلدان العربية التابعة وخاصة محميات النفط والغاز.

لكن القوى المذكورة لم تعد الهدف المباشر الوحيد للتحالف المذكور الذي يمتد دوماً ليشمل أية بلدان وقوى أخرى تعبّر عن المربّع المحظور نفسه: القضية الفلسطينية، النفط، السيادة، والحضور الإقليمي في مناطق عالمية حسّاسة للمصالح الإمبريالية، ومن هذه القوى على وجه التحديد: فنزويلا وإيران.

فمع انتصار خط تشافيز في فنزويلا تكامل المربّع المذكور: أولاً بوضع النفط تحت سيطرة الدولة، وثانياً ببرنامج طموح للسيادة وفكّ التبعية، وثالثاً بإعلان فنزويلا كرة ثلج بوليفارية على مستوى القارة اللاتينية، ورابعاً بإغلاق سفارة العدو الصهيوني في كراكاس واستبدالها بسفارة فلسطين وتخصيص آلاف المقاعد في كل التخصّصات للطلبة الفلسطينيين والعرب ودعم هذه القضية في المحافل الدولية.

ذلك ما سبقت إليه إيران أيضاً بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالشاه، وأعادت النفط إلى سيادة الدولة، ودخلت في برنامج واسع للتصنيع وإضافة إيران إلى النادي النووي السلمي وتكنولوجيا النانو، وإغلاق سفارة العدو الصهيوني في طهران واستبدالها بسفارة فلسطين وتخصيص صندوق لدعمها في كل المجالات، بل ودمج الإشتباك مع العدو الصهيوني في استراتيجية الإنبعاث الإمبراطوري، كقوّة إقليمية صاعدة.

ما حدث في فنزويلا وإيران بالنسبة للعواصم والمتروبولات الأطلسية، لم يكن مجرّد تحوّلات عابرة في القشرة، ولم يكن مجرّد سياسات وطنية بزاوية مفتوحة بحذر على الإقليم، بل كان انقلاباً للقواعد الحاكمة ورقعة اللاعبين التقليدية وحركتهم وآفاقهم وأين؟ في مساحتين خطيرتين بالنسبة للشطرنج الأميركي:

من جهة الشرق الأوسط، بأضلاعه الخطرة: النفط والعدو الصهيوني، والجغرافيا السياسية للمياه الدافئة.

ومن جهة أخرى، أرض الأمازون والأنديز والمطاط والنحاس والنفط، وما درج اليانكي (الأميركي الشمالي) على تسميتها بالحديقة الخلفية حسب مبدأ مونرو، وبجمهوريات الموز حسب الروائي أو-هنري، ثم ثالثة الأثافي وهي صعود البوليفارية على مستوى القارة واعتبار فلسطين بالنسبة لها قضية لاتينية كما كانت قضية عربية في اللحظة الناصرية.

هكذا، لم تعد فنزويلا كما إيران، قضية دولة مارقة في القاموس الأميركي الصهيوني، بل قضية أمن استراتيجي تستدعي عملاً مكثفاً على مدار السنوات وتوظيف كل القتلة الإقتصاديين والإرهابيين و نشطاء الأنجؤز، لتحويلها من دولة مارقة إلى دولة فاشلة.

فمنذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة في فنزويلا كما في إيران، تعدّدت أشكال الحصار وأدواته، من الحصار المباشر إلى دور البنك وصندوق النقد الدوليين إلى غرف التجارة المحلية وشرائح متضرّرة من النقابات الصفراء، إلى تهديدات الحدود والجماعات المسلّحة المأجورة.

وقد ترافق كل ذلك مع تداعيات اجتماعية واقتصادية لايمكن نُكرانها، انعكست على العملة المحلية واختفاء سلع أساسية وبيع أخرى في السوق السوداء وأين؟ في مجتمعات تتراوح قدرتها بين الصبر والصمود.

بالمقابل، ورغم الصعوبات الحقيقية في الحياة المعيشية وغيرها، فإن القوى المُناهضة للإمبريالية وتحالفاتها، ليست قوى ضعيفة ولا خائِرة القوى ولن تسلّم بسهولة، بل قوى مُجرّبة  وتمتلك قاعدة شعبية حقيقية، ومؤهّلة لقيادة مقاومة قادرة على الانتصار مهما بلغت التكاليف، وقادرة على النهوض مجدّداً إذا ما انتكست هنا وهناك، بل أن المتروبولات الإمبريالية وجماعات الثورة المضادّة لا تتحرّك على مساحات بيضاء، وليس لديها ما تقدّمه للناس من حقوق سياسية تحفظ السيادة الوطنية، ومن برامج تؤمّن الحد الأدنى من حق الناس في العمل والأجور والطبابة والتعليم وغيرها.

ومن قبل ومن بعد، معركة فنزويلا كما معركة إيران، ليست معركة خاصة، بل تجربة تخصّ كل الشعوب الطامِحة في حياة حرّة كريمة وفي دولة ذات سيادة.

موفق محادين، كاتب ومحلل سياسي أردني

قراءة 881 مرة