الإسلام في النمسا.. من الشراكة إلى العداء (تحليل)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الإسلام في النمسا.. من الشراكة إلى العداء (تحليل)

عرفت النمسا طويلا بأنها واحدة من أكثر الدول انفتاحا واستيعابا للمسلمين، لكنها اشتهرت خلال السنوات الأخيرة بسمعتها السيئة بسبب الدعاية المعادية للمسلمين في سياساتها الحزبية.

Salzburg

سالزبورج / د. فريد حافظ / الأناضول

لطالما عُرفت النمسا منذ وقت طويل بأنها واحدة من أكثر الدول انفتاحا واستيعابا للمسلمين وممارستهم لشعائرهم الدينية.

وفي ظل "قانون الإسلام" لعام 1912، الذي يعود إلى عائلة هابسبورغ المالكة حينذاك، كانت النمسا واحدة من الدول الغربية المعدودة التي اعترفت قانونا بالإسلام دينا.

بيد أن السنوات الأخيرة الماضية شهدت تحولا كبيرا وباتت النمسا فجأة تشتهر بسمعتها السيئة على خلفية الدعاية المعادية للمسلمين في سياساتها الحزبية، في ظل الحكومة الائتلافية السابقة.

وكانت الحكومة مؤلفة من حزبي "الحرية" اليميني المتطرف و"الشعب" المحافظ، والتي حجب البرلمان الثقة عنها في مايو / آيار الماضي، وقرر الذهاب لانتخابات مبكرة في سبتمبر / أيلول المقبل.

وكان حزب الشعب، بقيادة زيباستيان كورتس، هو قوة الدفع الرئيسية لاستصدار تشريعات معادية للمسلمين.

ومنذ وصول الحزبين للحكم عبر ائتلاف حكومي تشكل أواخر 2017، اهتز بعمق القبول السابق للإسلام في البلاد، وأطلق العنان لاستهداف المسلمين من خلال قوانين ومبادرات جديدة، مثل حظر الحجاب في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية، ومحاولات لإغلاق مساجد.

غير أن التطور اللافت كان دخول أجهزة الأمن النمساوية، لاسيما جهاز الأمن التابع لوزارة الداخلية، للمرة الأولى، على خط الخطاب المعادي للمسلمين.

وفي السابق كان يُنظر إلى منظمة "المجتمع الإسلامي في النمسا"، وهي المنظمة الإسلامية الرئيسية في البلاد، كشريك ضد التطرف، إلا أن ذلك بدا أيضا أنه في طريقه للتغيّر بشكل كبير.

وبعد تولي الائتلاف اليميني مقاليد الحكم، أغلق مكتب حماية الدستور (الاسم الرسمي لوكالة الأمن) هذا الفصل من التعاون مع "المجتمع الإسلامي" واعتمد أجندة اليمين لتجريم الأطراف المسلمة الفاعلة.

وفجأة أصبح يتم تصوير منظمة "المجتمع الإسلامي في النمسا" على أنها خطر يهدد المجتمع، ولم تعد تحمل صفة صديق كما كانت من قبل.

بل إن الخدمات التي تقدمها المنظمة، بدعم من الدولة نفسها، مثل التعليم الديني في المدارس العامة، أصبحت الآن ضمن نطاق الأنشطة الإسلامية التي تعتبر "خطرة".

وبالتالي فإن المنظمة الدينية المعترف بها قانونا تحولت في دوائر رسمية نمساوية من صديق إلى عدو بعدما بات ينظر إليها على أنها "تهديد إسلامي".

يأتي ذلك فيما العديد من المؤسسات في جميع أنحاء العالم الغربي تتحدث عن التنوع والإدماج باعتبارهما من القيم المهمة التي يجب تعزيزها من أجل تقوية التماسك الاجتماعي، بينما تتحدث المؤسسات الأكثر تقدمية عن التمكين بل والتمييز الإيجابي لصالح أقليات معينة.

ولكن هذا ليس هو الحال مع وكالة الأمن النمساوية، التي يبدو أنها تبنت الآن مقاربة سلبية جديدة تمامًا.

وكانت الوكالة قد أصدرت مؤخرا تقريرا قالت فيه إن من أسمتهم "الإسلاميين" يستخدمون التعليم وخدمات الرعاية الاجتماعية وتنظيم الحياة الثقافية من أجل خلق "مجتمع مضاد"، زاعمة أن هدفهم هو منع "الاستيعاب والاندماج" في المجتمع.

ولم يسبق لأي وكالة أمنية حكومية في النمسا أن تطرقت إلى مثل هذه المسألة في وثيقة رسمية.

وبفعلها هذا، باتت وكالة الأمن تتجاوز اختصاصها، حيث لم تعد تناقش فقط التهديدات الأمنية في المجتمع، ولكنها أيضًا تضع أجندة اجتماعية.

وبزعمها أن الإسلاميين لديهم أجندة لإنشاء "مجتمع بديل"، يبدو جليا أن الوكالة الرسمية تتبع الآن خطة لجعل المسلمين كيان غير ملحوظ في المجتمع، أي بدون أي ملامح تميزهم.

** إلى أين سيؤول ذلك في النهاية؟

بعد العرض العام لهذا التقرير الجديد، أعلن حزب "الشعب" على الفور مجموعة من التدابير لمنع ما يسمونه "الإسلام السياسي".

عمليا يعني هذا تبني قانونا جديدا على وجه التحديد لحظر "الإسلام السياسي"، وإنشاء مركز لمراقبة الأنشطة ذات الصلة وتوسيع صلاحيات وزارة الثقافة لتشمل "التعامل" مع منظمة "مجتمع الدين الإسلامي في النمسا".

وكانت الحكومة الائتلافية السابقة بقيادة كورتس قد انهارت في مايو / أيار الماضي على وقع شبهات فساد طالت نائبه هاينز كريستيان شتراخه، من حزب الحرية اليميني المتطرف.

ويستعد كورتس لخوض الانتخابات الجديدة المقررة في 29 سبتمبر / أيلول المقبل، وصرّح في يوليو / تموز الماضي، إنه لا يستبعد تحالفا آخرا مع اليمين المتطرف إذا فاز بولاية ثانية.

وإذا تحقق ذلك، فإن مستقبل المسلمين في البلاد سيظل على المحك.

ويصل عدد المسلمين في البلاد إلى 700 ألف شخص على الأقل من إجمالي عدد السكان البالغ 8.773 ملايين نسمة، حسب إحصاءات رسمية.

* تحليل للدكتور فريد حافظ، عالم سياسي وباحث بجامعة جورج تاون الأمريكية.

قراءة 856 مرة