استلمت السعودية قبل أمس(الأحد 10 ديسمبر) رئاسة مجموعة العشرين رسمياً وقانونياً لعام واحد. طبعاً، ينبغي ألّا يغيب عن البال أن رئاسة مجموعة العشرين لعام 2020 قد أعطيت للسعودية شكلياً في قمة أوساكا في يونيو، لكن تم تغيير رئاسة هذه المجموعة من حيث القواعد واللوائح أول أمس.
مجموعة العشرين، التي تتألف من أكبر 20 اقتصاداً حول العالم، لها تأثير غير مباشر على تحديد بعض السياسات الاقتصادية والسياسية في العالم. والسعودية قد استعدت منذ فترة طويلة للاستفادة الكاملة من هذا الموقع من الناحية السياسية والاقتصادية، ومع ذلك فإن السؤال المطروح الآن هو، ما هي قدرات رئاسة مجموعة العشرين؟ وكيف يريد السعوديون استخدام هذه القدرات لتحقيق غايات سياسية واقتصادية؟
مجموعة العشرين
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودور الاقتصاد الشيوعي في العالم، قررت البلدان المؤثرة علی الاقتصاد العالمي اعتماد نهج جديد لإدارة الاقتصاد العالمي. وقبل ذلك کان يتم تنفيذ الإدارة غير الرسمية للاقتصاد العالمي من خلال مجموعة بلدان(أمريكا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، اليابان)، ثم أضيف إليها كندا وإيطاليا وروسيا في شكل جي7 و جي 8.
لكن أحد الانتقادات الرئيسة لهذه المجموعة، كان غياب الاقتصادات الناشئة في هذه القمم، ولذلك في يونيو من عام 1999، قررت الدول الصناعية الكبرى في مدينة "كولونيا" الألمانية إنشاء مجموعة العشرين.
تتألف مجموعة العشرين من 19 دولة بالإضافة إلی الاتحاد الأوروبي. تمثل هذه الدول ثلثي الاقتصاد العالمي و85٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العالم. وفي الوقت نفسه، فإن ثلاثة أرباع التجارة العالمية تحت سيطرتها.
يجتمع وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين مرةً واحدةً في العام، ويتم نشر قرارات المجموعة ككيان غير رسمي في بيان ختامي ليس له أي جانب ملزم أو قانوني.
بالنظر إلى عضوية بعض المنظمات المهمة مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، فإن مؤتمرات قمة مجموعة العشرين تؤثر على التطورات السياسية والاقتصادية المهمة وإدارة الأزمات المالية العالمية.
ولكن عدم عضوية العديد من الاقتصادات الكبرى في العالم، الانتقائية والطابع السياسي لاختيار الأعضاء السابقين والاقتصاد غير المتناسب لبعض الدول الأعضاء، هي انتقادات وجوانب ضعف خطيرة في مجموعة العشرين، جعلت هذه المجموعة غير قادرة على أداء ما ينبغي لإدارة التحديات الاقتصادية والسياسية والبيئية العالمية.
القمة الخامسة عشر ودور السعودية
تم اختيار السعودية لرئاسة مجموعة العشرين لعام 2020 في قمة هامبورغ 2017، ومن المقرر أن تجتمع المجموعة في الرياض يومي 21 و 22 نوفمبر 2020.
الدول التي ترأس مجموعة العشرين ستلعب دوراً رئيساً في تحديد جدول أعمال القمة، وأعلنت السعودية أن جدول أعمال القمة سيرکز علی القضايا المالية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الطاقة والبيئة والمناخ والاقتصاد الرقمي والتجارة والزراعة والرعاية الصحية والتعليم وخلق فرص العمل.
ووفقًا لقناة الإخبارية السعودية، قال محمد بن سلمان في حديثه عن البرامج المستقبلية للقمة: "يجب أن نعمل على مواجهة التحديات السيبرانية حتى لا تتحول هذه التحديات إلی عوائق اقتصادية". وتابع قائلاً: "يمثل توفير التنمية المستدامة أحد أكثر التحديات إلحاحًا لازدهار العالم، و"المرأة والشباب" يمثلان ركيزتين أساسيتين للنمو العالمي".
کما قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان: "ستعقد السعودية أكثر من 100 اجتماع خلال رئاستها، وستتنوع هذه الاجتماعات والمؤتمرات في مواضيعها وستدعم مجموعة العشرين لتحقيق أهدافها."
