نورالدين إسكندر
تأتي مُشاركة إيران في مؤتمر "قلب آسيا" لتعبّر عن أهمية دورها من جهةٍ، وإصرارها على متابعته في ظلّ المصاعب التي تواجهها.
- "قلب آسيا" مجالٌ لدورٍ إيراني فاعِل
من عنوان "قلب آسيا" المطروح في قلب اسطنبول للسنة الثامنة على التوالي، أعرب وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف عن خيبة أمل بلاده من مستوى التزام الدول الأوروبية الاتفاق النووي مع إيران، وأدائها خلال الفترة الماضية التي شهدت زيادة الضغوط الأميركية على الجمهورية الإسلامية، ودفعها إلى التنازُل عنوةً عن حقّها في امتلاك طاقة نووية للأغراض السلمية، بالإضافة إلى محاولة إدخالها في مسارٍ تفاوضي جديدٍ يشمل برنامجها الصاروخي الدفاعي، ودورها في الشرق الأوسط الذي عزَّزته مُساندتها لقضايا المقاومة في وجه الإرهاب التكفيري والعدو الإسرائيلي.
رأس الدبلوماسية الإيرانية بحث مع نظيره التركي قضايا دولية، بالإضافة إلى القضايا الإقليمية التي تهمّ بلاده، من سوريا إلى العراق وأفغانستان وغيرها.
لكن المهم في المناسبة والتوقيت هو حضور طهران بين دول قلب آسيا التي سُمِّيت بـ "هلال الأزمات" في الكتاب الذي ألَّفه كلٌ من إيفو دالدر وفيليب غوردن ونيكول نيسوتو، وهو يشرح الاستراتيجية الأميركية والأوروبية حيال الشرق الأوسط الكبير، ويُحدِّد "منطقة الخطر الداهِم" الممتدة من باكستان وأفغانستان، عبر إيران والعراق، وسوريا ولبنان وصولاً إلى منطقة الصراع العربي الإسرائيلي.
هذه الأزمات المطروحة في الاستراتيجية الأميركية من زاوية مواجهة الإرهاب والانتشار النووي والأصولية والافتقار إلى الديمقراطية، على أنها التحديات الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى أوروبا والولايات المتحدة، تنخرط طهران في مواجهتها منذ سنوات، وقد أدّى دورها إلى تراجُع مخاطر الإرهاب في اليمن والعراق ولبنان وسوريا بصورةٍ دراماتيكية.
وعلى الرغم من نجاحها في خوض هذه المعارك الكبرى في مواجهة الإرهاب، فإن طهران تتعرَّض لحصارٍ سياسي واقتصادي قاسٍ، وإلى محاولاتٍ بتحجيم دورها في هذه المنطقة الحيوية في محيطها.
وتأتي مُشاركتها في مؤتمر "قلب آسيا" (اختتم الإثنين 10-12-2019) لتعبّر عن أهمية دورها من جهةٍ، وإصرارها على متابعته في ظلّ المصاعب التي تواجهها.
وتشكّل العلاقة مع تركيا ركناً أساسياً في زيادة فاعلية الدور الإيراني خلال المرحلة الراهِنة، خصوصاً وأن أنقرة تواجه منذ سنواتٍ أيضاً محاولاتٍ أميركية لمُحاصرة دورها وتطويعه واستخدامه في إطار استراتيجية واشنطن ومصالحها في المنطقة.
من هنا، فإن تركيز ظريف ونظيره التركي جاويش أوغلو على جودة العلاقات بين بلديهما "في جميع المجالات" يكتسب معانٍ أبعد من ضرورات المُجاملة الدبلوماسية، ويمتد إلى التنسيق عالي المستوى بينهما في قضايا المنطقة الحسّاسة، وخصوصاً "السلام والرفاهية والمُساهمة في التعاون الإقليمي لمستقبل أفغانستان"، وهو محور المؤتمر لهذا العام.
وقد وجد الوزير الإيراني الفرصة مؤاتية عند بداية المؤتمر الذي يُعقَد منذ عام 2011 بمُشاركة وزراء خارجية 14 بلداً منها تركيا وأفغانستان والصين وإيران وغيرها، ليؤكِّد على استعداد طهران لوقف إجراءات خفض الالتزامات وفقاً للمادة 36 في حال تنفيذ الآخرين لالتزاماتهم.
من هذا الباب، كانت إشارته الإيجابية هذه مواكبةً لإيجابية رآها في انضمام ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى الآلية المالية "أنستكس"، من دون أن ينسى حثّ هذه الدول على تفعيل تلك الآلية، التي تواجه محاولات أميركية لعرقلة تنفيذها.
من هنا، كانت مُشاركة إيران في مؤتمر "قلب آسيا" للتأكيد على أن "العلاقة مع الجيران مُميَّزة"، ولترجمة التوجّه المُتصاعِد بتطوير العلاقات مع محيطها، والتركيز على الدول الشرقية مثل روسيا والصين، بالإضافة إلى تركيا، صاحبة الموقع الفائِق الأهمية في سياسة إيران الخارجية. وقد أكَّد ظريف ذلك عندما قال "إن غالبية زياراتنا إلى الخارج كانت إلى الدول الجارة وفي مُقدّمها روسيا وتركيا"، مُعتبراً أن "مبادرة قلب آسيا أو مبادرة اسطنبول مهمة من أجل تنسيق التعاون الاقليمي مع أفغانستان بغية إيجاد الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية الشاملة فيها".
وبذلك، تتموضع إيران وفق مصالحها الوطنية الخالِصة من دون الرضوخ للضغوط التي تهدف إلى عزلها دولياً، وإجبارها على التراجُع عن حقوقها السيادية.
المصدر : الميادين نت