وأكد أن "السعودية ستركز على مواجهة تحديات الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين، وتعزيز التعاون والتنسيق الدوليين على أساس المبادئ والمصالح المشتركة".
بشكل عام، يمكن القول إن الرياض قد حددت أنشطتها للاجتماع المقبل حول ثلاثة محاور رئيسية:
1- تمكين الإنسان: من خلال تهيئة الظروف التي تمكّن جميع الناس، وخاصةً النساء والشباب، من العيش والعمل والازدهار.
2- حفظ الكوكب: من خلال الجهود المشترکة المتزايدة بالنظر إلی الأمن الغذائي والمائي والمناخ والطاقة والبيئة.
3- تكوين آفاق جديدة: من خلال اعتماد استراتيجيات جريئة وطويلة الأجل لتقاسم فوائد الإبداع والتقدم التكنولوجي.
ولكن على الرغم من هذه الأهداف، فلا ينبغي التغاضي عن الدافع الحقيقي للسعودية خلال رئاستها. فالاقتصاد السعودي اقتصاد نفطي، وتقع الرياض في المرتبة الثامنة عشرة من حيث المؤشر الاقتصادي بين أعضاء مجموعة العشرين، مما يحد من النفوذ السعودي في الدورة الخامسة عشرة لانعقاد قمة المجموعة. لذلك، تحاول السعودية تحقيق أهداف أخرى لمصلحتها الخاصة.
أحد هذه الأهداف هو استعادة الصورة الدولية للسعودية بين دول العالم، والتي تشوهت إلى حد كبير بعد عام 2011، وخاصةً في ملف مقتل جمال خاشقجي.
في الاجتماع الثالث عشر في الأرجنتين، كان ابن سلمان في عزلة تامة بسبب قضية مقتل خاشقجي، كما دعت منظمة العفو الدولية مؤخراً أعضاء مجموعة العشرين للضغط على السعودية لوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان.
ولتخفيف هذه الضغوط، أقامت السعودية خلال هذه الدورة التي تستغرق سنةً واحدةً، ورش عمل مثل الشباب ومجموعات العمال ومجموعات المجتمع المدني والمجموعات النسائية، وهي إجراءات رمزية في أغلبها، لأن النظام السعودي المغلق لا يملك البنية التحتية الاجتماعية والسياسية اللازمة لمثل هذا النوع من مجموعات العمل.
الدافع السعودي الآخر هو زيادة مكانتها ونفوذها في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي. على سبيل المثال، أرسلت السعودية دعوات إلى المنظمات الإقليمية بما في ذلك صندوق النقد العربي والبنك الإسلامي للتنمية ورئيس الاتحاد الإفريقي، والإمارات بوصفها رئيساً لمجلس التعاون والسنغال كرئيس للشراكة الجديدة من أجل التنمية الأفريقية.
من أهم الأهداف الأخرى للسعودية في قمة مجموعة العشرين لعام 2020، والذي يرکز عليه بن سلمان کثيراً، هو جذب الاستثمارات الأجنبية وبيع أسهم أرامكو لتنويع الاقتصاد السعودي في الرؤية الاقتصادية 2030.
هذا الجهد السعودي يتناقض مع سبب وجود السعودية کعضو في مجموعة العشرين. لأن السعودية وبسبب ارتفاع حصتها في صادرات النفط العالمية، قد انضمت إلى المجموعة لتؤثر علی خفض أسعار النفط في قمة مجموعة العشرين.
موقع "ميدل إيست آي" البريطاني كتب في هذا الصدد: "إن الاستثمار الحقيقي دون الاعتماد على النفط يستغرق بعض الوقت لكسب المال، لكن السعودية لديها سجل غير منضبط جداً في الاستثمار".
تتمثل إحدى السياسات الأساسية لمجموعة العشرين في دعم الاقتصاد المفتوح. على سبيل المثال، في قمم إدارتي بوش وأوباما، استمر التأكيد على قبول الاقتصاد المفتوح بعيداً عن السياسات الحمائية. ولكن عادةً ما تحاول الاقتصادات الناشئة في هذه المجموعة تخفيف سياسات التحرير التي توصي بها البلدان المركزية ولکنها على حساب البلدان المحيطية، مثل تصرفات البرازيل في قمة 2012.
ومع ذلك، لا تستطيع السعودية لعب هذا الدور الفعال خلال رئاستها لمجموعة 20 لمدة عام، بسبب افتقارها لنموذج اقتصادي محدد وتبعيتها لدول المركز لأسباب سياسية